الفصل الخامس: ٤٠ يوماً فقط

59 5 2
                                    

كندا صفحةٌ جديدة في حياتنا ، بدأتُ بمزاولة العمل فور وصولي " من الجيد أن كندا لم تكن تحتاج منا أن نتعلم لغةً جديدة "، استقرينّا في منزلٍ خشبي يتكونُ من طابقين، غرفة النوم وغرفة عملي في الطابق العلوي مع صالون يحوي مكتبةً للكتب وحمام وشُرفة بكرسيين وعدةُ إجاصات تضع فيها أسماء أزهارها، أما الطابق السُفلي فيحوي مطبخاً وحماماً وغرفةً وصالونٌ صغير ، يملك المنزلُ حديقةً صغيرة مسورةً بأعمدةٍ بيضاء اللون ، انشغلت أسماء بترتيب المنزل و انشغلت أنا بعملي ، عند عودتي تشرحُ لي ماذا فعلت وما الذي ستفعله في اليوم التالي وتطلب رأيي في أشياء عِدة لم أكن مهتماً كثيراً بها ، أسماء تُجيد العمل جيداً وأنا أثقُ بها فكنت أومئ برأسي فقط، بعد شهرين من الكفاح أصبحَ المنزلُ رائعاً جداً ومريحٌ أيضاً ، الصالون الذي يحوي مكتبةً في الطابق العلوي قامت أسماء بشراء طاولةٍ فيه و وضعت عليها مصباحاً حتى يكونَ مكتباً لي فأستطيع العمل أحياناً من المنزل ، كانتّ أسماء شديدةَ الحرص والتفكير بما يُريحني ، عند دخولي إلى المنزل أسمع أصواتاً و كأن المنزل يعجُ بالناس كان ذلك الصوتُ الصادرُ من التلفاز أسماء تُحبُ مشاهدة التلفاز كثيراً في الفترة الأخيرة، رأتني ف قالت مرحباً أحمد العشاء جاهز هل تود..؟
- قاطعتها نعم أسرعي أشعر بالجوع الشديد.
سكبت أسماء وعاءً من شوربة الدجاج بالشوفان دافئةً ولذيذة كالعادة ، سكبت لها ثم نهضت مسرعةً إلى الحمام.
● ماذا يحدث ؟ قلتُ بصوتٍ قلق راكضاً خلفها*
○لا شيء لا تقلق أظنُ أنهُ من الإكثار في تناول المكسراتِ لا غير.
لم تكن تبدو أنها بحاجة للذهاب إلى الطبيب. بعد يومين أخبرتني أسماء أنها حامل، لم تسعها الأرض في تلك اللحظة بدأت بالصراخ والضحك وفعلتُ أنا كذلك كنا كالأحمقين ثُمَّ ارتمينا على السرير ونحن نضحك ونخطط ماذا سنفعل من أجله؟ أسماء سعيدة للغاية تنعكس تلك السعادة في بريق عينيها الأخاذ ،يُقال دائماً أن السعادة مُعدية فرحتُ لفرحها قبل فرحي بكوني سأصبحُ أباً لأول مرة، فترة حمل أسماء كانت شاقة جداً عانت من الوحام لم تكن تستطيع أن تأكل أو أن تحدد الروائح كانت تشتم روائح غريبة ليس لها وجود ، كثرة ُالنوم هو فقط ما كان يُريحُها ، ويجعلني أواصل عملي المتبقي منزلياً دون أي قلق...

-
أربعة أشهر كئيبة انتهت أسماء فيها من الوحام بعد ذلك بدأت نفسيتها بالتحسن تدريجياً ، كُنا قد ذهبنا ذات يومٍ إلى محلٍ لملابس الأطفال وأخذنا لطفلنا أشياءً صغيرةً جداً بألوان مبهجة "لا أظن أنها تُسمى ملابس ل صغر حجمها"، ذهبنا أيضاً إلى محلات الأثاث لننظر لسرائر الأطفال ، كُنتُ سعيداً جداً برؤية أسماء تعيشُ تلك السعادة الغامرة حتى أتى موعد الولادة وأنجبت . . .
-

أفتقدها كثيراً لا أعلمُ إن كان بإمكاني تحمّل ألم فقدها، حتى الآن أنا لم أناقش نفسي في موضوع وفاتها لستُ بخيرٍ أبداً ولا أشعر بأني قد أكون، ما كان يتردد في بالي دائما هو إرسال سارة إلى أُمي وكأنها حقيبةٌ يدوية ، لم أكن لأحتمل النظر إلى وجهها ابداً ، وكأنني أعتبرها قاتلة أمها ، بعد مرور شهر أخذتُ إجازةً رسميةً من ملحق السفارة وعيّنتٌ بديلاً لي حتى أعود ، حزمتُ حقيبة سارة واضعاً مجموعة من أشياءها ،ثم حلقنا بالطائرة بعد مرور أسبوعٍ وصلت إلى وطني الذي خرجت منه برفقة زوجتي أسماء ،أعود إليه الآن حاملاً قطعةً منها والتي أدت إلى موتها ، عند وصولي إلى منزل العائلة وجدت استقبالاً حافلاً أُمي فقط من كانت عينيها مليئة ً بالدموع ، كنتُ هناك " عدن " ل ثلاثة أيامٍ فقط ثم في وقت رحيلي وضعت سارة بين ذراعي أمي دون أن أقبلها ودون أن أشتم رائحتها للمرة الأخيرة ، عِشنا معاً ك أبٍ وابنته تحت سقف واحد لمدة شهر ٤٠ يوماً فقط ، كانت في حياتي لمدة ٤٠ يوماً فقط ك نفاسِ والدتها المتوفاة .
عُدت أدراجي إلى كندا عند دخولي إلى المنزل قمتُ بجمع أغراض سارة المُتبقية وألقيتها في القمامة، لم أكن أنوي أن أحتفظ بشيء يخصها أبداً سوى أن إحدى جواربها اندسَ تحت الطاولة ولم أره حينها ، وجدته ذات ليلة بعد ما دنوت لألتقط ورقةً وقعت من أحد الكتب، أخذت ذلك الجورب ودسسته بين ملابسي، هذا فقط ما احتفظتُ به من ما تبقى لسارة.
-
بعد مرور ٣ أشهر كنتُ قد عانيتُ فيها من ذكرياتٍ قاتلة في أرجاء المنزل قررت تغيير مكان سكني . تقدمتُ بطلبٍ إلى السفارة حتى يعطونني منزلاً آخر ف قبلوا ، كان المنزل أصغرُ حجماً وبدورٍ أرضيٍ فقط ولكن ما كان يُريحني أني أعرفُ حق المعرفة أني لن أجد أسماء عندما أدخل إليه تنظرُ إليَّ بابتسامتها المُعتادة و لن أسمع فيه بكاء سارة ولن أرى فيه لمسات أسماء الحنونة تُزينُ الأرجاء، دفنت ذكرياتي في المنزل السابق وكأن شيئاً لم يكن وانغمست في دنيا الأعمال اللامتناهية ، حتى أن لشدة وقاحتي لم أتصل بوالدتي طيلة تلك الفترة لا لأطمئن عليها ولا على سارة ، لكنهُ قلب الأم لم تكن لتغضب مني ابداً دائماً ما تعطيني اعذاراً تجعلني مُحقاً في نظرها. أظنُ أنها تعلم أني رجائي قد خاب وأني لا أريدُ سماع أي شيءٍ يخصُ سارة وربما تكونُ قد شعرت أني لا أكن مشاعر الأب لابنته في قلبي. .

مولودة الشتاءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن