وصلنا في منتصف الليل . قال السيد صالحي : « آآخذك إلى بيت أخت الحاج ؟ » . . قلت : « لا ، فلنذهب إلى المستشفى » . قال : « ولكننا في منتصف الليل . . قلت : نعم ، وما الضير في ذلك ؟ » . قال : « المرضى نائمون ، قد نزعجهم ! » . قلت : « لا شأن لنا بالمرضى ، نذهب إلى عند الحاج » . كان يعلم أنني لن أتراجع ، ضغط على الدواسة وانطلق . بعدها بقليل ، وصلنا إلى مستشفى « نجميّة » . قال : انتظري قليلا في السيارة ريثما أعود » . ذهب ، ثمّ عاد برفقة اثنين أو ثلاث من الممرّضات ، وكأنّه أحضر قوات مساعدة له . قلن : « لقد أدخلنا الحاج إلى غرفة العناية الفائقة ، ولا يُسمح لأحد بالدخول عليه » . . قلت : « حتى زوجته ؟ » قالوا : « حتى زوجته » قلت : « على الأقل دعوني أره من خلف الزجاج » ۔ قالوا : لا مجال لذلك » كلما حاولت هذه المرّة لم أستطع الوقوف بوجههم . كنت مضطرّة إلى التراجع ، وإلى الذهاب إلى بيت عمّة « داود » في منتصف الليل . وهناك بقيت مستيقظة حتى الصباح . كلما كادت عيني تسهو ، كانت تنتابني حالة كحالة فقدان الوعي ، فأفقد السيطرة على أعصابي . اليتهم أخبروني وأنا في « دزفول » أنّ عبّانّا قد استشهد . عندها ، لم تكن السيّدة « عباديان » ستضطر للمجيء خلفي في الصباح الباكر إلى بيت أخت عباس ، مسلمة على وباكية ، ضاربة كقًا على أخرى ، وتقول : لم أنا التي يجب عليها دومًا أن تعلن خبر الشهادة ؟ » . هناك حلت عقد الأيام القليلة التي خلت . احتضنتني السيّدة عباديان » ، وبكينا نحن الاثنتان ، إلى أن سكتت محاولة تهدئتي . . قلت : « لي طلب ، فلا تقولوا لا » . قالت : « ما هو ؟ قلت : « أريد أن أرى الجنّة » . قالت : « لا يمكن » . . قلت : « ولمّ هذا أيضا ؟ » . قالت : « إنها العمليات ، لا نريد لخبر استشهاده أن ينتشر ، فإذا عرف عناصر اللواء أن قائدهم قد استشهد ، فقد تضعف معنوياتهم » . قلت : « لكن أنا لن أقول لأحد » . . بعدها ، علمت أنّ هذه كانت مجرّد حجة ، ذلك أنّ قناة ال بي بي سي ) ، كانت قد بثت الخبر منذ الليلة الأولى . على أي حال ، توجهنا نحو مستشفى نجميّة » . . كان جثمان عباس في برّاد المستشفى . كنت قد سمعت أن الإنسان عندما يذهب لرؤية جثة عزيز ما ، لا يعود يشعر بأطرافه . وقد خبرت عندما وصلت إلى بوابة المستشفى ، لم أعد أشعر بيدي ولا رجلي . تأبطت ذراعي السيّدة « عباديان » ، ودخلنا إلى برّاد حفظ الموتى . هناك فتح أحد الأدراج . أغمضت عينيّ ، لم أجرؤ على فتحهما . تفاجأ السيّد « صالحي » ، وقال باضطراب أوَلم تقولي إنّك تريدين رؤية الجثمان . حسن ، أنظري الآن كأنه كان يريد أن ينهي القضية فورًا ، ويخرج من المستشفى حتى لا يعلم أحد بالأمر . وبعيني المغمضتين وضعت رأسي على صدره . كنت قد أخذت عهدًا على نفسي منذ الصباح ، أن لا أبكي أمام أحد ، ولكن هل يمكن ذلك ؟ تذكرت الأوقات التي كان يقوم فيها احتراما لي ، وقلت بهدوء لمَ لم تعد تقف أيها الحبيب عباس ؟ » مرّت خمس أو ست دقائق ، أو ربما أكثر . رفعت رأسي ، ألقيت نظرة على الجثمان وخرجت . وتذكرت كلامه عن السيدة الزهراء علاء الذي كان يكرره دائمًا ويقول : كثير من التيسيرات التي شهدتها في حياتي ، كانت من خلال الاسم المقدّس لهذه السيدة العظيمة » . لقد كانت الشهادة بالنسبة إلى عباس أيضا تيسيرًا . وقد صادف أن كان نداء عمليات بدر يا فاطمة الزهراء علي » . وقد أوصاني أيضا بأن يُدفن في « جنّة الزهراء » . وهذا ما فعلناه عندما كانوا ينزلون عبّاسا إلى مثواه السماوي والخالد ، وفيما كانوا يهيلون التراب على رصائف القبر ، وفي ضيق تلك اللحظات ، كنت أفكر بأن عبّانّا قد انتهى إلى الأبد ، وأنّ حياتي قد انتهت معه . كنت أفكر أنه يجب عليّ أن أهيم على وجهي ، أن أبكي وأبكي حتى أفارق الدنيا . ولكن شيئا من ذلك لم يحصل ، وها أنا ذا حية أرزق . لقد كنت مشتبهة ، لم يفنّ عبّاس ، وهولا يزال حاضرًا ، يمدّني بالقوة في كثير من الأماكن ، ويأخذ بيدي .
![](https://img.wattpad.com/cover/205969432-288-k696188.jpg)