كان الجو بارداً، مع إشراقة يوم الثلاثاء؛ استيقظت العصافير و ملئت زقزقتها الأنحاء، كأنها تحتفل بإطلالة هذا اليوم المميز، اليوم الذي انتظرته مرام منذ شهور و الذي سيغير حياتها للأبد.
نهضت مرام من فراشها لتغتسل، ثم تأكدت من جاهزية حقائبها للرحلة؛ ناداها والدها من الطابق الأرضي:
-مراام!
-نعم أبي؟
-أسرعي، أتريدين تفويت رحلتك؟
-شارفت علي الإنتهاء أبي، اعتذر عن التأخير.
انطلقت العائلة في طريقها إلى المرفأ، انظموا إلى الركاب الصاعدين على متن السفينة،
عندها رأت مرام شادي، شاباً متوسط القامة له عينان زرقاوتان يمكنك تمييزهما من بعيد و شعر أسود قصير، شعرت أنه مألوف لها لكنها لم تره من قبل.
اتجهت العائلة إلى غرفتها، السيد رشاد و السيدة سمية و إبنتهما الوحيد مرام، التي لم تشبه والديها، فقد كانت عيناها الخضراوتان المائلة للفضي، و شعرها الرماديٌ الناعم الذي يغطي كتفيها يجعلانها مميزة بين الجميع.
دلفوا إلى الغرفة، وقد اعجبتهم الإطلالة من النافذة، اختارت مرام السرير المجاور لها فقد كانت تحب البحر كثيراً، فكانت دائماً كلما شعرت بالحزن تخرج لتتمشى على الشاطئ منتظرتاً غروب الشمس الذي تحبه، فهي تحب كل ما له علاقة بالطبيعة، خاصةً فصل الشتاء فمنظر المطر من نافذتها كان جميلاً و نسمات البرد فيه تزيدها نشاطاً.
كل همها دراستها لم يعرف الحب لقلبها طريقا تعتبره شعوراً غبياً يدفع الإنسان لفعل أي شيء فقط لإرضاء محبوبه.
ألقت نظرةً على البحر قائلتاً:
-يا له من شعور غبي، لن تتمكن مني مشاعرٌ سخفية كهذه.
استلقت على الفراش مطالعةً السقف و جفناها مثقلان من التعب إلى ان غلبها النعاس.
في الجهة الأخرى من السفينة، حيث كان شادي جالساً على سريره، يتذكر أخاه الوحيد ، الذي فارق الحياة منذ سنتين، كان شهين يكبره بخمس سنوات و كان يحبه كثيراً و عندما تجاوز شهين العشرين صار يعامل شادي كأنه ابنه لكثرة إنشغال والديه، أحبه شادي و تعلق بيه كثيراً.
تمنى شادي لو رافقه أخوه في رحتله لكن شائت الأقدار ان تأخذ شاهين في حادث سيرٍ أليم بعمر الخامسة و العشرين.
قاطع والده تفكيره عندما قال له:
-بني، سنخرج أنا و والدتك لنتمشى قليلاً، أترافقنا؟
-أجل، قادم.
خرجوا لتنشق نسيم البحر اللطيف و البارد ثم عادو للغرفة، استلقى شادي على سريره ليغرق في دوامة أفكاره مرةً أخرى.
و مرت الأيام كل يوم يشبه الأخر حتى جاء اليوم الرابع؛ اليوم الذي لم يكن في الحسبان.
في اليوم الثالث كان الجو متقلباً و عاصفاً قليلاً، لكن في اليوم الرابع اشتدت العاصفة و هبت رياحٌ قوية، لكن السفينة صمدت في وجهها إلّا أن الأمواج كانت في غاية القوة و ما انفكت إلا تزيدُ قوتاً.
أُطلِقَ الإنذار طالبين من الركاب الذهاب لقوارب النجاة سيطرت حالة الذعر على الجميع، تمكن البعض من الركوب من بينهم السيد الأيمن و السيدة سماح والدا شادي، لكن شادي أبى الهروب بَقِيَ ليساعد الركاب و يُهَدِّأ من ذعرهم قليلاً.
لم تستطع مرام و والديها الصعود لأيٍ من القوارب، هم و شادي و بعض الركاب سيئي الحظ تركوا على السفينة فاقدين الأمل منتظرين النهاية.
البعض بدأ يودع أحِباؤَهُ و البعض يبكي بحرقة فجأة عم هدوء غريب توقفت الأمواج هدأت السفينة قليلاً إلى أن تَكْسِرَ موجة عاتيةٌ ضخمه ذلك الهدوء، جعلت السفينة تنقلب رأسياً هرع بعض الركاب للطاولات و الكراسي الخشبية ليستخدموها كطوافاتٍ تنجيهم الغرق؛
سقطت مرام عن ظهر السفينة فأمسك بها شيءٌ ما بقوة حاولت جاهدتاً الإفلات من قبضته لكن كل محاولاتها باءت بالفشل، لمحها شادي فقفز مندفعاً لينقذها لم تعرف مرام من يحاول انقاذها حاولت النظر إلى وجهه لكن ظلام الليل الدامس منعها، حاول شادي أنقاذها لكن الشيء سحبهما معاً بقوة كبيرة.
اغمضت مرام عيناها فاقدةً الأمل تاركةً نفسها للموت المُحَتَّم.
بعد لحظات شَعَرَت بشادي يسحبها ففتحت عيناها لترى أن سطح الماء قريب، سبح بها شادي إلى السطح،
ليَرَوْا أعجب ما في الوجود، منظراً غريباً تماماً، خارجاً عن المألوف لا مثيل له.
يتبع...
أنت تقرأ
أَرْضُ كَامَا
Fantastikأرض بابها البحر، كن قويًا لتدخلها أو مت وأنت تحاول. كل من دخلها خرج منها شخصًا أخر.