قشور الفستق

18 4 0
                                    

بين طيات الغطاء صحن أخضر مدور مملوء بما يكفي لتسليتي، وإضاءة هاتفي تنير المحيط؛ محيط غرفتي الذي تغرقه أصوات الفلم، تسرقني أحيانا وتفلتني احيانا أخرى.
عيناي تحمل آثار الكحل وشفتاي جافة؛ و قشور فستقي مطلية بالأحمر.
إكتفيت تقشيرا وتكسيرا، حملت يمناي الصحن بما تبقى ويسراي حملت كيس القشور، وقرع الباب اجتذبني بما تحمله يداي.
-القمامة ياصغيرتي ..
=أعانك الله يا جدتي؛ لا أملك سوى قشور الفستق.
-انها قشور؛ إذا هي قمامة.
=أخاف على من شاركني الفلم سماع الصفة فأفقد مؤنسي الوحيد.
-لا افهمك صغيرتي لا أملك من الفلسفة ما يملك باقي البشر؛ أعطني كيس القشور.
مددت الكيس الشفاف لعاملة النظافة العجوز، وتوسع مقلتيها هلعا أثار إستغرابي.
-إلهي صغيرتي أهذه دماء ما تغلف قشور الفستق؟
زوايا شفتاي لم تقاوم جاذبية السعادة والامتنان لترتفع.
=لا يا جدتي؛ يبدو ان قشور فستقي أحبت ان تشاركني أحمر الشفاه.
-ويبدو انها اخذته كله.
=كما ترين.
- اعتني بنفسك وتناولي شيء عدا الفستق.
مودعة ألقت بجملة اضرمت النار داخل عضلتي التي تقبع أيسرى؛ وحنين لإهتمام من رحلوا داعب الدموع العالقة عند حافة المحاجر؛ وحجر استقر عالقا داخل حنجرتي .
أمسكت ذراعها وآه لذكرى تمسك شابهت هذه اللحظة.
= هل ستسأليني كل مرة عن لون قشور الفستق؛ حتى إذا صار لونها الأحمر يحمل رائحة الحديد وطعم الصدأ وقليل من خلايا الرئة؟
-سأسألك حتى لو كانت بلا لون؛ سأستفسر شحوبها؛ سأعاتب خلوها من اثرك يا إبنتي.
يدها التي تحمل آثار الزمن ربتت على يدي مبتسمة.
-ربما لا أملك فلسفة البشر ولا أفهم مكنون المجاز؛ لكن في صدري حنان أم فقدت طفلها كما إحتوى قلبك وحدة طفلة فقدت أهلها.
وكم كانت صادقة؛ فحضنها الدافئ غطى وحدتي وإيقاع تربيت يدها آنس نبضات قلبي.
- ماذا سيكون لون قشور الفستق غدا؟
=وردية ربما.
أجبتها ضاحكة أتأمل تجعيداتها تشاركني الضحك.
-أراك غدا.

غدا أتى وغادر وكيس قشور الفستق الزهرية تعب إزاء تعلقه بمقبض الباب.
أثقلت كاهله لأيام أخرى، وأخرى، وأخرى إلا أن بهت لون القشور واختفى.
قشور فستقي شحبت.
صحن فستقي انتهى.
وصاحبة كيس القشور رحلت للأبد.

#لاشيء_يدوم_للأبد

نهايات حزينة... شخصيات مجهولة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن