يمسح الشاب العرق من فوق جبينه، ثم وقف ليفكر، كم ساعة مرت منذ أن بدأ عمله؟ فهو لم يسترح حتى الآن، فأنزل الطوب ليلتقط أنفاسه، ثم سمع فجأة من يصرخ بصوتٍ عالٍ من أسفل قائلًا: "هيا أيها الكسول، أكمل عملك ولا تتلكأ يا هذا".
ينظر الشاب لعدةِ ثواني إلى صاحب الصوت العالي بوجهٍ خالٍ من أي تعبير، فأشاح الآخر نظره إلى الجهة الأخرى متجاهلًا الشاب الذي أطال النظر إليه، فكان الشاب غاضبًا، لأنها كانت المرة الأولى التي يتوقف فيها عن أداء عمله هذا اليوم، وأنه لم تكن إلا عدةِ ثواني.
كان الشاب طويلًا، قمحي البشرة، له عينان بُنيتان يظهر فيهما الذكاء والإصرار، شعره قصير نوعًا ما، له جسدٌ قوي بالنسبة إلى عمره فهو لم يتجاوز التاسعة عشر بعد، وكانت الطيبة تظهر على ملامحه.
في وقت الراحة، ساقت الشاب قدماه إلى السوق، ليشتري بعض الطعام ليقتات، ولا مانع لديه أن يلقي نظرةً على التي أرّقته ليالٍ طويلة، فهو لم يرِ أخرى في جمالها ودلالها على حد قوله، فهي الدنيا بما فيها، فهي السماء بنجومها وقمرها، والبحار بأسماكها وشعابها، فلم تكن هناك من هي في جمال "آجلايا"، أجمل فتاةٍ في "آركاديا".
وصل الشاب للسوق بساعة الذروة، فكان المكان مُمتلئًا عن آخره، مما زاد من عنائه لكي يصل لمبتغاه، ولكنه لم يكترث لما يمر به ويعانيه، فكل شيءٍ يهون مقابل نظرةٍ واحدةٍ من "آجلايا".
وقف الشاب على بُعد عشرات الأمتار من المحل الذي تقف "آجلايا" فيه، وكان يراقبها من بعيد، فلم يكن يجرؤ على الاقتراب أكثر من ذلك بعد ما حدث آخر مرة، فهو لم يشعر بنفسه حين أمسك بيدِ الفتاة، فتوعده والدها بقتله لو رآه قريبًا من المكان مرةً أخرى.
كانت "آجلايا" تقف في محل والدها لبيع الخضروات والفواكه، كانت تقوم بوزن البضاعة لتثمينها قبل بيعها لزبونٍ ما، وكان الشاب يراقبها في لهفةٍ وشوقٍ واضحين يرتسمان على وجهه، لا تنزل عينيه عن عينيها الساحرتين، فكان يسافر عبرهما إلى عالمٍ آخر، عالم لا يوجد فيه أحد سواهما، جزيرة صغيرة لا تحمل غيرهما.
يستفيق الشاب من أحلام اليقظة عندما يشعر بيدٍ وقد وضعت على كتفه، فيفزع بشدة، فيلتفت ليرى وجهًا يعرفه جيدًا، ثم يتلقى أمطارًا من الشتائم والوعيد بالقتل من والد "آجلايا".
والد "آجلايا": "ألم أحذرك من أن أراك بالقرب من هنا أيها الوقح الحقير؟!!".
أجاب الشاب سؤاله: "نعم، ولكنني لم أقترب منها يا سيدي".
والد "آجلايا": "إن عينيك لم يكفا عن التحديق بفتاتي، أنت تستحق القتل".
تجمهرت الناس حول هذا المشهد بعد أن سحب العجوز سكينه ليقتل الشاب العاشق، ويحاول اثنان منهم تهدئة الموقف وسحب السكين من يده، ويمسك أخران بالشاب ويبعداه حتى لا يطوله أذى العجوز الذي لم يقف عن سب كل من تدخل.

أنت تقرأ
ديستوبيا
Fantasíaيخرج المُلثَّم بعدما تأكد من عدم وجود أي جنديٍ بالقرب يمكنه كشف أمره، وتحرك مُستغلًا ضوء البرق الوهّاج الذي ينير له خطواته، مُتسللًا بين بيوت شارع "الحدادين" حتى خرج منه ووصل لشارع "الكسندرا"، وبات يتسلل من هذا البيت لذاك حتى وصل أخيرًا لهدفه.