البارت الثالث

6.6K 141 20
                                    


جلس جاسر الصغير تحت إحدى الأشجار الكبيرة في الميتم ...... يتابع بعينيه بتركيز إياد ذو الأربع سنوات ونصف يلعب بإحدى اللعب الصغيرة على مقربة منه ......

كان قد مر عليه سنتين في هذا الميتم ....... سنتين عانى فيهما كثيراً وضُرب كثيراً بسبب تحديه للجميع والوقوف في وجههم عندما يُظلمون أو يُمنعون من أقل حقوقهم .. في السنة الأولى لم يدخل المدرسة بسبب تمرده وعدم رغبته في ترك أخيه وحيداً ...... ولكن هذه السنة سيُجبر على دخولها وعقله شارد لا يعلم كيف يتصرف ........ كان دائماً يحب العلم والإجتهاد ، كان يدرس بجد وينتظر قدوم أخيه أو أخته لكي يكون معلماً لهم ...... دمعت عيونه فجأة عندما تذكر أحلامه ووالديه ....... عمره الآن إثنا عشرة سنة ولكن عقله كأنه في العشرين ...... مرت نقريباً ثلاث سنوات على موت أبيه تغير كثيراً فيها وازدادت خططه وتفكيره .......

انتفض من جلسته فجأة وركض مسرعاً نحو أخيه الذي سقط أمامه بسبب الكرة التي ضربها أحد الأطفال الذين يلعبون وضربت به ........ بدأ في البكاء ليقترب منه يحمله ويبدأ في تهدأته: هشش خلاص يا إياد أنا هضرب الكورة أهي اللي ضربتك وهبوسك عشان يروح الوجع .......

ركل الكرة أمامه بقوة ليعيدها إلى الأولاد ثم بدأ يقبله بكل أنحاء وجهه هاتفاً: ها شوفت ضربتها ، لسا بتتوجع ؟

رمش الصغير بعينيه ببرائة وهز رأسه بنفي: لأ طال الوجع خلاث ( لأ طار الوجع خلاص )

اتسعت ابتسامة جاسر بحماس وهو يستمع لكلماته الطفولية بأسنانه الصغيرة ....... كان قد تعب عليه كثيراً ليعلمه اللفظ والكلام وكم كانت فرحته لاتوصف عندما نطق باسمه أول كلمة قالها هي داثل ...... صحيح بأنه قد شوه اسمه تماماً ولكن فرحته بقدرته على النطق بعد الجهد الذي بذله جعلت هذا الاسم محبباً على قلبه أكثر من اسمه الحقيقي .......

عاد إلى الشجرة يجلس في ظلها ويجلس أخيه في حضنه .. سند الصغير رأسه فوق صدره الذي بدأ بالقساوة وظهور عضلات خفيفة نتيجة إجبارهم في أحيان كثيرة على العمل داخل الميتم بأعمال كثيرة ..

ابتسم جاسر كانت ابتسامته فقط تظهر مع أخيه الذي تبقى له ....... فهو قد أصبح بارد كثيراً وقاسي القلب ........ لم يعد يتأثر كثيراً إن رأى أحد الأطفال يُضرب أمامه فقد تعوّد على هذا كل يوم ..... تعوّد الجوع والعطش والبرد في أوقات كثيرة ، عقله كبر أكثر من عمره ليصبح رجلاً راشداً في عمر الطفولة ....... وحده إياد من كان يستطيع إرجاعه لطفولته التي فقدها ...... معه تعود ابتسامته التي حرم منها ولمعة عينيه الفضولية الطفولية البريئة ....

ضحك باستمتاع وإياد يدفن رأسه في صدره يديره إلى اليمين واليسار ويمسحه في صدره كأنه قطة ..... هو فعلاً كالقطة الصغيرة في نظر جاسر يتمسح به ويندس في أحضانه مخرجاً أصوات طفولية محببة إلى قلبه ......

رجل كالنارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن