قصة الخطاب
في كاشان ، العرف السائد أن تذهب الأم بادئ الأمر لطلب يد العروسي ، ثمّ تصحب ابنها ، وبعد ذلك تذهب وبقيّة العائلة . لم أكن أسمح بالحديث عن موضوع خطبتي ابتداء من الخطوة الأولى ، وأحيانا لم يكن يصل الأمر حتى إلى المرحلة الأولى ، فبمجرّد أن يطرقوا باب منزلنا ويقولوا : جئنا لأمر الخير » . كنت أجيبهم : « لقد اشتبهتم » . فيقولون : « سمعنا أن في هذا البيت فتاة في عمر الزواج » . وكنت أجيبهم : « ما سمعتموه غير صحيح » . فكانوا يتعجبون ويسألون : « إذن من أنت ؟ » فأقول لهم : « أنا ابنة جيرانهم » . أحيانا كان بعضهم يأتي إلى منزلنا مرارا ، ويصرّ على والدتي فكانت تقول له : صدقني لا كلام لدي ، ولكن ابنتي لم تقبل » . حتى أنني ما كنت أقبل أن يروني . أنا البنت الوحيدة في البيت مع أربعة أخوة ، وربما لهذا السبب لم يكن والدي يجبرني على قبول أي واحد من المتقدمين لخطبتي ، وحتى عندما يكون مقتنعًا بالخاطب ؛ إلا أنه كان يحدثني ويناقشني ليقنعني ، ولكن في النهاية كان يرضخ للأمر وينقل « رفضي » للخاطب . كان والداي يحدّثانني دائمًا ويرغبان في أن أغير رأيي ، وأرضخ كيفما كان وبأي طريقة ، إلا أن جوابي كان واحدًا : ما لم أحصل على شهادة الثانوية فلا تكلموني بالأمره . إلا أنهما كانا يقومان بما يحلولهما ، فكانا يسمحان للخطيب بالمجيء إلى بيتنا ، وفي المقابل كنت أعمل ما يحلولي وأقوم بالرفض ._______________________________________________________________________
الحاج عباس جريحا
لم تكن العائلة لتجاري الحاج عباس ، هم أصلا لم يروه حتى يعرفوه ، كان في الجبهة على الدوام ، وعندما كان يعود إلى كاشان في إجازة ليوم أو يومين ، كان يمضي جل وقته مع الحرس في المدينة . | أصيب بجرح بليغ في قدمه خلال عمليات « والفتح المبين » ، وكان هناك احتمال لبترها . لازم المستشفى عدة أيام ، بعدها نقلوه إلى المنزل ، وأجبر على البقاء في المدينة لفترة . كانت عائلته تقول : « في النهاية لن نجد أفضل من هذه الفرصة . . اتفقوا على إلهائه عن التفكير بالجبهة بأي طريقة ، فاقترحت والدته أن تزوجه . انتشرت قضية تزويج عبّاس بين أصدقائه أيضًا . وقد تزوج أحدهم في ذلك الوقت ، وأثناء عرسه قال لعبّاس : « زوجتي تعرف صديقة لها ، تتحدّث دائما عن أخلاقها وسجاياها ، وأظن أنها خلقت لك أنت » . أصرّ على إعطائه عنوان الفتاة ، وقال له : « لن تخسر شيئا . ابعث بوالدتك ، لترى ماذا يحصل » . . في إحدى الليالي ، عندما أعادت والدته طرح موضوع الزواج عليه ، تذكر عبّاس العنوان الذي أخذه من صديقه . أخرج ورقة العنوان من جيبه وأعطى والدته إياها . نظرت إليه بدهشة وقالت له : « ما هذا ؟ ؟ » . . أجابها : « هذا ما تريدين » . نظرت إلى الورقة وفهمت الموضوع ، فغمرها السرور والغبطة ولم ترغب أن ينقضي ذلك اليوم . وضعت العباءة على رأسها وخرجت قاصدة العنوان . نادت إحدى النساء من الجيران : « زهرا ، زهرا » . كنت في الغرفة ، نظرت من النافذة ؛ لأرى ماذا يجري في الخارج ، رأيتها تقف مع امرأة لا نعرفها ، عرفتُ أنني وقع في أيديهما . فذهبت بسرعة إلى الداخل . في أول الأمر ، حاولت أمّي قطع الطريق على والدة عباس من البداية ، وقالت لها : سيّدتي ، ابنتي عنيدة وصعبة المراس ، لا تريد الزواج بأي وجه من الوجوه » . ولكن والدة عباس لم تكن لتقبل بهذه السهولة وتقفل عائدة ، أوعزت إلى إحدى جاراتنا واستعانت بها ، حيث أصرّت كثيرًا ، وفي نهاية المطاف أدخلتهما أمي إلى البيت . ما إن دخلتا إلى باحة البيت حتى نادتني جارتنا ، وأحبّت أن تكمل معروفها . ولعل والدة عبّاس كانت الوحيدة من اللواتي دخلن بيتنا لخطبتي وحظين برؤيتي . أدخلتهما والدتي إلى غرفة أخرى غير التي كنت فيها ، ووقفت أسترق السمع . كانت والدة عباس تتحدث عن خصوصياتهم وسجايا ابنها ، وكانت تتكلم بطريقة يُفهم منها أنها مرتاحة وفرحة بي . وقد فهمت السبب فيما بعد ، عندما علمت أني عنيدة ، قالت في نفسها : « هذه ممكن أن تكون مناسبة لعباس في الصد والممانعة ، حتمًا ستقيّده داخل المدينة بنحو ما ، وبالتالي لن يستطيع الذهاب إلى الجبهة ، أو إنّه سيقلل من ذهابه بالحدّ الأدني » . قبل أن تغادرا ، قالت والدة عباس إنها ستأتي مرّة ثانية ؛ لتراني . أتت والدتي وقالت لي ذلك ، أجبتها : « أبدًا » . . كانت مرتاحة كثيرًا إلى حد أنها تركت عنوان بيتها لدينا ، وقالت : عباس ابني يعمل في الحرس بكاشان ويمكنك السؤال عنه ، والتحقق من ذلك » . كان عبّاس يفكر بالحاج « أحمد متوليان » وبالحاج « همت » ، وبالذين كانت على عهدتهم مسؤوليّة عمليات « فيلق محمد رسول الله 27 » . في ذلك الوقت ، كانت أحواله وأيّامه شبيهة بحال طائر مسجون داخل قفص ، فإذا تعافت قدمه لن يبقى يومًا واحدًا في كاشان . كان عبّاس كتوما جدّا فلا يخبر أحدًا بما يجول في خاطره ، حتى لو كان ذلك الشخص والدته عندما رجعت والدته إلى البيت ، لم يكن يمنعها شيء من الكلام . انهمكت بالحديث عن أوصاف الفتاة وأحوالها . كان عبّاس ينظر إليها ويستمع في ظاهر الأمر ؛ لكنّ قلبه كان في مكان آخر ؛ فحتى هذه اللحظة ، لم يكن قد أخذ قصة الخطوبة على محمل الجد ، فمن نظراته تشعر بلا مبالاته . وبقيت هذه اللامبالاة إلى أن ذكرت والدته في طيّات كلامها اسم البنت . ما إن سمع عباس اسم البنت « زهرا » حتى أظهر اهتماما بحديث والدته ، وسألها بطريقة غير اعتيادية : « ماذا قلت ما اسمها ؟ » أجابته : « زهراء » . شعر عبّاس ، للحظة ، أنّ حالة الانقباض التي اجتاحته نتيجة بعده عن الجبهة قد انتهت ، وأحس أن أبواب السماء المغلقة قد فتحت أمامه .
_______________________________________________________________________
عباس في الحرس
أحبّ والدي أن يدخل من الباب الذي يريحني وأطمئنّ إليه ، قال : هو من رجال الحرس القدوة . وكل من سألناه لم يكن لديه كلام سوى ما ذكرت » . سكت قليلا ثم أضاف : في الخلاصة ، هو ذلك النموذج الذي تريدينه . قلت له : « أنا أرتاح لمثل هؤلاء الشباب ، لكن ليس بقصد الزواج » الوكنت أعرف عبّاسا من البداية ، لربما قلت نعم منذ اللحظة الأولى . بعد وقت من شهادته ، ذكر رفاقه خواطر عنه ، وفهمت أنها حدثت أوائل الحرب ، في كردستان ، فكم استنقذ أشخاصا شديدي المراس من صفوف أعداء الثورة ، وأمّا في الأخلاق فقد كان شخصا مثقلا بالورع والتقوى . في المرة الثانية ، عندما أتت والدته إلى منزلنا كان عبّاس برفقتها . وقفا أمام الباب ، جاءت أمي إليّ وسألتني : ماذا نفعل ؟ » . قلت لها : « لا شيء : قولي لهما أن يرجعا قالت : « هذا تصرّف سيّئ يا ابنتي . أتريدين أن تذهبي ماء وجهنا ، هكذا عند الباب وأمام الجيران ؟ » أذعنت للأمر ، ولكن قلت بجد وإصرار : « تدخل والدته ، أمّا هو فلا اغتنمت والدتي ما اعتبرته فرصة ، وأسرعت إلى الباب . كان هناك بقال بالقرب من بيتنا . فيما بعد عباس قال لي : في ذلك اليوم كان البقال جالسا ، أمام دكانه ، وعندما رجعت عن الباب كان ينظر إلي بحيث اعتراني حينها ، الكثير من الخجل والحياء . وكنت أقول في نفسي : صبرًا ، فيما بعد حسابك عندي » . . في ذلك الوقت ، كنت فعلا على تلك الحال ، ولم أعتبر ذلك عيبا البتة ، حتى عندما وافقت في الجلسة التالية على مجيء عبّاس ووالده ، كنت أقول في نفسي : « ما دمت لن أوافق فدعهم يشعرون بالارتياح » . جاؤوا وكان الوقت ليلا وجلبوا معهم علبة حلوى . دخلت إلى الغرفة حتى لا أغضب والدي وجلست معهم قليلاً ، وكان قصدي هوما ذكرته . في تلك الدقائق قام والدي وقدّم للضيوف الحلوى . عندما وصل إلى عباس امتنع عن تناول شيء من الضيافة . ألخ عليه أكثر من مرّة ، لكن عندما وجد أنّ عبّانّا لا يستجيب ، سأله : « أتحب المجاملة ؟ » أجاب عباس بثقة تامّة وبمحبّة : « لا أبدًا ، لا أجامل وهذا بيتي ! » . قلت في نفسي : « حسنا ، لمّا يدخل البيت بعد ، وأصبح البيت بيته » . في تلك الليلة ، كانت نظرة عبّاس إلى مختلفة عن نظرتي إليه ، فقد بدا بوضوح أنه مرتاح ومطمئن ، أمّا أنا فلم أكن أصلا أشعر بشيء من الارتياح ؛ ولذلك خرجت من الغرفة بسرعة .