9- حسناء في الشقة
قد لا يكون هذا العمل هو ما ترغب فيه لاين ، لكنها شعرت بالامتنان لانها بدأت العمل في صباح يوم الاثنين .
امضت دنيز ، شريكتها بالعمل وهي أكبر منها سنا ، معظم الوقت في الحافلة التي أقلتها إلى المبنى الذي سيكون مركز عملهما وهي تشرح لها الكثير من الأمور التي تثير قلقها . بدت نشيطة جدا بالنسبة إلى إنسانة امضت حياتها وهي تعاني من خيبات الأمل ، كما فكرت لاين وهي تنظر إليها باهتمام وتهذيب .
علقت دنيز وهي تتجول معها في الجزء السفلي من المبنى حيث تحفظ مواد التنظيف والأدوات المستعملة في العمل : (( لا بد أنك تخرجين للتسلية في النوادي في عطلة نهاية الأسبوع ، كما يفعل الشبان في مثل عمرك ، لكن إن أردت نصيحتي عليك أن تبقي في المنزل والاستراحة مثلي ، لكي تتمكني من العمل بنشاط نهار الاثنين )).
فكرت لاين باستياء إنها بعيدة جدا عن الحياة الاجتماعية ، فقد أمضت عطلة الأسبوع بمفردها . ترك دانيال رسالة مقتضبة على المجيب الآلي في الهاتف تفيد بانه سيبقى غائبا حتى ساعة متأخرة من مساء يوم الأحد . وجدت نفسها تتساءل إن كان قد قرر الغياب قبل أن تجعل من نفسها حمقاء بشكل لا يصدق ، كما حصل في الليلة السابقة . رجحت أن يكون هذا بالتحديد ما دفعه إلى الابتعاد . إلا أن ما تعرفه بشكل مؤكد هو أن الشقة تبدو كالقبر بدونه ، وأنها تشعر بتعب مضن لدرجة تجعلها ترغب بالصراخ . الأمر الوحيد الذي قطع وحدتها هو اتصال جيمي يوم السبت ، لكنه أراد التحدث إلى دانيال ، والحديث الذي تبادلاه بدا روتينيا ولا جديد فيه . تعمدت ان تخلد غلى النوم قبل عودة دانيال مهما كلفها ذلك ، كما انها خرجت من الشقة قبل أن يستيقظ عند الصباح .
أكملت دينز حديثها : (( أيام الاثنين هي أكثر الأيام صعوبة عزيزتي ، لأن أصحاب الشقق يمكثون في بيوتهم ليوميين كاملين ، فيتركون خلفهم الكثير من الفوضى والأوساخ .))
بدا للاين أن معظم أصحاب الشقق يعيشون حياة منظمة . وفكرت أن على دينز أن تنظف منزل أمها ، أو ما يخلفه بعض زبائن السفينة لتعرف الفرق . كما أن الشقق بحد ذاتها لم تكن تحتاج إلى الكثير من التنظيف ، فقد تم تجديدها مؤخرا ، كما تم تزويدها بمستوى عال جدا من التجهيزات .منتديات ليلاس
علقت دينز وهما تتناولان السندويشات في منتصف النهار : (( اعتقدت في البداية أنك متعجرفة جدا لتقومي في هذه الأعمال ، لكنك عاملة ماهرة حقا .هذا ما سأقوله عنك ، فأنت جيدة ومتمكنة من عملك . أين تعلمت القيام بكل هذه الأشياء ؟))
قالت لاين وهي ترسل قبلة من أعماقها للسيدة إيفرشوت : (( تلقيت دروسا مكثفة ، كما أن الشقق سهلة التنظيف )).
أخذت دينيز نفسا عميقا وقالت : (( أفضل أن أعيش برفاهية انا أيضا ، فأحصل على سجادة جميلة ، وستائر أنيقة بدلا من تلك الستائر الباهتة )).
في آخر النهار اصبحت متعبة حتى عظامها ، لكنها على الأقل أصبحت تعلم الآن ماذا ينتظرها ، وهي على ثقة أنها تستطيع الاستمرار في عملها . كانت قد أعدت لنفسها قطعة من اللحم مع الخضار في الليلة السابقة ، فتناولت ما تبقى منها باردا مع بعض السلطة للعشاء .
مضى المساء ولم يكن هناك أثر لدان . إن كان هذا ما ستكون عليه أيامها فلا خيار لديها إلا القبول بذلك . ففي النهاية ، فكرت وهي تسير بتعب نحو غرفتها ، لا يمكنها أن تلوم إلا نفسها . مع ذلك لم تستطع أن تزيح كلماته التي قالها وهو يغادر بعيدا عن ذهنها .
فكرت إلى أي حد قامت بإظهار عواطفها في تلك اللحظات القليلة المليئة بالانفعال عندما كانت في السابعة عشرة من عمرها ؟ ربما بما يكفي ليظن أنها ستكون له إن أرادها . على الرغم من ذلك ، لم يبذل أي جهد في المحاولة ، ما جعل رفضها التام له صدمة مزدوجة .
وجدت نفسها تتساءل فجأة : لماذا تأخرت كانديدا طوال تلك الفترة لتعرض عليها الرسالة ؟ لماذا لم تخبرها بشأنها ما غن تقدم دانيال طالبا يدها ، أو على الأقل أثناء التحضير للزفاف ؟ لو أنها فعلت لوفرت عليهما الكثير من الأذى والألم .منتديات ليلاس
لو أن ذلك حصل لتراجعت عن الزواج قبل إجراء المراسم ، ولتمكن دانيال من الاستمرار من دون أن تهتز كبريائه ، وهذا افضل بكثير . لوجد كلاهما أصدقاء حوله يقولون له (من الأفضل أن يحصل ذلك قبل فوات الأوان ) ، ( وأن هذا هو سبب وجود الخطوبة ) . أما الأمر الذي يتثير استغرابها فهو أن غضبه ومرارته لم يختفيا حتى الآن.
فكرت : اعتقد أن لدي أسبابي لأشعر بالمرارة انا أيضا ، فلماذا لا أشعر إلا بالندم الذي لا يمكن التعبير عنه حتى بالدموع ؟
مرت الأيام ، ولم يعد العمل فترة تجربة . أما الحياة في المنزل ، فهي مسألة مختلفة تماما ، حيث تعمد دانيال تمضية أقل وقت ممكن الشقة .
فكرت لاين : ما إن أدخل حتى يخرج ، والعكس صحيح . أما عندما يتواجدان معا في وقت ما ، فكان دانيال يتصرف بهدوء وتحضر ، ولم يكن هناك أي أثر على أنه عانى من أية عواطف قوية نحوها .
فكرت وهي تشعر بألم شديد ، أفضل ان يكون غاضبا . حينها أشعرعلى الأقل أنه يراني . اعتقدت لاين أن منزله سيصبح جاهزا في وقت قريب ، ولن يلبث أن ينتقل إليه ، وأنها لن تراه من جديد . وربما في وقت ما ، ستتوقف عن التفكير به والتوق إليه . لكن ، بالنظر إلى الناحية المشرقة من الامر ، لاين ليست مضطرة للعمل في المنزل عندما تعود في المساء ، إذ حرص دانيال على تغير نظام عمل السيدة آرشار بحيث تقوم بتنظيف الشقة بشكل يومي . عندما بدات المرأة بنظام عملها الجديد ، قالت للاين : (( إنه سيد صعب الإرضاء . يريد أغطية ومناشف نظيفو كل يوم ، كما أن قمصانه يجب أن تكوى بعناية . والأمر المضحك أنه صديق السيد جيمس )).
أضافت بسرعة : (( بالطبع ، آنسة . أنا لا أقصد التلميح ........))
لكن لاين ضحكت وقالت : (( لا باس ، سيدة آرشر . لا داعي لأن تراعي شعوري . أعلم أن أخي يحول المنزل إلى فوضى كاملة .))
مهما يكن فقد تحدت دانيال عند عودته في تلك الليلة الفائتة قائلة : (( كان عليك استشارتي بشأن السيدة آرشار . من المفترض اننا نتشارك في دفع نفقات الشقة ، وأنا لا أستطيع دفع أي مبلغ إضافي لقاء خدماتها )) .
- لا داعي لأن تفعلي ذلك . إنها هنا لتلبية طلباتي لا من أجلك .
- هذا ما فهمته .
استدارت مبتعدة وهي تتابع : (( لتأمين عدد لا يحصى من الأغطية النظيفة ،و القمصان المكوية كالحرير . كم أنت متعلق بمباهج الحياة !)).
رفع كتفيه وقال : (( هذا أحد مظاهر الحياة الفاخرة ، فلماذا لا أدلل نفسي ؟))
- ما من سبب يمنع ذلك ، فأنت محظوظ جدا ولطالما كنت قادرا على شراء أي شيء تريده .
- - لا ! ليس كل شيء عزيزتي ، إن كنت تتذكرين .
توقف عن الكلام لفترة ، قبل أن يضيف باستياء : (( ربما لست الوحيدة التي قامت بعمل خاطىء منذ سنتين ، لاين . ربما فعلت ذلك أنا أيضا . ؟ أهذا صحيح ؟ هل فشلت في تقديم السعر الكافي لما تطمحين إليه ؟ كان عليك قول ذلك في ذلك الوقت ، وكان بإمكاننا ان نفتح باب التفاوض )).
منتديات ليلاس
ابتلعت لاين صرخة من الالم القوي . رفعت ذقنها والتقت عيناها بعينه من دون أن تتضطرب ظاهريا . قالت وقد أبقت صوتها هادئا : (( يبدو انك نسيت انني رفضت أي عرض منك للتسوية ، للذلك لم يكن الأمر مطلقا متعلقا بالمال )).
- ماذا إذا ؟ ما الذي دفعك للتغيير ؟ لا بد من وجود سبب ما .
تكلم دانيال بسرعة وقسوة ، ولم تبتعد عيناه عن عيناها وهو يتابع : (( ....... أم أنك تعتقدين أنني نسيت أيضا كيف اندفعت إلى ذراعي ذات مرة ، وكيف ارتجف جسمك وأنا اعانقك ؟ توقك إلي بدا واضحا . تبا لك !))
راحت ترتجف من جديد ، وهي تصرخ في أعماقها ، لأنها أدركت انها محقة في ظنونها بشأن تلك اللحظة الخائنة ، قالت بنبرة دفاعية : (( أجل ، اعترف بذلك . شعرت بالشوق إليك ذات مرة . وكيف يمكن لي ألا أشعر كذلك ؟ فقد كنت أكثر الشبان وسامة وجاذبية بين من رأيتهم في حياتي . كنت حلم كل فتاة شابة ، لكن الأحلام لا تدوم ، ولحسن الحظ أنني استيقظت في الوقت المناسب ، دون أن يصاب اي منا بأذى )).
قال ببرودة : (( كم من المثير أن تفكري على هذا النحو )).
سار مبتعدا نحو غرفته وصفق الباب بقوة وراءه .
فكرت لاين ، حسنا ! على الأقل هذا النقاش لن تحتاج للغوص فيه ثانية . عضت بأسنانها على شفتها السفلى . وتمنت بهدوء وبقوة يائسة لو انها تستطيع أن تجد بعض العزاء والسلوان من جراء ذلك .
سألت لاين : (( ما الذي يجري ؟ لم لا نستطيع المرور ؟))
حدث ذلك في منتصف الأسبوع الثالث من عملها في شركة سيتي كلين . وصلت إلى العمل مع دينز لتجد أن الشارع كله محاط بشريط كبير ، والمكان يغص بسيارات الشرطة وشاحنات فرق الطوارئ .
ذهبت دينز لتتحرى عن الأمر ، وعادت تزفر بحماس كبير . قالت : (( لن يقولوا شيئا ، هناك حادث ما ، ولا يسمح لأحد بالدخول أو الخروج . لكنهم يقولون إن الشارع لن يفت قبل فترة الظهر ، لذلك لا جدوى من بقائنا هنا )).
لا بأس بالقليل من الراحة ، لكنني لا أريد الكثير منها . هذا ما فكرت به
لاين وهي تتجه لمنزلها . أفضل أن أعمل طوال النهار ، وأن أعود إلى المنزل وانا ألهث من التعب ، كي أقع على السرير طلبا للنوم من دون تفكير . فكرت بذلك آملة أن يختفي هذا الألم الدائم الخفيف الذي تشعر به في داخلها ، علها تحظى ببعض ساعات من السلام .
