الفصل الثاني: أهل هيرو

154 9 87
                                    


{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [القصص : 72]

*****

رائحة قوية بدت مألوفة بشكل كبير، ووسط عتمة المكان، كان يشعر بوجوده وحيدا هناك دون أن يتمكن من تمييز أي شيء، شعور غريب أخذ يحيط بقلبه و هو يستدير في كل الجهات محاولا التقاط شعاع واحد من النور وسط تلك الظلمة الحالكة، كان واثقا بأنه وسط مكان اعتاد عليه دائما، فتلك الرائحة و ذلك الشعور يؤكدان ذلك. لحظات مرت بعدها على حاله ذاك لينبثق ضوء ابيض عن يمينه ويظهر خلاله وجه بارد الملامح. كان ينظر إليه غير مصدق مايرى، هو يعرفه، هو بالتأكيد يعرف تلك الملامح لكنها و لسبب ما تبدو مختلفة، أخذ يركض باتجاهه و هو ينادي بصوت مرتعش:

-أسافو، أسافو.

كانت كلماته تذهب بعيدا دون أن تجعل من ذلك الواقف هناك يستجيب لها، و كانت خطواته السريعة تركض في نفس المكان دون أن تجعله يصل إليه، و بالرغم من ذلك لم يستطع الاستسلام وكان يبذل قصارى جهده للوصول دون أن يتوقف عن الصراخ.

التفت ذلك الفتى الواقف أمام النور و أخذ يسير عكسه ليغرق جسده في الظلام شيئا فشيئا إلى أن اختفى وجوده كليا، بينما ازدادت الصرخات من خلفه للحظات ثم انطفأت هي الأخرى و سقط صاحبها على ركبتيه بيأس، و بعدها بثوانٍ معدودة انطلق صوت حاد قادم من كل الجهات ليقول جملة واحدة ثم يتوقف:

-لايمكنك إيجاد النور.. في قلبي.

كان مدركا بالفعل أن كل ذلك كان مجرد حلم وإن كان لا يزال يعيشه، حلم بدا لطيفا عند ظهور تلك الملامح المألوفة وسط النور لكنه سرعان ماتحول إلى كابوس بمجرد اختفائه.
الكثير منا يمر بمواقف مشابهة، أحلام تزور أرواحنا في غفوتنا فنعيش بداخلها و نحن مدركين تماما أنها مجرد أحلام، لكننا نستمر بمسايرتها و قد نفتعل فيها تصرفات بملء إرادتنا و نشعر حينها بالسعادة تغمرتا و نتمنى أن تدوم تلك الأحلام لوقت أطول، و في المقابل، قد تكون الأحلام كوابيسا تجعلنا نقوم باغرب التصرفات فقط لنستيقظ و نخرج أنفسنا من تلك المخاوف وإن كنا ندرك أنها مجرد تخيلات.

كان مدركا لكونه حلما، لكن الخروج منه أمر مستحيل مادامت تلك الشريحة المجهرية مغروسة بين خلايا دماغه، لن يتمكن أبدا من الاستيقاظ قبل أن يصل موعد الحد الفاصل للبلدين. سيبقى حبيسا لأحلامه تلك إلى ان يصل الموعد المحدد. أو ربما تختفي تلك الأحلام بعيدا و يغرق ذهنه في ذلك الظلام اللاشعوري من جديد.

***

كانت صورة ذلك الجدار الرمادي هي كل مايبدو في ذلك الشريط المصور، كان يعرف أنه ينتمي لهذا المنزل بل و يبدو أنه أحد جدران هذه الغرفة، مرت عدة ثوان قبل أن ينطلق صوت أنثوي دون أن يظهر شيء في الصورة:

بين الليل و النهار ثانيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن