الفصل الخامس: حيرة

66 5 17
                                    

- لقد تأخرت عن العمل. إلى اللقاء.

وانصرف مبتعدا دون أن يسمح لراني بالرد عليه. أخذ راني يراقبه للحظات وهو يبتعد وقد شعر برغبة قوية في الصراخ. استدار هو الآخر إلى طريقه وأخذ يسير مهرولا وهو يردد بحنق:

- لماذا أنا ؟! لماذا أدخلتني في أمر شائك كهذا وكأنها تدرك بأنها نقطة ضعفي؟!!

أما آنزا في الجهة الأخرى فقد كان هادئا طول الطريق وبداخله عاصفة هوجاء. وصل إلى مكان عمله بعد مدة وقضى فيه ما تبقى من ذلك المساء بذهن شارد. أخطأ كثيرا في نقل الطلبيات مما جعل زملاءه في العمل يلاحظون ذلك. طلب منه أحدهم العودة مبكرا للمنزل لأخذ قسط من الراحة وسيتولى بدلا عنه واجباته المتبقية. رفض آنزا ذلك في البداية لكن إلحاح زميله ذاك وتدخل بقية زملائه جعله يرضخ لطلبهم ويعود للمنزل بسبب تعبه المزيف الذي ألحقوه به.

تناول آنزا وجبة عشائه التي حضرها بنفسه في المنزل ثم خلد مباشرة للنوم دون أن يعطي انتباها لضوء الكاميرا المنبعث من فوق المكتب.
غاص بأفكاره بعيدا وهو مستلقٍ يتأمل حركة الغيوم السريعة خلف الزجاج بجانبه. كان تصرف راني أكثر ماشغل ذهنه اليوم. ملامحه المرتبكة أخذت تتشكل أمامه بين الغيوم. قصة تلك الفتاة المدعوة بنور ليست عادية. لا شك في أن هناك سرا كبيرا في الموضوع كما اعترف راني. انتبه فجأة لاعتراف راني وقد أخذ يبدو له غريبا. فإن كان حقا يريد إخفاء شيء مهم عنه ماكان ليعترف بوجوده أصلا، ولكان استمر في خلق أعذار أكثر إقناعا من ذلك. هو لم يرد أن يخدعه، أو أن يتصنع أمامه، وهذا يعني أنه لم يرغب في إيذائه بالكذب عليه. لا شك في أن له سببا قويا جعله يتصرف بتلك الطريقة. سببا قويا كفاية ليمنعه من مصارحة أعز أصدقائه.

ابتسم آنزا عند وصوله لتلك النتيجة ثم استدار مستلقيا على جانبه الأيمن ليتذكر حينها كلام راني الأخير بملامحه المرتبكة:

- آنزا.. لوكنت أنت مكاني الآن.. واثق بأنك كنت لتفعل ماأفعله أنا الآن.. وستعذرني عندما تعلم الحقيقة..

ربما معه حق فيما قاله حينها. لم يكن يعلم حقا. لكنه سيقرر حتما عندما يعرف الحقيقة.
هدأت مشاعره فجأة بعد ثورانها طيلة هذا المساء وقد قرر أخيرا الوثوق بصديقه ريثما يخبره بالحقيقة، فهي بعد كل شيء ليست المرة الأولى التي يثق فيها آنزا براني.
أخذت أجفانه تتثاقل شيئا فشيئا بعدها إلى أن غلبه النعاس كليا مع غروب آخر شعاع من أشعة الشمس لذلك اليوم المرهق.

وفي اليوم الموالي. استيقظ آنزا عند الرنين الأول لمنبهه. نظر إلى المكان حوله وقد بدأ يعتاد على غرفته الجديدة. نهض مسرعا بعد أن تذكر أحداث يوم أمس. نظر إلى الكاميرا المضيئة الموضوعة بجانبه هذه المرة وقد لفتته تلك الورقة المطوية بجانبها. فتحها بسرعة ليقرأ مابداخلها المكتوب بعناية:
- رجاءً آنزا.. افتح الكاميرا وشاهد الفيديو..

بين الليل و النهار ثانيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن