التاسع من اكتوبر، 01:23

41 5 0
                                    


أظنه أنه شرع في التحرك مجددا، من ضحيته المقبلة؟ هذا غير مطمئن ولا يمت للمنطق بصلة، كيف تتم جريمة بدون ضحية، وانا اعلم انها قد تمت، امر مربك اليس كذلك.
انا... لا داعي لهذه المقدمات السخيفة، لنكن عمليين أكثر، عمري ثماني عشرة سنة، اقطن بمدينة وانتقلت لأكبر منها لأتابع دراستي.. على أي، لم اكتب اليوم لأروي عن حياتي المملة، انا نفسي لا اعلم كيف اتحملها، حديثي اليوم عن ذلك المنزل المقابل لشقتي، كل قصص الرعب تبدأ بمنزل مجاور، لكن بطلها على الأقل يكون على علم بما يجري، حسنا في حالتي هذه لا اعلم ان كانت قصة رعب او محض هلوسة طريفة سأخجل من نفسي كلما تذكرتها، لا أدرى ان كان هنالك حدث أصلا للتحدث عنه، لكن ما لا يمكن نكرانه، انه خطب ما يحدث، امر لا يمكن تجاهله وان كنت لا اعلم كنهه.
شقتي تقع بالدور الثالث في عمارة من الاحياء الشبه راقية، ليس لي وصف غير هذا، العمران راق لكن اغلب اناسه كانوا قبل وجوده من الطبقة الشعبية، ترى في ملامحهم تصنعا متعبا لعضلات الوجه، تنفلت بين الحين والأخر روحهم الفطرية الفوضوية، لكن سماهم توحي بطيبوبة ودفئ لا يوجد الا لدى من عاشر الكرماء و آثر لقمة حلالا على كثيرة دون ذلك. لشقتي نافذة تطل على مثيلتها من العمارة المقابلة، ذلك التطابق المخيف الذي يطغى على هندسة المدن الكبيرة، حتى ليشعرك أنك دخلت عالم المرايا، كل شيء متماثل بشكل جنوني، كانت لي متنفسا، اذ انني ضربت لنفسي موعدا امامها كلما صادف موعد الغروب وجودي بالمنزل، أتأمل السماء ولونها القرمزي، واتفحص باقي المنازل والصبية الذين يتطاحنون في الشارع، الكل في سلام الى ان ألقيت بنظري على تلك النافذة المقابلة لي، حينها بدأت الاثارة...
أرى امامي رجلا في عقده الخامس يتساقط شعره الأشيب على منكبيه، تقاسيم وجهه الجامدة تقود ذلك الشعور المسالم الذي كان ينتابني، حتى لتظن انه ليس بوجه حي يحمل شيئا كروي الشكل ملطخا بالأسود، النافذة مقفلة الا انها ليست محكمة الغلق لذلك لا تسمح لي برؤية كاملة، أظن أنه... دعني أدقق... حسنا، ذلك ما توقعته، انها رأس آدمية بشعة مقطوعة، لا خطأ هنالك، الا ان ما يلطخها ليس بدم ، انه شيء أسود مقيت أشبه في وصفه للقطران، زاد المنظر بشاعة، جسد الرجل مليئة بهذه المادة، يذكرك بمنظرك بعد اذبح الاضحية حينما تكون انت المبتدئ الذي لا يجيد الى توسيخ ثيابه بالدم. لقد مر الرجل من امام النافذة للحظة، ولم تكن بمفتوحة، وما كان ليكون هذا بشيء، لو لم اره، لكنني فعلت، ويا ليتني ما فعلت...
لست بالشخص الساذج، لم اصرخ كبطلات أفلام الرعب، صحيح انه مشهد خال من الموسيقى التصويرية لكنه في غنى عنها، رغما عنك، ستسري قشعريرة في سائر جسدك و ستنسكب بضع قطرات عرق بارد حول جبينك، قليل من الدوار محتمل كذلك، فهذا شيء لا يراه المرء كل يوم، الجيد انني لم استفرغ معدتي، لم اتصل بالشرطة بالطبع، لا دليل لكلامي و لا كلام لي أصلا، بعد ان استرجعت رشدي ادركت انه ليس في جعبتي سوى تهيئات تقبل الصحة و تقبل التفنيد، فاذا كانت مزيفة سأظلم بها جارا لي و لن يسامحني ضميري الغبي على ذلك، بالإضافة الى احراج سأتحمله كلما التقيت به، و لو كانت حقيقية فهي واهية تنزلني منزلة ضعف تجاهه، في كلتا الحالتين من الغباء الاقدام على رد فعل الان.
لكنني لن أقف مكتوف اليدين، الأكيد انني رأيت شيئا ما، شيئا لا يمكن تجاهله، لذلك شرعت في كتابة هذه المذكرات، لأنها ببساطة لها اذنان تصغي بهما و عينان تبصر بهما، و في الوقت المناسب ستدلي بما القنه لها الآن.

غياهبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن