مع النَّبي ١٤ : الذي قتل مئة نفس !
روى مسلم في صحيحه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال :
كان فيمن كان قبلكم رجلٌ قتلَ تسعةً وتسعين نفسًا
فسألَ عن أعلمِ أهل الأرضِ، فدُلَّ على راهبٍ
فأتاه فقال : إنه قتلَ تسعةً وتسعين نفسًا فهل له من توبة ؟
فقال : لا
فقتله، فكمَّلَ به مئة !
ثم سألَ عن أعلمِ أهلِ الأرض، فدُلَّ على رجلٍ عالمٍ
فقال : إنَّه قتلَ مئةَ نفسٍ فهل له من توبةٍ ؟
فقال : نعم، ومن يحولُ بينَه وبينَ التوبة
انطلقْ إلى أرضِ كذا وكذا
فإن بها أناسًا يعبدون اللهَ فاعبد اللهَ معهم
ولا ترجعْ إلى أرضكَ فإنها أرض سوء
فانطلقَ حتى إذا نصفَ الطريق أتاه الموت
فاختصمتْ فيه ملائكةُ الرَّحمةِ وملائكةُ العذابِ
فقالتْ ملائكةُ الرَّحمةِ : جاءَ تائبًا مقبلًا بقلبِه إلى الله
وقالتْ ملائكةُ العذابِ : إنه لم يعملْ خيراً قط
فأتاهم مَلَكٌ في صورةِ آدميٍّ، فجعلوه بينَه
فقال: قيسُوا ما بين الأرضين، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له
فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرضِ التي أراد
فقبضتُه ملائكةُ الرَّحمةالدَّرْسُ الأوَّل :
إذا أشكلَ عليكَ أمرٌ في دينكَ فاقرعْ بابَ العَالِمِ لا العابدِ
عبادةُ العابد لنفسه وجهلِه للنَّاسِ
وتقصيرُ العالم في العبادة على نفسِه وعلمه للنَّاسِ !
إذا مرضَ أحدُنا قرعَ بابَ الأطبَّاءِ
وإذا تَلِفتْ سيَّارتُه سألَ عن أمهرِ ميكانيكيٍّ
وإذا أراد تفصيلَ طاولةٍ بحث عن نجَّارٍ فذّ
وإنَّ الدِّين أغلى من كل ما سبقَ فنأخذه من أهله
ليس كلُّ روَّاد المساجدِ علماء فقهاء
العبادةُ أمرٌ محمود ولكنها شيء، والعِلمُ شيء آخر
حتى الصَّحابة لم يكونوا جميعاً أهل فتوى
وإنما كانوا يتمايزون
فهذا أُبي بن كعب رضي الله عنه أقرأُ الصَّحابة لكتابِ اللهِ
وهذا معاذُ بن جبل رضي الله عنه أعلم الصَّحابةِ بالحلال والحرام
وعندما أراد الصِّديقُ رضي الله عنه جمع القرآن ومن بعده عثمان
أوكلوا الأمر لأبيّ بن كعبٍ لا إلى خالد بن الوليد
وعندما أرادَ خوضَ حروب الردة ولّى على المسلمين خالداً رضي الله عنه
إنَّ هذه الدُّنيا اختصاص، ولكلِّ عِلمٍ أهله
وعندما جاءَ الزِّبرقانُ بن عديّ إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما
يشكُو إليه أنَّ الحُطيئة قد هجاه قائلاً :
دع المكارمَ لا ترحلْ لبُغيتها
واقعدْ فإنك أنتَ الطاعمُ الكاسِي
قال له عمر على ضلوعه في الشعر: ما أرى فيه هجاءً
فقال له الزبرقان : أيكون حسبي من المكارم أن أُطعم وأُكسى ؟
فأراد عمر رضي الله عنه أن يتثبت
فلم يرسلْ في طلب أُبيّ وهو أقرأُ الصحابةِ لكتاب الله
ولا إلى ابن عباس وهو ترجمانُ القرآن
ولا إلى معاذٍ وهو أعلمُ الناس بالحلال والحرام
ولا إلى أبي هريرة وهو أكثرُ الصحابة رواية للحديث النبوي
وإنما أرسلَ في طلبِ حسَّان بن ثابت
لأنَّ القضية شِعر وأهلُ الفتوى فيها هم الشُّعراء
فقال حسان : لم يهجه فقط، بل ذرقَ / بال عليه
كناية عن شدّة الهجاء
فحبس عمر رضي الله عنه الحُطيئة !