الفصل الثاني مكتوب

8.2K 121 33
                                    

"الله يجازيكِ، يا كوثر."

تجاهلت صوت ابنة خالها ..ووضعت جل اهتمامها لفطيرتها في الطبق الوحيد الموضوع أمامها على الطاولة المتوسطة.. وهي تشير لكيس بلاستيكي شفاف أمامها... موجهة كلامها لـ يُسرالتي يظهر علي عينيها امارت استفسار تريد كوثر خنقه : "احضري طبقاً لكِ من المطبخ، وتعالي لنتناول فطيرة ساخنة كنتُ أعددتها له... لكنه رفض حيث كان متلهفاً على المغادرة."

تحركت يُسر بالمكان الضيق حيث المطبخ وهي تنصت لـ كوثر تجلب الطبق المُراد، حتى جلست أمامها وأخذت الفطيرة الساخنة الملفوفة بكيس صغير... أخذت تقضمها بتلذذ، تتحدث بتقطع بين القضمات: "كيف تركتِه يرتدي تلك البذلة المضحكة وهو ذاهب للمجموعة؟! إن أقل ما يُقَال عن مكانها وبنائها ولا أروع ولا أفخم من هذا!"
قضمت مرة أخرى بينما تمضغ كوثر بهدوء، تعرف يُسر جيداً أنه هدوء تدعيه نظراتها... تحدثها بحوار صامت، ولكنها كعادتها لم تقدر على الصمت فعلقت مجدداً: "إنها عار بحد ذاتها... وسترتها القصيرة التي لم تعد تناسب جسده القوى العضلات بعد الآن."

ضحكت كوثر بقوة وهي تتذكر منظر شقيقها الأصغر وثورته الحارقة عندما وجد حقائبه فارغة ولا أثر لملابسه... مما اضطرها لتفسر ليُسر: "لم يكن أمامه مجالاً للاختيار وقد وجد نفسه أمام الأمر الواقع، فمحتويات حقيبتيه كاملتين أرسلتهما مساء أمس متأخراً للعم فرغلي -صاحب المغسلة- ليتم كيّها قبل أن أرتبها بالخزينة، ولكنه أغلق المحل على الملابس." بدون أن تردف أنه ثار عليها كما لم يفعل من قبل... فشقيقها لطيف المعشر معها طوال عمره، هي مَنْ ربته وليس أمهما... وبالرغم من أنها متعمدة أن يغيب عن الموعد وقد قامت بأقدم حيلة نسائية لتمنع أحدهما عن موعده... ولكنها أشفقت عليه كثيراً حين اضطر أن يرتدي ملابس أخرى ولم يجد بهذا التوقيت الباكر غير هذا الحل بديلاً... ثم أردفت بشرود متعجب كونها لا تعلم وضعه المادي الجديد: "تخيلي، كان يريد أن يتوجه لأحد الفنادق أو أحد الأسوق الحرة لشراء بذلة جديدة!"

مسحت يُسر فمها بمنديل ورقي سحبته من العلبة الكرتونية الموضوعة بالقرب منهما وقالت بتساؤل: "أنا لا أعلم حقاً لِمَ لا تريدينه أن يتمم هذه المقابلة! لقد عاد أخيراً من السفر وبدأ نجمه يرتفع... اتركيه ليأخذ حقه من الدنيا ويكون أحد الكبار، هو أولى من غيره ومقابلة وزير ليست حدثاً يُرفَض!"

شردت كوثر بعينيها بعيداً ثم عادت لتتصل بصرياً بمحدثتها وترى شعرها الأسود الطويل يتدلى على ظهرها فوق القميص الأبيض الخاص الذي يشكل جزءاً أساسياً لزي المدرسة الثانوية القريبة من المنزل بالحي الشعبي: "لا أشعر شعوراً جيداً حيال الأمر، هو يقول عمل وأنا أشك بنوايا السيد الوزير... خاصة بهذه الفترة، فالثورة باتت على الأبواب وسوف يُطاح به وبكل حكومته قريباً إن نجحت."
ضحكت يُسر بتعجب كونها تعرف أن ابنة عمتها لا تحب السياسة ولا تقرأ الصحف حتى، فكيف تتحدث بهذا الغلّ... أو لتقل (الشماتة)؟!

عبث أسألك [الجزء الأول من سلسلة حد العشق]حيث تعيش القصص. اكتشف الآن