الحاضر يختبئ في صفحات الماضي

11 0 0
                                    

كانت الهضبة امام ناظري ليلى مباشرة، السر الكبير وراء كل ما يحدث قابع وراءها تماما، لم يعد هناك عودة للوراء، و لم يبق سوى تسلق الهضبة فقط.
  كان ذلك عملا مضنيا، الا ان جسدها الرياضي قد اعانها عليه. و عندما بلغت القمة، نظرت الى الأسفل، فوجدت البيت المهجور، مكان يبعث على الريبة و الخوف، لكنها تمالكت نفسها و شهقت مطولا ثم زفرت ببطئ:"ايا يكن ما ستواجهينه هناك، فلا تجزعي، انت وحدك قادرة على ابطال هذه اللعنة المجهولة".
   نزلت المنحدر الى البيت الصغير متواضع الهيئة، بيت قديم كالحكايات الخرافية ، صورة من قصص الاطفال المصورة.
      كان الباب الخشبي القديم مفتوحا، سحبته ليلى ثم دلفت الى الداخل، مترددة الخطى متشتتة النظر واجلة القلب.
رن هاتفها من جديد:"انا منبهر بشجاعتك، على كل حال، ان ما ستواجهينه هنا هو فقط ما سيحدد مدى شجاعتك، هل انت مستعدة للقاء مصيرك؟" تكلم المتصل بصوت زياد مجددا.
-نعم و سأدفع حياتي ثمنا لابعادك عن حياة صديقتي، سأفعل اي شيء لتتوقف عن اذية الناس الابرياء.
-ابرياء! _قال مستهزئا_ من تقصدين بالابرياء؟ رندة؟، زياد؟ الجدة؟ المحقق؟ لا احد من هؤلاء بريء و ستعرفين ذلك الآن.
  انقطع الاتصال فجأة، بقيت ليلى متمسكة بعزمها، متأكدة من ان الجميع ابرياء و ان العدو يخدعها فقط.
     تابعت التقدم داخل المنزل المهجور، كان جزء منه معتما ، اما الجزء الآخر فيتسرب اليه بعض النور القادم من النوافذ و من المدخل، الاشياء فيه مبعثرة و كثيرة، لكنها كلها بلا قيمة، و الاغرب من هذا كله، لا يوجد به سوى غرفة واحدة.
   على الارضية تراب و طين جاف، و من بين ذلك كله، ظهر شيء ما يشع باللون الأحمر، اقتربت ليلى منه ببطئ لتتفحص ماهيته، لقد كان كتابا بغلاف احمر من النيون، يحمل عنوان"الماضي" . حاولت ليلى تفقد ما اذا كان آمنا ، فأخرجت من حقيبتها عصا السيلفي و حركت بها الكتاب قليلا ليتضح لها انه كتاب من ورق و صفحات ليست بالكثيرة، و عندما اطمأنت لعدم وجود خلل به حملته بين يديها و بدأت بتصفحه على ضوء اول النهار الخافت.
       في اول صفحة ، نقش بخط عريض مائل اسم العجوز عزيزة، قلبت ليلى الصفحة الاولى لتشرع في قراءة ما كتب في باقي الصفحات، كانت الخط صغيرا جدا مما استدعاها لإخراج مصباحها اليدوي .
«في عام 1958، و في هذه القرية الكئيبة، عاشت قصة حب عظيمة بين رجل شهم و شابة في مقتبل العمر، و لم يكن في القرية كلها من لم يسمع عنهما، حتى ان البعض لقبهما بالعاشقين الجريئين ، اذ لم يكن الحب امرا مباحا الى تلك الدرجة في ذلك الزمان، كانت الى جانب ذلك اعين الحساد تحوم حولهما كالغربان المتبعثرة، و كانت هناك فتاة اخرى في ذلك الوقت، كانت تعرف بخبثها و جهلها و طيشها، و كانت متزوجة لرجل يكبرها بعدة سنوات، و له قبلها زوجة اولى، و كانت لها ابنة تدعى صباح. اشتعلت نار الغيرة في قلب هذه الفتاة، فعزمت على انها ستدمر حياة العاشقة الولهانة و حياة زوجها العجوز البغيض و حياة ضرتها و ابنتها و ستحظى هي بالرجل الحنون الوسيم صاحب القلب الكبير الذي سيهب لها حبا ازليا»
   انتهى هذا الفصل و بدأ فصل جديد يحمل اسم "فضيحة"، كانت الخبيثة تطبخ خطة الاطاحة بالجميع على مهل شديد، و اول ما فعلته انها كانت تحرض ضرتها على زوجهما، و انها هي الاخرى صارت تعامله ببرود الى ان وجد نفسه رجلا هرما منبوذا من قبل اسرته، و قد كانت تحتج كل يوم بمساعدة جارتها المريضة لكي تخرج من المنزل و تسمح لزوجها بأن يرى الفتاة العاشقة التي كانت جميلة جدا، و كانت في كل مرة تثني على جمالها أمامه لكي يقع في حبها، و في ذات الوقت، ازداد تمردها على زوجها طمعا في الطلاق، و هذا ما حصلت عليه، اذ لم يكن لديه ما يخسره فهي على كل حال لم تنجب منه اولادا بعد. و وسوست للرجل نفسه الشريرة ان يتقرب من الفتاة اللطيفة التي يراها كل يوم، و انه اذا ذهب لخطبتها من ابيها فسيوافق بالتأكيد، فأهمل على اثر ذلك اسرته و صار يغري الفتاة بماله و ممتلكاته ليلا ونهارا.  فنسيت حبيبها الذي صار يعاني من هجر حبيبته له. و في احد الايام، استدعاها العجوز الى بيت في اسفل التلة، و هناك اجبرها على الانصياع لرغباته الشريرة،و رغم توسلاتها فقد وعدها بالزواج منها في اقرب وقت ليهدئ من روعها و لكنه لم يف بوعده، فابنته صباح كانت هناك و رأت ما حدث، فاخبرت به امها التي خرجت تصرخ امام بيوت الجيران و تندب حظها التعيس، و هنا انكر العجوز ما وجه اليه من تهم، و قال بأن الفاعل كان حبيبها السابق ، الذي كان وقتها قد تزوج طليقته و غادرا معا الى مدينة بعيدة، غضب اهل البنت كثيرا لما سببته لهم من فضائح و أرغموها على الزواج من رجل قبيح الوجه سليط اللسان سيء السمعة ليرتاحوا منها الى الابد، لكنها وعدت انها ستعود و تنتقم منهم جميعا، تلك كانت "عزيزة" المظلومة ، أما الآخرون ممن في القصة فستعرفينهم بعد قلب الصفحة».
في الصفحة الأخرى وجدت ليلى صورا لاشخاص ممن ذكروا في الحكاية . اول صورة لعجوز هرم مكتوب عليها "رشيد، العجوز الشرير، توفي بنوبة قلبية " ، اما ثاني صورة فهي لعجوز آخر اصغر عمرا و امرأة مسنة " سعيد و وداد العاشق المحطم و الخبيثة الحسودة" .
   شعرت ليلى بالصدمة، و تجمدت اطرافها، فهي تعرفهما جيدا، نعم انهما جداها، والدا امها، و الذين لم تحظ بفرصة للقائهما ابدا، كما لم تتعرف على امها يوما.
     بقيت هناك صفحتان فقط في الكتاب، و كان على ليلى قراءتهما،

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Nov 07, 2019 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

مهارة الشيطانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن