الفصل الثامن

312 26 17
                                    

بصباح هذا اليوم وقبل كل هذه الأحداث وتحديدا بالطائرة المتجهة لأستراليا كان كل من (لؤي) و (سائدة) جالسين بجانب بعضهما بصمت ، فبينما كان (لؤي) مشغول بالكلام على هاتفه بأمور العمل وأمور الفندق والذي سينزلان به بفترة مكوثهما بهذه البلد ، كانت (سائدة) تتلفت بمن حولها بعدم راحة وتشبك يديها ببعضهما بتوتر وخاصة أنها أول رحلة لها بالطائرة وهي التي لا تحب الأماكن المرتفعة ابدا ، والحقيقة أنها لم تكن تريد الذهاب لأية رحلة لخارج البلد لكن (لؤي) أرغمها على الذهاب حتى أنه حملها بنفسه ليذهب بها للمطار مباشرة ، وها هي الآن  بالطائرة منذ مساء الأمس ولم يبقى إلا القليل ويصلون لوجهتهم حتى أنها لم تنم جيدا من فرط التوتر بهذه الأجواء الخانقة .
فككتُ تشابك يدي عندما شعرت بالعرق يتصبب منهما لأمسحهما بعدها بقميصي الوردي الشاحب وهو ما استطعت ارتدائه بعجلة عندما ارغمني (لؤي) على الذهاب قبل أن يحملني بنفسه للسيارة ، شعرتُ فجأة بيد صلبة تمسك بيدي وتبعدها عن القميص لتشدد عليها بقوة وصاحبها يقول بخفوت
"لا داعي لكل هذا التوتر فلم يبقى إلا القليل ونصل"
افلتت (سائدة) يدها من يده بقوة وهي تنظر للنافذة بجانبها بشرود وصمت ، لينظر لها (لؤي) بعدها بهدوء قبل أن يعود لهاتفه والعمل عليه فهو يريد أن يكون كل شيء جاهز ما أن تصل طائرتهم للبلد .
ما أن بدأت الطائرة بالهبوط معلنا وصولها لأرض المطار حتى شعرت (سائدة) بقلبها سيقع بين قدميها من الهلع ، لتتمسك عندها بيديها الاثنتين بدون شعور منها بيد (لؤي) والمستريحة على جانبه بقوة ، التفت (لؤي) بسرعة باتجاهها من حركتها المفاجئة والغير متوقعة وهو ينظر لارتجافها وهشاشتها والتي لا تظهر عليها دائما وزادها قميصها الوردي الشاحب هشاشة لتصبح بالغة الرقة وكأنها ليست نفسها الحادة والمحبة للملابس السوداء ، رفع (لؤي) يده الأخرى ليحيط بها يديها الصغيرتين معا وهو يمسح عليهما بلطف ، ليقرب بعدها شفتيه من رأسها المحني ليقبل رأسها بحنية وهو يستمتع بنعومة شعرها ويتمتم لها بخفوت
"فقط ثواني ونصل ، تحملي قليلا"
هبطت الطائرة بسلاسة على أرض المطار بعد ثواني من كلامه ، لتنتفض بعدها (سائدة) بمكانها وهي تبتعد عنه مسرعة ومعتدلة بجلستها ، ابتسم (لؤي) ابتسامة جانبية وهو ينظر لها كيف تستجمع شجاعتها لتعود لجمودها وبرودها ، ليمسك (لؤي) بعدها بيدها ويسحبها معه لخارج الطائرة وهناك ينتظرهما حراس (لؤي) وسائقه الخاص .
كانت (سائدة) تنظر من نافذة السيارة الخاصة والتي كانت بانتظارهما خارج المطار ، لتشرد بعدها بالطريق والمناظر الغربية عنها وهي تشعر أن السجن بهذه البلاد سيكون أسوء ، ليقطع عليها شرودها صوت (لؤي) وهو يقول بهمس
"ما رأيكِ بهذه البلاد ، أليست مناظرها جميلة وجذابة"
ردت عليه (سائدة) ببرود متجمد
"وما الفائدة من جماله إذا كنا سننحبس بالفندق ولن نخرج منه إلا للعودة للمطار"
قال (لؤي) بعد لحظات بغموض وهو يبتسم لها بخفوت
"ومن قال لكِ اننا لن نخرج من الفندق بفترة أقامتنا هنا ، عليكِ أن تعلمي أن رحلتنا هذه ستكون طويلة جدا وسنتعرف بها على كل المناظر بالبلد"
نظرت له (سائدة) نظرات جانبية ومشككة ليبتسم لها (لؤي) بالمقابل بتأكيد ، لتتجاهله (سائدة) عندها وهي تنظر لنافذتها وللبلد والذي يخبئ لها الكثير من المفاجآت .
وصلت السيارة الخاصة والذي يقودها السائق للفندق الكبير ، ليخرج (لؤي) بعدها من السيارة لتتبعه (سائدة) بخروجها وهي تنظر للفندق ذات الطوابق المرتفعة والتي تصل للسحاب ، ولم تنتبه بتجاوز السائق لها وهو يحمل حقائبهم للداخل ، وصل (لؤي) ليقف بجانبها ويمسك بيدها برفق ليسحبها عندها لداخل الفندق وهي ما تزال تنظر من حولها بحذر .
وصل (لؤي) لمكتب الاستقبال ليستفسر عندها عن رقم الغرفة ويأخذ منهم مفتاحها ، حادت نظرات (سائدة) بعيدا لتنظر لأناس من كل الأجناس والألوان ، لتلمح عندها شاب صغير بشعر أشقر وعينيه الخضراء تدوران بالمكان بشكل مريب ، وما أن التقت عينيه بعينيّ (سائدة) حتى ابتسم لها بعبث وهو ينظر لها من أسفلها لأعلاها ، لم تشعر (سائدة) بيدها والتي اشتدت على يد (لؤي) حتى أنها رفعت يدها الأخرى لتتشبث بذراعه بقوة ، التفت لها (لؤي) وهو يقول بحيرة
"ماذا هناك سائدة ، أتحتاجين لشيء"
انتبهت (سائدة) على صوته لتلتفت له وهي تقول ببعض الاهتزاز 
"لا لا شيء فقط أريد أن ارتاح فأنا لم أنم جيدا بالأمس"
قال (لؤي) باطمئنان وهو يلتقط مفتاح غرفتهم بيده
"لا تقلقي سنصل الآن لغرفتنا وترتاحين بها بقدر ما تشائين"
حركت (سائدة) رأسها بالإيجاب ليسحبها عندها (لؤي) باتجاه المصعد ، لتعود بعدها (سائدة) للنظر للخلف  بريبة لتلمح عندها نفس الشاب يبتسم لها ولكن هذه المرة كان يغمز لها بخبث واضح ، عادت (سائدة) للنظر أمامها وهي تتساءل ماذا يريد منها هذا الاجنبي الغريب؟
ما أن وصلوا أمام باب غرفتهما حتى فتحها (لؤي) بالمفتاح ليحمل الرجل والذي يعمل بالفندق حقائبهم ليدخلها للداخل بحرص ، دخلت (سائدة) ببطء وهي تنظر للجناح الفخم والنظيف والمرتب بأفضل الأرائك والشراشف ، قال (لؤي) من خلفها بخبث وهو ينظر لانبهارها بالمكان
"أليس الجناح فخما مثل جناح العرائس"
استدارت له (سائدة) بعنف وحياء وهي تقول متجاهلة كلامه
"أين غرفة النوم هنا فأنا أريد أن ارتاح بها"
قال الرجل باحترام ليقطع عليهما كلامهما بعد أن انتهى من ادخال الحقائب
"لقد انتهيت يا سيدي ، إذا احتجتم لأي شيء فيمكنكم الاتصال بنا"
حرك (لؤي) رأسه بنعم وشكره قبل أن يغادر الرجل من جناحهما ويغلق الباب من خلفه ، قالت (سائدة) من خلفه بنفاذ صبر
"ألن تخبرني أين غرفة النوم أم أبحث عنها بنفسي"
استدار (لؤي) لها وهو يشير للغرفة بجهة اليمين بيده
"تلك هي الغرفة وليس هناك غرفة نوم غيرها"
نظرت له (سائدة) بامتعاض وهي تفهم مغزى كلماته وهو أنها لن تستطيع النوم بالغرفة بمفردها ، تراجعت (سائدة) بخطواتها لتبتعد عنه باتجاه الغرفة ، ليقول (لؤي) عندها من خلفها بصوت مرتفع ومبتسم
"اسمعي نامي الآن جيدا لأنه بالمساء لدينا سهرة طويلة وممتعة وستستمتعين بها كثيرا"
وقفت (سائدة) بمكانها وهي تفكر ماذا ينتظرها بالمساء وتتمنى حقا ألا تكون حفلة أخرى مثل تلك التي حضرتها معه لأنها عندها لن تذهب لها حتى لو قتلها وقطعها من أجلها ، لم تنتبه بعدها لخروج (لؤي) من جناحهما ألا حين سمعت أغلاقه للباب من خلفه ، لتشعر عندها بالبرد القارص يجمدها والخواء بروحها يزداد لم تكن تشعر به بذهابه بل كانت تشعر به بوجوده ، فهل هذا يعني أن مشاعرها اتجاهه قد تغيرت وتحولت لشعور بالأمان معه وخاصة الأمان من صاحب خضراء العينين العابثتين .
________________
بعد أن حل المساء ستاره كان (لؤي) واقف ينتظر (سائدة) عند باب الغرفة وهو ينظر لساعته كل حين ، وهذا بعد أن أرغمها على الاختيار بين أن يؤخذها معه لمقابلة عملائه بملابسها نفسها أو أن تجهز نفسها قبل أن يذهبوا لمقابلتهم ، عاد (لؤي) للنظر لساعته مرة أخرى وهو يتأفف بنفاذ صبر فلا يريد أن يتأخر على عملائه الأجانب ، وما أن كان سيعاود الطرق على باب غرفتها مجددا حتى انفتح الباب فجأة لتخرج منه (سائدة) بفستانها الأحمر القاني والذي يصل لكاحلها بينما تركت شعرها الأسود الكثيف مجموعا على كتفها الأيمن ، وأما وجهها فتركته على طبيعته الشاحبة ألا شفتيها فقد طلتهما باللون الأحمر القاني والذي يماثل لون فستانها حدة ، لتصبح بالنهاية بهذه الصورة المغرية والفاتنة وبعيدا عن مظهر الجنازة والذي تظهر به دائما بملابسها السوداء ، قطع عليه تأمله صوت (سائدة) وهي تقول بملل
"لا تنظر لي هكذا فقد نسيت أن احظر معي فساتيني بسبب العجلة ، لذا اضطررت لارتدائه"
تذكر (لؤي) فجأة أنها لا تمتلك مثل هذا اللون بفساتينها وملابسها وهذا يعني أن هذا الفستان من ضمن الأغراض والتي طلب شرائها للفندق قبل وصولهما للاحتياط ، اقترب (لؤي) بعدها باتجاهها وهو يقول بغموض وبابتسامة
"ولكني أراه يناسبك كثيرا ، وأعتقد أن عليك دائما الارتداء مثله فهو يجعلك جذابة جدا ولا تقاومي"
ابعدت (سائدة) نظرها بعيدا عنه وهي تشعر بالتشتت بمشاعرها ، لتقول بعدها بعجلة وببرود
"هيا بنا لنذهب ، ألم تكن تقول أنك تأخرت على عملائك كثيرا"
وقف (لؤي) بجانبها ليرفع ذراعه أمامها وهو يدعوها لتمسك بها ، مرت لحظات صمت قبل أن ترفع (سائدة) يدها وتمسك بها بمرفقه ، ليسير عندها (لؤي) باتجاه باب جناحهما وهو يبتسم لها بجاذبية وينظر لمدى روعتها اليوم وهو يتمنى أن تبقى على هذه الهيئة دائما ولا تخلعها ابدا .
ما أن وصلوا لمطعم الفندق حتى اتجهوا من فورهم لطاولة معينة والتي يتواجد بها العملاء الأجانب وهم عبارة عن رجلين وامرأة تبدو عليهم علامات الرقي والفخامة ، وقف الرجلين والامرأة ما أن وصلوا لطاولتهم ليرحبوا بهم بلطف واحترام ، لتقول المرأة بسعادة وبلكنة فرنسية وهي تنظر ل(سائدة) تحديدا
"هل هذه زوجتك يا سيد لؤي ، أنها فارهة الجمال"
رفعت (سائدة) حاجبيها وهي تحاول فهم ما تقوله هذه السيدة فهي لم تدرس اللغات بل درست اللغة الانجليزية فقط ، بينما (لؤي) شكرها بلغتها وهو يحرك رأسه بالإيجاب بلطف ، ليجلسوا عندها جميعهم على مقاعدهم حول الطاولة ، لتمسك (سائدة) بعدها بسترته عند الذراع وهي تقول بهمس لأذنه
"ماذا كانت تقول تلك السيدة"
ابتسم (لؤي) وهو يحاول كتم ضحكته أمام فضولها ، لتبعد (سائدة) وجهها بعيدا عنه وهي تقول بحدة
"لا داعي لتسخر مني ، اصلا الحق عليّ أني سألتك"
قال (لؤي) برقة وهو ينظر لتجهمها
"لقد قالت عنكِ أنك جميلة جدا ومعها حق بكلامها فأنت تبدين بغاية الجمال الليلة"
كانت (سائدة) تنظر بعيدا عنه وهي تعض على شفتيها لتمنع ابتسامتها الخائنة .
قضيتُ طول الوقت وأنا أنظر ل(لؤي) يتحدث معهم بلغتهم بكل أريحية وأكيد عن العمل بينما همّ كانوا مندمجين معه وسعيدين بكلامه وكأنه واحدٌ منهم ، والحقيقة أنه كان يبدو جذابا وملفت للنظر ببدلته السوداء المنمقة وتكلمه معهم بهذه اللغة حتى أنه كان يبتسم ويضحك معهم من الحين للآخر لتلتمع عينيه الخضراء بصفاء وكأنها تنظر لشخص آخر لا تعرفه بل تعرفت عليه للتو ، التفت (لؤي) باتجاهي فجأة ليضبط عينيّ تنظران إليه وكأنه امسكني بالجرم المشهود ليبتسم عندها بتسلية وهو ينظر لانبهاري به ، أدرتُ وجهي بسرعة بعيدا عنه وأنا أشعر بالخجل والغباء من نفسي وهو يتسلى بي على حسابي .
وصل النادل وهو يحمل صينية العصير ليوزع الكؤوس على الطاولة أمامهم ويرحل ، نظرت (سائدة) للعصائر الملونة أمامها ولم تعرف أي واحدة تختار لها ، أمسك (لؤي) بكأس عصير بلون الخوخ ليضعها أمامها وهو يقول بابتسامة
"هذا العصير بطعم الخوخ وهو شهي جدا سيعجبك"
نظرت له (سائدة) بشك عندها لم تستطع منع نفسها من السؤال
"وانت ما هو العصير الذي ستشربه"
نظر (لؤي) للكؤوس الملونة وجميعها أنواع كحول ولا يوجد بينها سوى كأس واحد طبيعي وهو الخاص ب(سائدة) ، ليرفع (لؤي) بعدها كأس (سائدة) ويشرب منه رشفة صغيرة ليعيده بعدها أمامها وهي ما تزال تنظر له بذهول ، ليقول (لؤي) عندها بخفوت وهو ينظر لعينيها المصدومة
"اعتذر ولكن لا يوجد سوى كأس واحد عصير طبيعي أم تريدين مني أن أشرب من الكحول"
أخفضت (سائدة) رأسها بإحراج لم تشعر به من قبل وهي تنظر للكأس أمامها والتي شرب منها للتو ، لتشعر بعدها بحلقها والذي جف من العطش الشديد لترفع عندها يدها لا إراديا وهي تمسك بالكأس لتشربها بأكملها برشفة واحدة ، شعرت (سائدة) بعدها بالانتعاش وطعم الخوخ الشهي علق بحلقها ، لتعيد عندها الكأس لمكانها أمام نظرات (لؤي) المبتسمة بخبث وهو لا يصدق أن (سائدة) شربت من وراءه حقا ، قالت المرأة الأجنبية فجأة برومانسية وهي تنظر لهما كيف يشربان العصير من وراء بعضهما
"إنه شيءٌ غاية بالروعة ، انتما حقا أكثر زوجين رومانسيين ومناسبين لبعضكما"
ابتسم لها (لؤي) بلطف وإحراج وهو يشكرها مجددا ، بينما كانت (سائدة) تنظر لها بعبوس وهي لا تفهم أي كلمة مما قالته فلم تتمنى بحياتها شيء بشدة كما تمنت الآن وهو أن تتعلم اللغة الفرنسية بعكس شقيقتها (مياده) والتي تعلمت كل هذه اللغات لو أنها موجودة لفسرت لها كل كلامهم ، شعرت (سائدة) بعدها بألم طفيف بمعدتها لتنهض من مكانها وهي تهمس بخفوت
"سأذهب للحمام قليلا"
وقبل أن أسمع الرد من (لؤي) سرتُ بعيدا عن طاولتهم ، وما أن ابتعدت عنها قليلا حتى لمحت باب الشرفة الزجاجي والذي يطل على البحر بالخارج ، لم اشعر بعدها بقدمي وهما تتجهان للباب الزجاجي لأخرج منه للبحر الأسود وأنا أشعر بجاذبية تجذبني إليه .
ما أن وصلتُ أمام البحر حتى هبطت على رماله الناعمة لأجلس عليها بهدوء بينما الرياح تطير شعري بحرية للخلف وبعيدا عن كتفي ، ولم أشعر بعدها بالوقت وكم مر على جلوسي هنا وقد شعرتُ عندها بالحرية والتي حلمت بها كثيرا وأنا أتمنى لو أستطيع البقاء هنا للأبد وبدون أي أحد ، حتى أني لم أنتبه لجلوس (لؤي) بجانبي وهو يقول بخفوت شديد
"كان عليكِ أخباري بمكانك قبل مجيئك لهنا ، لقد جعلتني أقلق عليكِ"
ردت عليه (سائدة) بلا مبالاة وهي تنظر للبحر أمامها
"إذا كنت أتيت من اجل ان تعيدني لطاولت عملائك ، فأنا آسفة لا أريد العودة"
قال (لؤي) بابتسامة خافتة وهو ينظر لستار شعرها المتطاير
"لا لم آتي من أجل أن أعيدك ، وأيضا لقد مللت كثيرا من العمل وأريد أن ارتاح معكِ"
التفتت له (سائدة) مما جعل شعرها يتطاير أمام وجهها وهي تقول بشك
"حقا ولكن ماذا عن العملاء هل ستتركهم ينتظرونك هناك"
رفع (لؤي) يده ليبعد خصلاتها عن مسار وجهها ليعيدها لخلف أذنيها وهو يقول بابتسامة هادئة
"لا تقلقي عليهم فقد أخبرتهم أن زوجتي متعبة وعليّ الذهاب لها وهم بالمقابل تفهموا الأمر وأخبروني اننا سنكمل كلامنا فيما بعد"
عادت (سائدة) للالتفات للبحر وهي تغمض عينيها بهدوء ، بينما كان (لؤي) ينظر لهذه الصورة الحية أمامه مع شعرها المتطاير وفستانها الأحمر الامع لتصبح عندها حورية خارجة من البحر مثل الذي بالحكايات ، قالت (سائدة) فجأة وهي ما تزال مغمضة عينيها
"ماذا قالت المرأة الاجنبية بعد أن وضع النادل الكؤوس امامنا"
ابتسم (لؤي) بمرح فيبدو أن فضولها قد انتصر على جمودها أخيرا ، لتتابع (سائدة) بجمود وهي تنظر بعيدا عنه
"إذا كنت لا تريد أن تجيبني فأخبرني بدل أن تسخر مني"
رفع (لؤي) يده ليمسك بوجهها ليديره باتجاهه وهو ينظر باستمتاع لامتعاضها والذي يراه لأول مرة فقد اعتاد على رؤية نظراتها الغاضبة والحزينة ، ليقول بعدها بهدوء وبمشاعر أخرى ألهبتها
"قالت عنا أننا زوجين رائعين ومناسبين جدا لبعضنا"
احمر خدي (سائدة) ولا تعرف إذا كان السبب من كلامه الملهب لها أم بسبب الرياح الباردة والتي تصفع جانبي وجهها بقوة ، اقترب منها (لؤي) أكثر وقد ظنت انه سيقبلها على شفتيها ولكنه خان توقعاتها عندما انحرف بشفتيه على خديها وقبلهما لتشعر بخديها الباردين من الرياح قد اشتعلا بقوة وهو يقبل كل واحد منهما على حدة ، ابتعد (لؤي) عنها وهو ينظر لاستكانتها بابتسامة واسعة وكأنه كشف استمتاعها بتقبيله ، لتنتفض (سائدة) بعدها بمكانها وهي تقف بقوة لتقول بعجلة
"أنا أريد العودة للجناح فقد شعرت بالتعب فجأة"
وبسبب حركتها السريعة شعرت بكاحلها قد كسر بحذائها العالي لتأن عندها بألم ، وقف (لؤي) بسرعة وهو يرفع ذراعه لها ويقول
"هيا امسكي بذراعي بسرعة قبل أن يتورم كاحلك اكثر"
ابتعدت عنه (سائدة) بصعوبة وهي تقول بألم وجمود
"لا شكرا لا أريد ، أستطيع السير وحدي"
أنزلت (سائدة) يديها لتخلع حذائها العالي والذي يعيق عليها الحركة ، لتتابع بعدها السير على الرمال الناعمة بصعوبة وهي تمسك الحذاء بيديها ، تنهد (لؤي) بنفاذ صبر من جمودها وتظاهرها بالقوة فحتى لو كانت تموت مستحيل أن تطلب منه المساعدة ، ليسير (لؤي) بعدها باتجاهها بخطى سريعة ليحملها عندها بذراعيه من خلفها وهو يقول بقوة
"إياك أن تنطقي بأي كلمة غبية ، فاذا سمعت أي اعتراض منك الآن فسألقيك بالبحر ولن أهتم لك ابدا"
صمتت (سائدة) تماما وهي خائفة من أن يفعلها حقا فهو مجنون ولا شيء يقف أمامه عندما يريد أن يفعل شيء ، نظر لها (لؤي) بانتصار وهي مستكينة بين ذراعيه كالقطة الصغيرة والممسكة بحذائها بيد وباليد الأخرى تتمسك بعنقه ، ليكمل بعدها سيره بطريق البحر وهما ينظران لبعضهما نظرات سرية لا أحد يفهمها غيرهما ولا يشاركهما بها سوى البحر الهائج الأسود .
_________________
كان يجلسُ على الأريكة ببهو المنزل وهو يضع يديه فوق رأسه بتعب وإحباط ، وهذا بعد عدة محاولات كثيرة من أجل أن يقنع (عماد) بجدارته ليوافق عليه ، ولكنه دائما يواجه الرفض والطرد حتى أنه منع من دخول شركته مرة أخرى ، لقد مر أكثر من أسبوع لم يراها فيه أو يسمع عنها شيء وهو يشعر بالاشتياق الشديد لها ينحره ويعذبه وهو نفس الشعور والذي جربه عندما سافر بعيدا عنها وتركها تتعذب من عائلتها بسبب فعلته .
دخل (فؤاد) للمنزل لينظر لابنه المهموم بالآونة الأخيرة فقد أصبحت تصرفاته غريبة جدا حتى أنه أحيانا يتهرب من العمل بحجة أن لديه أمورا أخرى عليه تسويتها ، ولكن هذا الوضع لم يعد يحتمل وعليه أن يسوي اموره مع ابنه فقد أصبح بعيدا جدا عنه وهو لن يتحمل خسارته مثل والدته ، تقدم (فؤاد) بعدها باتجاه ابنه ليقف أمامه وهو ينظر لرأسه المحني بتخاذل ، ليقول عندها باتزان وهو ينظر له بتدقيق
"إذاً إلى متى ستبقى على هذه الحالة الميؤوس منها"
لم يعلق (حسام) على كلامه بل لم يرفع رأسه أيضا ، ليتابع (فؤاد) بعدها كلامه بقوة
"إذا بقيت هكذا فستخسر الفتاة ولن تعود لك بعد الآن"
رفع (حسام) رأسه بسرعة وهو يقول بجفاء
"بل لن تكون لأحد غيري لأني لن اتوقف حتى أحصل عليها وتصبح ملكي"
لم يتأثر (فؤاد) بكلامه وهو يقول بتفكير
"وكيف ستحصل عليها"
نظر (حسام) لوالده للحظات قبل أن يقول بضياع
"لا أعرف ، ولكني سأحاول بكل جهدي إقناع ابن عمها ليوافق عليّ ويزوجني إياها"
قال (فؤاد) بابتسامة هادئة وهو يحدق بابنه الضائع
"وهل أنت متأكد بأنك ستنجح بإقناعه بعد أن فشلت بإقناعه من قبل"
عاد (حسام) للنظر لوالده بتفكير ليقول عندها بلهفة وأمل
"أبي اسمعني أتستطيع إقناع ابن عمها بدلا عني فهو يحترمك كثيرا بسبب الشراكة بينكما وأكيد هو لديه معزة عندك لذا هل يمكنك أن تفعل هذا من أجلي"
مرت لحظات صمت لا يقطعها شيء سوى تنفس (حسام) الحاد بينما كانت ملامح (فؤاد) هادئة لا تنم عن شيء ، قال (فؤاد) بعدها بهدوء جامد
"سأفعل هذا ولكن بشرط أن تخبرني بكل شيء حدث معك بالماضي مع هذه الفتاة عندما كنت تعيش مع جدتك"
انتفض (حسام) فجأة ليقف أمام والده وهو يقول بذهول وارتباك
"ماذا ، كيف عرفت أن هناك شيء حدث معي بالماضي بيني وبين الفتاة"
قال (فؤاد) بقوة وهو ينظر لصدمة ابنه وكأنه قد أمسك به بفعلة شائنة
"أخبرتك بأني اعرف بكل شيء يدور من حولي فمنذ كلامي مع عماد عرفت أن هناك شيء حدث معك ومع الفتاة جعله متحفظا هكذا ضدي ، ولكني لم أسألك فقد كنت انتظرك أن تعترف أنت بفعلتك"
ردّ عليه (حسام) بسرعة وبألم
"صدقني ابي لم أفعل معها شيئاً سيئاً ولكن الذي حدث أن عائلتها قد فهمتنا بشكل خاطئ"
كان (فؤاد) صامت وهو ينظر له بعدم اقتناع وينتظر منه المزيد من التبرير ، ليكمل (حسام) عندها كلامه وهو يشرد بعيدا عنه

أبحثُ عن الحب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن