الجزء 10

62 4 0
                                    

14



استيقظت سعاد في السادسة صباحًا، تناولت إفطارها، ثم بدأت في اختيار الملابس التي سترتديها.

رغبت في اختيار ملابس محتشمة قدر الإمكان، فاختارت جونلة بيضاء ولكنها في هذه المرة تغطي الركبة، وبلوزة زرقاء ذات أكمام طويلة، ووضعت قليلًا من الماكياج، أمَّا شعرها فقد جعلته على شكل ذيل حصان.

واصلت النظر كل دقيقة إلى ساعتها، تستعجل الوقت الذي كان يَمُرّ عليها بطيئًا؛ لأنها كانت متشوقة لأن تبدأ أول خطوة في مشوار حلمها.

تمنت أن تطوي الأيام سريعًا، لتبلغ نهاية الطريق حيث حلمها المنشود.

وقفت أمام باب الشقة من الخارج تنتظر زبيدة، التي نزلت لها في تمام السابعة والنصف، عندما رأتها تنتظر بالخارج على الرغم من أنها لم تتأخر، بادرتها قائلة:

- دائمًا أنتِ تتعجلين الأمور يا سعاد.

فقبَّلتها وأكدت على كلامها، وانطلقت بهما السيارة إلى الشركة المتحدة للمقاولات.

بينما كانت سعاد تجلس في مكتب نيشا تنتظر مجيئها، سرحت بخيالها وهمست لنفسها:

- ما أعجب هذه الدنيا، بالأمس كنتُ أجلس في نفس المكان تتبدل بداخلي المشاعر الإنسانية بين قلق ويأس وفرح، وصوت دقات قلبي يعلو على صوتي، ولكن اليوم شيء آخر... شيء آخر تمامًا.


" هي الدنيا تُعلّمنا دائمًا أن الأمس لا يمكن أن يكون مثل اليوم، ولكن اليأس هو مَن يُنسينا، ويجعلنا نرى الأيام تتشابه علينا " 

حضرت نيشا بعد دقائق قليلة، وحيَّت سعاد بأدب، ثم سألتها:

- هل أحضرتِ أوراقكِ؟

أخرجت ظرفًا من حقيبتها وسلمته إليها، يحتوى على صورة من الشهادات العلمية مع شهادات الخبرة، بالإضافة إلى صورة من جواز السفر.

تصفحت نيشا ما بداخله، ثم أردفت قائلة:

- أنتِ هنا تحت الاختبار لمدة شهر، وإذا نجحتِ، سنقوم بتحويل تأشيرة الزيارة الخاصة بك إلى تأشيرة عمل، وتُصبحين لحظتها موظفة دائمة في الشركة.

ردَّت سعاد بثقة:

- أعدكِ إن شاء الله أني سأكون عند حُسن ظنكِ.

- أنتِ لم تسألي عن راتبك حتى الآن، وهذا يَدلّ على أنكِ ترغبين في العمل، مما يُعطي انطباعًا جيدًا عنكِ.

لكن على العموم راتبكِ سيكون 6000 درهم شهريًا، وأعتقد أنه سيكون مناسبًا لكِ، وخاصة أنكِ تعيشين بمفردكِ، ثم استطردت:

- مواعيد العمل كل يوم من الساعة 8 صباحًا حتى 5 مساءً، ويومي الجمعة والسبت إجازة أسبوعية، وبخصوص توقيع الحضور والانصراف الخاص بكِ سيكون في مكتبي، ثم أخرجت من درج مكتبها دفتر ناولته لها، وطلبت منها التوقيع.

واصلت دون أن تنتظر أى سؤال منها قائلةً :

- والآن سأقوم معكِ بجولة سريعة داخل الشركة، بعدها أذهب معكِ إلى مكتبكِ، وأقوم بإرشادكِ بالمهام الوظيفية المطلوبة منكِ.

كانت حجرة سعاد عبارة عن حجرة متوسطة الحجم، بها مكتب وأمامه كرسيان، ودولاب عريض له أربع ضلف زجاجية، يتكون من عدة أرفف تحتوي على ملفاتٍ عديدة.

في أحد جوانب الحجرة باب يؤدي إلى حجرة أخرى، أبلغتها نيشا أنها حجرة رئيس الإدارة الهندسية المهندس هشام.

ما أن وصلت نيشا بصحبة سعاد إلى مكتبها، وكانت الساعة قاربت على التاسعة، فوجئت بأنَّ هشام موجود في مكتبه، على الرغم من أنَّ وصوله المعتاد إلى الشركة بعد العاشرة؛ لأنه يقوم بجولات ميدانية في الصباح الباكر لمتابعة المشاريع التي تقوم الشركة بإنشائها.

دخلت نيشا إلى مكتب هشام، وألقت عليه تحية الصباح، وكانت سعاد تسير خلفها في حياءٍ وأدب، وبادرت نيشا هشام بقولها أنها تتعجب لوجوده في هذا الوقت، فضحك وردَّ عليها قائلًا:

- لابدَّ أن أحضر في أوقات مختلفة؛ حتى أتأكد أنَّ العمل يسير على خير في كل الأوقات، ثم التفت إلى سعاد قائلًا:

- كيف أحوالكِ؟

وأكمل حديثه إلى نيشا دون أن ينتظر ردًّا من سعاد قائلًا:

- هل استلمت سعاد العمل ؟

- بالطبع، وكل شيء يسير على ما يرام، وسأجلس معها اليوم بعض الوقت لأساعدها في الإلمام بطبيعة العمل هنا، ولكن من خلال محادثتي معها، أراها لديها خبرة لا بأس بها بأعمال السكرتارية.

ردَّ عليها سريعًا وقال:

- وأنا أوافقكِ الرأي، لأني لاحظت هذا أمس.

كان بهذا الردّ يحاول أن يُصلح من الصورة التي بدا عليها أمام نيشا، عندما قرر تعيين سعاد بهذه السرعة، دون حتى الانتظار لاستكمال باقي المقابلات.

وجَّه الكلام لسعاد وقال:

- إن شاء الله ستكون أموركِ هنا على ما يرام، كل ما عليكِ فقط هو الإخلاص في عملكِ.

ردَّت بابتسامة عريضة قائلة:

- أعدك إن شاء الله أن أكون عند حسن ظنك.

كان من الطبيعي أن ينتهي الحديث بين هشام وهو رئيس الإدارة الهندسية واثنين من السكرتارية عند هذا الحدّ، لكنه بدأ في اختلاق الأحاديث في محاولة منه لاكتساب أكبر قدر من الوقت، وسعاد تقف أمامه.

كانت الأحاديث في صورة نصائح في العمل، مثل الالتزام بالمواعيد، وعدم الانصراف دون إذن، وغيرها من الأمور التي ليست من شأنه.

استغربت نيشا بشدة تصرفاته، لكن لم يخالجها أي شك فيه؛ لأنه كان دائمًا معروف بالرجل المُهذب المُلتزم، وأخيرًا أذن لهما بالانصراف.

جلست نيشا إلى جوار سعاد وبدأت تشرح لها المهام الوظيفية الواجب عليها القيام بها، بعد أن انتهت من الشرح، سألتها سعاد إن كان هناك زي خاص بالعمل أم لا؟

أجابتها أنَّ هناك زي خاص بطاقم السكرتارية، عبارة عن بدلة كحلي وسكارف أصفر، وأنها ستقوم بتدبير المبلغ المالي الذي يتم صرفه من الشركة كبدل ملابس، وعليها بتجهيز هذا الزي في خلال ثلاثة أيام على الأكثر.

غمرت سعاد الفرحة وهي تسمع ذلك، لأن ما تمتلكه من ملابس كان قليلًا، فوجدت في هذا الزي فرصة رائعة في توفير النقود التي كانت من الممكن أن تُنفقها على الملابس.

بعد ساعة تقريبًا، انصرفت نيشا واتفقت مع سعاد على أن تلتقي بها على الغداء في الواحدة، كما طلبت منها الاتصال بها في أي لحظة تحتاج فيها لمشورتها.

شكرتها سعاد بحرارة على مساعدتها المخلصة لها، وتمنت نيشا لها التوفيق وغادرت المكتب متوجهة إلى مكتبها، وقد شعرت تجاه سعاد بالراحة، لأنها وجدتها تُريد أن تُثبت نفسها في الشركة، وأن يكون معيار نجاحها هو عملها وليس جمالها.

همست لنفسها:

- لقد أسئتُ الظن بالفتاة عندما رأيتها أول مرة، لكن لحسن الحظ كان المهندس هشام بعيد النظر.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Aug 15, 2020 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

لقاء في الغربة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن