الجزء 5

35 4 0
                                    

5

استيقظ أحمد من غفوته على صوت رنين باب المنزل، فنظر في ساعته وكانت العقارب تُشير إلى الثانية، فقام مُسرعًا وفتح الباب، فوجد أحد عمال المستشفي يحمل في يده صينية الغداء، أخذها بعد أن شكره، وذهب بها إلى طاولة الطعام.

تناول غداءه بنهم، فكانت شهيته مفتوحة بعكس الأمس.

لم ينسَ أن يتصل بوالدته ليُطمئنها عليه، فقد كانت هي الآخرى قلقة لأنها كانت تشعر بتوتره، ولمَّا طمأنها استمرت في الدعاء له، وطلب منها أن تُبلغ سلامه إلى كل أخواته.

نظر في الساعة وجدها تقترب من الثالثة والنصف، فبدأ يستعد للذهاب إلى العمل، وبالفعل قام وارتدى ملابسه، وفي تمام الساعة 3:45 رنَّ التليفون مرتين فقط، وكان المتصل هو حسن.

بمجرد ركوب أحمد السيارة، بادره حسن قائلًا:

- كيف وجدت المستشفى يا دكتور؟

أثنى أحمد على المستشفى وعلى من قابلهم صباح اليوم، ثم عاد وسأله:

- وكيف حال قدم الدكتورة إلهام الآن؟

اندهش أحمد بشدة وسأله:

- كيف عرفت؟

فضحك قائلًا:

- دكتور، أريد أن أعطيك نصيحة لو أذنت لي.

فلمَّا أذن له، استطرد حسن قائلًا:

- لا يوجد شيء يخفى على أحد في المستشفى، فنحن مجتمع صغير، وكل خبر ينتشر فيه أسرع من البرق.

فردَّ عليه مندهشًا:

- وما النصيحة في ذلك؟

- نصيحتي لك ألّا تتصور يومًا أنَّ هناك أمرًا يمكن أن يكون سرًّا في هذا المستشفى.

شرد أحمد بُرهة، ثم ردَّ قائلًا:

- الدكتورة إلهام أصبحت بخير والحمد لله.

---------------


وصل أحمد المستشفى، وصعد مباشرةً إلى مكتب الأستاذ مختار الذي لم يكن قد وصل بعد، فانتظره حتى حضر.

تبادل الاثنان التحية، وسأله مختار عن أحواله، فطمأنه وأجابه بأن جميع أموره تسير بخير، ثم قام بتسليمه كافة الأوراق التي طلبها منه.

قبل أن يغادر المكتب سأله مختار إن كان قد استلم المبلغ المالي الذي يصرفه المستشفى للموظفين الجدد على سبيل السلفة، فأجابه بالنفي، وعلى الفور قام مختار بالاتصال بالأستاذ كومار رئيس قسم الحسابات ليُجهز النقود لأحمد، ثم نظر له قائلًا:

- إذهب الآن لقسم الحسابات واستلم النقود، هذا المبلغ سيُمكّنك من تلبية احتياجاتك حتى يحين موعد راتبك الشهري، فشكره وتوجه إلى قسم الحسابات واستلم النقود.

على الرغم من أن المبلغ الذي استلمه أحمد هو جزء يُعادل ربع راتبه الفعلي تقريبًا، وعلى الرغم من أنَّ هذا المبلغ كان يُعادل أضعافًا لراتبه في مصر، لكنه لم يشعر بالسعادة التي كان يتخيلها، ولكنه فجأة ابتسم في نفسه قائلًا:

- لقد عرفتُ السبب، المال الذي يسبب لنا السعادة لابد أن يكون في صورة الجنيه المصري، أي أموال أخرى لا تُبهجنا نفس البهجة.

تذكَّر أنه كان بصُحبة أحد معارفه في مصر ذات يوم وكان يرغب في تحويل دولارات إلى العملة المصرية، فوجده يتعامل بحرص محدود وهو يحمل النقود الأجنبية في محفظته، ولكن وبمجرد أن حوَّلها إلى العملة المصرية، تحوَّل حرصه المحدود إلى رعبٍ على النقود.

توجه مباشرةً إلى عيادة مناظير الجهاز الهضمي، وكان الدكتور مازن يجلس بداخلها وحده يتصفح أحد الجرائد اليومية.

الدكتور مازن سورى الجنسية، يبلغ من العمر 54 عام، وله وجه لا تُخطئ شاميته، متزوج وله ولد وبنت، وزوجته لا تعمل، حضر إلى الإمارات منذ أكثر من 10 سنوات.

تبادلا التحية بحرارة، واستهلَّ الدكتور مازن الحديث قائلًا:

- لقد أبلغني الدكتور حسين عنك، وأتمنى أن توفق هنا وتشعر أنك بين أهلك.

- حقيقة الأمر هذا ما لمسته منذ حضوري صباح اليوم أنني بالفعل بين أهلي، وسأبذل ما في استطاعتي حتى أكون عند حسن ظن الجميع.

واصل الدكتور مازن الحديث، وأخذ يشرح له مختلف النواحي الإدارية بالمستشفى، ولكنه نصحه بضرورة الذهاب إلى الصيدلية؛ حتى يتعرف بصورة أفضل على الأدوية المتوفرة في البلد.

كان الحديث لا ينقطع إلّا بدخول أحد المرضى، لكنه كان بالنسبة لأحمد حديثًا ممتعًا، لِما يتحلى به الدكتور مازن من شخصية بسيطة لا تخلو من المرح.

تحدثا في أمورٍ شتى، وتطرقا أحيانًا إلى الأمور الشخصية، فمرَّ الوقت سريعًا.

عند الساعة السابعة، قام الدكتور مازن وأبلغه أنه سينصرف؛ لأن لديه أمرًا شخصيًّا وقد استأذن الإدارة في ذلك، ونصحه بالتوجه إلى قسم الطوارئ؛ حتي يتعرف أكثر على طبيعة العمل بالمستشفى، فوافق أحمد على الفور وغادر العيادة، وانصرف على وعدٍ باللقاء معه غدًا.

لقاء في الغربة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن