الفصل الثالث

3.2K 72 2
                                    

.. **نفض تلك الأفكار السيئة عن رأسه وصعد الدرج كلمح البصر.. فوجد صراخ ندى يخرج من غرفته.. فدخل مسرعا ووقف مصدوما مما رآه... وجدها تقف اعلى فراشه وتصرخ مجدداً وتشير بيدها الى خزانة ملابسه المفتوحة.... اعااااااااااااا الحقونيييييييي

وقف صامتا لبرهة وهو يلهث من سرعة جريه .. مستنشقا نفسا عميقا يرد له روحه التى سلبتها صرخات ندى.
ناظراً اليها بغيظ وغضب شديد قائلاً : بس مسمعش صوتك... فضحتينا... ممكن افهم عمالة تصرخى زى المجنونة كده ليه؟ وايه اللى طلعك فوق سريري كده؟. انطقى. اتكتمتى ليه؟ ..
لم تأبه لكلامه وصرخت مجددا اعااااااااااااا الحقونى.. فانطلق اليها مسرعاً ونظرة الشر تملئ عينيه وامسك يديها بقوة يجذبها نحوه حتى قاطعهم  دخول شهيرة. فأفلتت نفسها من بين قبضته مسرعة نحو عمتها وارتمت بحضنها هاتفة : الحقينى ياعمتو هيموتنى...
شهيرة وهى تربت على كتفيها.. : بس ياحبيبتي متخافيش محدش يقدر يمس شعرة منك طول منا عايشة... ونظرت لبسام بتحذير . اياك تقرب منها..

بسام : انا عاوز افهم ايه اللى خلاها تصرخ بالشكل ده وايه اللى دخلها اوضتى اساسا؟ ماتنطقى ياست ندى..
ندى. وهى تتشبث بعمتها وترتجف. : عمتو كانت داخلة الحمام  تاخد دوش وحست بدوخة فقالتلى ادخل اجيب جهاز قياس السكر من دولابك عشان اول ماتخرج م الحمام اقيسهولها... ولما فتحت دولابك لقيت فيه قلب انسان  محفوظ ف برطمان .. واعضاء تانية محفوظة فبرطمانات كبيرة  وريحة الفورمالين مغرقة الدولاب... اتخضيت وخفت .. ومقدرتش امسك اعصابي وفضلت اصرخ... هو انت ايه بالظبط؟ دكتور  ولا قتال قتلة  ياجزار البنى آدمين انت.
اما  بسام وقد استشاط غضباً مما تقوله..  و زم شفتيه وارتسمت ملامح الشر على وجهه وهمّ ان يصفعها على وجهها الصغير لولا يد شهيرة التى منعته.
شهيرة : انت اتجننت.. اقسم بالله لو فكرت تمد ايدك عليها مهيحصلك كويس... ولا انت ابنى ولا اعرفك..
بسام : انتى مش سامعة المتخلفة دى بتقول ايه وبتتكلم معايا ازاى.. ونظر لندى بحنق مكملا حديثه. :ياغبية يااللى مبتفهميش دى حجات بذاكر عليها وبعمل عليها ابحاث وعمليات تجريبية عشان رسالة الدكتوراة بتاعتى.. اومال لو مكنتيش فى كلية طب كنتى عملتى ايه؟. ولا لما يبقى عندك سيكشن فى المشرحة ومطلوب منك تشرحى جثة هتهببي ايه؟... انا اصلا تاعب نفسي ليه وببرر لوحدة زيك متخلفة... انا اللى فيا مكفينى ومش طايق نفسي اتفضلى غورى من وشي ومتقربيش من اوضتى تانى... واخرجهم رغما عنهم واغلق باب غرفته. قائلا :ده ايه يارب البلوة اللى اتبلينا بيها دى..

وقفت شهيرة تدق بابه  كثيرا بغضب شديد هاتفة : هى دى التربية اللى ربتهالك يابيه؟ هى دى الاصول اللى علمتهالك..كبرتك وعملتك دكتور عشان تهين امك واللى منها... ياخسارة تعبيى فيك... وجلست خلف بابه منهكة من الحزن  تندب حظها على عمرها الذى اضاعته فى تربية ابنائها واهتمامها بهم... وتضحياتها بكل شئ من اجلهم ولكن عندما كبرو. تكبّرو..... وتجبّرو
وظلت تقلب في دفاتر الماضي... معاتبة نفسها وابنها..وهى تبكى بقهر وحرقة . : دنا استخسرت اعيش حياتى عشانكو... ابوكو مات وسابنى ف عز شبابى.. ياما رفضت ناس وقولت لا هعيش على زكراه ومستحيل اجيبلهم جوز ام واقهرهم... حرمت نفسي من كل حاجة حلوة نفسي فيها عشان اجيبلكو اللى ف نفسكو انتو... رجعت شغلى تانى عشان اقدر اعيشكو احلى عيشة ومتحسوش انكو اقل من حد... كنت ام واب فنفس الوقت... كنت ف البيت الام اللى بتطبطب وتحن وتدادى وتأكل وتشرب وتلبس  وتسهر على مذاكرتكو. وتعبكو... وبرة البيت كنت الاب اللى بيراعى مصالحكو ويحل مشاكلكو اللى مبتخلصش.. كبرتكو وخلتكو رجالة  ملو هدومكو وتشرفو اى حد. عشان محدش يقول عليكو تربية واحدة ست... بس النتيجة ايه... كل واحد فيكو بقا ملخوم  ف نفسه  و حياته هو ونسيتونى.. البيه الكبير بقيت اشوفه ٥ دقايق كل يومين. يطلع يسلم وينزل عشان مستعجل حتى مراته كل يوم عند اهلها ومشوفهاش غير اخر الاسبوع زى الضيفة... والباشمهندس اكرم طول الشهر مسافر وبيشتغل ف الموقع. والكام يوم اللى بياخدهم اجازة بينزل م الصبح يخرج ويتفسح مع الهانم خطيبته اللى مبتنزليش من زور.  ويرجع ع النوم  كأنه عايش ف لوكاندة.. حتى الست سهام.. اللى كنت بقول دى البنت الوحيدة وهى اللى هتبقا حنينة عليا وبيني بينها كام سلمة  مبتطلعش الا كل يومين  وبردو مستعجلة عشان جوزها وعيالها وشغلها.. ومعلش ياماما اصلي ببقا ملخومة... يابنتى دنا ليا فيكى اكتر منهم.. لكن لاحياة لمن تنادى.. حتى انت اللى كنت بقول عليك اخر العنقود اللى هتعوضنى عن قسوتهم واهمالهم. تعمل فيا كده وتخزلنى.... ايه الوحش اللى عملته معاكو عشان يبقا ده جزاتى..
**
*************
عند ندى في الغرفة مازالت تبكى بحرقة مما حدث.. من هذا الذى سمح لنفسه باهانتها كل هذه الاهانة  وانزل بكرامتها فى الوحل.. كيف يسمح لنفسه ان يضربها ويسُبّها هكذا... وهى طيلة عمرها معززة مكرمة.. هى الرقيقة المدللة لدى الجميع.. والدها بجلال قدره لم يرفع صوته عليها يوما او ينهرها. ولم يفكر في اهانتها او صفعها... بل كانت كل لمساته لوجها لمسات الاب الحنون الذى يستمتع بملامسة ملامح وجه صغيرته الرقيقة حتى يداعبها ويرى الضحكة الرقيقة على ثغرها..... كيف يجرؤ ان يفعل ذلك... وقفت تنظر لنفسها فى المرآة قائلة  : لأ بقا مش انا اللى يتعمل فيا كده.. مستحيل اقعد ف البيت ده لحظة واحدة بعد كده..
همّت ندى تجمع ملابسها واغراضها.. وتلملم معهم اشلاء كرامتها التى جرحها ذلك الوغد الحقير...
مسحت دموعها حتى لاتظهر ضعفها امام احد. وخرجت لتجد عمتها بوجهها.. قامت من جلستها مسرعة اليها..
شهيرة بصوت مبحوح من شدة بكائها : على فين ياندى؟ وايه الشنطة دى؟

ندى القلبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن