الفصل التاسع: من الصفر

32 3 0
                                    

لنبدأ من جديد أو بالأحرى لأبدأ بسرد قصتي لكم من الصفر ..
أنا ساره ، بدايةً ترعرعتُ في منزل جدتي والدة والدي و لم أكن حينها أعلم ماذا تعني عائلة حتى اشترط وجود والدي أو والدتي عندما كنتُ في الثانية من عمري توفيت جدتي فانتقلت للعيش في منزل جدتي الأخرى أمُ والدتي ، كنت لديها حتى سن السادسة ، كانت جدتي" معطاء" كبيرةً في السن وتُعاني من السكر والضغط ولكنها كانت شبيهةً لاسمها كانت معطاء حقاً فقد أعطتني حباً حناناً كل ما افتقدته حاولت جدتي معطاء تعويضه ولكن الوقت بدأ ينفذ منها عندما بدأت بالنسيان المتكرر " الخرف " أظنُ أن هذه كانت طريقتها الخاصة للتخلص من ألم فقدانِ ابنتها الوحيدة ألا يقولون أن الألم يحول الإنسان إلى أحد شخصين إما قوي لا تهزه رياحٌ عاتية وإما ضعيف يتعامل مع ألمه بالمرض والنسيان ، كانت جدتي عادةً تناديني ب أسماء ، رُبما لن تصدقوا هذا ولكني في البداية لم أكن أعلم من هي أسماء ولا حتى نوع القرابة بيننا فحسب توقعاتي أن جدتي معطاء هي أُمي ..
لم يتواجد الذي الشخص الذي سيحدثني عن أسماء و عن كونها إنسانةً صبورةً ومُلحة على ما تُريد، لم يكن هناك من يخبرني أنها رسمت لحظات عدة معي ولكني عشت من دونها...
لدى جدتي لم يَكُن مرحباً بي من قبل خالي وزوجته و أولاده على أية حال ، لدى خالي " ابنتان وولد" يعيشون معنا في نفس المنزل ، اظن أني اقصد أني انا من يعيش معهم ، لطالما كنتُ اتساءل لماذا لا أُعامل بنفس معاملتهم ، فلم يكن هُناك من يتذكر تاريخ ميلادي كما يحتفلون بأيام ميلاد ابناءهم ولم يكن هناك من يفرح ليوم ولادتي ظننت أن أحداً لم يكن يعلم ولكني الآن اتساءل كثيراً لو أن هناك أحدٌ يعلم هل كان سيفرح أم يحزن لمفارقة أمي ..
أتذكرُ جيداً كم كانت جدتي تنازع لتجعلني أدرس وأتعلم في سنواتها الاخيرة، في شهر آذار من عام ٢٠٠٠ أصرت جدتي على تعليمي فوافق خالي ظناً منه أن والدي قد يرسلُ له شيئاً هذا ما فهمته فيما بعد ، في ذلك الحين ظننت أن خالي بدأ يحبني و كنتُ أشعر أن بإمكاني مناداته ب" بابا".. بعد وجبة الغداء نهضت وأسرعت محضرةً المنشفة لخالي وهو على المغسلة بلهفةٍ طفلةٍ وجدت والداً أخيراً بعد أن انهى غسيل يديه، "تفضل بابا" قلت له، لكنه رمقني بنظرةٍ مقرفة وكأنه كان متقززاً مني ، في الطرف الآخر من الصالون بدأت زوجته بالضحك والسخرية مني هي واولادها ، لم يقل خالي لا تفعلوا ذلك لقد استهزأ معهم بعد أن ذهب قالت لي زوجته وهي تمسك بشعري هل ظننتِ أنكِ ستكونين ابنتنا ، لم اشعر بشعور الفراغ قبل ذلك ظننت أني بين عائلتي ولكن....، منذ ذلك اليوم بدأتُ أشعر بحجم الفراغ الذي يكبر في صدري بدأت أشعر بالضعف ، لا يملكُ قوة من لا يملك سنداً له في هذه الحياة ، لم أكن أملك ذلك السند ولم أكن قد سمعتُ عنه شيئاً ...
تفوقت في عامي الدراسي الاول وحصلتُ على علامات كامله في جميع المواد كُنت الاولى في كل شيء عدا في العائلة كنتُ اللا شيء .
-
لم يكن خالي واولاده يحبون وجودي ولكنه كان منفعةً لهم ، عندما يقومون اطفاله بتخريب شيءٍ في المنزل يلقون بالتهمة علي ، عندما يريدون شيئاً يطلبون مني ، خدومة جداً هذا ما أنا عليه الى الآن ، اذكرُ في يومٍ ما كانت زوجة خالي حاملاً في شهرها السابع ، عندما احتاجت نقود ولم تطلب من زوجها سمعتها تخبر أبنها أدهم أن يجلب لها من جيب والده ذهب وأحضر ولكن ليس لها فقط بل أحضرَ لنفسه أيضاً ، ثُمَّ عندما سأل خالي عن مكان اختفاء نقوده اشاروا إلي بدون أي تشكيك في عيونهم ألام وابنها قالوا ساره هي من فعلت ذلك ، وعندما قررت تبرأت نفسي وقلت لم أخذ شيئاً قالوا رأيناها تضعها حتى وسادتها ذهب خالي لينظر وحقاً وجد نقوداً تحت وسادتي وسألني عن المبلغ الباقي أين ذهبتُ به حاولت الانكار لكن دون جدوى لم يكن ليستمع لي ، هل نستمع لمن لا نحبُ عادةً لا أظنُ ذلك ف نحن بطبيعة بشرية نستمع لمن نحبه فقط للأسف لم أكن محبوبةً ابداً ، ضُربتُ ضرباً مبرحاً من خالي لأخذي للنقود التي لم أخذها مطلقاً ثم من زوجة خالي لمحاولتي لإنكار الأمر ، ثُم حُبِستُ في غرفةٍ مُعتمة تسكتها روائح الرطوبة الشديدة ، لم يعتمدوا على جانب واحد فقط لهدمي بل اعتمدوا الجانبين النفسي والجسدي ، في العطلة الصيفية مرضت جدتي مرضاً شديداً اهتممتُ بها ،...

سمعتُ زوجة خالي ذات مرةٍ تخبر خالي انها في عداد الولادة وأنها لا تحتمل أن تهتم بوالدته ايضاً وتشورُ عليه بأمر دار المسنين ، حينها اخبرته أن لا يأخذها انا سأهتم بها ، كيف يهتمُ طفل يحتاج الى الاهتمام ، هذا ما قالته كانت تعلم بحاجتي ولكنها لم تكن لتشبعها ، قمت برعاية جدتي بعدها بمدةٍ قصيرة انجبت زوجة خالي مولودها الرابع " ذكر "..
في بداية عامي الدراسي الثاني اجتهدتُ كثيراً وحصلتُ على علامة متقدمة وفي عامي الثالث ايضاً كانت علاماتي كاملة ودرجات امتيازي كبيره ولكنه كان آخر عامٍ من أعوام السعادة المتقطعة ، قليلٌ دائم خيرٌ من كثيرٍ منقطع لم أحصل سوى على القليل مع الانقطاع ، توفيت جدتي مع حلول صيف ٢٠٠٣ ، هُناُ كانت بداية مأساتي ما قبل كان مجرد مجرى للتعود على ما قد يحدثُ فيما بعد وكأن الحياة كانت تعلمني طريقة التحمل والتعامل والصبر ، تعرفون تلك القصص الخيالية قصة سالي وريمي وسندريلا وحتى قصة آن شيرلي ألم يتنازعوا ليعطوها لدار ايتام ليته حدثَ معي كذلك ولكن لم يقرر أحدٌ عني ولم يدعوني أقرر ذلك ايضاً ، بقيتُ مع خالي في المنزل كالغريبة لم يكن أحدٌ هناك ليسأل عن حالي او ما شابه كنتُ أخدمهم بنفسي حتى ألفت الانتباه مع ذلك لم ينتبه أحد ، هل تعلم ما معنى أن تبذل كل جهدك لشيء منعدم الوجود ، كنتُ كذلك دائما أبذلُ مجهوداً لأحصل على محبةٍ وتقدير لكنه لم يُخلق لديهم ، ذات يومٍ رن الهاتف اسرعتُ لأجيب مرحباً ..؟ الو.. لم يكن هناكَ صوت ابداً قبل إغلاقي لسماعة الهاتف شعرتُ وكأنني سمعتُ تنهيدة عميقة يصاحبها الكثير من الندم أعدت السؤال هل هناك أحد؟ مرحباً ، ولكن لم يكن ليجيبني أحد ، فجأة جاءت زوجة خالي مسرعة ثم التقطت سماعة الهاتف من يدي وبدأت بالتحدث وقالت حسناً سأدعو زوجي حالاً ، نزل خالي مسرعاً كمن كان قد اتصل عليه احد الرؤساء ، بدأ بالحديث بلباقةٍ وبقول حسناً كما تريد كرر هذه الكلمة كثيراً ، نحنُ سنفعل ما يجب وعليكَ كذلك، اغلق خالي سماعة الهاتف كمن سينفجر من السعادة هو وزوجته يضحكان ويتهامسان بأصواتٍ منخفضة ، حقاً ألم يلفتني هذا في ذلك الحين ، هل كنتُ أشعرُ بالألم لدرجة عدم التساؤل أم أني لم أعلم أن هناكَ طوق نجاةٍ إن اردت النجاة من الغرق ....
اتجهتُ إلى غرفة جدتي وارتميت على سريرها واحتضنت وسادتها واستنشقتُ رائحتها اشتقت إليها كثيراً هل لها أن تعود هذا ما كان يجول في خاطري ..

مولودة الشتاءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن