مع النَّبِي ١٠ : الخمر !
روى النَّسَائيُّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال :
اجتنبُوا الخمرَ فإنَّها أمُّ الخبائث
إنَّه كان رجلٌ ممن خلا قبلكم تعبَّدَ
فعلقته / عشقته امرأةٌ غويَّة فأرسلت إليه جاريتها
فقالتْ له : إنَّا ندعوكَ للشهادة
فانطلقَ مع جاريتها فطفقتْ كلَّما دخلَ باباٍ أغلقته دونه
حتى أفضَى إلى امرأةٍ وضيئةٍ عندها غلام وباطية خمر
فقالتْ : إني والله ما دعوتك للشهادة، ولكن دعوتك لتقع عليّ
أو تشرب كأساً من هذه الخمرة، أو تقتل هذا الغلام !
قال : فاسقِني من هذا الخمر كأسًا
فسقته كأسا ...
قال : زيديني !
فلم يلبث أن وقعَ عليها، وقتلَ الغلام !
فاجتنبوا الخمرَ، فإنَّها والله لا يجتمعُ الإيمانُ وإدمان الخمر
إلا ليوشك أن يُخرج أحدُهما صاحبهالدَّرْسُ الأوّل :
لو كانت الحياةُ تضعنا دوماً في خيارٍ بين الخيرِ والشّر
لتفضَّلتْ علينا كثيراً !
فخَيارٌ كهذا رفاهيةٌ ليستْ متاحة على الدوام !
ولكنها في كثيرٍ من مواقفها تضعنا بين أمرين، أحلاهما مُرُّ !
وقد قال عمر رضي الله عنه : ليس الفَطِنُ من عرفَ الخيرَ من الشَّر
وإنما الفطنُ من عرفَ خيرَ الشَّرين
واختيارُ أخفّ الأضرار قاعدة أصوليَّة من قواعدِ الشَّريعة السَّمحاء
ولكن أخفَّ الأضرار لا يُقدر بالهوى أو بالمزاج
وإنما يُقدَّرُ بما سيؤولُ إليه من نتائج، وما ينجمُ عنه من تبعاتٍ !
وإنْ كان بالإمكان أن لا تفعلَ أيَّ شرٍّ من بين شرَّين مُتاحين فهذا الأصل
لأنَّ ما تراه شراً أصغر من غيره
فقد يكون في الحقيقة باباً لشرٍّ كبيرٍ وشرارة لنارٍ مستعرة
وانظرْ لصاحبنا وقد اعتقدَ أنَّ الخمرَ أهون شراً من القتل والزِّنا
فإذا به بعد الخمر يقتلُ ويزني ويقعُ فيما هرب منه بدايةً !الدَّرْسُ الثّاني :
الذين يُخيِّرونك بين خياراتٍ متاحة إنما يُؤطِّرونَ تفكيرك
يسجنون عقلكَ بين هذا وذاك
ويوهمونك أنَّ المتاح فقط هو ما عرضوه لك
وهذا يحدث معنا دوماً في الحياة وكمثالٍ بسيطٍ على هذا
لو زرتَ صديقاً وسألكَ : أتشربُ الشَّاي أم القهوة
إنما وضعكَ بين خيارين لا ثالث لهما وليس لك إلا أن تختار
ولكن هذا وذاك لا يكونُ دوماً بهذه البساطة بحيثُ أيُّ خيارِ يفي بالغرضِ
أحياناً يكون الطريقان المعروضان عليكَ طريقين خاطئين
يريدونكَ أن تمشي في أحدهما معتقداً أنه خيرٌ من الأوَّل أو أقلَّ ضرراً
دوماً هناك طريقٌ ثالث أنتَ لا تراه في هذه اللحظة
غابَ عن تفكيرك لأنه لم يكن بين الخياراتِ المتاحة
كُنْ فطناً، وعندما تأتي المِحَنُ خذ الخَيارَ الثَّالثّ غير المدرج على القائمة !الدَّرْسُ الثَّالث :
جعل الله تعالى في النباتِ حياةً دون روح وعقل
وجعل الحيوانات بحياةٍ وروح دون عقل
وجعل الإنسان بحياةٍ وروحٍ وعقل
فالإنسانُ دون عقلٍ حيوان من جهة أنه لا يشغله إلا إشباعُ غريزته
وما سُمي العقلُ عقلاً إلا لأنه يعقلُ صاحبه
أي يربطه أن يفعل ما لا يليق بالناس
لهذا رُفع القلمُ عن المجنون
فالعقلُ مناط التكليف، ومن غابَ عقله فلا حساب عليه
هذا في حال كان ذهابُ العقل قدراً من اللهِ وقضاءً
ولكن من أذهبَ عقله بيده فهو محاسبٌ عمَّا يفعلُ أثناء غياب عقله
فمن شربَ الخمرَ وسَكرَ وقتلَ، يُقتل بمن قتله
ولا أعرفُ لماذا يريدُ البعضُ أن يجعلوا من أنفسهم حيوانات
وقد أكرمهم الله فجعلهم بالعقل بشراً
وإنه لما وصل عبد الرحمن الداخل صقر قريش إلى الأندلس
جاؤوه بزقٍ فيه خمر
فقال لهم : إني بحاجة إلى ما يزيد في عقلي لا ما ينقصه !
وصحيحٌ أنَّ شرب الخمر كبيرة ليستْ مُخرجة من المِلَّة
إلا أن الحديث الشريف يُصور لنا قلب الإنسان كبيتٍ
لا يجتمعُ فيه الإيمان وشرب الخمر معاً تحت سقفه
وإن أحدهما ما يلبثُ أن يُخرج الآخر.الدَّرْسُ الرَّابع :
هذه الدُّنيا مليئة بالمِحن والفتن لأنها دار ابتلاء
وإنَّ البلاء يقع للإنسان بما يهوى بفطرته وبما يكره !
ويوسفُ عليه السلام وقع عليه الأمران
فقد ابتلي بالبُغضِ الشَّديدِ، وبالحبِّ الشَّديد
والبُغضُ الشَّديدُ هو الذي ألقاه في الجُبِّ
والحُبُّ الشَّديدُ هو الذي ألقاه في السِّجن
هذا كان حالُ النَّاسِ مع يوسف فكيف كان حال يوسف مع النَّاسِ ؟!
إنه لما اُبتليَ بمن يكرهه صَبر
ولما اُبتليَ بمن يعشقه بجنونٍ صَبر
فلا شدّة البُغض جعلته ينزل لمستوى إخوته
ولا شدّة الحُبّ له جعلته يطاوع امرأة العزيز
وبرأيي إن البلاء بالبُغض أيسر من البلاء في الحُبّ !
لأننا إذا اُبتلينا بمن يبغضنا
فهو في الغالب لن يُخيِّرنا فيما نُحب
ولكننا إذا اُبتلينا بمن يُحبنا
فهو في الغالب سيعرض علينا حراماً نميلُ إليه بالفطرة
فيوسف عليه السلام كان شاباً وسيماً قوياً يشتهي ما يشتهي الرِّجالُ
فِطرة الله التي فطرَ عليها الناس
ولكنه صبر واعتصم بالله
وإن صبره على امرأة العزيز أشدّ من صبره على إخوته !من كتاب : مع النَّبِي / أدهم شرقاوي