الحلقه ١١

2.7K 99 0
                                    

بسم الله
حلقتين
قلت بخوف : ماذا هناك؟ ما الذي وجدته في الجوال؟
سقط منه الجوال وانطلق يجري كالمجنون بلا وعي, حتى أنه أفزع طفلته فزعا شديدا, وغادر البيت جريا دون حتى أن يغلق الباب خلفه
وأتت فاطمة بسرعة لتسألني عما يحدث, ولكنني كنت مشغولا باستطلاع جوال شادي وما وصله
وبعد أن عرفت, لم أستطع أن أصارحها بهول ما رأيت
وأخذت أفكر أين ذهب شادي الآن, بالتأكيد ذهب خلف المجرم تامر, وتوجست من أن يقتله وصارحتها بمخاوفي عدا ما رأيته في الجوال
فخافت وأخذت تدعو الله ألا يصاب شادي بمكروه وأن يرد له عقله ويحسن التصرف
أدركت أن الوحيد الذي يستطيع التعامل مع الاثنين شادي وتامر هو وليد
لذلك فقد اتصلت به وأخبرته بما حدث دون أن أذكر ما رأيته على الجوال
أخبرني بأنه سيبحث عنه في كل مكان وعندما يجده سيتصل بي على الفور
هذه المرة خاب ظني, فلم يذهب شادي ليبحث عن تامر, بل ذهب الى بيت أبيه, وعندما رأته أمه على تلك الحالة فزعت وحاولت ايقافه ولكنه تجاوزها وصعد السلم الداخلي للبيت جريا وهو ينادي رشا بغضب هائل
وعندما فتحت رشا غرفتها وجدته أمامها مباشرة وشياطين الغضب تتراقص في وجهه
أمسك بذراعها بقسوة ودفعها أمامه الى الغرفة وأغلق الباب خلفهما, لكن أمه دخلت والفزع يكاد يقتلها وقالت بخوف : ماذا حدث؟ ماذا تريد من رشا؟
حاول باستماته أن يسيطر على غضبه ويتحدث بصوت طبيعي ويقنع أمه لتتركه وحده مع رشا : لا شيء يا أمي, فقط أريد أن أتحدث معها في أمر هام, هلا تركتنا وحدنا لبعض الوقت من فضلك؟
قالت بخوف : لا, لن أتركك معها قبل أن أعرف ماذا حل بك وما شأنك برشا؟ تلك الوضيعة فتاة النظارات ماذا قالت لك لتغير قلبك نحو أختك؟
صرخ فيها : أمي, اسكتي, دعينا وحدنا الآن
لولا أنها خافت منه حقا لما تركتهما وحدهما, لكنها انسحبت خارجة وهي ترتجف من صرخة شادي وأغلقت الباب
كانت رشا تنظر الى شادي بخوف, والتفت هو اليها وقال بصوت منخفض يتخلله الغضب العاتي : أريد أن أعرف الحقيقة, ما هي علاقتك بتامر بالضبط؟
نظرت اليه بدهشة قليلا ثم ظهر على وجهها الفهم وهي تقول : فهمت, كنت أعلم أن وضيع سافل مثله لن يفوت الفرصة, وأنه كان يكذب عندما أقسم لوليد أنه لم ينسخ الفيلم, وأن النسخة التي مسحها كانت نسخة وحيدة
قال شادي بصدمة هائلة : و.. وليد!!! هل.. هل يعلم بذلك؟!!
انهار على الكرسي, وتأملت هي تعبيرات وجهه ونظرات الشماتة تطل من عينيها, وانفرج ثغرها بابتسامة ساخرة, ثم جلست أمامه على فراشها ووضعت كفها تحت وسادتها وأخرجت علبة سجائر وولاعة وأشعلت سيجارة وأخذت تنفث دخانها في وجهه باستهتار, ثم مدت اليه العلبة وهي تقول ببطء : ألا تأخذ واحدة؟
تأمل أخته بذهول والصدمة لازالت تتملكه, وشيئا فشيئا بدأ غضبه يبرد حتى هدأ تماما ولم يتبقى لديه شعور الا الذهول والدهشة والتساؤل : أهذه أخته حقا؟!! أهذه هي أخته رشا الصغيرة التي تربت معه في نفس البيت وعاشت معه عمرا
أهذه هي التي ضمه واياها حب الأخوة ورابطة الدم وألفة الحياة في بيت واحد؟!! تلك المخلوقة التي أمامه لا تشبه أبدا رشا التي كان يعرفها
مستحيل, ثلاث سنوات ليست مدة كافية ليتحول فيها الانسان بهذه الطريقة, ويتغير لهذه الدرجة
أفاق من شروده على صوتها : ماذا؟ ألا تريد واحدة؟
هزت حاجبيها باستهتار : انها ليست سيجارة عادية
ظل صامتا يتأملها بذهول فقالت ساخرة : اذا فلقد تبت وأنبت وألقيت بكل شيء خلف ظهرك!! رائع, زوجتك تأثيرها هائل, من العجيب حقا أن تكون لفتاة متواضعة مثلها كل هذه القدرة على التأثير في الرجال
وليد نفسه معجب بها للغاية ويعتبرها زوجة مثالية لك
أفاق من دهشتة أخيرا وقال بهدوء : وليد؟!!
أريد أن أفهم الآن ما هي علاقتك بتامر؟ وكيف يعلم وليد بالأمر ويسكت؟!!
قالت باستهتار : عجبا, هل تذكرت أخيرا أنك أخ وأتيت الآن لتمثل على دورك الأخوي؟!!
قال بدهشة : أمثل؟!!
قالت : صدقني, هذا الدور لا يليق بك, ابحث عن دور آخر لتمثله على وأقتنع به, أو اذهب الى زوجتك وطفلتك, فدور الزوج والأب الحنون يليق بك أكثر
صمت قليلا ثم قال بجدية : كلماتك وأسلوبك اللاذع لن يسكتني, ولن أرحل قبل أن أفهم ما يحدث وأعرف الحقيقة
قالت بشماتة : اذا فعليك أن تتحمل أسلوبي وكلماتي اللاذعة ان كنت مصرا على معرفة الحقيقة
قال بجدية : أسمعك جيدا
قالت : عندما غادرت البيت الى شقتك التي تزوجت فيها وقاطعتنا جميعا من أجل تلك الفتاة الـ...
صمتت قليلا وظهرت في عينيها كراهية شديدة, ثم ابتلعت ريقها وأكملت : اشتدت الخلافات بين أبي وأمي وأصبح شجارهما اليومي يقتصر على موضوع واحد فقط, وهو السيد شادي وزواجه
وكأنما لا شيء في الحياة يستحق التحدث عنه أو حتى التشاجر لأجله سوى زيجة السيد شادي, ونسيا تماما أن لهما ابنة أخرى تعيش معهما في نفس البيت
لم أجد سوى النادي ملاذا لي لأبتعد عن الشجار والصوت العالي
وهناك عرفني وعرفته
قال غير مصدق : وليد؟!!
ضحكت ضحكة عالية متهكمة : أنت تعرف من أقصد, لكنك لا تريد أن تصدق
أكملت بمرارة : ضمني الى شلته وظل يلاحقني بالاتصالات والرسائل
أتعلم ما هو المدخل الذي دخل الى منه؟ انه أنت
نظر اليها بذهول وعقد حاجبيه بشدة ولم ينطق
قالت بأسى : كان كل حديثه منصب عليك, وعلى صداقته بك وأنكما أعز الأصدقاء, وكلما شكوت اليه انقطاعك عنا ولامبالاتك بنا كان يدافع عنك بشدة, حتى صدقته تماما وأصبح هو ملاذي وأسرتي وأخي وحبي وكل حياتي
رنت بشدة كلمة (أخي) في أذنه وشعر بها تخترق قلبه كسهم مسموم, لكنه ظل صامتا يستمع وهي تقول : وبعد أن أصبحت أسيرة له, كان تأثيره على وحصاره لي لا يسمح لعقلي بالتفكير أو حتى بالتوقف عند أى شيء يطلبه مني, لذلك فقد أطعته تماما وتركت قلبي وعواطفي بين يديه حتى أحكم قبضته حول عنقي, ولم أدري أنه صور لي هذا الفيلم في شقته
وعندما أخبرني بالحقيقة انهرت ولم أكن أدري الى أين أذهب ولمن ألجأ, ومن يستطيع مساعدتي لمواجهة تلك المصيبة
لكن الشيء الوحيد الذي أدركته هو أن العائلات الراقية لا يجب أن يعلموا بمصائب بناتهم
وكلما زادت القربى, زادت رغبتي في البحث عن بعيد أبوح له بمصيبتي
لذلك لجأت للإنسان الوحيد الذي حذرني من البداية ونصحني أن أبتعد عنه ولم أستمع لنصيحته
قال بشرود : وليد..
قالت : نعم, وليد, ولم يخذلني, بل ساندني حتى أخرج من ورطتي وتصدى لتامر, وهدده أن يكشف حقيقته لك ويجعلك تفض الشركة التي بينك وبينه
وبالفعل أعطاه الفيلم وأقسم له أنه نسخة وحيدة, لكن وليد لم يصدقه وحذرني من كذبه, وتوقع أنه احتفظ بنسخ أخرى وصدق توقعه, وقتها كنت منهارة تماما أواصل البكاء ليل نهار
أتعلم ماذا فعل وليد؟ عرض على الزواج, وبالطبع وافقت على الفور بدون تفكير, فهو طوق النجاة الوحيد الذي امتد الى
ولكن عندما عرضت الأمر على أبي رفض, ولكنني صممت على موقفي, ودبت مشاجرة عنيفة بين أبي وأمي بسبب اصراري على وليد وعلى اثرها ترك أبي البيت, الغريب أن الاثنان كانا متفقين في الرأي برفض وليد, ولكن لا أفهم لم تشاجرا وأخذا يلقيان الاتهامات على بعضهما البعض, ولم ترك أبي البيت في هذا التوقيت بالذات, وليس قبله ولا بعده؟!!
عندها توقف بكائي تماما وتحجر الدمع في عيني, ولم أعد قادرة على ذرف دمعة واحدة
كل ما أذكره وقتها أنني كنت أشعر بكراهية شديدة لكل ما حولي, وغضب رهيب ونقمة بلا حدود
وبدلا من أن أحزن لأن أبي ترك البيت بدأت أشعر بسعادة غريبة, كان بوسعي العودة في قراري ورفض الزواج من وليد, خاصة وأنا متأكدة أنه لا يحبني وأنا أيضا لا أحبه
ولكني لم أفعل, بل تمسكت به أكثر, وبدلا من أن تكون أول خطوة هي الخطوبة صممت أن نعقد القران مباشرة
وأبلغت أبي بقراري في الهاتف, واستمتعت بشدة بغضبه وحسرته وصراخه لي في الهاتف
وأردت المزيد من المتعة, وصممت أن أذهب مع أمي وأبلغك بالخبر بنفسي, ولكم كانت سعادتي وأنا أرى تأثير ذلك عليك
ذلك الشعور الجديد أنساني تماما تلك المرارة التي قتلتني, وذلك الحزن الذي خيم على قلبي, وذلك الظلم والقهر الذي ألم بي
لكن ما رأيته اليوم في عينيك كان أروع كثيرا, لو كنت أعلم من البداية لأرسلت لك هذا الفيلم بنفسي فقط لأتلذذ وأستمتع بذلك التعبير الذي أراه على وجهك الآن
لمعت عينيها ببريق مخيف : أتعلم, أفكر جديا أن أرسله الى جوال أبي وأذهب اليه بنفسي لأرى ما سيفعله به ذلك الفيلم
كان شادي متجمدا تماما أمام تلك الروح المملوءة بالغضب والغل والنقمة على كل شيء, ولم يدري كيف يشعر الآن أمامها؟ هل يشعر بالشفقة أم بالغضب أم بالاشمئزاز أم بالتعاطف
لم يكن يدري ما هو التصرف الصحيح الذي يمكن أن يفعله الآن, لذلك فقد صمت تماما, لكن سؤال واحد استولى على عقله في تلك اللحظة وخرج مباشرة الى لسانه : لماذا يا رشا؟ لماذا تكرهينني الى هذه الدرجة؟!!
قالت بغل : أكرهك فقط؟!! ان مشاعري نحوك الآن تعدت الكراهية بكثير
أكملت والحقد يأكل حروف كلماتها : لم تعد تعن لي أى شيء, أنت لا شيء بالنسبة لي
أنا أحتقرك, أحتقرك كما لم أحتقر انسانا في حياتي
تجمد تماما من الذهول والصدمة العنيفة التى انتابته من كلماتها وهي تكمل : أتدري لم؟ لأنك سبب كل ما أنا فيه من مصائب
لقد أوقعتني بين رجلين, رجل أحببته بكل مشاعري وغدر بي لينتقم منك, ورجل سأتزوجه رغما عني وقبل بي مرغما لأنه يحبك
ضحكت ساخرة بمرارة : يحبك أنت لا أنا
أرأيت ما فعلته بي, أصبحت ماضي احترق وحاضر رماد ومستقبل لن يأتي أبدا
مجرد حياة تسير بلا هدف ولا غاية ولا رغبة ولا حب
حاولت الانتحار كثيرا, ولكني أدركت أخيرا أنه لن يأبه لموتي أحد, فعدلت عن الفكرة, وقررت أن أعيش فقط لأرى الذل والهزيمة والخزى في عيون كل من حولي
والآن عد لأسرتك الجميلة, فلقد أشبعت تماما رغبتي في الانتقام منك ولم يعد يعنيني وجودك أو عدمه
لقد شفا تامر غليلي منك, تامر هو عملك الأسود في هذه الحياة, أنت الذي أتيت به وأدخلته الى حياتنا وفرضته على أصدقائك وعلينا
والآن حان وقت سداد الحساب, ستدفع الثمن غاليا, أغلى مما تتصور, فتامر لن يتركك الا اذا دمرك تماما
وسيفعل, متأكدة أنه سيفعل, وخاصة عندما انضمت اليه الأفعى رودي
ثنائي مخيف, أستطيع أن أرى من عينيك الرعب يملأ قلبك, فلديك الآن ما تخاف عليه وتحرص على حمايته
لكن تامر سيصل اليه, هو قادر على ذلك, وأنت أضعف من أن تصده
نهض سقيما متخاذلا بعد أن هزمته كلمات رشا
فتح باب الغرفة بيد مرتعشة وهو لا يكاد يرى أمامه, لكن رشا أمعنت في تعذيبه وهي تقول بشماته : احرص على زوجتك العفيفة جيدا فأنا متأكدة أنها هدف تامر الذي لن يتنازل عنه أبدا
خرج يترنح لا يتبين ما أمامه ولم يستطع الرد على أسئلة أمه القلقة ولم يشف خوفها الشديد من منظره وعندما هبط السلم باعياء وجد أمامه وليد الذي كان يلهث والتوتر يبدو عليه جليا, وهتف بقلق : شادي, بحثت عنك في كل مكمر هام, تعالى معي
استسلم ليدي صديقه وهو يأخذه الى سيارته ويتولى هو القيادة, وأخذه وليد الى شقته ليتحدث معه بحرية, ولم ينسى وليد أن يتصل بي ويطمئنني كما اتفقنا

روايه فاطمه حيث تعيش القصص. اكتشف الآن