٢

238 21 2
                                    


♡الحلقة الثانية♡

.
دخلت زينب غرفتها ، رمت حجابها بغيض فتناثرت خصلات شعرها ثائره كصاحبتها ، تمعنت بالمرآه ، وهي تتمنى لو تهشمها ، رن هاتفها ، لقد وصلتها رساله ، فتحتها (تصبحين على خير ، هذا رقمي ، مقداد) ، رمت الهاتف بغضب ، ليلتها لم تستطع النوم ، كانت تتقلب على جمر الرفض والغضب ، ولا يطفئ لهيب جمرها الا وجه والدها الحبيب وفرحته بها ، لم يخرجها من شجونها الا صوت المؤذن ينادي لصلاة الفجر ، قامت متثاقله ، منهكه ، توضأت ووقفت امام رب العالمين ، بثته شجونها ، مخاوفها ، احباطها ، ركعت وسجدت ودموعها تبلل سجادتها ، رفعت كفين مرتجفين ، سألت الله تعالى ان ينير لها دربها ، ان يخرجها من هذه الحيرة ، لم تتجرأ ان تطلب من الله ان يرزقها حب مقداد ، بدت مترددة تجاه هذه الدعوة ، شيء في روحها كان يتهيب ان يشارك هذه العاطفة مع هذا الإنسان ، امسكت مسبحتها وبدأت تردد تسبيح الزهراء عليها السلام، الله اكبر الله اكبر الله اكبر ، بدأت تشعر بخدر يسري في اطرافها ، الحمد لله الحمد لله الحمد لله ، استندت على طرف كرسي بغرفتها واغلقت جفنيها بإنهاك ، سبحان الله سبحان الله سبحان الله ، اقتربت من اكمال دورة المسباح ، ومع آخر حبة ، استسلمت لنوم عميق ، لعلها تستيقظ منه على الفرج.

تتالت الايام رتيبة ، ما بين دعوات مقداد التي تتهرب منها ، وما بين زياراته لمنزلها ، كان والدها يرحب به بحب ، يحتضنه كأنه ولده ، ويقبل مقداد رأسه كأنه والده ، كثيرا ما فاجأتهما يتحدثان سرا ويصمتان عند دخولها ، ادهشتها هذه العلاقة بينهما ، المضحك ان والدها كان يوصيها بمقداد خيرا ، لا العكس ، وكان هذا يثير غيظها ويشعل نار غضبها .

كان والدها يصر ان يتم الزفاف قريبا ، خاصة ان شهر محرم على الأبواب ، وكانت زينب تتهرب وتضع الأعذار ، ولكن رغبة والدها كانت نافذه ، قرر ان يتم زفافهما بعد عيد الأضحى ، وبدأت التجهيزات على قدم وساق ، ولكن ما لم يحسب الحاج ابراهيم حسابه وقع ، يومها كانت زينب في ُ المنزل ، تشاهد التلفاز ، قرع الجرس ، ونادتها الخادمة ان السيد مقداد على الباب ، تململت ، وقامت اليه ، همست ( نعم) ، قال (ارتدي حجابك وعباءتك وتعالي معي) ...

يا لجرأته ، ارادت ان ترد عليه ولكن تهدج صوته وغيمة الحزن التي علت وجهه جعلتها تتوقف ، رددت بتوجس(ماذا حدث؟؟)

نظر للحائط وهمس(عمي الحاج ، تعب قليلا ونقلناه المستشفى) ، (كاذب انت يا مقداد) همست وهي تهرول لغرفتها ، كانت تعرف جيدا ان من لا ينظر لعينيك كاذب، مقداد يكذب ،لأول مرة يبعد عينيه عن عينيها ، مقداد يكذب، ماذا حدث لوالدها كالمجنونة ارتدت ثيابها، ولحقت بمقداد الذي التزم الصمت وهو يندفع بسيارته كالمجنون.

(انها النهاية) همس الطبيب

(لقد تحمل الحاج الكثير، كان قويا ولكنها النهاية التي لا مفر منها)

والدها يحتضر، انه الداء الخبيث، والدها بالمرحلة الاخيرة منه، كيف لا تعلم؟؟
كيف استطاع ان يخفي عنها ذلك الخبر؟؟
هل لهذه الدرجة هي بعيدة عنه ولم تشعر به؟؟

انهارت باكيه ، نشيجها يمزق القلوب ، يوم توفت امها كانت طفله لا تعرف معنى رحيل الأم ، ولكن اليوم الوضع مختلف ، اليوم تفقد امها وابيها وصديقها ومعتمدها ، بكت بألم ، ولم تشعر الا بكف مقداد مواسيا ، انتفضت بغضب ، انتشلت نفسها يمتد ليلامس كتفها بعيدا عنه وصرخت فيه (انت السبب ، دخلت حياتنا فكنت شؤما علينا ، ليتني لم اعرفك ، ليتني لم اعرفك) ، نظر لها مقداد بثبات ، انفرجت شفتيه وكأنه يريد ان يقول شيئا ، لكن سرعان ما ادار وجهه وابتلع كلماته ، تاركا اياها تصارع احزانها وغضبها .

لم تكن الايام التي تلت انهيار الاب ، الا عدا تنازليا لوجوده في هذه الحياة ، افاقات قصيره ، تتبعها غيبوبة طويله ، بالطبع تأجل موعد الزفاف ، ولم تدر زينب هل تشكر الله ام تبكي ظيما وقهرا ، دخل محرم بأحزانه ، ولأول مرة تكتفي زينب باستماع المجالس من جهاز التلفاز ، لم تحضر زينب المجالس الحسينية ، هذه المجالس التي لم تتغيب عنها حتى وهي في اوروبا ، كانت تبحث عنها وتلتزم حضورها ، اما هذا العام الوضع تغير ، فمنذ سقوط والدها وهي ترافقه بالمستشفى ، تتلمس لحظات وعيه زادا للأيام القادمة ، تخشى ان تتركه فتفر روحه دون وداع ،كان الخطيب بالتلفاز يهتف يا حسين ، فتختلط دموع الحزن والرهبة والخوف على خديها ، حزنا لمصيبة ابا عبدلله الحسين عليه السالم وخوفا على هذا الاب الحنون المريض المتألم ، وعندما يردد الخطيب امن يجيب المضطر ويكشف السوء ، ترفع كفيها ترجو الله ان يكشف السوء عن ابيها ،يشفيه فهو الشافي المعافي ...

وعند باب الغرفة كان مكان مقداد ، الذي لم يفارقهم للحظه ، لم تكلمه منذ لحظة الهجوم العاتي ، ولم يكلمها هو الاخر ، اكتفى برعايتها من بعيد ، واستقبال الزائرين والاعتذار لهم عن صعوبة دخولهم لعيادة المريض ، ثم يدخل بعد رحيلهم ويخبر زينب ان فلانا زار والدها ، فتهز رأسها وتدسه بكف والدها ، فيخرج مقداد بصمت لمكانه عند الباب ، حتى كانت تلك...
الليلة ... ترى ماذا حدث؟؟

في تلك الليلة كانت زينب تسند رأسها على كفها الرقيق، وقد اغمضت عينيها بإنهاك، بلا شعور فتحت عينيها لتطالعها نظرات والدها وابتسامه مرهقه مرتسمه على شفتيه، هبت تحتضنه وتقبل وجنتيه الغائرتين، احتضنها برقه وهي تردد (الحمد لله ..الحمد لله .. لقد استجاب الله دعائي)

ابتسم الحاج وهمس (زينبي، حبيبتي) كم اشتاقت لهذا الاسم  بصوته، (صغيرتي .. اين مقداد؟؟

  فرحتها بأبيها جعلتها تتغافل عن معنى سؤاله، هبت للباب فتحته ونادت مقداد، ركض مقداد للحاج انكب على كفه يلثمها بسعادة، جلسا عن يمين وشمال الحاج، مد كفيه ليضما كف زينب وكف مقداد، تنهد وقال بصوت متعب كم تمنيت ان أراكما عروسين ..ولكنها ارادة السماء.

ان اكون غائبا عن زفافكما (اطال الله  عمرك) قالتها زينب وهتف بها مقداد بذات اللحظة، ابتسم الحاج وقال (ستكون روحي معكما، لقد جهزت هدية زفافكما.

مقداد اين الظرف الذي اعطيتك اياه ؟؟

اتجه مقداد لحقيبة سوداء في دولاب بطرف الغرفة، فتحها واخرج مظروف منها واتجه للحاج، استغربت زينب كيف لم تلاحظ الحقيبة المدسوسة في الدولاب، طلب الحاج من مقداد ان يفتح الظرف ويخرج ما فيه، كان فيه اوراق مطويه، لاحظت زينب ان مقداد لم يكن متفاجئا، بدا كأنه يعرف جيدا ما ينتظره، هي فقط كانت تترقب، ترى ما هي هدية الحاج ابراهيم؟؟؟

خطوات الاجنحةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن