مر أسبوعٌ كاملٌ منذ أن أخبرت "ميليسا" "هيليوس" بالحقيقة التي أخفتها عنه طوال تسعة عشر عامًا، كان في كل ليلةٍ وقبل نومه، يظل يفكر كثيرًا فيما قالته له، يفكر في والديه اللذين لقيا حتفهما على يد طاغيةٍ لا ولم ولن يعرف الرحمة قط، فزرعت "ميليسا" بذرة شعورٍ برغبة في الانتقام، يرويها صوت "ميليسا" الذي لم يُفارق أذنيه أبدًا، صوت "ميليسا" وهي تخبره بالحقيقة، فتنمو البذرة فتصير نبتةً صغيرةً.
في صباح يومٍ ما، استيقظ "هيليوس" مُتأخرًا عن المعتاد، ففكر في أن يُريح نفسه من العمل هذا اليوم، فقرر ألا يذهب لعملِهِ هذا اليوم، مُبررًا غيابه بمرضه الزائف إذا سأله كبير العُمّال عن سبب تغيبه، مُتمنيًّا ألا يجادله حتى لا يضطر للشجار معه مثل كل مرةٍ تغيب فيها عن العمل.
قام "هيليوس" من فوق حصيرة نومه باحثًا عن "ميليسا"، فهو لم يجدها بين جدران المنزل، ففتح الباب الخلفي ليجدها في حظيرةِ منزلهما الصغيرة حيث كانت تحلب الماشية.
كانت حظيرة المنزل بسيطةً جدًا، فهي تحتوي على العديد من الدجاجات، وثلاثٍ من الماعز تحلبها "ميليسا" ليشربا من حليبها، وتبيع ما ازداد عن حاجتهما في اليوم حتى تستطيع أن توفر بعض العملات النقدية لشراء بعض الخضراوات اللازمة للطهي، وإذا توفّر المزيد تقوم بشراءِ بعض الفاكهة أيضًا.
اقترب "هيليوس" من "ميليسا" فيطبع قبلةً على وجنتها، فتفاجئت "ميليسا" لأنها لم تعتد على تلك المعاملة الحسنة من "هيليوس"، ولكن هذا لا يعني أنه كان يعاملها بجفاءٍ، بل كان يعاملها برفقٍ شديدٍ، ولكنه كان قد انقطع عن التعبير لها عن حبه وامتنانه لها منذ أن كان طفلًا في الخامسة من عمره تقريبًا.
ابتسمت "ميليسا" قائلةً له: "صباح الخير أيها الكسول".
فأجاب "هيليوس": "صباح الخير يا أماه، كيف حالك؟".
"ميليسا": "في أفضل حالٍ يا عزيزي، ماذا عنك؟ أنمت جيدًا؟".
"هيليوس": "بخير يا أمي، نعم، نمت جيدًا على الرغم أنني لم أخلد للنوم سريعًا واستغرقت وقتًا حتى تمكنت أن أتغلب على عقلي الذي لا يتوقف عن التفكير".
تنظر "ميليسا" إليه في ريبة، ودون أن تنطق كلمة أجابها: "لقد كنت أفكر فيما قلتيه عن والدي".
مسحت "ميليسا" يديها في جلبابها، ثم مسحت بظهر يدها العرق عن جبينها، فاقتربت منه ناظرةً في عينيه: "أتعلم يا "هيليوس"، أنت ابني الذي لم أنجبه قط، ولقد تعبت في تربيتك تربيةً سويةً صحيحةً، وها أنا أراك أمامي وقد صِرت شابًا قويًّا سويًا ويمكنني الاعتماد عليك الآن".
استطرد "هيليوس" مبتسمًا: "والآن يجب عليكِ أن تستريحي يا أماه، فبعد قرابة العشرين عامًا من التضحية وتقديم كل ما تمكنتِ من إعطائه لأجلي، حان الوقت أن أقوم أن بردِ هذا الجميل لكِ".
أنت تقرأ
ديستوبيا
Fantasyيخرج المُلثَّم بعدما تأكد من عدم وجود أي جنديٍ بالقرب يمكنه كشف أمره، وتحرك مُستغلًا ضوء البرق الوهّاج الذي ينير له خطواته، مُتسللًا بين بيوت شارع "الحدادين" حتى خرج منه ووصل لشارع "الكسندرا"، وبات يتسلل من هذا البيت لذاك حتى وصل أخيرًا لهدفه.