٥. السحابة

551 34 0
                                    

مع النَّبِي ٥ : السّحابة !

روى مسلمٌ في صحيحه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال :
بينما رجلٌ بفَلاةٍ من الأرض، فسمع صوتاً في سحابةٍ :
اسقِ حديقة فلان !
فتنحّى ذلك السحاب، فأفرغَ ماءه في حَرّةٍ / جهةٍ
فإذا شَرجةٌ / قطعة أرضٍ من تلك الشِّراج قد استوعبتْ ذلك الماءَ كلَّه
فتتبّعَ الماءَ فإذا رجلٌ قائمٌ في حديقته يحولُ الماء بمسحاته
فقال له : يا عبد الله، ما اسمك ؟
قال : فلان، - الاسم الذي سَمِع في السَّحابة -
فقال له : يا عبد الله، لمَ تسألني عن اسمي ؟
فقال : إني سمعتُ صوتاً في السَّحاب الذي هذا ماؤه، يقول :
اسقِ حديقة فلان - لاسمك - ، فما تصنعُ فيها ؟
قال : أما إذ قلتَ هذا، فإني أنظرُ إلى ما يخرجُ منها
فأتصدَّقُ بثلثه، وآكلُ أنا وعيالي ثلثاً، وأردُّ فيها ثلثه !

الدَّرْسُ الأوَّل :
من أقامَ أمرَ اللهِ أقامَ اللهُ أمرَه
ومن سخَّرَ ما بين يديه للهِ سخَّرَ اللهُ له ما بين يديه
وكلُّ هذا الكون بيد الله
فكُنْ لله كما يُحبّ يكنْ لكَ كما تُحبّ
وثِقْ أنَّ قوانين الدُّنيا تحكمُ النَّاسَ ولا تحكمُ الله
فلأجلِ عبدٍ صالحٍ يخرقُ سبحانه هذا القانون الذي وضعه ليحكم العالم
وإنّ الله قد يعطي الصالح بصلاحه ما يعطي النبيّ بنبوِّته !
ألم ترَ أنَّ ناراً ملتهبة صارتْ لإبراهيم عليه السّلام برداً وسلاماً
وحوتاً مفترساً صار ليونس عليه السّلام حضناً ووعاءً
وسكِّيناً حاداً صار في رقبة إسماعيل عليه السّلام عاجزاً
وهذه غمامة يسوقها مَلَكٌ لأجل رجلٍ واحد
أراد الله يومذاك أن لا يسقيَ القوم
ولكنه علمَ أن له عبداً ليس أهلاً لأن يُحرم معهم
فغيّرَ قانون العالم لأجله
شأن السَّحاب أن يسقيَ الكلّ
ولكنها سحابةٌ مخصوصة لعبدٍ مخصوص
أصلحَ دينه، فأصلح الله له دنياه !

الدَّرْسُ الثَّاني :
الشُّهرة الحقيقية ليستْ أن تكون معروفاً في الأرض
وإنما أن تكون معروفاً في السماء !
هذا فلاَّح مجهولٌ في الأرض
ولكنه معروفٌ في الملأ الأعلى
يصْدرُ الأمرُ من المَلِكِ إلى المَلَكِ أن سُق الغمام لأرض فلان
لو نادانا فنَّانٌ باسمنا لطرنا فرحاً
ولو نادانا وزيرٌ باسمنا لما وسعتنا الأرض
ولو نادانا رئيس باسمنا لما رأينا في ذلك اليوم أحداً من فرط السعادة
هذا الحال وعبد ينادي عبداً !
فكيف هي الحال وملك الملوك يصدر قراراً سماوياً :
اسقوا أرض عبدي فلان !

الدَّرْسُ الثَّالث :
قالوا قديماً : العمل عبادة !
هذا صحيح، ولكن العمل الذي يُسقط حقَّ الله هو عبادة للشيطان
هناك من يضبطُ مُنبِّهه على صلاةِ الفجر
وهناك من يضبطُ مُنبِّهه على ساعة الدوام
وشتان بين من يعرفُ أنه خُلق للعبادة
وبين من يعتقدُ أنه خُلق للحراثة !
للعبادة وقت، وللعمل وقت
ومن أجّلَ العبادة حتى يفوتَ وقتُها لأجْلِ العمل فقد أساءَ الأدب مع الله
إذ اعتقدَ أنه يرزقُ نفسه
إنَّ الرِّزقَ الذي نطلبه بالعمل هو أساساً عند الله
فكيف نطلبُ من الله ما نحبُّ بما يكره !
" الشَّيطانُ يعِدُكم الفقرَ والله يعدِكُم مغفرةً منه وفضلاً "
يكون العملُ عبادة عندما نقومُ بحقِّ الله قبل حقِّ ربّ العمل
والمتواكلُ من كَسْبِ غيره بحجة العبادة
ليس أفضل حالاً من تارك الصلاة لأجل العمل !
فقد قال سيدنا: " ما أكلَ امرؤٌ طعاماً خير من كسب يده، وإن نبيَّ الله داود كان يأكل من كسب يده "
" ولأَنْ يحمل أحدُكم حبلاً فيحتطبَ خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه "
وقال عن الماكث في المسجد وأخوه ينفق عليه : أخوه خير منه !
سِرَّ الحياة الموازنة
والأمر لم يكن يوماً أعْبُدُ أم أعمل
كان المسيح عليه السلام نجاراً في أرض الجليل وهو من أولي العزم من الرسل
وكان لشعيبٍ عليه السّلام غنم ترعاه ابنتاه لأنه بلغ من العمر عتياً
وعندما زوّج موسى عليه السّلام إحدى ابنتيه كان المهر العمل
هذا حال الأنبياء فما بال الذين دونهم ؟!

الدَّرْسُ الرَّابع :
الجَّزاءُ من جِنس العمل !
الذي سخّرَ أرضه لرضا الله حفظها له
حين أراد سبحانه أن يُعاقب الناس
لهذا كُنْ على ثقةٍ
ما سخّرت مالاً لله إلا نمَّاه لكَ، وما نقصَ مالٌ من صدقة
وما سخّرت دقائق لقيام الليل
إلا وضع الله فيك نشاطاً يفوق ما وضعه بالذين ناموا الليل بطوله
هناك شيء اسمه البركة لا نلتفتُ إليه
والأشياء لم تكن يوماً بالكمِّ بل بالكيف
كلنا نعرف شخصاً يجمعُ المال من حرام
ومع هذا يشكو قلته
ونعرف شخصاً يتحرَّى الحلال فنستغرب كيف يكفيه هذا القليل
وقد قال عمر رضي الله عنه : إني لا أسأل الله الرزق فقد فرغ من قسمته
ولكني أسأله البركة فيه !

من كتاب : مع النَّبي

مع النبيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن