ألقيت بالهاتف وسرت متجها إلى دورة المياه، إذ لم أخرج من المنزل قريبا فسأعلق في الزحام.
وضعت رأسي تحت الماء البارد علّ ذلك يخفف الصداع قليلا، وبدأت ألمس شعورا جيدا لانسياب الماء وتخلله بين شعر رأسي، وكأن ذلك أيقظني لأتنبه لأمر لمع في رأسي فجأة، رفعت رأسي وبدأت أتوضأ، لطالما غفلت عن وسيلة التخفف هذه، الرحمة التي أنعم بها ذو الجلال على الضيقة أنفاسهم أمثالي.
-بسم الله- تقذف الطمئنينة وتدفع بالقلب للتوكل، فهو الرب ذو الجبروت الذي باسمه يُستفتح كل فعل يرجى له السداد والبلوغ، هو القوي الذي لا يعجزه شيء، الكامل المعين الذي لا يخيب من قصده بالتوكل، القادر على تيسير الأمر، وقيادة سبيله، وتوفيق مآله.
تحت اندفاع المياه وضعت كفي لأفركهما وملمس كل يد في الأخرى يوصيني بحفظ أختها وتسخيرها لما يرضي الجليل.
حملت الماء إلى فمي لأغسل كل ما علق فيه من آثام، من بقايا السباب واللعان، ونتن من غيبة أو نميمة، من رائحة الحروف المتذمرة المتقاعسة ومن الكلمات السلبية، وتأففات الضيق والضجر، وأي درن مما دخل جوفي من محرمات.
استنشقت الماء، ثم استنفرت بقوة دافعا فساد الروائح المتراكمة من كل خطيئة استنشقتها أو كل ذنب شممته.
غسلت وجهي تاليا، تلمست تفاصيله من أعلى جبهتي مرورا بجفنا عيناي اللذان سالت فوقهما قطرات الماء برفق تذكرهما بنقاء غض النظر عمّا يليق، ومسقطة معها كل الدموع والعبرات التي احتقنت فيهما طويلا.
شمرّت عن ساعديّ وكانت تلك هي علامة بدء المواجهة مع اليوم الجديد، إشارة لاستدعاء الهمة وإيقاظ العزيمة.
مسحت على رأسي، العضو المسؤول عن معظم مشاكلي، مررت يداي فوقه فأخذت رطوبتهما الأفكار العالقة، شعرت بكآبتي تتراجع فزعة، وبالمحرك الثائر في عقلي يخفف من دورانه الهلع، ثم تستقر حركته على رتم ثابت هادئ.
وصلت إلى أذني بعد ذلك، لكل ما سمعت من لغط، ولكل أذى تراكم فيهما، أدخلت اصبعيّ لأتذكر بأن أفعل ذلك خلال يومي وأغلق أذناي عن كل هراء أو كذب أو تلفيق، عن كل إشاعة أو تنابز أو ما يسيء، وأيضا لأنقيهما حتى يكونا مسلكا للحق والعلم وطيب الكلام، اتعاظا بمن سبقني من خلق وضعوا أصابعهم في آذانهم، واستغشوا ثيابهم عن الحق الذي أنزل إليهم، فكان مآلهم الغرق في الضلال.
رفعت قدمي أخيرا، هذا لأن الحياة تمضي ولأن علينا السعي محاولين التقدم والتطور فيها ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، غسلت عنها آفات السير فيما لا يرضي الخالق، وآفات عدم السير فيما يرضيه، سلحتها بالأنفة والعزة حتى لا ترضى الخوض في وحل الظلم والذل، نفضت عنها الهوان والركون إلى الراحة وحجلتها بالبياض.
-أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله- باسمه البدء وبذكره الختام، هو الأول والآخر، الواحد الأحد، والفرد الصمد، عبيده نحن، لا عبيد شهواتنا وملذاتنا، أحرار نحن من كل ما يحاول العالم تكبيلنا به، مقيدين به وحده مالك الملك القوي، الرحيم الذي بعث إلينا برسوله، حبيبنا من إليه تطلعنا ومنانا، قدوتنا وقائدنا، منذرنا من الشرور والآثام، ومبشرنا بالنور والغفران.
أنت تقرأ
ومنكَ السلام -مكتملة-
Spiritualأنتَ السلام، ومنكَ السلام، ولروحي يارب،، اكتب السلام. قصة قصيرة الوسوم: #3 في: ذاتي