الحلقه رقم(4)من روايه فاطمه
..................
تعجب عندما نظر الى الساعة الموضوعة على الطاولة الصغيرة التي بجوار الفراش وقد وجد الوقت قد تأخر كثيرا, فضحك ضحكة هازئة قصيرة تمتلئ بالسخرية المريرة والغيظ : يا الهي! لو جمعت عدد الكلمات التي سمعتها منك منذ أن تزوجنا من أربعة أشهر لعددتها على أصابعي, والآن نحن نتناقش منذ أكثر من ساعة ونصف, ولم يكف لسانك عن الكلام والمجادلة
ولكني أحب أن أطمئنك, لست بهذه الدونية لأترك جدي جائعا في دار للمسنين بلا مال
جدي يدفع إيجار الدار بانتظام و معاشه وأملاكه يضمنون له حياة كريمة لمدة طويلة كما أن عمي عرض عليه أكثر من مرة أن يرسل له تأشيرة هجرة ليعيش معه في الخارج, لكنه يرفض أن يغادر مصر, لديه كل الفرص ليختار أين سيعيش, في بيته أم في بيت ابي, أو عند عمي
..................
جدي يدفع إيجار الدار بانتظام و معاشه وأملاكه يضمنون له حياة كريمة لمدة طويلة كما أن عمي عرض عليه أكثر من مرة أن يرسل له تأشيرة هجرة ليعيش معه في الخارج, لكنه يرفض أن يغادر مصر, لديه كل الفرص ليختار أين سيعيش, في بيته أم في بيت ابي, أو عند عمي أو في الدار قالت بحسم دون أن تلتفت إليه : هو لديه الفرصة ليختار, أما أنت فقد اخترت بالفعل
كاد أن يستمر في الجدال لكنه لم يستطع, ففضل أن يصمت, فهذه الفتاة التي ترقد بجواره لا حل لها, إن أرادت الصمت لما استطاع مخلوق أن يخرج منها كلمة, وإن أرادت الكلام والجدال فلن يستطيع الانتصار على منطقها وحجتها أبدا ألقى برأسه على الوسادة لكن النوم أبى أن يأتيه
كانت كلماتها تدور في رأسه تحرك عروق القلق والغضب والغيظ, وما أثار غيظه الشديد هو أن أول مرة ينطلق لسانها معه يكون هذا الحوار السخيف والجدل المثير للأعصاب لكن آخر كلمة قالتها هي التي ظلت في عقله حتى الصباح(أما أنت فقد اخترت بالفعل)
ما الذي اختاره؟ وما علاقته هو ليختار لجده أو يفرض عليه رأيه؟
لكنه في النهاية توصل لمعنى أطار النوم من عينيه وأشعل الضيق والغيظ في قلبه, هل كانت تقصد أنك قد اخترت أن تتخلص من جدك وتلقي بعبئه إلى آخرين ولو كانوا غرباء عنه؟
لو وضع تلك الجملة إلى جانب بقية الجمل التي كانت ترشقه بها منذ بداية الحوار لصار الأمر كقطعة بازل ناقصة في لوحة لن تكتمل إلا بها
وأخيرا هزمه النومأخيرا هزمه النوم, لكنه لم يستمتع به, ولم يشبع منه, ففي الصباح الباكر أيقظته يداها, تمنى لو صرخ في وجهها, أو صفعها, أو خنقها بيديه, فهي التي أطارت النوم من عينيه طوال الليل, وهي الآن التي تحرمه من الاستمتاع به لكنه من جديد يصمت أمام ذلك الوجه الصبوح, ورغم أنها نادرا ما كانت تبتسم, إلا أن جمال عينيها وحده بألف ابتسامة
قالت بصوت هامس قلق : عليك أن تنهض الآن قال وهو يحاول أن يفتح عيناه بصعوبة : ماذا حدث؟
قالت باهتمام : جدك يستعد للرحيل الآن اعتدل في الفراش وأزاح الغطاء وأخذ يفرك في عينيه وهو يسألها : لم! كم الساعة الآن؟
قالت: الثامنة
ثم أكملت بصوتها الهامس ولكن بحزم : عليك أن تستبقيه, إنه حتى لم يتناول إفطاره, لم يشرب كوبا من الشاي كان عليه العودة للنوم من جديد, فهو أكثر من يعرف عناد جده وتصلب رأيه, لن يستطيع أن يثنيه عن إصراره, كما أنه لم يأخذ قراره بعد في حديث ليلة أمس
لكن شيء ما منعه من النوم, أهو صوتها الهامس الآمر الذي لا يقاوم! أم جمالها الآسر!
أم تلك الصورة الجديدة التي رآها عليها ليلة أمس, صورة المناضل العنيد الذي يدافع عما يؤمن به باستماتة لم يعلو صوتها, ولم تغضب, ولم تتلفظ بأي لفظ عنيف, كانت هادئة إلى أبعد الحدود, ولكنها أيضا كانت قوية وعنيدة في تمسكها برأيها صورة أشبه بالصورة التي رآها عليها أول مرة, ولكن مشاعره هذه المرة مختلفة تماما, لم يعد بداخله أية رغبة للانتقام على العكس, كانت هناك مجموعة كبيرة من المشاعر عجز أن يحدد أي منها أو حتى يفهمه, كان كل شيء مختلط في عقله, لكن ما وضح إليه في تلك اللحظة هو أنه مستحيل أن يؤذيها أو يجرح مشاعرها , كان مستسلما ليديها بشكل عجيب وهي تجره من الفراش وتدفعه نحو الحمام ليغسل وجهه ويفتح عيناه ويفيق أسند كفاه إلى طرفي الحوض, وفتح الصنبور وسال الماء أمامه, لكنه لم يتحرك وأغمض عيناه ولما وجدته هي ساكنا وعيناه مغمضتان, أخذت تحثه بكلماتها : هيا, جدك سيرحل الآن,سيخرج إن لم توقفه لم يبدو عليه أية حركة, كان الدوار الذي في رأسه يبقي عيناه مغمضتان, ولم تجد هي حلا إلا أن تملأ كفها بالماء وتنضح على وجهه برفق
انتفض من المفاجأة وفتح عيناه على وسعهما, فلم يتوقع أبدا تصرفا كهذا يصدر منها
هتف محاولا إبعاد يديها : حسنا, حسنا لقد استيقظت لكنها استمرت تنضح الماء على وجهه بإصرار, وكفها يمسح وجهه حتى تأكدت أنه أفاق
أغلقت الصنبور وسحبت المنشفة من خلفها وناولتها إياه, فتناولها منها ووقف ساكنا لا يتحرك ووجهه يقطر بالماء كان شاردا يتأمل ذلك الوجه الملائكي وهو يفكر في كلامها وتصرفاتها
وبقدر تعجبه من تصرفها هذا الذي قامت به لأول مرة, لكنه كان متعجبا أكثر من نفسه, كيف سكت ولم ينفعل أو يغضب والماء البارد يجري على وجهه بعد أن أيقظته من نومه الذي لم يهنأ به؟
والأشد عجبا هو استسلامه التام لها ولما تطلبه منه دون أن يستطيع الاعتراض وكأنما هو منوم مغناطيسيا أرادها أن تظل واقفة أمامه لأطول وقت ممكن, أراد أن يستمتع بتأمل تلك الملامح الوديعة دون أن يعكر صفوها خوف أو غضب أو ضيق أو قلق لكنها قطعت عليه لحظات شروده قائلة : هلا انتهيت من فضلك, أخشى أن يكون جدك قد وصل إلى سلم العمارة
خرجت من الحمام , وأمسك هو بالمنشفة وأخذ يجفف وجهه بعصبية وشعور بالضيق يستولي عليه خرج خلفها بصمت, وألقى بالمنشفة على الفراش, وخرج إلى الصالة ليجدني, وقد ارتديت حلتي استعدادا للرحيل هتف بي : يا جدي, ما هذا البكور!ألن تنتظر حتى نتناول إفطارنا سويا؟
التفتت فاطمة إليه وعلى وجهها تعبير غاضب أخفته سريعا حتى لا ألاحظه, واندفعت تقول بإصرار: أخبرني يا جدي بصدق, هل ضايقك شيء وأنت هنا معنا؟
قلت بدهشة: بالتأكيد لا
قالت برجاء: هل أزعجناك أو تثاقلنا عليك
قلت: لا يا صغيرتي, لم تقولين هذا!
قالت : إذا فأنت لا زلت تعتبرني غريبة عنك
قلت نافيا: تعلمين أن هذا ليس صحيحا
قالت بعتب : إذا لم تريد أن تتركنا وترحل؟ إن مكانك هنا, وإن لم تحملك الأرض فمكانتك في قلوبنا وعيوننا عظيمة يا إلهي! كيف يمكنني مقاومة ذلك الأسلوب الآسر!!!
صمت تماما أمامها محاولا السيطرة باستماتة على ذلك الشلال الهادر من مشاعر الأبوة الذي انفجر في قلبي تجاهها بعد أن ظننت أنه نضب تماما في السنوات الأخيرة, وابتلعت الدمعة التي تصر على الخروج من بين جفوني, ويبدو أن شادي أيضا تأثر فقال جملته العقيمة التي طالما كرهتها : جدي, عليك أن تبقى, تعلم أننا أصدقاء منذ زمن وأنا أحبك نظرت إليه نظرة يفهمها هو جيدا, وقلت في محاولة يائسة لإيجاد أي تبرير يخرجني من البيت (وكنت أتمنى غير ذلك) : أعلم طبع حفيدي جيدا, يحب الحرية في بيته ولا يريد لأحد أن يقيده بشيء انتفض شادي وقال بسخرية تمتلئ بالغيظ الشديد : شكرا, شكرا, أسديت إلى خدمة عظيمة, وأكدت الصورة التي في ذهنها عني ضحكت ولاء بشدة, فأكمل الجد مبررا : وقتها لم أكن أعلم ما دار بينهما بسببي أثناء الليل, ولم أكن أدرك أنني بهذا أصنع منه صورة غاية في السوء في عينيها ولكني استنتجت ذلك من خلال كلماته المغتاظة
أما هي فلم تبالي بكل هذا, بل ازداد إصرارها وتمسكها بموقفها وهي تقول : جدي, أرجوك, إن كنت حقا تعتبرني من أسرتك ولست بغريبة عنك, فيجب أن تبقى معنا من داخلي استسلمت لها تماما قلبا وعقلا, ولكن يبقى شادي
نظرت إليه متسائلا فقال : نعم, يجب أن تبقى معنا, على الأقل حتى تصلح صورتي أمامها وتفهمها أنني لست نذلا يبيع جده لا أحد يفهم شادي مثلي, وعندما نظرت في عينيه أدركت أنه قد اقتنع بالفعل ببقائي معهما, ولكني استدركت قائلا : لكن أغراضي كلها في الدار, ودوائي, والـ...
قاطعتني بحماس كبير : شادي سيذهب الآن ويحضر كل أغراضك من الدار
نظرت إلى شادي الذي بدت عليه علامات الدهشة وقالت : أليس كذلك؟
قال : هه!! ماذا قلتي, لم أسمع جيدا؟
ردت بسرعة : أقول أنك ستذهب الآن إلى الدار وتحضر الأغراض
قال بتمثيل : لم أسمعك جيدا ولكن أظن أنكي قلتي شيئا قبل هذه الجملة
قلت : ما بك, هل صمت أذناك؟
هتف : انتظرني قليلا, لقد هلت بركاتك على هذا البيت من أول يوم, فلأول مرة أسمع اسمي يتردد هنا وبهذه الطريقة
أنت تقرأ
روايه فاطمه
Romanceهي من اروع القصص الطويله وبها يتزوج شاب من ابناء الطبقه الثريه فتاه مستغل فقرها ويريد ان يري ما تحت النقاب فكانت المفاجئه تلك الفتاه غيرت حياته كامله لا اريد ان اطيل عليكم اكثر من ذالك وهي للكاتبه المتألقه ساميه احمد اشكركم انا عمرو بن خالد