١٥. رفاق الغار

390 17 3
                                    

مع النبيّ 15 : رِفاق الغار !

روى البخاريُّ ومسلم في صحيحهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
بينما ثلاثةُ نفرٍ يتماشون أخذهم المَطرُ
فأووا إلى غارٍ في جبل
فانحطَّتْ على فمِ غارِهم صخرة منَ الجبل،ِ فاطبقتْ عليهِم
فقال بعضُهم لبعضٍ: انظروا أعمالًا عمِلتموها للَّهِ صالحة
فادعوا اللَّهَ بها لعلَّه يفرِّجها عنكم
فقالَ أحدُهم : اللَّهمَّ إنَّهُ كانَ لي والدانِ شيخانِ كبيرانِ، وامرأتي
ولي صِبيةٌ صغار أرعى عليهم،  فإذا أرحتُ عليهم
حلبتُ، فبدأتُ بوالديَّ فسقيتهما قبلَ بَنيَّ
وإنَّهُ نأى بيَ الشَّجرُ يومًا فلم آتِ حتَّى أمسيتُ فوجدتُهُما قد ناما
فحلبتُ كما كنتُ أحلِبُ، فجئتُ بالحَلابِ
فقمتُ عندَ رؤوسِهما أكرهُ أن أوقظَهما من نومِهما
وأكرهُ أن أسقي الصِّبيةِ قبلَهما، والصِّبيةُ يتضاغونَ عندَ قدميَّ
فلم يزلْ ذلكَ دأبي ودأبَهم حتَّى طلعَ الفجرُ
فإن كنتَ تعلَمُ أنِّي فعلتُ ذلكَ ابتغاءَ وجهِكَ
فافرُج لنا فُرْجةً نرى منها السَّماءَ
ففرَّجَ اللَّهُ لهم فُرجةً فرأوا منها السَّماءَ
وقالَ الثَّاني: اللَّهمَّ إنَّهُ كانت ليَ ابنةُ عمٍّ أُحببتها كأشدِّ ما يحبُّ الرِّجالُ النِّساءَ
وطلبتُ إليها نفسَها فأبتْ حتَّى آتيَها بمائةِ دينارٍ
فتعبتُ حتَّى جمعتُ مئةَ دينارٍ فجئتها بها
فلمَّا قعدتُ بينَ رجليها قالت:
يا عبدَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ ولا تفتحِ الخاتمَ إلا بحقِّهِ
فقمتُ عنها!
فإن كنتَ تعلمُ أنِّي قد فعلتُ ذلكَ ابتغاءَ وجهِكَ
فافرُج لنا منها فرجة، ففرجَ لهم فرجةً!
وقالَ الآخرُ: اللَّهمَّ إنِّي كنتُ استأجرتُ أجيرًا بفَرَقِ أَرُزٍّ
فلمَّا قضى عملَهُ قالَ: أعطني حقِّي
فعرضتُ عليهِ حقَّهُ، فرغِبَ عنهُ
فلم أزل أزرعُه حتَّى جمعتُ منهُ بقَرًا، وراعيها
فجاءني وقالَ: اتَّقِ اللَّهَ ولا تظلِمني، وأعطني حقِّي
فقلتُ: اذهب إلى تلكَ البقرِ وراعيها فخذها
فقالَ: اتَّقِ اللَّهَ ولا تهزأ بي
فقلتُ: إنِّي لا أهزأُ بكَ، خُذ تلكَ البقرَ وراعيَها
فأخذهُ فذهبَ به
فإن كنتَ تعلَمُ أنِّي فعلتُ ذلكَ ابتغاءَ وجهِكَ
فافرُج لنا ما بقِي، ففرَّجَ اللَّهُ ما بقي!

الدَّرْسُ الأوّل :
قصَّةٌ مجهولة الزَّمانِ والمكانِ والشَّخصيات
ذاك أنَّ كل هذه الأشياء ليستْ إلا تفاصيل لا تزيد شيئاً لمضمون القصَّة
لطالما كان بيتُ القصيدِ في الأفكار والأعمال
وهذا شيءٌ مشترك بين القَصص القرآنيِّ، والقَصص النَّبويِّ
فحين يُحدِّثنا القرآنُ عن ابني آدمَ عليه السّلام لا يذكر اسميهما
وإنما عرفنا هذا من أخبارِ الأمم السابقة
ذلك أنه إن كانا " هابيل وقابيل " أو " أحمد وخالد " فلا إضافة
ما يعنينا هو موقف كل شخصية من هاتين الشخصيتين
الحَسُود الطمَّاع، رافض حكم الله، قاتلُ أخيه
والمؤمنُ التقي، القوي الورع
الذي ما كان له أن يمد يده إلى أخيه ليقتله ولو بادرَ أخوه
وحين يُحدِّثنا القرآنُ عن مؤمنِ آلِ فرعون يخفي اسمه أيضاً
ذاك أن العبرة في الموقف
وحين يُحدِّثنا عن شاهد يوسف عليه السلام
فلا يذكره إلا " شاهد من أهلها "
وهويته إنّما عرفناها من الأحاديثِ والآثار
لأنَّها تفصيل صغير والمهمُّ منها الموقف لهذه الشَّخصية
والذي جاء من أقصى المدينة يسعى لنصرة المُرسلين في سورة "يس"
ورد ذكره " رجل " هكذا بالتَّنكير
ذلك أن المواقف أهمّ من الناس !
وحين يُحدِّثنا القرآنُ عن النَّمرود لا يذكر اسمه
ذلك أن المهمّ من القصّة موقف الطّغيان لا هوية الطّاغي
وحين يُحدِّثنا عن الذَّبيح إسماعيل عليه السلام لا يسميه لنا
ذلك أنّ المُهمّ هو موقف البرِّ المذهل
وحتى الذين ذُكرت أسماؤهم سواءً في القَصص القرآنيِّ أو النَّبويّ
فإنما ذُكرتْ للموقفِ الذي قامَ به هذا الشخص
فحين يحدِّثنا اللهُ عن محاولةِ إحراق إبراهيم عليه السلام
فليخبرنا عن المجتمعات المريضة، وثبات المؤمن
لا ليسردَ لنا سيرة ذاتية لإبراهيم ولا تأريخاً للأمم السَّابقةِ
وإن كان هذا يتحققُ ضِمنًا في سياق القصّة
وحين يُحدِّثنا عن طوفان نوح عليه السلام
فليخبرنا كيف يُصبحُ النَّاسُ بالضلال أحطَّ من الحيوانات
بنداءٍ واحدٍ تركبُ الحيوانات السفينة
وبتسعمئةٍ وخمسين سنةً من الدَّعوة لا يركبُ معه إلا قليل
وليخبرنا أن الدُّعاة لا يملُّون لأنّه لا تعنيهم النتائج
المهم أن يبقوا سائرين على الطريق !
وحين يُحدِّثنا عن موسى عليه السلام مع فرعون
فليخبرنا أن قدرَ اللهِ نافذ لا محالة رغم أنف الطغاة
قتلَ فرعونُ آلاف الأطفال في طلب موسى
ولمَّا جاء موسى ربَّاه في قصره !
وليخبرنا أنَّ الأسبابَ إنما تجري على النَّاسِ ولا تجري على الله
فالعصا لا تشقُّ بحراً بالعادة ولكنَّها تفعلُ إن أراد الله هذا
لهذا في كل حدثٍ، وفي كل موقفٍ، وفي كل قصَّةٍ
تأمل الفعلَ لا الفاعل، والحدث لا القائم به
ولو تأملتَ في الحياةِ جيداً لوجدتَ أنَّ الصراع بين الحق والباطل
هو ذاته في كل عصر وإنما يتغّير المحاربون
كلُّ طاغيةٍ في أيّ عصرٍ هو فرعون والنَّمرود
وكلُّ داعيةٍ في أيّ عصرٍ هو إبراهيم وموسى
كل جيش للباطل هو جيشُ أبرهةَ وجيشُ قريش يوم بدر
وكلُّ طائفةٍ مجاهدة هي جيشُ يوشع بن نون وجيشُ الصحابة

مع النبيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن