الشوارع الأن مزدحمة، المحال التجارية لا تكاد تجد مساحاتها الصغيرة محط قدم، أصحابها منهكون، ضوضاء تعم الأمكنة، هذا مع ولده، وهذه مع ابنتها، وتلك مع صديقتها، الجميع يستعد لتهيئة الملابس المدرسية، فأجراس العام الدراسي الجديد يوشك أن يعلو رنينها..لماذا لا يستعمل الناس في المدرسة ملابسهم التي يرتدونها يوميا، لماذا يشترون أخرى جديدة؟
يسال مرتضى البالغ من العمر خمس سنوات والدته وهما يستطرقان أحد محال بيع الملابس المدرسية تبتسم له والدته وتجيبه
_ المدرسة أو الجامعة أمكنة لطلب العلم والدراسة فلا يصح أن نرتدي فيها الملابس التي نزور بها أقاربنا أو نذهب فيها الى حفلاتنا أو تخرج فيها للتسوق، لذلك ترى المحال تعلق في واجهائها ملابس مخصصة للمدرسة، والناس بعد تقصدها لتقتني ما يرافق تلك الأجواء الدراسية أخبرني عزيزي مرتضي، هل يصح أن تخرج مع بابا الى السوق بنفس ثياب البيت واللعب؟
_لا عيب.
_جيد يا حبيبي..
وهل يصح أن تذهب بملابس السباحة للمسجد؟اتسعت عينا مرتضی، وضع يده على فمه خجلا مستنكراً لا لا ماما، أستغفر الله.
_ ضحكت الأم
أحسنت نور عيني، فهذا يعتبر مخالفة لإحترام المسجد..فكل مكان له قواعد إما أنها تخالف الحياء وإما أنها تنافي حرمة ذلك المكان، فعلينا مراعاتها
والتدقيق بها؛ فإسلامنا أولى اهتمامة بجميع مفاصل حياتنا، حتى أناقتنا وما يناسب كياننا الإنساني من جهة، ويناسب البقعة التي نحل فيها من جهة أخرى.._إذن يا أمي، علينا شراء ملابس جديدة لأختي فاطمة، فهي ستدخل الجامعة في هذا العام.
_ بوركت يا ولدي، وأنا جئت الى هنا لأجل ذلك.
فاطمة منشغلة بتقطيع الخضروات، قررت أن تعد العشاء بدلا عن والدتها التي ستعود متعبة
في الأثناء دخل الصغير مرتضى الى البيت، يميل بجنبه الأيمن بعد أن حمل في يده كيس ثياب أخته وبعد إصراره على والدته بتكفل ذلك.يبدو عليه التعب..
استقبلته فاطمة ، ناولها الكيس..أه مرتضی، باسم الله عليك، أنت مرهق، دعني أحضر الماء لك.
_قالت فاطمة
_ أصر على أن يحمل كيس ثيابك وتقديمها لك قالت الأم..ناولته أخته الماء ومسحت على جبينه، ثم طبعت قبلة على رأسه:
فداك أختك أيها البطل.
أخرجت فاطمة ما في الكيس وقد اتسع محياها، فتحت ذراعيها وضمت أمها شاكرة لها على حسن اختيارها..
حلت طيات القماش، توشك أن ترتديه.. يضحك مرتضی والأم ياه، مابكما؟يجيبها مرتضی بنبرة ضاحكة
لكن يا "فطومة" لم تخط القماش بعد، ستبدين مضحكة لو جربت ارتداءة.تردف الأم: اصبري حبيبتي لحين ارساله الى جارتنا الخياطة..
فاطمة: يا الهي.. متشوقة لأراه جاهزة..
لا بأس سأجرب ارتداء الحجابات وأصبر نفسي بها.لدى فاطمة صديقة عزيزة على قلبها، تشاركها سراءها وضراءها.. ومن شدة فرحتها بمشترياتها قررت الإتصال بها لتعرف ماذا جهزت للدوام في الجامعة..
_سلام عليكم جمانة
_ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا فاطمة، كيف حالك؟
_الحمد لله أنا بخير، وأنت؟
_الحمد لله.. اممم، لكنني تعبث اليوم!
_ يي، لماذا؟ خیرأ عزيزتي؟!
أعياني التعب حتى أجد ملبس ملائما أرتديه في الجامعة.. شيء غير معقول "فطومة" ، تخيلي أنني وأختي الكبرى دخلنا الى محال كثيرة لا أكاد أحصيها كي نجد (جبة) فضفاضة، ولم نجد إلا في واحد منها، وكان الجيب الفضفاضة دخلت مثلث برمودا واختفت..
تذكرت (جون سيلفر) وهو يبحث عن جزيرة الكنز، ههه، ستصبح قدمي من كثرة السير مثل قدمه.
- هههه جمانة، أضحكتني.
_ ماذا أصنع، من شر البلية، تخيلي أن أحد أصحاب المحلات يقول أكل هذه الثياب لا تعجبك؟!
_ أجابته أختي بأن جميعها جميل، لكننا نحتاج الى ملابس جامعة لا ملابس حفلة، ثياب سنرتديها أمام الرجال الغرباء وليس أمام صديقاتنا..
متى سيفهم هذا العالم؟ ها؟_ اهدأي يا رفيقة..
سيفهم عندما تدخل الجامعة بثيابنا التي تناسب حرم الجامعة.إن شاء الله صديقتي.. وأنت ماذا عنك؟
_ اتت لي امي بما أحتاجه اليوم، فرحت به كثيرة، وستكتمل فرحتي بعد إرساله للخياطة.
_ ماذا ستخيطيه؟ عباءة!
متشوقة لرؤيتك بها وهي تتوج رأسك._وأنا متشوقة لرؤيتك وأنت تشبهين ميسم الزهرة المحاط بتويجاتها.
_نلتقي بعد أسبوع إن شاء الله.
انتهت المكالمة
فاطمة وجمانة يستعدان لدخول الأستاذ والإستماع للمحاضرة الأولى في كلية العلوم، قسم الأحياء.
يلاحظن بعض النظرات الغريبة من الطلاب والطالبات وهم يلجون قاعة الدرس زرافات ووحدانا..
ربما لأن هيأتهما مغايرة للبقية، ولأنهما اكتفيتا بالسلام فقط ولم يشاركنهم حلقات التعارف التي يعقدونها بينهم..
البنين والبنات
تستأذن جمانة من فاطمة لشرب الماء قبل قدوم الأستاذ.. تباغتها إحدى الفتيات، تدعى زينة، خطواتها ثقيلة، فهي تعتلي بكعب حذائها حتى تكاد تسقط، ملامحها ضائعة بين ألوان وجهها، تخاطب جمانة وهي ترسم ملامح العجب على جبينها وتعقد حاجبيها...