الجزء 8

40 4 0
                                    

11


دخل أحمد إلى شقته وتوجه على الفور إلى الحمام واضعاً نفسه تحت الدش، كان يُريد أن يستفيق من هذه الغيبوبة التي يعيش فيها.

خرج من الحمام بصورة مختلفة بعد أن عاد إليه عقله الذي غادره منذ أن غادر الصيدلية، استلقى على سريره مُغمضًا جفنيه، كأنه يُمارس أحد تمارين رياضة اليوجا.

أراد لمشاعره الثائرة أن تهدأ، فهي إن هدأت سيتمكن من ترتيب أفكاره المتصارعة داخل عقله، وبعد مرور بعض الوقت شعر بالاسترخاء والراحة.

قطع هذا الهدوء صوت جرس الباب، وكانت وجبة الغداء قد حضرت من المستشفى، أكمل أحمد نصف وجبة الغداء بصعوبة.

أعدَّ كوبًا من الشاي أخذ يرتشفه وهو جالس على سريره، وبدأت الأسئلة تتوالى على عقله، وكان أول سؤال:

ما هذا الشعور الذي انتابه منذ أن رأى صورة شيرين ؟

وجد أحمد نفسه يعرف الإجابة؛ لأنه يعلم حقيقة هذا الشعور، إنه الشعور الذي نَستدعي فيه كل ما هو جميل بداخلنا، ونستغنى عن كل قبيح يلوثنا، إنه الشعور بالحب.

ثم يأتى سؤال آخر:

- مَن الذي حرك هذا الشعور داخله ؟

وهنا تَحيَّر في الإجابة، وراح يقول:

- إذا كانت الصورة هي التي حركته، فهو ليس بحُبٍ، وإنما هو فقط إعجاب بجمال شيرين.

أمَّا إذا كانت هي شيرين نفسها، فلماذا لما ينتابه هذا الشعور عندما رأها لأول مرة؟ أو حتى عندما دخل عليها الصيدلية، وقبل رؤيته لصورتها في البرواز؟

فكَّر مليًّا، فتوصَّل إلى أنه خرج من مكتب المهندس عبد العزيز صاحب المستشفى وقد أحبطته تلك المقابلة، فقد شعر بنفور من هذا الرجل، بل أنَّ الأمان الذي ملأ نفسه منذ الأمس بعد مقابلته بالمسؤولين والعاملين في المستشفى بدأ يفقد زهوته، فخرج من عنده وهو في مزاج نفسي غير مُتزن.

كان أكبر دليل على هذا أنه تكلم مع إلهام بطريقةٍ كما لو كان يعرفها منذ سنوات، ومن الممكن جدًا أن يتسبب هذا في أن يَخسر صداقة جميلة كانت على وشك البدء.

بعد ذلك وجد قدميه تسوقانه إلى الصيدلية دون تخطيط مُسبق منه، ثم رغبته في التباطؤ عندما كان يتجول مع شيرين داخل الصيدلية، إلى جانب فرحته الغامرة عندما أصبح بمفرده معها في الصيدلية، بعد انصراف المساعدة الفلبينية.

كل تلك المشاعر كانت بداخله تتحرك، ولكنها لا تستطيع الانطلاق حتى رأى صورة شيرين في البرواز.

لقد رأى صورة شيرين في البرواز، تخلو من دمعة الحزن المُعلّقة داخل عينيها، والتي تحاول دائمًا أن تُداريها بابتسامة أو ضحكة.

هنا فقط انطلقت مشاعره الحبيسة؛ لأنها كانت تتمنى أن تزيل هذه الدمعة من هاتين العينين الجميلتين.
وهنا همست له نفسه مستنكرةً:

- كيف له أن يُفكر في هذه الأمور ولم يمضِ على بدايته في العمل سوى يومين؟!

إنه بذلك يحكم على مستقبله في هذا المكان بالفشل، فبدلًا من التركيز والجدّ في العمل، هو الآن يفكر في الحُب.

هزَّ رأسه بالموافقة على كل ما همست به نفسه، وقرر أن يُركّز في عمله فقط، وأن يتجنب رؤية شيرين قدر المستطاع.

ولكن يظل هناك سؤالًا محيرًا:

" هل كان التغير في المزاج النفسي لأحمد الذي حدث له بعد خروجه من مكتب صاحب المستشفى، هو الذي دفعه ليبحث عن وهمٍ يُنسيه واقعه؟

أم أنَّ القلق الذي غلبه آنذاك، هو الذي حركه بتلقائية ليذهب إلى شيرين؛ لأنه كان يعلم في عقله الباطن أنها هي ... هي وحدها من سيجد معها الأمان.

لقاء في الغربة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن