تحت تلك السماء المعتمة ، التي و كأنما اختفت منها النجوم ، وقفت أراقب البحر بعيون ساكنة ، و عقل يكسوه الضجيج ، الجو كان باردا ، الرياح كانت تصفع وجهي بقوة ، و أطرافي ترتعش ، غرست يداي في جيبي معطفي ، آملة أن أنعم ببعض الدفء ، لكن هيهات ، البرد كان يتسلل بخفة نحوها ، يلسع أصابعي و يجمدها ، و رغم كل ذلك ، أبيت الرجوع إلى المنزل ، كنت مستمتعة بالحالة التي كنت فيها ، أحببت سماع الأمواج التي تتعالى على بعضها البعض ، رنين ذلك الصوت منحني الطمأنينة ، رسم الابتسامة على ثغري ، و اعطاني السكون الذي لا طالما رغبت به ، كنت أجول بين صفحات كتاب أفكاري ، أختار حلما لطيفا أخط مجرياته و الونه على هواي ، و بطبيعتي، انغمست بالوهم الفاتن الذي صنعته ، و أبقاني منشغلة عما يدور حولي ، و رغم ثبات لساني بمكانه ، و عدم حركة شفتي ، إلا أني كنت أروي الكثير ، كنت أعبر عن نفسي ، و أشكو الألحان التي تروق لي ، كنت أخوض حربا توجت نفسي فيها منتصرة ، و أعيش مأساة أعلم اني فيها هالكة ، و كم كنت أهوى أن احيا بخيالي ، الذي اعتليت فيه العرش الملكة، أستشير نفسي ، و أضع القوانين بحسب ما يمليه علي عقلي ، املك العالم كله في خيالي ، لكني شبه منفية في واقعي ، كنت احب الخيال بقدر ما أبغضه، أنتمي له بقدر ما يبعدني عن محيطي ، امكث به بقدر ما اهرب منه ، كنت اسكنه كلما شعرت بالغربة ، التجئ اليه كلما ضاقت حيطان الدنيا علي ، هو فقط كان كذبة حلوة ، أؤمن بها .