-10-

158 15 23
                                    


الوقت صارِمٌ في قوانينه، لا يَعترف بِـمفهوم الفُرصة الثانية. حينَ يُنذِر ذاكَ العدّاد الّذي تَجهلُ لَحظة إنطلاقه حَتى، سَتَخسَر فُرصَتكَ لِلأبد و يُستَحالُ إعادَتها

يُقدّم أشياءه لِمرّة واحِدة و لِـفَترة مُحددّة فقط، إن تأخرّت سَـيَسلبك إياها. سَتعيشُ على أمل أن يُغيّر الوقت مَساره و يتوقف عِند تِلك النُقطة مُجدداً، رُغم غَير عَقلانية هذا الأمل لَن يُفلِتُه شَخصٌ يُحيطهُ النَدم

كُلّ شيء في هذا العالَم مؤقت ولَن نَعي هَذه الحَقيقة إلّا حينَ يَنفذ الوقت و تَنتهي المُهلة بِـالفِعل. الحيوات، العِلاقات، وَ حتى العالَم بِـنفسه زائِل. نُبصِرُ أشياءنا تَختفي و تَندثِر أمامنا حين إنتهاء صَلاحيتها و نَتجرّعُ ألألم، لِمَ إعتقدنا خلودها..؟

صارَعتْ سويون الزَمن وَ وَصلتْ المَشفى الّذي تَقبعهُ والِدتُها في تِلكَ اللحظة؛ الّتي رَسمت آخر ذِكرى سَودّاء لِـسويون عَن والِدتها.

آخر ما إحتوتهُ ذاكِرتُها هو مَشهدُ والِدتها الصامِت و هي تَفترشُ سَرير المَشفى بِوجهٍ شاحِبٍ و جَسدٍ هَزيل، و عيناها اللامِعة تِلك الّتي تَروي أحاديثاً صامِتة، و مِن طيّاتِ دُموعِها تُطلِق ذاك النوع مِن العواطِف، رُبما يَكون عِتاباً

تِلك كانتْ الصُورة الأخيرة لِـتِلكَ المرأة في خَيال سويون، تِلكَ الذِكرى هي مَن حازتْ على الخُلود في النِهاية، آثار ما بَعدَ الزَوال هي الّتي سَتدوم و تُلازِم حياتنا حَتى اللحظة الأخيرة.

فَراغٌ شاِغرٌ و أسئِلة بِلا إجابات كان كُلّ ما خَلّفتهُ تِلك المرأة في ذاكِرة سويون. غادرتْ باكِراً و لَم تَسنح الفُرصة لِـسويون لِتُزيل علامات الإستفهام مِن ذاكِرتِها.
لَم تَتمكن مِن رَسم الصورة الصَحيحة عَنها. كُلّ خططِها و سَعيها لَِكشف هويّة أُمّها تَبّخر

تَلخبطت كُلّ أحاسيسها لِـتُلَخص عَلى إنها تائِهة. تَتصنمُ مَكانها و تُحكِم إغلاقَ أذنيها بِـيديها و تُجّعِد جِفنيها عَلى مِحجريهُما، و لَكنّهُ لا يُغيّر حَقيقة إنّها تَسمعُ و تُبصِر تِلكَ الفَتاة الّتي تَبكي بِـهتسيرية و صُراخُها يدوي في المَكان، و هذا ما يَزيدُ حيرتها أضعافاً.

الغَصّة في حَلقِها و الغَمُّ في قَلبها و لا تَعلمُ السَبب الرئيسي لِـهذا. كَونها لا تَعرِفُ تِلكَ المرأة و لَم تُشارِكها بِـذكرياتٍ حَتى. تَراها مُغطاةً تَسير أمامَها، و كُلّ ما تَفعلهُ تَتبعها بِـعينيها.

خَطَت بِضع خِطواتٍ ضائِعة تَبحثُ عَن مَخرج هذا المَشفى، تُثني كَفّها و تَضغطُ على أسنانِها بِـقوّة، تُحارِب لِـلسيطرة عَلى تَعابير وَجهها المُهتزّة و لَكنّها تَفشَل فَـتَقضم شفتها السُفلى كَـحَلٍ أخير

مَسّدَ عَلى وَجهِها المُحمّرُ الهواءُ البارِد تَزامُناً مَع وطئ قَدمها خارِج المَشفى، سارَتْ بِـثقلٍ و قابَلتْ هانبين يَقفُ عَلى مَسافةٍ مِنها، حينَها لَم تَعي على نَفسها إلّا و هي تَحتضِنهُ، تَشدّ عَلى قَميصهِ بِـأنامِلها و تَدفنُ رأسها في طيّات مِعطفه، إستخدمتْ ما تَملكهُ مِن قوة لِـتُحكِم إلتحام جفنيها تَهرباً مِن تِلكَ الصورة الّتي خَزنتها ذاكرتها، تَظنّ إنّها بِـعَدم إبصارها لَن تَرى تِلك الذِكرى. و لَكن هلّ لِـلذِكريات مِن مَهرب؟

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jul 26 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

ذِكـرَياتْ سَودّاء|| Black Memories حيث تعيش القصص. اكتشف الآن