الفصل الرابع
ما إن أصبحا وجها لوجه حتى تأملها عاصي مليا رغما عنه ...
ملابسها القديمة الرثة فاجئته ... ملامحها الناعمة أيضا جذبت انظاره ... نظراتها القوية وثقتها بنفسها وهي تقف أمامه وجها لوجه دون أن يرف جفن لها أثارت إعجابه ...
ما إن انتهى من تأملها حتى أطلق تنهيدة صامتة قبل أن يخبرها بنبرته الرجولية الخشنة مشيرا الى المقعد الجانبي لمكتبه :
" اتفضلي ..."
جلست إيلين بثقة على الكرسي أمامه ووضعت قدما فوق الأخرى وقالت بنبرة رزينة أعجبته :
" طبعا انت عارف انا جايه هنا ليه وعشان ايه ...."
" عارف ومستغرب ..."
" مستغرب ليه ....؟!"
سألته بصمود ليرد عليها بجدية :
" عشان متوقعتش انوا الفريسة تجي للصياد بنفسها ..."
ابتسمت ابتسامة ضئيلة وقالت بتهكم :
" بإعتبار إني الفريسة يعني ...."
" بالضبط وانا الصياد اللي هيخطف الفريسة ...."
قالها هو الاخر بلهجة ساخرة لتهتف بترفع :
" مش كل فريسة ممكن تتخطف ... "
رفع حاجبه قائلا بتفاجئ مفتعل :
" امال الفريسة دورها ايه فالحياة ...؟! تتخطف من الصياد... وانتي مش فريسة عادية ... "
" كويس انك عارف اني مش فريسة عادية... عشان كده انت محتاج تاخد بالك مني كويس ....قبل ما تخطو اي خطوة تخصني ..."
" انتي جيتي هنا ليه ....؟!"
كان سؤاله باردا وإجابتها أبرد :
" قلت أختصر المسافة عليك ... بدل متجي بنفسك لإسكندرية عندي ... أجيلك بنفسي وأسهل الوضع عليك ..."
" لا شاطرة ...شاطرة وذكية ...."
قالها متهكما لتقول بنبرة جادة :
" نتكلم فالجد بقى .... عايز ايه وتشيل أخويا من حساباتك .....؟!"
ضحك بقوة فاجئتها قبل أن يقول بنبرة مشدودة :
" أشيل اخوكي من دماغي مرة واحدة..؟! ده انا مستني اليوم اللي الاقيه فيه وساعتها هوريه الي عمره مشافه ...."
" رامي ملوش ذنب ... لو عايز تحاسب حد يبقى حاسب مراتك ..."
نهض من مكانه وخرج من خلف مكتبه متقدما نحوها قائلا :
" مراتي دي حسابها مختلف ..."
ثم أردف بجدية :
" خلينا فأخوكي...الراجل الشهم المحترم اللي بيسرق ستات غيره ... بصي من الاخر .... تاخدي كام وتقوليلي مكان اخوكي ....؟!"
انتفضت من مكانها قائلة بنبرة صارخة :
" انت مجنون ... انت عايزني ابيع اخويا ليك ...."
" اقعدي ...."
قالها بنبرة حازمة أمرة لتعقد ذراعيها أمام صدرها وتنظر اليه بتحدي :
" مش هقعد ... وواضح كده اننا مش هنوصل لأي حل يخص مشكلتنا دي ...."
" مهو انتي لو فاكرة إني ممكن أعفو عن أخوكي تبقى هبلة ...."
" احترم نفسك ...."
قالتها بحدة ليكمل بنفس البرود والتهكم :
" ولو فاكرة انك هتخرجي من هنا بعد ما جيتي بنفسك تبقى حمارة ...."
" تقصد ايه ...؟!"
قالتها وهي تفك ذراعيها لا اراديا لينهض من مكانه ويقول بنبرة صارمة :
" يعني ملكيش خروج من هنا يا حلوة ....لحد ما الاقي اخوكي ومراتي ..."
صاحت به بعدم تصديق :
" انت مجنون ... عايز تحبسني ... فاكر انك تقدر تحبسني عندك ...."
" اه اقدر ونص .... تحبي تجربي ...؟!"
اتسعت عيناها بصدمة من ثقته ولا مبالاته التي يتحدث بها لتتحرك مسرعة نحو الباب وتفتحها وتهتف بهياج :
" هاخرج من هنا غصبا عنك .... وانت مش هتقدر ترفض اصلا ..."
ما ان فتحت الباب حتى فوجئت بمجموعة من الحرس يحيطون المكان بحيث لا تستطيع التحرك إنش واحد خارج الغرفة ...
عادت والتفتت نحوه لتجده يقف على بعد امتار قليلة منها واضعا يديه في جيوب بنطاله يتأملها بنظرات باردة لتصرخ به :
" خرجني من هنا حالا ...."
هتف بها بنبرة قوية :
" ملكيش خروج من هنا الا لما أخوكي يجي ومعاه مراتي اللي سرقها ...."
بدأت إيلين تفقد قوتها تدريجيا فقالت بنبرة شبه منهارة :
' انت متقدرش تحبسني عندك ....انت لازم تخرجني ..."
ليرد بنبرة واثقة مسيطرة :
" أنا أقدر أقتلك مش بس أحبسك ... "
أخذت نفسا عميقا محاولة السيطرة على دموعها كي لا تنفجر في وجهه ثم تقدمت منه تهتف بنبرة هادئة :
" المطلوب مني ايه ...؟!"
أجابها وهو يجلس على الكرسي واضعا قدما فوق الاخرى :
" اخوكي.... المطلوب منك عشان تخرجي اخوكي ...."
" بس انا معرفش هو فين ...."
قالتها بنبرة صادقة ليرد ببساطة :
" خلاص يبقى تفضلي هنا لحد ما ألاقي اخوكي ...ساعتها بس هتخرجي من هنا ...."
رفعت ذقنها عاليا ثم قالت :
" اللي انت عاوزه .... "
نهض من مكانه وقال :
" بالبساطة دي ..."
اومأت برأسها دون أن ترد عليه لتتفاجئ به يقبض على كف يدها ويجرها وراءه بينما هي تنظر الى كفه الذي يقبض على كفها بدهشة وتسير وراءه حتى توقف بها أمام إحدى الخادمات قائلا بنبرة جدية :
" خدي الانسة إيلين لأوضة الضيوف .... هتفضل عندنا لفترة ..."
" حاضر يا عاصي بيه ... اتفضلي يا انسة إيلين ..."
سارت إيلين خلف الخادمة وهي ما زالت مدهوشة بما يحدث حولها ...
بينما اقتربت والدة عاصي منه وتسائلت بقلق :
" فيه ايه يا عاصي ...؟! ايه اللي بيحصل هنا ومين البت دي ...؟!"
التفت عاصي نحوها وقال بنبرة ساخرة :
" ابدا مفيش حاجة مهمة ...كل الحكاية انوا دي تبقى اخت الواطي اللي اسمه رامي ..."
" ايه ...؟! طب ايه اللي جابها وبتعمل ايه هنا ...؟!"
سألته والدته بدهشة وعدم استيعاب مما يحدث ليرد ببرود :
" هتفضل هنا بأمر مني لحد ما الاقي اخوها والهانم اللي هربت معاه ..."
ثم تحرك عائدا الى مكتبه تحت انظار والدته التي لم تستوعب بعد ما قاله ...
............................................................................
دلفت الخادمة الى غرفة الضيوف تتبعها إيلين التي أخذت تنظر الى الغرفة بملامح مصدومة ...
كانت الغرفة فخمة وراقية بشكل مذهل ....غرفة لم ترى مثلها من قبل حتى في الأفلام ...
أفاقت من إندهاشها على صوت الخادمة تسألها :
" لو احتجتي اي حاجة دوسي على الجهاز الي جمب السرير وهتلاقيني انا او وحدة من البنات عندك ..."
اومأت إيلين رأسها بتفهم لتخرج الخادمة من الغرفة تاركة إيلين لوحدها ... جلست إيلين على السرير وأخذت تفكر في هذه الورطة التي أوقعت نفسها بها ...
وفي هذه الاثناء سمعت صوت طرقات على باب الغرفة فسمحت للطارق بالدخول لتدلف والدة عاصي الى الداخل ....
" مساء الخير ...."
قالتها والدة عاصي لتنهض إيلين من مكانها بسرعة وترد عليها :
" مساء النور ... اتفضلي ..."
تقدمت والدة عاصي منها وقالت معرفة عن نفسها :
" انا جيهان... والدة عاصي ..."
" اهلا وسهلا ..."
قالتها إيلين محاولة أن تخفي دهشتها من وجود هذه المرأة في غرفتها لتكمل جيهان متسائلة بجدية :
" هو انا ممكن اتكلم معاكي ...."
" اه طبعا اتفضلي ..."
قالتها إيلين بحرج لتجلس المرأة على الكنبة الموضوعة في أحد أركان الغرفة وطلبت من إيلين أن تجلس بجانبها لتفعل إيلين ما طلبته منها وتجلس بجانبها ...
تنحنحت جيهان قائلة بتردد وحرج كبيرين :
" انا عارفة إنك تبقي اخت ..."
صمتت ولم تستطع الإكمال لتكمل إيلين نيابة عنها :
" اخت رامي اللي سرق مرات ابنك..."
ابتسمت ساخرة وقالت :
" مسرقش .... ياسمين متتسرقش ...ياسمين تروح بإرادتها ..."
" امال إبنك مش عايز يفهم ده ليه ....؟!"
" يفهم إيه ...؟! يفهم إنوا رامي ضحية مثلا وملوش ذنب باللي حصل ...؟!"
قالتها الام بعصبية غير مقصودة لترد إيلين عليها محاولة تبرير موقفها :
" اكيد لا ... رامي غلط وغلطه كبير فحق ابنك .... بس رامي اخويا الوحيد وانا مش مستعدة أخسره ..."
" ولا أنا مستعدة أخسر ابني ...."
" طب والحل ...؟!"
سألتها إيلين بحيرة شديدة لترد الأم بجدية :
" الحل إنوا عاصي ميلاقيش رامي وياسمين عشان ميخسرش نفسه ..."
" طب ازاي ...؟!"
سألتها إيلين بعدم فهم لترد الأم بجدية :
" ازاي دي أنا هقولك عليها ...."
يتبع