الفصل التاسع

342 24 15
                                    

كانت تسير بمحاذاة البحر بعد أن تركها (لؤي) نائمة  بجناحها ليذهب لمقابلة عملائه الأجانب مرة أخرى لتخرج عندها للبحر والذي سحرها منذ رؤيته له لأول مرة وهي تتمتع بأشعة شمس الصباح الدافئة لتضرب وجهها الناعس بقوة فتجعله متوهجا ساحرا وروحها تحلق عاليا ببهجة وسعادة كطائر النورس وهذا حالها منذ مجيئها لهذه البلاد وتدليل (لؤي) لها بكل شيء وهو يخرجها معه بكل رحلاته لأماكن متعددة بالصباح وبالمساء يذهبان بسبات عميق وبأحضان بعضهما من شدة التعب ، هي لا تنكر عشقها لكل هذه التفاصيل واستمتاعها بتدليله لها واعطاءها حريتها بعمل أي شيء تحبه ، ولكن بالنهاية يبقى هناك عقبة صغيرة  بعلاقتهما وهي التي تفسد كل هذه اللحظات الجميلة والرائعة فهي متأكدة بأن (لؤي) لن يستطيع أن يمنع نفسه عنها طويلا وعندما ينتهي صبره ستحدث عندها الكارثة .
نفضتُ عني كل هذه الأفكار المزعجة عن رأسي لأكمل سيري عندها على الرمال الناعمة وأنا أتمتع بهذه الدقائق القليلة قبل عودة (لؤي) وبدأه برحلة تدليلي الطويلة ، سمعتُ عندها صوت خطوات خافتة من خلفي لأتجاهلها تماما فأكيد سيكون من رواد الفندق جاء ليتمتع بالبحر مثلي ، ولكن ما زاد قلقي أكثر هو سرعة الخطوات وهي تقترب مني من الخلف ، لأشعر بعدها بشفتين تقتربان من أذني وصوت ناعم يقول بالفرنسية
"صباح الخير يا جميلتي"
انتفضت (سائدة) بسرعة وهي تتقدم للأمام بعيدا عنه لتستدير عندها باتجاهه بغضب ، ليتحول غضبها لذهول وهي تكتشف أنه نفس الشخص الاجنبي الوقح والذي رأته عند بوابة الفندق ، تقدمت (سائدة) خطوات وهي تحاول أن تتجاوزه قبل أن يقف أمامها ليسد عليها الطريق تماما ، كانت (سائدة) على وشك الصراخ به قبل أن يسبقها بالكلام قائلا بعبث وهو يدور بنظراته بها
"آسف إذا كنت ازعجت الجميلة ، ولكنه خطأك انتِ لأنك تبدين جذابة جدا وهذه أول مرة أصادف هذا النوع من الفتيات وأكيد أنكِ لستِ من هنا ، لهذا انا أرغب بكِ بشدة"
عقدت (سائدة) حاجبيها الأسودان بتعقيد وهي تحاول فهم ما يقوله هذا الوقح وأكيد ليس شيئا جيدا ، لتقول (سائدة) بعدها بالإنجليزية وبقوة وهي تحاول الابتعاد عنه
"اسمعني جيدا أيها الغريب انا لا أفهم أي كلمة مما تقوله فأنا لا اتكلم سوى بالعربية وبالإنجليزية لذا ابتعد عني رجاءً"
ابتعدت عنه (سائدة) بالفعل ليعود لسد طريقها مجددا وهو يقول لها هذه المرة بانفعال وعينيه ما تزالان تدوران بها بجنون
"لا تهربي سأدفع لكِ قدر ما تشائين ولكن كوني لي مرة واحدة"
شعرت (سائدة) فجأة بقشعريرة وتقزز مع أنها لم تفهم أي كلمة مما قاله ولكن غريزتها نبهتها انه لا ينوي الخير ابدا ، لتعود للابتعاد عنه وهي تتلفت من حولها عسى أن يأتي أحد وينقضها من هذا الموقف ، ولكن لم يكن هناك أحد من حولها ليعود الرجل مرة أخرى ليمسك بذراعيها هذه المرة وهو يهزها بهما ليقول عندها بشراسة لا تناسب صوته الناعم
"لما لا تفهمي يا جميلتي انا أريدك بشدة وأريدك الآن"
حاولت (سائدة) تحرير ذراعيها من بين هذا المجنون وعينيه الخضراء تنظر لها بخبث ورغبة ، لتتذكر عندها (لؤي) فجأة ولا تعرف لما ذكرها هذا الشخص ب(لؤي) أيكون بسبب نفس لون العينين أو بسبب نفس الشراسة والرغبة ، ولكن مع ذلك يبقى هناك شتان بينهما فعينيّ (لؤي) أغمق وأقتم منه وأما شراسته ورغبته بها فهي بسبب حبه وجنونه بها وخاصة أنها الشيء الوحيد الجميل بحياته كما كان يقول لها ، لكن هذا الشخص الاجنبي المجنون فهو يرغب بها ليتسلى بها مثل باقي الفتيات العاهرات بهذه البلاد والذين يرمون بأنفسهن لأي رجل وسيم يرونه أمامهم وكأن الأمر بالنسبة لهم روتين حياة .
عاد الرجل الأجنبي للوراء بفعل قوة جذبته للخلف ليسقط عندها على الرمال الناعمة ويظهر (لؤي) من خلفه ، وما أن حاول الرجل أن يستقيم وينهض من مكانه حتى أوقفه (لؤي) وهو يضع حذائه الأسود على كتفه بقوة يكاد أن يحطمه ، ليبصق بعدها (لؤي) عليه وهو يقول بالفرنسية باشمئزاز
"كيف تتجرأ أيها الحشرة الوضيع على لمس ما هو يخصني بيديك الملوثة والقذرة ، أكنت تظنها وضيعة مثلك أيها القذر لتفعل ما تريده"
كانت (سائدة) تنظر بذهول لملامحه المشمئزة وهو يتكلم بالفرنسية بطلاقة والأكثر عجبا أنها كانت تبتسم  بسعادة مع أنها لم تفهم أي كلمة لتسرح به عندها وقد نسيت موضوع الوقح تماما وهي تتعرف على زوجها أكثر لتكتشف أن جنونه وشراسته بها ما هي إلا طريقة ليحميها ممن حولها ، كان (لؤي) قد هبط بمستوى الرجل ليمسك بياقة قميصه قبل أن يوسعه ضربا وهو ما يزال ممددا على الأرض ، ليقول عندها بجنون وفحيح من بين ضرباته
"سأعطيك الآن درسا لا ينسى من أجل ألا تحاول تدنيس زوجتي بقذاراتك مرة أخرى"
استمر (لؤي) بلكمه لدقائق عدة ليتأوه بعدها فجأة بألم وهو يبعد يديه عنه ليضعهما على جرحه النازف بصدره والذي سببه له الرجل الأجنبي على حين غرة بموسه ، انتفضت (سائدة) بذعر وهي تنظر لزوجها ينزف بشدة عند صدره بجهة القلب ، ليكمل عندها الرجل تجريحه بالموس على كامل ذراعيه وهو يحاول أن ينهض من تحته بعيدا عنه ، ليدفعه الرجل بعدها للخلف على الرمال وهو يستغل الفرصة ليهرب بعيدا بعد فعلته وهو يتلفت من حوله بخوف أن يراه أحد .
تجمدت (سائدة) بمكانها وهي تشعر بروحها ستقتلع من مكانها والرجل يهرب من أمامها ببساطة ، لتنقل نظرها بعدها بهلع وبعينين متجمدتين بالدموع ل(لؤي) والمسجى على الأرض وهو يأن بألم ليضغط بذراعيه والمغطيان بالدماء جهة صدره عند إصابته والتي لوثت قميصه الأبيض بدمائه لتتحول عندها لبقعة حمراء شنيعة ، شهقت (سائدة) عندها بألم لتسقط دمعة يتيمة شاردة على خدها وهي تعي على نفسها وأن ما تراه أمامها حقيقي لتتلفت من حولها من فورها علها تجد من يساعدها ولكن لا أحد وخاصة أن الوقت ما يزال مبكرا جدا ، لتسقط (سائدة) بعدها جالسة بجانبه وهي تهمس باهتزاز لتمسح بيدها المرتجفة الدموع المتجمعة بعينيها
"انا سأذهب لأحضر المساعدة لذا تحمل قليلا حتى أعود سمعتني"
وما أن همت (سائدة) بالنهوض حتى شعرت بيد صلبة تمسك بذراعها بقوة تمنعها عن الابتعاد ، لتلتفت له من فورها وهي تنظر لعينيه الخضراء المرتجفة وعلى غير عادتهن ، لتقول عندها (سائدة) بابتسامة مهتزة وهي تمسك بيده والممسكة بذراعها
"لا تقلق لن أتأخر عليك ، أعدك"
مرت لحظات صمت مشحونة بالتوتر قبل أن يفلت (لؤي) ذراعها ليعود لضمها لصدره بألم ، لتنهض بعدها (سائدة) بحذر لتغادر بعيدا عنه وهي تتلفت باتجاهه كل حين لتنظر إليه من بين غشاوة الدموع بعينيها وهي تشعر بأنها تركت روحها معه عند البحر بعد أن كانت تحلق بسعادة ، لتسرع عندها بخطواتها باتجاه طريق الفندق وهي لا تعي بالنظرات المستغربة لقميصها والذي تلطخ بدمائه عندما أمسكها (لؤي) بذراعها ليبقى معلما عليها بوضوح .
________________

أبحثُ عن الحب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن