الفصل الرابع

460 26 19
                                    

كنتُ أسير بساحة المعهد وأنا أضرب الأرض بقدمي بغضب ، بينما كانت (ميسون) تسير من خلفي وهي تقول بملل
"لما كل هذا الغضب مياده ، المهم أننا اجتزنا الامتحان وانتهينا"
توقفت (مياده) عن السير لتستدير باتجاهها بعنف ، لتقول بعدها بقوة وهي ترجع شعرها للخلف
"بل هناك داعي للغضب ، عندما يكون هناك ظلم بالامتحان ، فأين العدل بما فعله الأستاذ عندما أدخل مادة غير مشروحة بالامتحان"
تأففت (ميسون) بنفاذ صبر وصديقتها تعيد نفس الاسطوانة منذ أن خرجا من قاعة الامتحان ، فهذه هي (مياده) لا تحتمل الظلم ابدا ودائما تدافع عن الحق بكل قوة وشراسة ، عادت (مياده) لتسير بعيدا عن صديقتها وهي تتبعها ، لتصطدم بعدها بجسد رجل بقوة قبل أن تراه أمامها ، رجعت (مياده) للخلف عدة خطوات لتنظر لهوية الشخص الأعمى والذي اصطدم بها ، لتتسع عينيها بذهول وهي تنظر ل(كريم) ولجسده القوي والذي اصطدم بها .
أدارت (مياده) بسرعة عينيها جانبا وهي تتابع سيرها بمحاذاته وبعيدا عنه ، وما أن تجاوزته بعدها حتى سمعته وهو يقول من خلفها بهدوء واتزان
"أريد التحدث معكِ مياده"
توقفت (مياده) فجأة عن السير وهي تستمع لنبرته الحزينة والهادئة ، لكنها لم تتنازل لتستدير إليه بل قالت له بغرور وهي تعطيه ظهرها
"هل كنت تكلمني يا سيد ، أم أني أتوهم ذلك"
التفت إليها (كريم) وهو يقول بملل من تصرفاتها المغرورة
"بل أكلمك انتِ ، فهل تسمحين لي بأن نتكلم معاً على انفراد"
التفتت إليه (مياده) وهي على وشك الاعتراض لولا تدخل (ميسون) وهي تقول بعجلة
"لا بأس مياده أنا سأذهب وانتظركِ بمكاننا المخصص تعرفينه"
غادرت (ميسون) بسرعة وهي تبتسم بلطف لصديقتها الغاضبة من تصرفها ، كان عليها فعل هذا من أجلها فهي تحتاج للتكلم معه والتقرب منه ، فقد أصبحت بالآونة الأخيرة متقلبة جداً ولا تطاق وخاصة بعد مباراة (مارك) والتي لم تحضرها جيداً .
كنتُ أنظر لمكان اختفاء صديقتي بعبوس وتجهم ، لالتفت بعدها ل(كريم) وأنا أكتف ذراعي فوق صدري واقول بنفاذ صبر
"بماذا تريد التكلم معي"
قال (كريم) بغموض وهو يمسك بمعصمي ويسحبني خلفه
"ليس هنا ، سنذهب لمكان آخر نتكلم به بحرية"
كانت (مياده) تنظر ليده الممسكة بمعصمها وهي تشعر بمشاعر غريبة تجتاحها لم تكن تعلم عنها ، لتنتفض بعدها وهي تنظر للمكان والذي وصلت إليه دون أن تنتبه له وهي الحديقة الخلفية والمخصصة لكرة القدم والتي لا يتواجد بها الكثير من الطلاب بهذا الوقت لعدم وجود مباراة بها الآن ، توقف (كريم) فجأة ليترك معصمها وهو يستدير لها بهدوء ، أدارت (مياده) حدقتيها بعيدا عنه وهي تنظر للمكان الشبه خالي إلا من تجمعات طلابية قليلة ، قال (كريم) فجأة وبدون أي مقدمات
"أمازال ذلك المزعج يلاحقك حتى الآن أو يضايقك بشيء"
نظرت له (مياده) باستغراب وهي تفكر بكلامه الغريب وما مناسبته ، لتقول بعدها ببرود وعدم مبالاة
"هذا ليس من شأنك ابدا"
تنهد (كريم) بإحباط فهي مازالت غاضبة منه ويبدو عليها أنها ستنفجر به بأية لحظة ، ليقول بعدها بابتسامة حاول جعلها لطيفة
"إذاً أنتِ مازلتِ غاضبة مني بسبب الذي قلته لكِ"
ردت عليه (مياده) بسرعة وهي تنظر له بغضب وحزن
"وماذا تظن مثلا أن أكون سعيدة بعد أن شككت بي وبإيماني بنفسي ، صحيح أنني أصادق الشبان ولكني فتاة محافظة"
قال (كريم) وهو ينظر جانبا وبشرود
"وماذا كنتِ تتوقعين مني وأنا أراكِ تتفاعلين معه بمباراته لا وأيضاً تضربين كفه بحماس"
أدارت (مياده) عينيها بتفكر وهي تتذكر ما حدث تماما ، لتقول بعدها بجدية خافتة
"كان عليك أن تسأل أولاً قبل أن تحكم على ما رأيت ، وأيضا انا لم أقصد أن أضرب كفه بل هو من ضربها صدفة"
نظر لها (كريم) براحة فقد حصل على التفسير والذي كان يريده وعرف كل شيء أراده منها الآن ، ليقول بعدها بحرج وهو يحك رأسه بتفكير
"أنا اعتذر على شكِ بك ، فقد فهمت الموضوع خطئاً"
نظرت له (مياده) وهي تحرك كتفيها بلا مبالاة وتقول ببرود
"لا بأس لا داعي للاعتذار"
عبست ملامح (كريم) من لا مبالاتها وبرودها على غير عادتها ، ليقول بعدها بابتسامة جانبية وهو يدقق النظر بها جيداً
"إذاً هل تقبلين بصداقتي ، أم أن الأوان قد فات عليها وضاعت عليّ"
اتسعت عينيّ (مياده) العسلية بعدم تصديق وهي تستمع لكلامه والذي نطق به للتو ، لتقول بعدها ببلاهة شديدة لا تناسبها
"ماذا قلت الآن"
ردّ عليها (كريم) وهو يبتسم لها ابتسامة واسعة
"انتِ قلتِ بأنك لا تمانعين مصادقة الشبان ، لذا أريد أن نكون اصدقاء فما رأيك"
كانت (مياده) ماتزال تنظر له ببلاهة وهي تفكر أن ما كانت تريده قد تحقق أخيراً ، ولكن بعد ماذا بعد أن قررت نسيانه نهائياً وبعد أن اهانها وشك بها بمباراة (مارك) ، نفضت (مياده) هذه الأفكار عن رأسها فقد اعتذر منها بالنهاية وهي تستحق صداقته والتي سعت من أجلها طويلاً ، لتقول بعدها بابتسامة جذابة وهي ترفع رأسها بغرور
"أجل أكيد لا أمانع ، ولكن عليك أن تعلم أن هناك حدود بصداقتي"
ردّ عليها (كريم) وهو ينظر لها بإعجاب يزداد أكثر
"أجل أعرف هذا ، وأتمنى حقاً أن أكون صديق عند حسن ظنك"
كانت (مياده) تنظر له بسحر وهي تقول بنفسها بسعادة ستكون أفضل صديق يمر عليّ بحياتي ، ليقطع عليها تأملها صوت (كريم) وهو يقول بحيرة
"لما كنتِ غاضبة قبل قليل عندما اصطدمت بكِ ، هل حدث معكِ شيء سيء"
تذكرت (مياده) فجأة موضوع الامتحان وظلم الأستاذ معهم بعد أن نسيته تماما ، لتنظر بعدها ل(كريم) وتبدأ بالكلام له عن كل ما حدث معها بالامتحان وعن الأستاذ وظلمه ، ولم تنتبه عندها لنظرات (كريم) المعجبة بها وبشخصيتها ، فيبدو بأن هذه الصداقة ستجعله يتعرف عليها ويتقرب منها أكثر .
________________
أخرجتُ الأطعمة المغلفة من الأكياس لأضعها على الطاولة وأنا أزيل الغطاء عنها ، نظرتُ بعدها لما تبقى بالكيس من أطعمة مغلفة وبعض المقبلات لأغلق عليها الكيس بإحكام لتبقى ساخنة حتى عودة (لؤي) ، قبضت يداي فجأة على الكيس وأنا أشرد بعيدا منذ اختطافي بل منذ عودتنا من المصنع القديم ، لن أنسى ابدا تلك الليلة والتي غيرت حياتي تماما والتي نمت فيها بأحضان (لؤي) بدون أن أشعر بنفسي ، بعدها عندما استيقظت باليوم التالي لم أجده بجانبي بل غادر للعمل بدون أن أشعر به وكأنه ليس (لؤي) نفسه والذي نمت بأحضانه بدون أن يلمسني ، بعد تلك الليلة أصبح يطلب مني دائما النوم بأحضانه وبسريره كل ليلة وحتى إذا وجدني نائمة قبل عودته من العمل يأخذني من سريري ليضعني بأحضانه وبسريره ، بينما أنا لم أعترض على تصرفاته الجديدة معي فقد كنتُ أشعر بالدفء والراحة بأحضانه بعد يوم طويل وبارد ووحيد بالقصر الموحش ، ولا أعرف إذا كنتُ أخطأ حقا بسماحي له بفعل هذا معي أم لا ولكنه يبقى أفضل بكثير من تصرفاته معي ببداية زواجنا ، فالمهم عندي الآن أن استمتع بهذه اللحظات وبعدها سأفكر بمصير علاقتنا معاً .
انتفضتُ فجأة ما أن سمعت صوت باب القصر يفتح بهدوء ، ليس هناك سوى شخص واحد يستطيع الدخول للقصر ، ولكن ما لذي جاء به الآن أنه ليس موعد عودته من العمل ؟ تنهدتُ عندها براحة ما أن سمعت صوت خطواته تصعد للسلالم فيبدو أنه عاد لأنه نسي شيئاً مهماً يخص العمل ، تابعتُ بعدها عملي بترتيب المائدة وأنا أضع الأطباق والملاعق بأماكنها المخصصة .
بعدها بلحظات سمعت (سائدة) صوت خطواته تقترب من المطبخ ، بينما هي كانت مشغولة بتحضير القهوة بالأبريق الكهربائي ، ليدخل بعدها (لؤي) بسرعة بدون أن يعطيها أي انتباه ولا للمائدة المليئة بالأطعمة وهو يتجه للبراد من فوره ، أخرج (لؤي) عبوة ماء ليبدأ بشربها برشفة واحدة ، وما أن أغلق بعدها البراد وكان على وشك المغادرة حتى سمع صوت (سائدة) من خلفه وهي تقول بخفوت
"لقد وصل الطعام الآن وهو ساخن ، فما رأيك أن تتناول القليل منه من على المائدة"
استدار (لؤي) باستغراب وهو ينظر للأطعمة المتنوعة من على المائدة والتي يتصاعد منها الدخان ، ليقول بعدها بغموض وهو ينظر لها بتدقيق
"وانتِ ألم تتناولي شيئاً منه حتى الآن"
حركت (سائدة) رأسها بالنفي بهدوء بدون أن تقول شيئاً ، ليتقدم بعدها (لؤي) باتجاه المقعد وهو يضع الملف والذي جاء من أجله جانبا ، ليجلس بهدوء أمامها وهو يلتقط الملعقة ويقول بابتسامة هادئة
"هيا أجلسي ، أم لا تريدين تناول الطعام معي"
كانت (سائدة) ستعترض ولكنها منعت نفسها بآخر لحظة فهي التي ورطت نفسها ودعته للطعام لذا عليها أن تتحمل تبعات غبائها ، ولكنها فعلت ذلك لأنه ليس من العدل أن يحضر هو الطعام دائما ولا يتناول منه شيئاً .
تقدمت (سائدة) باتجاه المقعد أمامها لتجلس عليه بهدوء وهي تنظر ل(لؤي) كيف يتناول طعامه بشرود ، لتلتقط بعدها الملعقة وهي تتناول من الطبق أمامها باتزان ، انتفضت (سائدة) بعدها بلحظات واقفة عن مقعدها عندما بدأ (لؤي) بالسعال بقوة ، لتلتقط بعدها كأس من على المائدة وهي تسكب بها الماء من الزجاجة ، لتتجه من فورها لمقعد (لؤي) وهي تعطيه الكأس بيده ، أمسك (لؤي) بالكأس وهو يقربها من شفتيه ليشربها عندها دفعة واحدة وهو ما يزال يسعل بقوة ، لم تشعر (سائدة) بنفسها إلا وهي تربت على ظهره بهدوء بكفها ليهدأ سعاله قليلاً ، ليتحول بعدها تربيتها لمسح هادئ على ظهره مثل المسح على قطة صغيرة ، قالت (سائدة) بقلق وهي تنظر لتنفسه الحاد والسريع
"كيف تشعر الآن ، هل تحسنت"
نظر لها (لؤي) بعينيه الخضراوين والتين احمرتا ودمعتا بسبب سعاله القوي ، لتبعد بعدها (سائدة) كفها بسرعة عن ظهره بعد أن وعت على نفسها وعلى تهورها ، قال (لؤي) وهو ينقل نظره منها للطبق أمامه باهتزاز بفعل سعاله القوي
"أيوجد بهذا الطبق فلفل حار ، فأنا لدي حساسية منه"
نظرت (سائدة) للطبق أمامه وهي تتذكر أن نصف الأطعمة تتكون من الفلفل الحار ، ولكنها وزعت الأطباق على المائدة بدون أن تهتم من بها فلفل حار ومن ليس بها ، وما أدراها هي بحساسيته وهما لم يتناولاَ الطعام معا على المائدة بحياتهما ، تذكرت فجأة كيف كانت حياتهما بهذه السنتين فقد كان كل منهما يتناول طعامه وحده وبدون أن يسئل عن الآخر ، قالت (سائدة) بعدها بشرود وهي تنظر جانبا بعيدا عنه
"لم أكن أعرف عن حساسيتك ، لهذا لم أنتبه"
وقف (لؤي) فجأة عن مقعده ليمسك بالملف بيده وهو يقول بابتسامة مهتزة
"لا بأس ، انا سأغادر للعمل الآن فقد تأخرت عليه كثيرا"
استدار (لؤي) ليغادر من المطبخ بأكمله ، ليسمع بعدها صوت (سائدة) المتوتر وهي تقول
"هل أنت متأكد بأنك بخير"
التفت (لؤي) لها وهو يحرك رأسه باطمئنان وتأكيد ، ولكن عندما نظر لعينيها السوداء الواسعة والقلقة لم يستطع التحمل أكثر ، لذا غير مساره واتجه إليها من فوره وهو يمسك بجانب وجهها بكفه ، ليمس بعدها شفتيها بشفتيه بدون أن يقبلهما وكأنه يريد أن يطمئنها بهذه الحركة ، ليقول بعدها بشغف وهو يبتعد عنها بسرعة قبل أن يتعمق أكثر ويخسر كل شيء
"أنا بخير لا تقلقي عليّ ، طالما أنتِ معي"
غادر (لؤي) من فوره بعد هذه الكلمات فيكفي ما فعله معها حتى الآن ، بينما كانت (سائدة) تنظر بأثره بذهول وهي لا تصدق ما فعله الآن ، لتشعر بعدها براحة غريبة ومشاعر أغرب من هذه الحركة والتي لا تعد قبلة بل كانت عبارة عن لمسة هادئة مثل لمسة الفراشات ، ولكنها مع ذلك تعجبها وكثيراً ايضاً .
_________________
تنظرُ لبناء الشركة بتفكير وبالخطوة التي أقدمت عليها حتى أنها تشاجرت مع والدتها قبل خروجها من المنزل للشركة ، لقد فكرت كثيراً بقرارها طيلة ليلة أمس وأن الخضوع لكلام (وليد) وكلام والدتها لن ينفعها بشيء سوى اثبات أنها لا شيء بدون والدها ، لم تنسى ولن تنسا ابدا كلام والدها والذي كان يشجعها به دائما وهو يقول لها
(انتِ شعلة متقدة لذا كل من يقترب منكِ عليه أن يشعر بقوتك ونيرانك ، وإياك وأن تجعلي أي أحد يطفئ شعلتك هذه فهي مصدر قوتك).
تنفست (جنا) بغصة وهي تتذكر كل كلمة قالها لها والدها من أجل أن يجعلها قوية من بعده ، لكنها بعد وفاته بدأت تتخاذل وتنسى كل كلامه المشجع وخاصة مع ضغط (وليد) لها وضعف والدتها أمامه ، لذا من أجل أن تريح والدتها من خوفها ويتركها (وليد) وشأنها أصبحت تطيع كلامه وتفعل ما يؤمرها به ، لكنها بعدها بفترة قررت التحرر من (وليد) وعصيان أوامره بأن تعمل بشركة أكبر وأوسع بعيدا عنه ، ليعود مرة أخرى للتحكم بها وجعلها تخضع له وتعود والدتها لضعفها وخوفها منه ، لكن بعد كلام (عماد) المشجع لها والذي ذكرها بوالدها كثيراً قررت التحرر من كل هذا والعودة لتلك الفتاة المشتعلة كما يسميها والدها .
تحركتُ باتجاه باب الشركة لأدخل منه بكل ثقة وانا أرفع رأسي عالياً بإيباء ، وصلتُ للطابق المتواجد به مكتب المدير فعليّ أن أبلغه بعودتي للعمل ، وهناك ايضاً مشاعر غريبة تحثني على رؤيته وسماع كلامه والذي يعطيني الدعم للاستمرار للأمام ، ما أن وصلتُ لمكتبه حتى قابلني وجه السكرتيرة المزعجة والتي اكيد ستكون سعيدة باستقالتي عن العمل ، لأقول بعدها بغرور وأنا اتنحنح لتنتبه لوجودي
"مرحبا لقد عدت ، هل اشتقتِ لي"
ارتفع رأس (غدير) بصدمة لعودتها للشركة بعد أن ظنت بأنها قد اختفت للأبد ، لتقول بعدها بامتعاض
"اهلا بعودتكِ ، جيد منكِ أنكِ عدتي للعمل بإرادتك فالعمل ليس لعبة تتركينه متى ما تشائين"
ردت عليها (جنا) بهدوء وهي تدعي البراءة
"لا تقلقي انا أعدك أنني لن أعيدها مجددا بالأيام القادمة ، والآن هلا سمحتِ لي برؤية المدير"
قالت (غدير) وهي تضبط أعصابها بداخلها
"يمكنكِ الدخول إليه فهو غير مشغول"
تقدمت (جنا) باتجاه باب المكتب لتفتحه بهدوء وتقابل عيني (عماد) أمامها وكأنه كان يعرف بموعد قدومها ، لتقول بعدها بإحراج وهي تغلق الباب من خلفها
"مرحبا لقد أتيت كما طلبت مني ، فهل أستطيع العودة للعمل"
قال (عماد) بابتسامة جانبية وهو يحدق بهيئتها المشرقة
"هل أنتِ متأكدة من قرارك ، أهذا يعني بأنكِ لن تتركي العمل مرة أخرى ، فأنا ليس لدي الوقت لآتي لمنزلك بكل مرة"
نظرت له (جنا) بصدمة ووجهها يتلون بحمرة قاتمة من الإحراج الشديد بسبب أفعالها وهي تتمنى لو أنها لم تأتي لمكتبه ابدا ، بينما كان (عماد) ينظر لها باستمتاع فقد اشتاق كثيراً لاحمرار وجهها الجميل ، قالت بعدها بخفوت وهي تداري خجلها
"اعدك بأن هذا لن يتكرر ، وسأعمل بجد لأعوض عما فعلته وأكون محل ثقتك"
ردّ عليها (عماد) بتأكيد وهو يحرك رأسه بتفهم
"أنا أثق بكِ واثق بقدرتك على فعلها ، لذا إياكِ أن تخذليني مرة أخرى سمعتني يا جنا"
لمعت عينيّ (جنا) بتأثر وبمشاعر غريبة بسماعها لاسمها منه مجردا بدون لقب المهندسة ، لتقول بعدها بثقة وهي ترفع يدها لرأسها عالياً علامة الطاعة
"اكيد يا سيدي المدير"
قال (عماد) بسرعة وبتصحيح
"سيد عماد"
شعرت (جنا) بحركة تحبب بهذه الكلمة الصغيرة والتي تناديها به دائماً ، لكنها لم تهتم لشعورها ذاك فكل ما يهمها الآن هي الثقة والقوة والتي تمنحها كلمات (عماد) لها ، لتقول بعدها بضحكة صغيرة
"حاضر يا سيد عماد"
ابتسم لها (عماد) ابتسامة واسعة وهو لا يفهم لماذا يعشق اسمه من بين شفتيها هكذا ، ليقول بعدها بصرامة وهو يعيد نظره للأوراق أمامه
"هيا اذهبي للعمل يكفي الأيام والتي ضيعتيها بدون عمل وأنتِ ترتاحين"
سمعتُ صوت خطواتها السريعة باتجاه الباب ليتبعها صوت انفتاحه بهدوء ، لم أستطع مقاومة أن لا أرفع رأسي باتجاه الباب بآخر لحظة ، لألمح عندها آخر خصلاتها المحمرة وهي تخرج من الباب قبل انغلاقه ، ليعم بعدها السكون والخواء بعد خروج تلك الكتلة المشتعلة من مكتبي وأنا أشعر باشتياق شديد لها وحاجتي لوجود تلك الكتلة بجانبي .
________________
كنتُ أجلس بالحديقة وأنا شاردة تماما أنظر للبعيد وتحديدا لمنظر العصافير المهاجرة وهي ترحل بعيدا ، لطالما تمنيت بطفولتي أن اتحول لعصفور مثلهم لأستطيع التحليق بعيدا والذهاب للمكان والذي أريده وخاصة بأنني بعد دخولي لمنزل عمي لم يعد يسمح لي بالخروج لمكان إلا للمدرسة فقط .
تنهدتُ بتعب وأنا اتذكر كيف كانت ردة فعل (عماد) اليوم لعدم رغبتي بالذهاب للعمل عندها غضب مني وهو يكرر امامي بأن العمل هو التزام وممنوع التخاذل به ابدا ، ولكن كيف سأذهب للعمل اليوم وأنا بهذه الحالة من التشتت بالمشاعر بل وبأي وجه سأقابل به (حسام) بعد تلك القبلة والتي حدثت بيننا ، لذا استطعتُ بالنهاية وبكل جهدي أن أقنع (عماد) بأني لست بخير وسأعمل غدا الضعف لأعوض عن غيابي ، وحتى الآن لا أعرف كيف سأفاتحه بموضوع (سليم) ورفضي له ؟ وكيف سأبرر له رفضي ؟
أخفضتُ نظري ليدي المتلمسة للأعشاب النامية الصغيرة والمبللة بالندى وهذا بسبب الجو البارد مع دخولنا بفصل الخريف ، صحيح بأنني أعشق هذا الفصل كثيراً ولكنه ليس السبب والذي دفعني لأخرج للحديقة اليوم بل بسبب الترتيبات والتجهيزات والتي تحدث بالمنزل بتوجيه زوجة عمي والخادمات واللواتي احضرتهن معها من أجل عقد القران بنهاية الاسبوع والذي جعل المنزل ينقلب رأساً على عقب ، لذا قررتُ الخروج من كل هذه الفوضى لأتنعم ببعض الهدوء بعيدا عن كل هذه الضوضاء ، فيبدو أن زوجة عمي تخطط لعقد قران ضخم يناسب ابنة رئيس البلدية .
سمعتُ فجأة صوت رنين رسالة تصل لهاتفي القابع بجانبي على العشب ، لألتقطه من فوري وأنا أنظر للرسالة المبعوثة من (حسام) فقد سجلت رقمه عندي من أجل أن أتعرف عليه إذا بعث رسائل أخرى وكان محتوى الرسالة
(مازلتِ تثبتين لي أكثر بأنكِ جبانة حقاً عندما لم تأتي للعمل اليوم)
امتعضت ملامح (نادية) وهي تعض على شفتيها بقهر وهو يصر على نعتها بالجبانة ، ما باله معها يدعوها بالجبانة أكل ما حصل معهم وتقبلها لقبلته ألم يكن شجاعة منها ؟ لم تستطع بعدها منع أصابعها من الضغط على الأزرار لتكتب له رداً على رسالته وتبعثها له من فورها
(أنا لست جبانة ، وإياك أن تدعوني بالجبانة مرة أخرى)
ألقت بالهاتف جانبا بعد أن بعثت الرد على رسالته وهي تتنفس بغضب ، لتسمع بعدها صوت وصول رسالة أخرى لهاتفها ، حاولت (نادية) منع نفسها من التقاط هاتفها ورؤيتها لكن الفضول انتصر عليها بالنهاية وهي تفتح الرسالة بسرعة وبحماس
(وماذا ستفعلين إذا دعوتكِ بالجبانة هل ستأتين لعملك وتقتليني)
فكرت (نادية) بكلامه قليلاً لتكتشف أنه بعملها بل بشركة (عماد) هناك ، لتكتب عندها بدون أن تمنع نفسها الرسالة وتبعثها له من فورها
(أنت الآن موجود بشركة عماد؟)
بقيت تنظر للهاتف بين يديها وهي تنتظر الرد على رسالتها ، لتصلها رسالته أمامها بعد دقائق فقط من الانتظار
(أجل موجود بالشركة وأشتاق إلى وجودكِ بها كثيراً ، إذا بقيتِ تغيبين عن العمل هكذا فسأضطر عندها لاختطافك مثل تلك المرة وإشباعك تقبيلا)
احمرت (نادية) بشدة من الخجل وهي تنظر للمقطع الأخير من رسالته ، لترمي بعدها بالهاتف جانبا وهي تضع يديها على وجهها لتخفف من الإحراج والذي تشعر به حالياً وهي تتخيله يفعلها ، لتسمع بعدها صوت رسالة أخرى تصل لهاتفها بعد أن ظنت بأنه توقف عن إرسال الرسائل ، لتمسك عندها (نادية) بهاتفها بارتجاف وهي تفتح الرسالة بخوف من محتواها
(اين ذهبتي يا جبانة ، جبانة ، جبانة)
انتفضت (نادية) واقفة وهي تقفل هاتفها بغضب فقد اكتفت منه ومن وقاحته الجديدة ، فيبدو أنه يصر على إغاظتها وإزعاجها بنعتها بلقب الجبانة ، لكنها لن تسمح له بأن يستمتع ويتسلى بها على حسابها ابدا ، لتسير بعدها (نادية) باتجاه المنزل وهي تفكر بطريقة لتثبت له بها بأنها ليست جبانة .
_______________
"اخفض صوتك قليلاً يا وليد ستفضحنا بين الجيران"
كانت (اميرة) تحاول تهدئة ثورة غضب (وليد) بلطفها ورقتها ، بينما (وليد) لم يكن يرى شيئاً أمامه من الغضب بعد معرفته بعودة (جنا) للعمل وعصيان أوامره مجددا وهو يصرخ بقوة
"جنا أخرجي لي فورا وفسري لي سبب فعلتك هذه بعصيان أوامري"
خرجت (جنا) من غرفتها باتزان بعد أن جهزت نفسها جيدا لهذه المواجهة واستجمعت شجاعتها بداخل غرفتها ، لتقول بعدها بقوة وحزم متجاهلة الغاضب أمامها
"ماذا تريد ومن سمح لك بدخول منزلي بهذه الطريقة"
رفعت (اميرة) يدها لفمها بصدمة وهي تنظر لردة فعل (وليد) والتي اكيد ستكون غير مبشرة بالخير ، واما (وليد) فقد كان ينظر لها بغضب العالم كله وقليل من الصدمة بسبب ثقتها بنفسها هكذا امامه ليقول بعدها بغموض
"ألم أقل لكِ ألا تعودي لذلك العمل مجددا ، لم تصرين على عصيان أوامري"
ردت عليه (جنا) بثقة كبيرة
"أولاً أنت لست سيدي لأطيع أوامرك وثانياً قلت لك من قبل أن العمل هناك يعجبني ولن أتركه مهما حدث"
قال (وليد) بصدمة من ثقتها الكبيرة بمواجهته
"كم مرة عليّ أن اعيد عليكِ بأني المسؤول الوحيد عنكِ و..."
قاطعته (جنا) بملل وهي تقول بنفاذ صبر
"ارجوك لا تعيد نفس الاسطوانة فقد مللت منها ، عليك أن تعلم انني لا أحتاج لمسؤول عني لا قبل ولا بعد وفاة والدي"
ردّ عليها (وليد) بحدة وهو يشدد على كل حرف يقوله
"لا تتجاوزي حدودكِ معي يا جنا ، وعليكِ أن لا تنسي القرابة والتي تجمعنا وأني أكون ابن خالك الوحيد"
قالت (جنا) باشمئزاز وهي تشير برأسها لوالدتها المرعوبة
"وعليك أنت ايضاً أن لا تنسى بأن كل ما يربطك بي هي والدتي فقط لذا فأنت لا تستطيع التحكم بي فأنا من عائلة الجندي ولستُ من عائلتك ، وإذا كنت حقاً قلقاً على القرابة فها هي عمتك أمامك خذها معك وأهتم بها يا سيد ابن شقيق والدتي"
شهقت (اميرة) بصدمة من كلامها والذي تجاوز كل الحدود هذه المرة وهي تنظر لابنتها بغير تصديق فهي لم تعد تعرف ابنتها ابدا ، بينما (وليد) فقد تجمد بمكانه بعد أن أصابته كلماتها بمقتل وهي تذكره بحقيقة قرابتهما ، ليهجم عليها وهو يمسك بشعرها بعنف ليصرخ بها بغضب
"ماذا قلتِ الآن يا جنا الجندي"
قالت (جنا) بصراخ وهي تشير باتجاه باب المنزل بكفها بقوة
"أترك شعري واخرج من منزل والدي فوراً هذا إذا كنت تملك بعض الكرامة ، وألا استدعيت لك الشرطة وهي ستتكفل بك"
ترك (وليد) شعرها بصدمة وكلامها يذكره بكلام والدها عندما كان يطرده من منزله بالماضي ، لينظر بعدها لثقتها وهو لا يصدق شجاعتها الكبيرة ومن أين أتت بها ، فقد كان يظن بأنها قد أصبحت ضعيفة بعد وفاة والدها ويمكنه التحكم بها ولكن يبدو بأنه كان مخطئاً .
تراجع (وليد) بهدوء ليخرج من المنزل بدون أن ينطق بأي كلمة ، وعينيّ (اميرة) تتابعه بحزن فها هو الرجل الوحيد والباقي لهم قد تخلى عنهم ايضا ، لتلتفت بعدها لابنتها وهي تنظر لها بعتاب حزين ، لكن (جنا) تجاهلتها تماما وهي تعود للدخول لغرفتها بهدوء كما خرجت منها .
ما أن أغلقتُ باب غرفتي حتى ارتميت على الباب وأنا أشعر براحة كبيرة لم أشعر بها منذ وفاة والدي ، لقد احتجتُ لقوة كبيرة لأقول كل هذا الكلام واصمد أمامه حتى انا نفسي لم أصدق ما فعلته ، بقيتُ بعدها ساكنة بمكاني عدة دقائق أخرى حتى أني لم أشعر بالدمعة اليتيمة والتي هبطت من عيني بحزن .
________________
دخل (وليد) للغرفة بغضب وكل شياطين الأرض تلاحقه وكلام (جنا) الأخير مازال يعاد برأسه مراراً ، لتتبعه والدته وهي تطرق الأرض بحذائها ذو الكعب العالي بغضب ، جلس (وليد) على السرير وهو يضع يديه فوق رأسه ويسند مرفقيه على ركبتيه بتعب لتقف بعدها والدته فوق رأسه وهي تقول بتعالي
"كنت عند منزل عائلة الجندي أليس كذلك"
حرك (وليد) رأسه بالإيجاب بدون أن يرد عليها بشيء ، لتتابع والدته بنفس تعاليها
"وقد رفضتك ابنتهم مجددا وأهانتك أليس كذلك"
رفع (وليد) رأسه باتجاه والدته بقوة وهو يقول بغضب ونفاذ صبر
"أرجوكِ أمي ارحميني واتركيني وشأني الآن"
لكن والدته لم ترحمه ابدا وهي تقول بصراخ ونفور
"كيف تريدني أن اتركك وشأنك وأنت تهين نفسك امام ابنة أميرة ، أخبرتك مئة مرة أن تتركهم وشأنهم فنحن ليس لنا علاقة بهم ، لكنك مصر على ملاحقة تلك الفاجرة واجبارها على تقبلك"
ردّ عليها (وليد) بحدة وهو يشعر برأسه سينفجر من كلام والدته والذي تعيده امامه مراراً
"ما بكِ يا أمي هل نسيتِ بأنه ليس لهم أحد غيرنا بعد وفاة زوج عمتي"
قالت والدته وهي تشير بيدها جانبا
"ولكنهم لا يهتمون بنا وخاصة ابنتهم ، لذا لما نحن نتعب انفسنا بالقلق عليهم هكذا وهم يتجاهلوننا"
ردّ عليها (وليد) بمرارة وهو يدير رأسه جانبا
"لا أريد التكلم بهذا الموضوع الآن فهلا تركتيني لوحدي"
قالت والدته بتحذير وهي تستدير بعيدا عنه لتغادر
"اسمعني جيدا حبيبي ابتعد عن هذه العائلة فهي لا تجلب لنا سوى وجع الرأس والإهانة ، ولا تنسى كيف كانوا يهينون والدك بحياته لأنهم أفضل منّا بكثير ، لذا ضع هذا الكلام حلقة بأذنك وإياك وأن تنساه"
غادرت والدته بعدها بصمت وهي تطرق الأرض بحذائها العالي ، واما (وليد) فقد كان ينظر بعيدا عنها وهو يفكر بأن كلام والدته غير صحيح وأن والده هو الذي كان يهين نفسه عندما كان يطلب المال من والد (جنا) بحجة القرابة ، ولكن لا أحد يفهم عليه وأنه ليس القرابة فقط هي التي تجعله يهتم ب(جنا) بل لأنه يشعر بنزعة تملكية اتجاهها منذ سنوات وأنها ستكون له وليس لغيره ، والآن وبعد أن تخلص من والدها والذي كان يعد عقبة بطريقه لن يدع أي شيء يقف بطريقه الآن للوصول إليها .
__________________
أيقظها من نومها الدافئ صوت رنين هاتفها بجانبها ليتغضن جبينها وهي تفتح عينيها عدة مرات لتعود وتغلقهما من جديد ، لكن إصرار المتصل وصوت الرنين المتواصل جعلها تفتح عينيها أخيراً بتعب ، التفتت (سائدة) للطرف الآخر من السرير وتحديدا لمكان نوم (لؤي) الفارغ ، يبدو أنه غادر كالعادة بالصباح الباكر بدون أن يوقظها ولكن كيف لا تشعر به عندما يغادر ؟ اخرجها من أفكارها صوت الرنين المزعج والمتواصل ، لترفع بعدها يدها باتجاه المنضدة وتلتقط هاتفها وهي ترفعه لأمام وجهها ، تغضن جبين (سائدة) باستغراب من الرقم الغريب والذي يتصل بها بهذا الوقت لتضع بعدها الهاتف على أذنها وهي تستمع للصوت المزعج يقول
"صباح الخير سيدة سائدة آل مهران"
اتسعت عينيّ (سائدة) بصدمة وهي تتعرف على الصوت المزعج والذي حفظته جيداً بل وما زاد صدمتها أكثر هو معرفته باسمها كاملاً دليل على أنه بحث عنها وعرف كل شيء يخصها ، قالت بعدها بجمود وهي تستقيم بجلستها
"كيف عرفت رقم هاتفي"
سمعت ضحكة من بالطرف الآخر وهو معجب بقوتها فبدل أن ترتعب من اتصاله وتسأل عن معرفته باسمها اكتفت بأن تسأل عن رقم الهاتف بقوة ، ليقول بعدها (راشد) بسخريته المعتادة
"عرفته بطريقتي مثل كل أخبارك يا سائدة"
امتعضت ملامح (سائدة) من مناداته باسمها مجردا ، لتقول بعدها بنفاذ صبر
"ماذا تريد مني ولما تبحث عن اخباري"
قال (راشد) بخفوت وببطء مثل فحيح الأفعى
"أريد مساعدتكِ بالعمل معي ضد لؤي وبالمقابل ستحصلين على أي شيء تريدينه"
صمتت (سائدة) قليلاً لتقول بعدها بلحظات بغموض
"ولما أنت واثق تماما بأني سأعمل معك ، وما هو الشيء المهم والذي سأحصل عليه بالمقابل"
ردّ عليها (راشد) بسرعة وبثقة
"لقد سمعتُ بأن علاقتكِ مع لؤي سيئة جداً لدرجة أنك هربت من قصره وبقيت بمنزل عائلتك لمدة أشهر ، لتعودي إليه مرغمة بالنهاية ، ولكن الأكيد أنك لم تستسلمي بعد وما زلتِ تريدين حريتكِ وهذا ظاهر من هيئتكِ وتصرفاتكِ ، وأنا أستطيع أن أقدمها لكِ بمقابل أن تعملي معي"
كانت (سائدة) صامتة وهي تنظر أمامها بشرود وكأنه يتكلم معها أمامها وليس على الهاتف ، لكن ما أثار دهشتها ليس معرفته بكل ما حدث معها بالتفصيل بل تحليله لشخصيتها وأنها ما زالت تريد حريتها مع أنه لم يلتقي بها سوى لمرة واحدة فقط وهذا دليل على ذكائه مثل ذكاء الثعلب ، ليتابع بعدها كلامه بملل من انتظار الإجابة
"لم تقولي لي حتى الآن ما هو ردكِ"
شعرت (سائدة) فجأة بأن الحل لكل مشاكلها موجود بين يديه وهو سيكون بارقة الأمل لتتخلص من حياتها الماضية والموحشة مع (لؤي) منذ زواجهما ، لكنها مع ذلك قالت عكس ما تشعر به وبمرارة
"صحيح انني أكرهُ لؤي وأريد حريتي منه ولكني لستُ بخائنة"
لتقطع بعدها الاتصال معه قبل أن تسمع رده المصدوم ، احتضنت (سائدة) ساقيها بيدها الممسكة بالهاتف وهي تشعر بأن أملها الأخير بالحرية قد رحل ، ولكنها لا تستطيع فعلها فطبيعتها ونشأتها لا تسمح لها بذلك ، رفعت بعدها رأسها عالياً وهي تفكر بأنها ستجد مخرجاً من كل هذا وبعيداً عن الخيانة .
________________
كنتُ أسير بتردد وبخطوات متمهلة بممر الشركة ، لأصل لوجهتي وهي غرفة مكتب (سليم) والتي لا تبعد عن مكتبي إلا بضع غرف وخاصة أنه يعمل بنفس مجالي ورئيس قسم المحاسبة لذا لم يكن معرفة مكان مكتبه صعباً عليّ ، وقفتُ أمام باب مكتبه وأنا أحاول تذكر كلماتي والتي سأقولها له وهذا بعد أن فكرتُ كثيراً بقراري وأن الأفضل له أن أرفضه بنفسي بدلاً من إرسال رفضي مع (عماد) والذي أكيد لن يفهمه ابدا .
رفعتُ بعدها يدي ببطء للباب وأنا أطرقه بهدوء ، انتظرتُ قليلاً للحظات حتى سمعته يأذن لي بالدخول ، تنفست الصعداء فقد خفت أن يكون مشغولاً ولا أستطيع التكلم معه لاضطر عندها لتأجيل المواجهة بعد أن جهزتُ نفسي وكلامي جيدا ، أمسكتُ بعدها بمقبض الباب وأنا افتحه بحذر ليطل عليّ مكتب (سليم) الجالس به والذي لم ينتبه لوجودي بعد ، دفعتُ الباب أكثر وأنا أنظر للمكتب الواسع والذي يناسب مكتب رئيس قسم ومع ديكوره البسيط والذي يبعث على الدفء والراحة ، قلت بعدها بخفوت متوتر لينتبه لوجودي
"صباح الخير سليم ، هل أنت مشغول"
رفع (سليم) رأسه بسرعة باتجاهها وهو ينظر لها بعدم تصديق من مجيئها لمكتبه لأول مرة ، ليقول بعدها بابتسامة وهو ينهض عن مقعده بسرعة
"صباح النور نادية نورتِ مكتبي ، هيا تعالي واجلسي هنا لا تبقي واقفة عند الباب"
تمسكت (نادية) بإطار الباب وهي تنظر للطفه معها بندم فكيف ستخبره برفضها وهو يعاملها هكذا ، لتقول بعدها بسرعة وتوتر
"لا انا سأبقى واقفة هنا ، فقط أريد أن أعرف إذا كنت مشغولا لآتي عندها بوقت آخر"
ردّ عليها (سليم) وهو ينظر لها بحيرة
"لا لستُ مشغولا بالوقت الحاضر ، أعني أنني حتى لو كنتُ مشغولا فسأعطي كل وقتي لكِ فأنتِ أهم"
شعرت عندها (نادية) بأنها شخص سيئ وحقير أمامه حتى أنها فكرت بالتراجع والهرب منه ومن تصرفاته ، لكنها مع ذلك ثبتت نفسها فهي عليها أن تنهي هذا الأمر بما أنها وصلت إليه ولمكتبه ، لتقول بعدها بقوة وهي تحاول استجماع شجاعتها
"اسمعني جيدا سليم هناك كلام مهم عليّ أن أخبرك به"
ردّ عليها (سليم) بسرعة وبمرح
"وانا كليّ آذان صاغية"
تجاهلت (نادية) كلامه الأخير وهي تحاول التركيز على ما تريد قوله وهي تشعر بأن كل الكلام والذي جهزت له قد نسيته تماما ، لتقول بعدها بخفوت شديد وهي تنظر بعيدا عن عينيه المحدقتين بها
"أنا اعتذر ولكني أرفض عرض الزواج والذي قدمته لابن عمي"
عم الصمت والسكون لعدة دقائق بغرفة المكتب ، لتتجرأ بعدها (نادية) على النظر أمامها لترى وجه (سليم) وقد تجمد تماما بمكانه وابتسامته قد اختفت عن وجهه ، ابتلعت عندها (نادية) غصة مؤلمة بحلقها وهي تتابع بألم
"أعرف أنني تأخرت عليك كثيراً بالإجابة ولكني كنتُ مشوشة قليلا وبحالة فوضى وقتها"
ردّ عليها (سليم) بمرارة بعد أن فقدت الأمل من أن يجيب عليها
"ولكن لما لا تريدين الزواج مني ، أهناك سبب"
امتعضت ملامح (نادية) بانزعاج وهو مصر على أن يعرف السبب لرفضه ، لتقول بعدها بتفكير بمهرب من أسئلته
"الحقيقة انا لا أفكر بالزواج حالياً فلم يمضي الكثير على انهائي لجامعتي وايضاً مازال العمر أمامي طويلاً"
مرت لحظات مجنونة ومهلكة على (نادية) وهي تتمنى أن يقتنع بهذه الإجابة ، ليقول بعدها (سليم) بغموض وهو يحدق بها بتركيز
"هل حقاً السبب لأنكِ لا تريدين الزواج حالياً أم أنكِ تفكرين بالزواج من شخص آخر كالشخص والذي يلاحقك دائماً بالعمل"
شهقت (نادية) بقوة من كلامه عندما قصد (حسام) بذلك الشخص ، لتتحول ملامحها بعدها للغضب من وقاحته معها وهي لا تصدق بأن هذا الكلام يخرج من (سليم) اللطيف ، لتقول بعدها بإحراج وقوة
"هذا كله غير صحيح ، وايضاً هذا الأمر لا يعنيك يا سيد سليم"
اخفض (سليم) رأسه بندم وهو يقول بخفوت
"أنا حقاً آسف لم أقصد..."
قاطعته (نادية) بنفاذ صبر وهي تنهي الحديث معه
"هذا يكفي سيد سليم فقد تأخرت على عملي وعليّ الذهاب إليه ، وداعاً"
استدارت (نادية) وهي تخرج من غرفة المكتب لتغلق بعدها الباب من خلفها فلم تعد تريد سماع المزيد من الإهانات منه ، وبعد أن أغلقته شعرت براحة كبيرة لأنها تخلصت منه ومن إحراج مواجهته ، ولكن كلامه ذكرها بالخطأ والذي تفعله مع (حسام) فإذا كان (سليم) قد لاحظ ملاحقته بها فأكيد باقي الموظفين قد لاحظوا ايضاً والمصيبة ستكون إذا وصل الخبر للمدير فستكون عندها نهايتها على الأكيد .
تنهدتُ بتعب وأنا أكمل سيري بالممر وأفكر بأني لم أرى (حسام) بالشركة اليوم كما بالعادة مع أنه كان يصر عليّ أن أعود للعمل بالأمس ، ولكن هذا أفضل فغيابه سيعطيني الوقت لأنسى ما حدث بيننا بآخر مرة وأستطيع عندها أن احدد مشاعري جيدا .
_________________
كان (عماد) يركز بأوراق مهمة أمامه ، ليقطع عليه تركيزه طرقات موسيقية على الباب ليتبعه دخول (سالي) قبل أن يأذن لها بالدخول وهي تقول بسعادة كبيرة
"صباح الخير حبيبي ، لقد اشتقت لك كثيرا"
نظر لها (عماد) بصدمة وهو يترك الأوراق من بين يديه ، ليقول بعدها بغضب
"ماذا تفعلين بالشركة سالي ، ألم أخبركِ من قبل أن لا تأتي لمكان عملي فالزيارات ممنوعة بالشركة بوقت العمل"
تقدمت (سالي) باتجاهه بخطوات أنيقة وهي تقول بعلياء
"ليس هناك مشكلة حبيبي فأنت مدير الشركة لذا مسموح لك بالزيارات مثل زيارة خطيبتك"
تنهد (عماد) بيأس منها فهي دائماً تصر على القدوم لمكان عمله مع أنه يحذرها دوما بعدم القدوم للشركة فهو مكان عمل وليس مكان للعب ، ليقول بعدها بلحظات بحيرة وتفكير
"الذي لا أفهمه كيف سمحت لكِ السكرتيرة بالدخول ، مع أني انبهها دائما ألا تدخل أحد لمكتبي بوقت العمل"
جلست (سالي) أمامه باسترخاء وهي تقول بفخر
"هذا لأنها تعرف من أكون جيدا وتعرف ماذا سيحدث لها إذا حاولت الاعتراض"
حرك (عماد) عينيه بملل بعيدا عنها وقد كان يتوقع أن يحدث هذا الأمر فجميع من بالشركة يخافون من مكانة ابنة رئيس البلدية ، ليقول بعدها بنفاذ صبر وهو يعود للتركيز بالأوراق أمامه
"إذاً ما سبب هذه الزيارة ، هل هناك مشكلة"
ردت عليه (سالي) وهي ترفع يدها بخاتم الخطبة الجديد
"لا ليس هناك مشكلة ، فقط أردتُ أن أشكرك على خاتم الخطبة الجديد والذي وصلني اليوم"
نظر (عماد) للخاتم اللامع بيدها والذي تتوسط بمنتصفه ألماسة صغيرة كما طلبت ، الحقيقة أنه لم يرى الخاتم ابدا فقد اتصل بالصايغ وأخبره بتفاصيل شكله بدقة وأخبره ايضاً أن يرسله لعنوان منزلها ، قال (عماد) بعدها بجمود وهو يعيد نظره للأوراق أمامه
"لا داعي للشكر ، بل ما كان عليكِ أن تتعبي نفسكِ بالمجيئ من أجل هذا الأمر"
أخفضت (سالي) يدها بإحباط وهي تنظر لجموده معها كعادته ، بينما عاد (عماد) للعمل على الأوراق أمامه وهو يتجاهلها تماما ، لتبدأ بعدها بدقائق بثرثرتها المعهودة وطلباتها والتي تريدها بحفلة عقد القران وكيف تريدها أن تكون .
________________
كنتُ أسير بالممر باتجاه مكتب (عماد) وأنا أنظر للملف بيدي والذي يحتاج لتوقيع المدير وموافقته ، وما أن وصلتُ لمكتبه حتى أوقفني صوت (غدير) من خلفي وهي تقول بعجلة
"أين تظنين نفسكِ ذاهبة يا آنسة"
حركتُ عينيّ بملل وأنا استدير باتجاهها ، لأقول بعدها وأنا ألوح لها بالملف بيدي
"لدي عمل مهم مع المدير ، لذا هل تسمحين لي برؤيته"
ردت عليها (غدير) بسرعة وبارتباك
"لا لا تستطيعين الآن ، اذهبي وعودي لاحقاً"
اتسعت عينيّ (جنا) الخضراء وهي تنظر لها بصدمة ولكن ما صدمها أكثر ليس رفضها لمقابلته بل بسبب ارتباكها المريب والذي تراه لأول مرة وكأن حياتها بأكملها مهددة بالخطر لو سمحت لها بالدخول إليه ، قالت بعدها بحيرة وهي تتقدم باتجاهها
"ولما لا ماذا هناك ، هل المدير لديه ضيوف مهمين بمكتبه"
قالت (غدير) بتوتر وهي تدير وجهها باتجاه باب مكتبه
"بل لأن خطيبته أقصد ابنة رئيس البلدية موجودة عنده الآن"
التفتت (جنا) باتجاه باب مكتبه مثل (غدير) وهي تشعر بحزن غريب يجتاحها وفراغ لا تعرف مصدره ، لتمتعض بعدها ملامحها بغضب وهي تتذكر عندما غضب (عماد) من زيارة (وليد) لمكتبها وأن الزيارات ممنوعة بوقت العمل إذاً لما هو مسموح له بالزيارات ومخالفة القوانين ، أيكون هذا لأنه المدير أم لأن خطيبته تكون ابنة رئيس البلدية مسموح لها ، قالت بعدها (جنا) بقوة وهي ترفع الملف أمامها
"ولكني أحتاج لموافقة المدير من أجل أن يتم هذا العمل"
ردت عليها (غدير) ببرود وهي تعود لعملها على الحاسب
"هذا الأمر لا يعنيني ، المهم عندي الآن أن تذهبي حتى تغادر خطيبته"
تأففت (جنا) بنفاذ صبر فهي لا تريد الذهاب قبل إنهاء هذا العمل فعندما تصل لمكان لا تحب التراجع عنه ابدا ، وما أن كانت على وشك الرحيل حتى تذكرت فجأة كلمات (عماد) المشجعة لها وثقته بقدرتها على فعلها وأن لا تخذله مجددا ، لتنظر بعدها للملف بيدها وهي تفكر بوعدها له أن تعمل بجد لتعوض عن الأيام الفائتة ، إذاً عليها أن تفي بوعدها له بأن تكمل عملها على اكمل وجه وأول شيء ستفعله هو أن تحصل على توقيعه بأية طريقة .
استدارت (جنا) بحذر وهي تنظر ل(غدير) المشغولة عنها بحاسبها ، لتستغل عندها الفرصة وهي تنسحب بهدوء بعيدا عنها باتجاه باب مكتبه ، وما أن وصلت إلى باب المكتب حتى طرقته بهدوء وهي تفتحه بسرعة ، لتقابل عندها (عماد) الجالس على مكتبه والمشغول عنها بأوراقه لتلتفت بعدها لفتاة متأنقة بشكل مبالغ به جالسه أمامه .
نظرت (سالي) بصدمة للشخص الوقح والذي دخل فجأة للمكتب مع أنها نبهت على السكرتيرة أن لا تدخل أحد للمكتب ، قالت بعدها بقوة ونفور
"من أنتِ ، ومن سمح لكِ بدخول المكتب هكذا"
ارتفع رأس (عماد) بصدمة لتتسع عينيه عندها وهو ينظر ل(جنا) الواثقة بهيئتها المشتعلة ، تنهد (عماد) بإحباط فما كان خائف من حدوثه قد حدث وهي مقابلة (سالي) المتعالية والمغرورة مع (جنا) المشتعلة والمنطلقة ، وها قد بدأت المواجهة عندما قالت (جنا) ببرود وهي تتقدم بعيدا عن الباب
"أنا موظفة هنا ولدي عمل مهم مع المدير ، لذا هلا تركتني أكمل عملي رجاءً"
ردت عليها (سالي) بصدمة وهي تنهض عن مقعدها بقوة
"كيف تتكلمين معي بهذه الطريقة ، هل تعرفين من أكون أيتها الوقحة"
ردت عليها (جنا) بهدوء وهي تقف أمامها
"لا أعرف ولا أريد أن أعرف ، فكل ما يهمني الآن أن أكمل عملي هنا"
قالت (سالي) بغرور وبتعالي
"أنا أكون خطيبة مديركِ وابنة رئيس البلدية أيتها الموظفة المتعجرفة"
كانت (جنا) سترد عليها باشتعال فقد تجاوزت هذه المتعالية كل الحدود معها لولا تدخل (عماد) وهو يقف عن مقعده ليقول بصراخ غاضب
"هذا يكفي توقفا انتما الاثنتين ، وآنسة جنا أخبريني ما هو العمل المهم والذي أتيتِ من أجله"
استدارت (جنا) باتجاهه بغرور وهي تتجاهل (سالي) الغاضبة بجانبها ، لتقول بعدها بقوة وهي تمد له بالملف أمامه
"أتيتُ من أجل أن توقع لي على هذا الملف فهو يحتاج لموافقتك"
اخذ (عماد) الملف منها بسرعة ليؤخذ منه توقيعه ثواني فقط ليعيده بعدها لها من فوره ، أمسكت (جنا) بالملف وهي تستدير لتغادر بعيدا عنهم ، وما أن وصلت لباب المكتب حتى قالت لهم بابتسامة باردة
"وداعا وشكرا لك على وقتك سيد عماد"
شهقت (سالي) بقوة قبل أن تغادر (جنا) المكتب بأكمله ، لتلتفت بعدها بعنفوان ل(عماد) وهي تقول بصدمة
"أسمعت ما قالته لقد نادتك بسيد عماد بدلا من أن تناديك بسيدي المدير"
تجاهل (عماد) كلامها وهو يجلس على الكرسي بهدوء ، لتقول بعدها (سالي) وهي تشير باتجاه باب المكتب بقوة
"اسمعني جيدا عماد ، أريد منك طرد تلك الوقحة من عملها بل من الشركة بأكملها"
نظر لها (عماد) بصدمة فقد توقع أن تغضب منها وتثور ولكن ليس لدرجة أن تطردها من عملها ، ليقول بعدها باتزان وحزم
"لا أستطيع يا سالي فهي لم تخطئ معي بشيء بل كانت تنجز بعملها الموكل إليها"
ردت عليه (سالي) بصراخ وفوران جديد عليه
"هذا كله لا يعنيني ، المهم عندي هو أن تخرجها من الشركة ومن حياتنا بأكملها"
أدار (عماد) رأسه بعيدا عنها وهو يفكر بأن خروجها من حياته سيكون أمراً صعباً جداً عليه ، لتتابع بعدها كلامها بغموض وحزم
"عليك أن تختار بيننا يا عماد يا أما خطيبتك وحبيبتك وهي أنا أو يا أما العمل مع تلك الموظفة الوقحة والمغرورة ، أيهما تختار"
كان (عماد) ينظر لها بعدم تصديق وهي تخيره هكذا وببساطة ، لتظلم بعدها ملامحه وهو يقول بخفوت وتشديد
"إذا كانت حياتنا بالنسبة لكِ بهذه البساطة ، فأنا سأختار عملي بالتأكيد"
فغرت (سالي) شفاهها بذهول وعدم تصديق وقبل أن تستوعب كلامه وما يقصده كان قد خلع خاتم الخطبة من أصبعه أمامها وهو يتابع بشرود
"عليكِ أن تعلمي أمراً مهماً عندي وهو أنني أكره من يحاول التحكم بي وتخييري بين شيئين أحدهما يخص الموظفين بشركتي فالعمل بالنسبة لي هو خط أحمر وليس لعبة"
قالت (سالي) بعدم تصديق بعد أن استوعبت كلامه
"كيف تفعل بي هذا يا عماد ، أنا لن اسامحك ابدا"
خلعت (سالي) خاتم الخطبة الجديد من أصبعها أمام عينيه وهي تتابع بعنف
"خذ خاتمك هذا لم أعد أريده"
بعد أن انهت (سالي) كلامها وضعت خاتمها على المكتب أمامه بقوة ، لتستدير بعدها وهي تغادر المكتب بغرور وتعالي وكأنها ليست الغاضبة والثائرة قبل قليل ، هذه هي (سالي) متعالية ومغرورة لدرجة لا يؤثر بها شيء بل تتعامل مع كل شيء ومع كل علاقاتها بالناس باستهانة وهوان .
ما أن أغلقت (سالي) باب المكتب من خلفها حتى شعرتُ براحة كبيرة لم أشعر بها منذ فترة طويلة ، كان عليّ إنهاء علاقتي معها منذ فترة طويلة ولكن الجيد بالموضوع بأنني تداركت الأمر بسرعة قبل أن تطور علاقتي بها أكثر وألا ما كنتُ استطعت أن اتخلص منها ابدا ، نظرتُ للخاتم بيدي لالتفت بعدها لخاتمها الموضوع على المكتب بحسرة والذي لم يمضي شيء على شرائه ابدا ولكنه على الأكيد بأنه ارتاح من صاحبته .
________________
دخلتُ للمنزل لأقابل وجه والدتي الغاضبة بهيئتها الهجومية وهذا ينبئ على أنها عرفت بكل شيء يخص بفسخ الخطبة ، كنتُ أتوقع حدوث هذا ولكن مالم أتوقعه هو سرعة انتشار هذا الخبر فيبدو بأن (سالي) نشرت الخبر ما أن غادرت من غرفة مكتبه من فورها ، والآن عليه مواجهة غضب والدته وتحقيقها بكل شيء حدث معه ، لتبدأ بعدها والدته بالكلام كما توقع وهي تقول بصرامة
"هل الخبر والذي سمعته من الناس صحيح ، وبأنك خلعت خاتمك بالشركة أمام سالي"
ارتفع حاجبي (عماد) من الدهشة فيبدو بأن (سالي) لم تتوانى عن نشر ما حدث معها بالتفصيل ، ليقول بعدها بابتسامة ساخرة
"ولما تحتاجين للإجابة وانتِ تعرفين بكل شيء حدث هناك وبالتفصيل وحتى أكثر مني ايضاً"
ردت عليه (فيروز) بصراخ بعد أن فقدت أعصابها تماما
"لا تسخر مني يا ولد وأجبني هل حقاً فسخت خطبتك مع سالي"
قال (عماد) ببرودة أعصاب بعكس والدته
"أجل هذا ما حدث"
ردت عليه (فيروز) بعدم استيعاب من تصرفه
"لما فعلت هذا ، وبماذا أخطئت سالي معك حتى تفعل معها هذا ومعي ايضاً"
نظر لها (عماد) بحاجب مرفوع وبتجهم وهي تشمل نفسها بالكلام وكأن خطبتها هي التي فسخت وليس هو ، ليقول بعدها باختصار وهو يسير بعيدا عنها باتجاه السلالم
"لأني اكتشفتُ بأنها ليست الفتاة المناسبة لي ، هذا كل شيء"
صعد (عماد) السلالم من فوره وهو يترك والدته خلفه فاغرة شفاهها من بعده ، لتتبعه بعدها بثواني وهي تصعد السلالم من خلفه وتقول بقسوة
"انتظر يا عماد انا لم أنهي كلامي بعد"
وما أن وصلت (فيروز) لغرفة (عماد) حتى كان قد أغلق الباب من خلفه بإحكام ، لتطرق (فيروز) بعدها على باب غرفته بقوة وهي تقول بعنف
"لا تغلق الباب بوجهي يا عماد ، وافتحه الآن فلدي الكثير من الأسئلة عليك أن تجيبني عنها الآن"
لم تسمع أي رد يخرج من غرفة (عماد) وهو يتجاهلها تماما ، لتتوقف بعدها عن الطرق وهي تقول بغل وصبر
"حسنا يا عماد يمكنك أن تتجاهلني الآن ، ولكن بالغد لن تستطيع أن تهرب مني وستجيبني عن كل أسئلتي يا ابن والدتك"
غادرت بعدها (فيروز) بعيدا عن غرفته وهي تتمتم بالشتائم على عائلتها البائسة وتتوعد لكل فرد فيهم .
_______________
كانت (نادية) ما تزال واقفة عند الباب بعد أن تجاهلها الجميع وهي تشاهد ما يحدث أمامها بصدمة من فسخ الخطوبة بهذه السهولة وببعض الحيرة من تصرفات (عماد) الغريبة مع والدته وهو يتجاهلها تماما ، لتتنهد بعدها براحة وهي تتذكر فسخ خطوبته فهي لن تضطر بعد الآن لتتعايش وتتكيف مع (سالي) وتعاليها معها لبقية حياتها القادمة .
سرتُ باتجاه السلالم بسرعة وما أن صعدت أول درجتين حتى لمحت زوجة عمي تنزل ببداية السلم وإمارات الغضب واضحة على وجهها جيدا ، وقفتُ بالزاوية من فوري لأسمح لزوجة عمي بالمرور لكي لا تقذفني بطريق نزولها من على السلم فستفعلها اكيد بدون اي تردد .
نظرتُ لزوجة عمي وهي تكمل نزولها بدون أن تلقي عليّ أي نظرة ما أن تجاوزتني ، لأكمل بعدها صعودي السلالم بتثاقل وأنا أشعر بالحزن منذ بداية هذا اليوم ولا أعرف السبب تحديدا إذا كان بسبب رفضي ل(سليم) أو إذا كان بسبب عدم قدوم (حسام) للشركة .
دخلتُ لغرفتي من فوري لألقي بحقيبتي بعدها بتعب على السرير ، وما أن سرت باتجاه الحمام الملحق لغرفتي حتى سمعت صوت رسالة تصل لهاتفي ، هجمت بعدها على حقيبتي بسرعة لأخرج الهاتف منها وأنا افتحه بحماس فأكيد هذا (حسام) ليس هناك شخص غيره يبعث لي رسائل ، والحقيقة بأنه قد أعجبتني فكرة الرسائل هذه كثيرا فهي تشعرني بأن هناك أحد يسأل عني ويطمئن عليّ ، فتحتُ الرسالة لأرى محتواها
(أعتذر لم أستطع المجيئ اليوم لمكان عملك ، فقد انشغلت كثيرا مع والدي بعمله ، وأكيد قد افتقدتِ وجودي هناك)
فكرت (نادية) بشرود أنها لم تفتقده فقط بل لم يعد ليومها طعم بدونه ، لكنها نفضت هذه الأفكار عنها وهي تكتب له لترسلها له
(هذا أفضل لي فوجودك يسبب لي المشاكل)
انتظرت (نادية) قليلا حتى بعث لها برسالة أخرى وبسرعة وكأنه كان ينتظر رسالتها بفارغ الصبر
(تقصدين مشاكل سيئة أم مشاكل رائعة وجميلة مثلكِ يا حلوتي)
ضحكت (نادية) بخفوت وإحراج فهذا الوقح مصر على إحراجها دوماً بكلامه وغزله ، لتقفل بعدها الهاتف وهي تنوي أعادته لمكانه لتسمع عندها صوت رسالة أخرى فيبدو أن ذلك الوقح لا يريد أن يتركها وشأنها ، فتحت بعدها الرسالة من فورها لتنظر لمحتواها
(اسمعي لا تذهبي الآن ، هناك حفل للشركات غدا وشركة عماد ستكون مدعوة ايضاً لذا أريدكِ أن تحضري معه ، وإياكِ وأن تهربي وإلا ستكونين حقا جبانة ، سأكون بانتظارك)
نظرت (نادية) لرسالته الطويلة وهي تفكر بالحفل الذي يتكلم عنه ، لتتذكر فجأة كلام (عماد) عن حفلة بطريق عودتهم من العمل عندما كان يتكلم بهاتفه ، لكنها لم تعطي كلامه اهتماما فهي لا تحب الظهور بالحفلات ولا حضورها ابدا ، لكن الآن الأمر مختلف فقد أصبحت هي تعمل بالشركة المدعوة للحفلة .
ابتسمت (نادية) فجأة بشرود وهي تفكر بأن هذه الحفلة هي طريقتها الوحيدة لتثبت له بأنها ليست بجبانة كما يقول .
_______________
كنتُ جالسه عند طاولة مكتبتي الصغيرة بغرفتي وأنا أضع أمامي الكثير من مخطوطات العمل ، فبسبب غيابي عن العمل بفترة استقالتي تراكم عندها العمل ليصبح بكل هذه الكمية والآن عليّ انجازه بأكمله كما وعدتُ (عماد) من قبل وبدون أي تراخي ابدا ، لأمسك بعدها بالقلم وأبدأ بعملي المتراكم والذي أعشقه كثيرا فلن أمل منه ابدا وخاصة أنه يذكرني بوالدي كثيرا .
توقفتُ فجأة عن العمل وأنا أشعر بذكريات بعيدة تجتاحني عندما كان والدي جالساً عند مكتبه كعادته وهو يعمل على مخطوطاته مثلي تماما ، بينما أنا كنتُ اجلس بجانب مكتبه كما أفعل دائماً وأنا اراقبه بإعجاب وفخر ، ليلتفت بعدها والدي كل مرة باتجاهي ليبتسم لي ابتسامته الحانية وهو يقول لي بحنان
"أستبقين جالسة هنا طويلا ، لما لا تذهبي للعب خارجا أفضل لكِ"
لأرد عليه بطفولية وعناد يناسب سنوات عمري العشر
"لا أريد بل سأبقى بجانبك هنا فقد تحتاج لمساعدتي"
ضحك عندها والدي بمرح وهو يقول باستسلام
"كما تريدين يا صغيرتي ولكن احذري من مساعدتي فهي صعبة جدا عليكِ"
قلت له بقوة وطاعة
"اعتمد عليّ انا لها"
ولم تكن أول مرة اراقب بها والدي وهو يعمل على مكتبه فقد اعتدتُ دائما أن اجلس بجانبه واشاهده وهو يعمل وأحاول ايضاً مساعدته قدر استطاعتي لأعرف عندها بكل شيء يخص هذا العمل واعشقه بنفس الوقت فهو الشيء الوحيد والذي كان يقربني من والدي .
ايقظني من ذكرياتي صوت رنين هاتفي من على طاولة المكتب ، لألتقطه بعدها من فوري وأنا أضع الهاتف على أذني ، وما أن كنت سأتكلم حتى سبقني صوت حنون ودافئ يقول
"مساء النور يا ابنتي كيف حالكِ وكيف حال والدتك"
ابتسمت (جنا) بسعادة وهي تسمع كلمة ابنتي منه بحزن وحنان ، لطالما كان (هشام) بمثابة والد لها وهو يعاملها بحنية وكأنها ابنته الحقيقية وخاصة أنه كان صديق والدها المقرب وقريب بعيد من العائلة ولكن بعد وفاة والدها أصبح يعاملها بحنية بالغة وكأنه يحاول تعويضها عن فقدانها لوالدها ، قالت (جنا) بعدها بارتباك وسعادة
"نحن جميعاً بخير شكر لك سيد هشام"
ردّ عليها (هشام) بسرعة
"لم تخبريني كيف عملكِ الجديد مع عماد ، هل أعجبكِ"
قالت (جنا) بابتسامة حالمة ما أن تذكرت (عماد)
"أنه رائع ، أقصد العمل عنده رائع جدا ومناسب لي"
قال (هشام) باطمئنان وراحة
"هذا جيد لقد اطمأننتُ الآن ، الحقيقة كنتُ قلقاً من عملكِ هناك فالمكان بعيد جدا عن منزلك وغير هذا العمل مع آل مهران صعب جدا وقاسي وليس سهلاً ابدا التعامل معهم"
فكرت (جنا) بأنه يظلمه بكلامه فقد رأت ب(عماد) مدير صبور وطيب القلب مع موظفيه ، لتقول بعدها بتأكيد
"لا داعي للقلق سيد هشام فكل شيء على ما يرام ، وشكرا لك حقا على مساعدتي لأجد هذا العمل"
ردّ عليها (هشام) بحنان وأبوية بالغة
"لا تقولي مثل هذا الكلام يا ابنتي فهذا واجبي اتجاه ابنة الغالي"
شعرت (جنا) بالإحراج ولم تعرف بماذا تجيب عليه ، ليتابع (هشام) كلامه بحنية
"لقد سمعت بأن شركة عماد مدعوة لحفلة مهمة ، هل ستحضرينها"
انعقد حاجبي (جنا) البنيين باستغراب وهي تقول بحيرة
"أي حفلة تقصد"
ردّ عليها (هشام) بسرعة وبسعادة
"هناك حفلة للشركات بقاعة المدينة وشركة عماد بمن فيها من موظفين مدعوين للحفلة ، اكيد قد وصلتكِ دعوة فأنتِ منهم"
قالت (جنا) بتفكير وتذكر
"أجل أعتقد انها وصلتني فأنا لم أرى الرسائل بهاتفي بعد فقد كنتُ مشغولة بالعمل"
ردّ عليها (هشام) وهو ينهي المكالمة معها
"حسنا سأترككِ الآن لتكملين عملكِ ، ولكن حاولي أن تحضري الحفلة فهي حفلة لا تعوض ابدا"
أقفلتُ بعدها الخط معه لأفتح على صندوق الرسائل بهاتفي ، لأرى بعدها رسالة وصلتني مؤخراً منذ عدة دقائق ، فتحتُ الرسالة بسرعة لأنظر لمحتواها
(نرحب بكم لحضور حفلة لنجاح الشركات الكبيرة بقاعة المدينة غداً بالساعة الثامنة مساءً ، نتشرف بحضوركم جميعاً)
كنتُ أنظر للرسالة وأنا أعيد قراءتها عدة مرات ، لأرفع بعدها رأسي عن الهاتف وعيني الخضراء تلمع بحماس واشتياق بعيد لهذه الحفلات والتي كنتُ أحضرها مع والدي فيما مضى .

أبحثُ عن الحب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن