الفصل السادس: جدولُ أعمالٍ مُزدحم

60 5 4
                                    

أقضي أيامي منغمساً في العمل أعيشُ بين الأوراق ولا يبعدني عنها سوى الأكل أو النوم لا أترك وقتاً للتفكير، لا أريد تذكر أسماء في الحقيقة لا أريدُ سماع صوت سارة مجدداً أستيقظُ كل ليلةٍ على صوتِ بكائها منذُ تركتها لوالدتي أسمع أنينها وأسمعُ صراخها لم يكن ليعذبني شيء سوى ذلك الصوت ذلك الحزن في البكاء الذي يوقظُ ضميري كل ليلة .
-
إنها الحادية عشر ليلاً ال ٢٧ من شهر آب استيقظت ليلاً بعد سماعِ صوت سارة تبكي لكنهُ مختلفٌ قليلاً اليوم لم تكن سارة تبكي وحدها بل صوت أسماء تطبطبُ على ظهرها وتغني لها حتى تعاود النوم مجدداً ، إنه ضميري مجدداً يوقظني آخر الليل حتى يخبرني أن تغيير المكان لا يعني النسيان ، فكرتُ حينها هل سارة بخير يا ترى ؟هل تُعاني من شيء ؟ أمسكتُ سماعة الهاتف محاولاً الاتصال ولكنني وضعتها جانباً " لا أريدُ أن يتشتت تركيزي "، عدتُ إلى النوم بعد ساعةٍ من التفكير الغير منقطع، إنه صوتُ المنبه إذاً ف الساعةُ هي السابعةُ صباحاً، خرجتُ من المنزل مسرعاً نحو العمل، ها هي ساعةُ الانشغال التي أجد فيها راحتي أكثر من النوم، أوقفت السيارة بالقرب من محلٍ يصنع كعكاً لذيذاً حتى أشتري لي معجنات لتكون فطوراً، لا أعلم هل للصدفة دور في هذه الحياة؟ هل كل شيء يخبرني أن أستعيد سارة كُلُ ما حولي يذكرني بها وبوجودها، كان هناك قالب عيد ميلادٍ بالشوكولاتة يُكتب عليه HAPPY BIRTHDAY SARA، تذكرت سارة مجدداً اقترب عيد ميلادها تبقى القليل ل تُكمل العام الأول، قاطع تفكيري صوت النادل " Do you want anything else، Sir?" أي هل تُريدُ شيئاً آخر سيدي؟ شكراً لك، أعطيتهُ ثمن ما أخذت ثم اتجهت مسرعاً خارج باب ذلك المحل وكأنني كنتُ في جهنم لبضع دقائق لِمَّ كل شيءٍ يذكرني بها؟ لم كل شيءٍ يدور ويعود في نهاية المطاف إليها؟ ، إنها ابنتي ولكن حقاً أصبحت أشعر بشيءٍ من الكراهية تجاهها لا أستطيع أن أقول ما ذنبها؟ ، ذنبها الكبير أنها أتت وجعلت أسماء ترحل ، بالي مشغولٌ كل الوقت قررت أن أعمل في المكتب حتى في أيامِ العُطل ، أنام في المكتب على صوت الساعة وأستيقظ على صوتِ الريح فجراً تحرك زجاج النافذة .
-
في صباحٍ باكر من شهر تشرين الثاني كنتُ أستعدُ لاجتماعٍ مهم كان فيه أحد السفراء المهمين في الجمهورية اليمنية إنه السفير الأميركي يقوم بزيارة خاصةٍ إلى كندا ، كُنت مسؤولاً عنه رجلٌ كبيرٌ في السن طويل القامة أبيض الشعر واللحية والشارب عريض المنكبين يملك وجهاً بشوشاً وبه وقارٌ عظيم ، حضرَ مع عائلته في عطلةٍ إلى كندا اهتممت بهم و حجزتُ لهم جناحاً في فندق طلبتُ من العاملين توفير جميع سبل الراحة لهم .

دعاني السفير ذات ليلةٍ إليهِ على طاولة العشاء فما كان مني سوى أن أقبل الدعوة فذهبت ، ناقشني في مشروع نزهتهِ حول كندا مع عائلته وأنه يريدُ مني أن ارافقه طرأ في بالي حينها كم الشغل الهائل الذي يقعُ عليّ ولكنني قررت بسرعةٍ بالغة أني سأفعل كل شيءٍ قد يجعلني أسهو عن التفكير بضميري، حسناً كيفما تشاء حضرة السفير، تناولنا وجبة العشاء ثم تبادلنا الأحاديث المُعتادة .

كان لدى السفير ولدان يافعان أحدهما في ال ٢٥ من عمره والآخر في ال ١٨ عشر من عمره ، حضر إلى كندا برفقة زوجتهِ وابنيهِ وابنته ، البنتُ غايةٌ في الجمال هذا ما سمعتُ العاملين يتهامسون به في صباحاً لكني لم أرها بعد وهي في عمر ال ٢٢ وتعمل ممرضة، ودّعتهم تلك الليلة مغادراً إلى مكتبي على أمل أن نلتقي بعد يومين حتى نبدأ الرحلة " بيننا تواصل" هذا ما قاله السفير الأمريكي أثناء توديعي .
-
جاء اليوم المُنتظر اليوم الذي لن أفرغ فيه ابداً للتفكير في شيء "يوم الرحلة" ، ذهبت بسيارتي إلى الفندق الذي كان يستضيف السفير الساعة ال ٩ و ٣٥ دقيقة هكذا كانت حين التفت للساعة نزل السفير برفقة ولديه وابنته وزوجته ، مرحباً أحمد كيف حالك صافحني السفير قائلاً ،
أهلاً بك ، بخير وأنت؟
نحمدُ الله .
لم يشأ السفير أن أصطحب سيارتي قال أودُّ لو أنك أنت من تقودُ سيارتنا لأنك تعرف الطريق جيداً لم أستطع الرفض لقد كان يملك من الوقار والهدوء في الكلام مالم أسمعه من أحد منذ فترة طويلة . تناولت المقود وبدأت أقودُ ، يجلس هو على يميني وبالوسط ولديه ثم زوجته وابنته في الخلف ، قُدتُ إلى منطقةٍ دافئة تلوح فيها أشعة الشمس بهدف تناول وجبة الإفطار ، نزل الجميع من السيارة قاموا بفرشِ سفرة قماشية مخططة بلون أحمر وأبيض على العشب الأخضر ثم أحضروا السِلال التي تحمل الكعك و الشاي و الحليب لمن أراد ، وسط تلك الضجة لاح لي وجهٌ جميل جداً كانت أشعة الشمس تنعكس على زواياهُ ك مرآة ، عينان بلون العشب وابتسامةٌ تحملُ الكثير من السعادة ، إنها الابنة التي وصفت بالجمال اسمُها " حورية " ، أومئت برأسها وكأنها تحييني ، حقاً هي حورية تملكُ جمالاً لا يقاوم ، قال السفير مشيراً إلى المرأة التي بجانبه هذه زوجتي فاطمه وضعتُ يدي على صدري وكأنني أُلقي التحية ، جلس الجميع حول السفرة يتناولون الكعك مع الشاي والجُبن ولا زلتُ أسترقُ النظر إلى حورية ، تملك جمالاً عجيباً ما شاء الله ، نهضتُ مسرعاً متوجهاً إلى السيارة حتى تأخذ العائلة راحتها ، وضعت يدي خلف رأسي حينما حضرت حورية وفتحت باب السيارة الخلفي لتضع السلة قائلة ، كيف حالك؟
تلعثمتُ ااا
اعتذر لم أقصد ، كيف حالك حضرة السفير أحمد؟
اه، لا داعي للرسميات بخير وأنتِ؟
بخيرٍ لله الحمد
ألا تشعرُ أنك صغيرٌ جداً على أن تكون سفيراً .
امم ماذا تقصدين ؟
قاطع ذلك صعود والدها إلى السيارة ، نعم أحمد إلى أين سنتوجه الآن أجبتُ إلى مكانٍ تستطيعون أخذ قسطٍ من الراحة فيه ، يبدو أن الجميع بدأ يشعرُ بالتعب، سألتني زوجة السفير ما إن كنتُ أملكُ عائلة أخبرتها متلعثماً لا لا أملك ،كان لدي لكنني فقدتها، ردّت أنا آسفه ، قلتُ لا عليك لا شيء مهم ، كم هو قبيح أن ترفض شعوراً يبدو واضحاً على وجهك، لا أكذبُ أني لم أفكر بالكلمتين التي تبادلناها أنا وحورية ومتعجبٌ جداً من جرأتها حينما قالت ألا تشعرُ أنكَ صغير على أن تكونَ سفيراً، هل أبدو شاباً بالنسبة إليها أم ماذا كانت تقصد .

دارت في رأسي ألفُ فكرةٍ وأخرى وما زلتُ أبتسم حين أفكر أنا قد تبادلنا كلمتين لا أكثر...
يتبع...

مولودة الشتاءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن