بعد مرور ثلاثة أسابيع كان جالس على الأريكة وهو يحرك ساقه بعصبية ونفاذ صبر وينظر لباب غرفة الجلوس من الحين للآخر ، ليقطع عليه مراقبته للباب صوت (سندس) وهي تقول بخبث ضاحك
"ما بك يا شقيقي الحبيب ، ألا تستطيع الصبر حتى تأتي حبيبة القلب والتي استطاعت سرقة قلبك أخيرا"
عقد (كريم) حاجبيه بتجهم وهو ينوي الرد عليها بشراسة ليقطع عليه عندها صوت حذائها ذو الكعب العالي وهي تدخل للغرفة بهدوء ، التفتت كل العيون باتجاهها بانبهار للفاتنة والتي اجتاحت المكان وخاصة بفستانها الأحمر القاني حد السواد والذي يصل لكاحليها بحمالات رقيقة ، وأما شعرها فقد رفعته لأعلى بإحكام ولكن هذا لم يمنع من بعض الخصلات المجعدة من التحرر بتمرد لتنزل على عنقها وجبينها بحرية ، لتسير بعدها أمامهم بإيباء كعادتها وهي تطرق الأرض بحذائها العالي بنفس لون ثوبها .
اتجهت (مياده) من فورها لعائلة العريس لتصافح الوالدين وباقي أفراد العائلة ، وما أن وصلت ل(كريم) حتى رفعت يدها بهدوء وهي تبتسم له بإغراء وجمال كل العالم ، ليرفع بعدها (كريم) يده برهبة ليصافحها بقوة وهو يبتسم لها بهدوء وينظر إلى فتنتها والتي ستكون له وحده قريبا ، قطعت عليهما اللحظات المهمة صوت (سندس) الجالسة بجانبه وهي تقول بتذمر
"هيا أتركها يا كريم فأنا أيضا أريد مصافحة العروس"
افلتها (كريم) على مضض وهو يجحر شقيقته بغضب ، بينما اتجهت (مياده) لشقيقته لتصافحها ولكن ما أن وقفت أمامها حتى انقضت عليها (سندس) لتعانقها بقوة قائلة بسعادة غامرة
"جميلة ، جميلة جدا ، وأجمل حتى من كل زوجات أشقائي ، فلتحيا زوجة كريم ولتسقط الباقيات للحضيض"
صدرت عدت شهقات مصدومة وأغلبها من زوجات اشقائها حتى تدخلت والدتها قائلة بحزم
"سندس أجلسي بمكانك واتركي الفتاة"
ابتعدت (سندس) عنها وهي تعض على شفتيها بخجل وشقاوة لتجلس بعدها بمكانها بهدوء وانصياع ، واما (مياده) فقد كانت ما تزال مصدومة من تصرفها المندفع وكلامها حتى أنها احمرت خجلا وهي التي لم تحمر بحياتها من أي كلام كان يقولونه عنها وعن جمالها الفاتن .
كانت (مياده) على وشك الابتعاد من أمامهم لتوقفها يد (كريم) وهو يمسك بذراعها هامسا بهدوء ولطف
"ليس بهذه السرعة يا فاتنتي فأنا أريدكِ أن تجلسي بجانبي قليلا لأشعر بوجودكِ جيدا"
نظرت (مياده) من حولها وقد أصبحت محط أنظار الجميع قبل أن تعض على شفتيها بحياء وهي تتقدم باتجاهه لتجلس بجانبه بهدوء وإغراء ، ليعود بعدها الجميع للكلام كما كانوا قبل مجيئها متجاهلين جلوس (كريم) مع (مياده) بجانب بعضهم قبل الخطبة فمن عادات هذه الطبقات انفتاحهم الشديد بمثل هذه الأمور وتساهلهم بكل شيء .
قال (كريم) بحزم وهو ينظر لشقيقته والملتصقة بهما كالعلكة بجانبهما
"سندس اذهبي من هنا واجلسي بجانب والدتي بسرعة"
نظرت له (سندس) باستغراب قائلة بغباء
"ولما لا ابقى معكما"
زفر (كريم) أنفاسه بغضب قبل أن يقول بصبر ولطف
"اسمعي حبيبتي انا أريد أن أبقى مع مياده لوحدنا ، لذا اذهبي واجلسي بأي مكان يعجبك"
ردت عليه (سندس) بسرعة ورفض
"وأنا أريد البقاء هنا وليس من أجلك بل من أجل مياده ، وإذا لم يعجبك فيمكنك الذهاب والجلوس بمكان آخر"
ضحكت (مياده) فجأة بخفوت وهي تنظر لعراكهما الظريف ، ليلتفت بعدها (كريم) باتجاهها وهو ينظر لها بعبوس لتحرك عندها كتفيها بخفة بمعنى لا دخل لها ، عاد (كريم) بنظره لشقيقته قائلا بكل هدوء استطاع استجلابه
"مياده تريد الكلام معي لوحدنا وانا ايضا ، وغير هذا نحن لن نبقى هنا لوقت طويل لذا دعينا لوحدنا الآن وبعد الزواج يمكنك فعل ما تشائين معها"
عبست ملامح (سندس) بعدم اقتناع ، بينما ارتفع حاجبي (مياده) بتجهم وهو يقول كلام غير صحيح على لسانها ، لتتدخل بعدها (مياده) قائلة بابتسامة مغرية
"اسمعي عزيزتي لا تحزني فهذه لن تكون المرة الوحيدة والتي سنتكلم فيها فأمامنا مرات كثيرة سنتكلم فيها عن الكثير من الأشياء الممتعة ، فأنا يسرني جدا صداقة صغيرة لطيفة مثلك"
ابتسمت (سندس) باتساع وعينيها البنية تلمع ببريق قبل أن تحرك رأسها بالإيجاب ، لتنهض بعدها من مكانها لتغادر باتجاه والديها بهدوء ، بينما كان (كريم) ينظر ل(مياده) بوجوم وبعض الحزن ، لتلتفت له (مياده) قائلة بحيرة
"ما بك لما الحزن لقد غادرت شقيقتك أخيرا كما كنت تريد"
أمسك (كريم) بيدها وهو يقول بجمود
"لقد استطعتِ إقناع شقيقتي العنيدة بينما أنا لم استطع"
ابتسمت (مياده) بجمال قائلة بصوت خافت متسلي
"هذا لأنك لا تعرف كيف تتعامل مع الفتيات يا سيد الرجال"
كان (كريم) يبتسم لها بهدوء وهو ما يزال ينظر إليها بشرود ، لتقول بعدها (مياده) بقلق خافت
"ماذا هناك يا كريم لما تبدو حزينا وغاضبا بنفس الوقت"
ردّ عليها (كريم) بعد لحظات بشرود وهو يتلمس ظاهر كفها بإبهامه
"احيانا أشعر بنوع من الغضب من الهالة والتي تحوم من حولكِ اينما ذهبتي تأثر بالجميع فتيان وفتيات كبار وصغار ، وهذه الهالة تضايقني كثيرا تشعرني برغبة بأخذكِ بعيدا عن الجميع من أجل ألا يراكِ أحد ويمتع نفسه بالنظر إليكِ ، اعرف بأن هذا جنون ومستحيل ان استطيع ان ابعدك عن عيون الناس ، ولكني لا استطيع منع هذا الشعور من السيطرة عليّ"
كانت (مياده) تنظر له باتزان هادئ قبل أن تقول بحزم وبرود
"أعرف هذا الأمر فلطالما تضايق والدي من انجذاب جميع الفتيان من حولي ولم يستطع إيقاف هذا الأمر لذا كان دائما يمنعني من الذهاب للأماكن العامة وحبسي بالمنزل ولكني لم أكن أصغي إليه بل كنتُ أخرج من المنزل بدون علمه ليعود ليعاقبني بشدة وأنا اعود لعصيانه بالهروب من الحجز والذي فرضه عليّ رغما عني ، لذا هل ستتحمل هذا الانجذاب أم ستفعل كوالدي"
ارتفع حاجبي (كريم) بصدمة وهو يستمع لأمور لم يكن يعرفها عنها ، ليعود للابتسام بهدوء وهو يرفع يدها ليقبل ظاهرها بحنان هامسا بشغف
"صحيح أنني لن استطيع إيقاف نظرات الناس نحوك ولكني أستطيع حمايتكِ من أنفسهم المريضة ، وغير هذا هم الخاسرون الوحيدين لأنهم خسروا فاتنة مثلكِ وأنا الذي فزت بكِ ، لذا فلنتركهم على نظراتهم الحاسدة فقد أصبحتِ بالنسبة لهم بعيدة المنال الآن"
فغرت (مياده) شفتيها قبل ان تتحول لابتسامة واسعة وهي تقول ببريق ملفت
"لقد تبين بأنك خبير بالكلام مع الفتيات حتى برسالتك مع أنه لم يكن لديك صديقات من الفتيات ببداية تعارفنا ولا يوجد لديك شقيقات سوى واحدة وصغيرة ، إذاً من أين تعلمت كل هذا الكلام"
ضحك (كريم) بخفوت قبل أن يمسك بجانب وجهها بكفه وهو ينظر لعينيها العسلية البراقة قائلا بحالمية
"الفضل يعود لكِ يا فاتنتي فمنذ رأيتكِ لأول مرة وقد بدأتُ اتعلم منكِ جمال الكلام كما تعلمتُ منكِ الحب حتى أنني ألفت قصيدة لعينيكِ والتي تشبه العسل بلونه وجماله"
كانت (مياده) تبتسم بانبهار وهي لا تصدق تأثير جمالها عليه والذي جعله يكتب قصيدة من اجلها لتخفض بعدها وجهها وهي تسند خدها على يده والممسكة بكفها برقة ، تنهدت (مياده) بهدوء وهي على نفس وضعها هامسة بخفوت
"إذاً ألن تسمعني قصيدتي والتي تخص عينيّ أم ليس لي الشرف لسماعها"
ردّ عليها (كريم) ببرود
"لا"
انتفضت (مياده) لترفع وجهها باتجاهه قائلة بتذمر
"ولما لا ، أنا أريد سماعها وهذا من حقي بما أنها تخصني"
رفع (كريم) يده ليلف خصلة شعر مجعدة نازلة على عنقها حول أصبعه بأريحية ، ليقول بعدها بابتسامة جانبية جذابة
"لا تقلقي سأسمعكِ إياه ولكن ليس الآن فلم يحن وقتها بعد ، فعندما كتبتها وعدتُ نفسي عندها بأني سأسمعكِ إياه عندما تصبحين ملكي وبين ذراعي"
ردت عليه (مياده) بسرعة و بامتعاض
"ولكن ألم أصبح بعد ملكك أمام الناس ، إذاً لما كنت تصرخ بالمعهد وأمام الجميع بأني أصبحتُ ملكك"
شد (كريم) بهدوء على خصلة الشعر الملتفة حول أصبعه لتتأوه بألم قبل أن يقول بحزم وبابتسامة جامدة
"ليس هذا ما قصدته يا ذكية بل أن تصبحي ملكي بالكامل ، أن تكوني ملكي أمام الناس شيء وان تكوني ملكي روحيا وجسديا شيء آخر"
حادت نظرات (مياده) بعيدا لتتأكد إذا سمع أحد كلامه والذي سيجعلها تدفن نفسها حية ، لتتنهد بعدها براحة وهي تعود بنظرها ل(كريم) بشراسة والذي رفع يده ليضعها على رأسها وهو يخفضها لتستند بوجهها على يده قائلا بهدوء مبتسم
"اهدئي يا فاتنتي واستمتعي بهذه اللحظات والتي لن تجديها بعد تخرجنا أقصد زفافنا"
ابتسمت (مياده) بحالمية وهي تريح خدها على كفه بهدوء كالقطة الصغيرة والتي تبحث عمن يدللها ، وكل ما يهمها الآن وتسعى إليه هو التخرج من المعهد وبعدها الزواج من اقرب اصدقائها والذي سيصبح قريبا زوجها ليحميها من كل من يطمع بها بهذه الحياة .
_________________
بعد مرور أربعة أشهر كاملة ببردها وجمالها جاء اليوم المنتظر وهو زفاف (كريم) و (مياده) وهذا بعد تخرجهما من المعهد لتبدأ حفلة الزفاف مقترنة مع التخرج وتحديدا بالقاعة المكتظة بالضيوف والأقارب وجميعهم من طبقات معروفة ونبيلة ، كان (كريم) جالس وهو ينظر أمامه بوجوم وتحديدا للكتلة البيضاء الراقصة والتي لم تتوقف لثانية عن الحركة هنا وهناك مرة مع شقيقته ومرة مع صديقاتها حتى أنها جعلت شقيقها يشاركها بالرقص رغما عنه ، بينما هو شاركها بالرقص لبضعة لحظات ليعود للجلوس بعد أن أنهكه التعب وهي ما تزال مستمرة إلى مالا نهاية ، حتى أنه يستغرب من أين أتت بكل هذه الحيوية والطاقة والتي جعلتها ترقص لمدة نصف ساعة كاملة وبدون أن تشعر بأي ذرة تعب .
تململ (كريم) بمكانه بعدم راحة وهو يلاحظ النظرات والتي أصبحت تلاحقها بكل مكان وكأنها عرض مغري لا يتكرر ألا مرة بالعمر ، ليقف بعدها وهو يزفر أنفاسه بنفاذ صبر قبل أن يتجه إليها بين مجموعة الراقصين والمتحلقين من حولها لتكون هي المحور .
ما أن وصل (كريم) أمامها حتى همس بخفوت منقبض
"ألم تتعبي من كل هذا الرقص لأني انا تعبت من مراقبتك وانتظارك كل هذا الوقت"
كانت (مياده) تتمايل أمامه مع الموسيقى بدون أن تنتبه له ، ليمسكها عندها (كريم) من ذراعها موقفا تمايلها وهو يقول بخشونة
"مياده انا اتكلم معكِ"
توقفت (مياده) منتفضة وهي ترفع وجهها لزوجها الغاضب قبل أن تبتسم باتساع وبريق هامسة بلهفة وسعادة
"أخيرا قررت العودة لمشاركتي بالرقص ، كنتُ أعلم بأنك ستعود ولن تتركني لوحدي لوقت طويل"
عادت (مياده) لتمايلها وهي تمسك بذراعي (كريم) ليتمايل معها ، تصلب جسد (كريم) وهو يبعد يديها عن ذراعيه ليقول بعدها بجدية وهو يشدد بالإمساك بهما
"اسمعي مياده ستأتين معي لتجلسي على المقاعد فقد اكتفيت من الجلوس وحيدا كالأبله بدون عروس"
بعد أن أنهى (كريم) كلامه سحبها معه وهو يتجه بها للمنصة وفوقها مقاعد العرسان ، بينما حاولت (مياده) التملص منه وهي تقول بتذمر
"اتركني كريم أنا لم انتهي من الرقص بعد ، هذه حفلتي انا وأريد أن ارقص بها ، أتركني"
وصل (كريم) للمقاعد ليجلس وهو يسحب يدها لتجلس معه ولكنها امتنعت عن الجلوس وهي تقف أمامه بإيباء ، ليسحبها (كريم) بقوة حتى سقطت فوقه بدلا من الجلوس بجانبه ، ولكن (كريم) لم يعترض وهو يطوقها بذراعيه ليستمتع برائحتها المعطرة والممزوجة برائحة العرق من الرقص الطويل ، ابتعدت عنه (مياده) وهي تدفعه بقبضتيها هامسة بشراسة
"ابتعد عني يا كريم قبل أن أصب جام غضبي عليك"
ارتفع حاجبي (كريم) بخفة وهو ينظر لها بتحدي ، لتقول بعدها (مياده) وهي تزفر بنفاذ صبر
"توقف عن هذه الحركات يا كريم فهي لن تمنعني من العودة لساحة الرقص"
قال (كريم) بلا مبالاة وهو يمسك بخصرها بيديه
"افعلي ما تشائين ولكن العودة لهناك ممنوع فأنا لم اتزوج راقصة تمتع الناس بعرضها"
كانت (مياده) تنظر له بغضب وأنفاسها تخرج قوية قبل أن تقول بثقة وقوة
"يمكنني الرقص قدر ما أشاء وقدر ما أريد ونظرات الناس لا تهمني فهذا يومي انا والذي أتى بعد صبر طويل جدا ، لذا من حقي فعل كل ما أحبه بهذا اليوم ولن يمنعني عنه أحد"
اتسعت عينيّ (كريم) البنية هامسا بتصلب
"مياده"
قالت (مياده) بسرعة وبرجاء مغري
"أرجوك لا تفسد عليّ هذا اليوم يا كريم ، تعرف كم بذلتُ لأصل لهنا ولا أريد أن افسد فرحتي من أجل أي شيء فسعادتي الآن كبيرة جدا ولا أستطيع إعطائها لأحد"
رقت ملامح (كريم) أمام هذا الإغراء الفاتن وهو ينظر لوجهها القريب منه بجمال ، ليقول بعدها وهو يتنهد باستسلام
"حسنا سأدعكِ تكملين الرقص المميت ، ولكن بشرط أن تجلسي معي الآن وبعدها سأترككِ تذهبين فلم نقضي الوقت معا منذ وقت طويل"
ابتسمت (مياده) بسعادة وهي تحرك رأسها بالإيجاب فهو على حق بكلامه فبعد عقد قرانها وبالفترة الأخيرة انشغلت باختبارات نهاية السنة ولم تعد تجد وقتا لتقضيه معه كما كانت تفعل من قبل وحتى هو أيضا نفس الشيء حدث معه فقد بدأت اختباراتهم معا وتخرجوا بنفس الوقت .
قالت (مياده) فجأة بتململ وهي تحاول النهوض عن ساقيه ليتشبث بخصرها أكثر
"اتركني يا كريم لأجلس بجانبك أم تريدنا أن نبقى على هذا المنظر المشبوه أمام الناس"
تركها (كريم) وهو يتمتم بتذمر قبل أن يقول بتهديد وهو يكتف ذراعيه فوق صدره
"ستدفعين الثمن غاليا على كل هذا يا مياده وعلى تعذيبي بهذه الطريقة فقط انتظري حتى تنتهي هذه الليلة"
كانت (مياده) قد نهضت عن ساقيه لتجلس بجانبه وهي تنظر له بتسلية وبابتسامة مرحة ، لتهمس بعدها بخفوت وهي تتمسك بذراعه بقوة
"لا تحزن يا زوجي العصبي فأنا الآن بجانبك لذا استغل الفرصة قبل أن أذهب لأكمل الرقص بعيدا عنك"
ردّ عليها (كريم) وهو يحيد بنظراته باتجاهها قائلا بجفاء
"هذا كل ما يهمك الرقص والاحتفال بنجاحكِ ناسية هذا الرجل والذي يهيم فيكِ والذي انتظرك لمدة أربعة أشهر كاملة وتحمل انشغالكِ عنه بالدراسة"
عبست ملامح (مياده) وهي تكتشف كم اهملته وانشغلت عنه بهذه الفترة ، لترفع بعدها شفتيها لأذنه هامسة بخفوت خبيث
"أنا آسفة فقد انشغلت عنك كثيرا بهذه الفترة ، ولكن صدقني بهذه الليلة سنعوض كل الحرمان والانتظار والذي اتعب كلينا"
نزلت (مياده) بشفتيها الصغيرتين لتقبل خده بهدوء وبلمح البصر وكأن فراشة قد لمسته ، لينظر إليها مبهورا وهو يبتسم لها بهدوء وخبث ، وما أن اقترب بوجهه منها حتى نهضت (مياده) بسرعة عن مقعدها قائلة بابتسامة جميلة تشع براءة
"أعتقد بأننا قد جلسنا وقتا طويلا مع بعضنا ، لذا قد حان الآن وقت العودة لإكمال الرقص والاحتفال مع الجميع ، وداعا حبيبي"
فغر (كريم) شفتيه وهو ينظر إليها ترحل من أمامه ببساطة وهي تجري باتجاه ساحة الرقص ممسكة بطرفي ثوبها بيديها الاثنتين ، ليتنهد بعدها بإحباط وهو يضع قبضته على جبينه متمتما بيأس
"يا لي من أحمق وقعت بسحرها مرة أخرى وبدون أن أستطيع النجاة منه"
__________________
فغرت (نادية) شفتيها بذهول وهي تنظر للعروس المجنونة والتي عادت لساحة الرقص مرة أخرى بعد أن ظنت بأنها قد اكتفت أخيرا من الرقص وهي تشارك الجميع فرحتها ، لتهمس بعدها بصوت مذهول باهت
"لا أصدق لقد عادت مرة أخرى للرقص"
سمعت صوت أنثوي بارد بجانبها يقول بابتسامة هادئة
"أنها مجنونة من يومها ، وقد ظننتُ بأنها ستتعقل بعد الزواج ولكن يبدو انها قد ازدادت جنونا فوق جنونها"
التفتت (نادية) وهي تبتسم باتساع باتجاه (سائدة) والتي كانت ما تزال تبتسم لها بهدوء لتنزل بنظرها بعدها لبطنها المنتفخة قليلا والتي دخلت بالشهر الخامس ، لتتحول عندها ابتسامتها لحنية وشوق لرؤية طفل صغير ليكون فردا من عائلتهم الكئيبة ليملئها براءة وسعادة ، رفعت (نادية) نظرها ل(لؤي) والذي تغير كثيرا عن قبل ليتحول لشخص أكثر ابتساما وانفتاحا وقلقا أيضا عندما يتعلق الأمر بابنه وزوجته ، ونفس الأمر حدث مع زوجته والتي أصبحت تتفاعل مع الجميع وتبتسم للوجوه بسعادة لتختفي عنها تلك الهالة الباردة والتي كانت دائما تحوم من حولها .
رفعت (نادية) يدها عن سطح الطاولة وهي تقول بخفوت ولهفة
"هل يمكنني"
نظرت لها (سائدة) للحظات قبل أن تحرك رأسها بالإيجاب وهي تبعد يديها عن بطنها ، لتضع بعدها (نادية) يدها برهبة وهي تريحها على مكان الجنين لتشعر عندها بحركة خفيفة عند موضع كفها ، قالت (نادية) بسرعة وهي تبتسم بسعادة
"لقد شعرتُ بحركته وقد كانت قوية"
ابتسمت (سائدة) باتساع وعينيها تلمعان بالدموع كعينيّ (نادية) المقابلة لها ، ليقطع عليهما اللحظات الحزينة صوت (لؤي) وهو يقول بغرور واثق
"أخبرتكِ بأنه صبي وقوي مثلي أيضا ويبدو مستعجلا للخروج للحياة بسرعة"
ردت عليه (سائدة) بهدوء وهي تنظر لبطنها بلهفة
"وأنا ما زلتُ واثقة بأنها فتاة وستكون قوية لتسطيع تحمل العيش بهذه الحياة القاسية"
كان (لؤي) يبتسم بجمود قبل أن يقول ببرود وهو ينظر بعيدا عنهما
"غير مهم فزيارتكِ القادمة للطبيب ستحدد جنس المولود وسنرى عندها من سيربح"
تجاهلت (سائدة) كلامه وهي تعانق بطنها وكأنها تعانق ابنها نفسه ، بينما كانت (نادية) تراقبهما بمحبة وسعادة قبل أن تتلفت من حولها بقلق وهي تتذكر (حسام) والذي تأخر عنها كثيرا ، لتقرر عندها الذهاب والبحث عنه قائلة بابتسامة وهي تنهض عن مقعدها بهدوء
"اعذراني سأذهب للبحث عن زوجي"
حرك (لؤي) رأسه بالإيجاب وزوجته تبتسم لها بهدوء ، لتغادر بعدها (نادية) من أمامهم وهي تبحث عن زوجها بعيونها بين حشد كبير من الناس ، لتلتقطه عينيها وهو يقف عند زاوية بعيدة من القاعة وبجانبه فتاة جميلة ، ولكن ليس هذا ما صدمها بل لأنها اكتشفت بأن هذه الفتاة هي نفسها ذات الشعر الكستنائي والتي كانت برفقته بالفندق .
لم تشعر بعدها (نادية) بنفسها وهي تتجه بخطوات صارمة باتجاههما وإمارات الغضب تعلو وجهها ، لتنتبه بعدها الفتاة لوجودها والتي ما أن وصلت أمامهم حتى قالت بسرعة وبسعادة غامرة
أنت تقرأ
أبحثُ عن الحب
Ficción General"طفلة تبحثُ عن الحب بين قلوب صماء وبشر لا تشعر ، جائعة بالبحث عن الحب مثل البحث عن قطعة حلوى بين أدوية لاذعة ، وتبقى تؤمن بوجود هذا الحب الذي سيفهمها ويسمعها ، لتلتقي أخيراً بالحب والذي سيعوضها عن كل ما فات ، لتتعلق به بقوة مثل تعلق الطفل بوالديه ال...