"الفصل الرابع"

148 7 3
                                    

و كـأن سنهـا قـد اختـزل الى النصف و هـي تتحرك ذهابًا و إيابًا في المطبخ الواسـع لتحضيـر كـل مـا لـذ و طـاب لـ ضيفتهـا التي و للحق يُقـال نجحت بأن تدلف لـقلبهـا منـذ النظرة الأولـى ، وقفت "أيـار" بـ جوارهـا تساعدهـا بالرغـم من الرفض القاطع من الأخيـرة إلا أنهـا أصرت على مساعدتهـا فـ رضخت لهـا بـ نهايـة اﻷمـر  ، كـانت تقـوم بـ تقشيـر  البطاطـس ، بينمـا كـانت "نيروز" تستكمـل أحـاديثهـا التى لا تنتهـى ،ذكرتهـا بوالدتها عندمـا كانت تساعدهـا بـ صفـو نية و يتبادلان الأحـاديث معًا ، و تتعالى صوت ضحكاتهمـا بالمطبـخ ، حـاولت جـاهـدة أن تصرف أيـة افكـار عـن عقلهـا ، و لكـنهـا تسمرت فجـأة في مكانهـا و هـي ترفع عينيهـا لتشخص أبصارهـا نحو طيف والدتهـا التى كانت تبستم لهـا بإشـراق متمتمـة بـ حنـو :
_ أيــــار !
تسارعـت نبضـات قلبهـا ، و ارتعش كفهـا الممسك بالسكيـن ، شحـب لون وجههـا لتمتم هـامسـة من بيـن شفتيهـا :
_ مـ..ماما !
لاحظـت " نيروز" تبدل حالتهـا فـ وضعت كفهـا على كتفهـا مرددة بـ توجـس :
_ انتى كويسـة يا حبيبتى ؟
لم تجبهـا .. بل لم تستمع اليهـا من الأسـاس ، عيناهـا معلقتـان بـ طيف والدتهـا ، تجلى الشوق في عينيهـا و هـي تطيـل من النظـر اليهـا  ، تزيـن ثغرهـا ببسمـة باهتـة و تجمعـت الدمـوع في مقلتيهـا و لكـن تلاشت ابتسامتهـا و هـي تراهـا تتلاشـى أمامهـا گ الرمـاد ، أدركـت أنهـا كـانت مجـرد خيالًا ..خيالًا نسجـهـا عقلهـا ببراعـة ، سالت الدمـوع من عينيهـا على وجنتيهـا گ الشلال و اختنـق صدرهـا و هـي تجهـش بالبكـاء المرير ، فـ سحبت " نيروز" السكين بـ حذرٍ منها خوفًا من أن تؤذي نفسها، غطت " أيار" وجههـا بـ كفيهـا و هـي تبكـى بـ حرقـة ، فـ دُهشـت " نيـروز" من حالتهـا المفاجـأة ، تبدلت تعبيراتهـا للقلق  و هـي تردد بـ حنو :
_ مالك يا حبيبتى ، حصل لك ايـه ؟
لـم تكـن تستمع اليهـا ، فـ طوقـت "نيروز" كتفيهـا و تقدمت بها نحو الطاولة التي تنتصف المطبـخ ، و سحبـت لهـا إحـدى المقـاعد  و أجلستهـا عليهـا ، فـ استندت " أيـار" بـ ساعديهـا عليهـا و أسندت جبينهـا اليهما و قـد تعالى صوت شهقاتهـا التى امتزجـت مع آنّـاتهـا المقهـورة ، فـ شرعـت " نيروز" تمسـح على ظهـرهـا ، و حـاولت جـاهـدة ألا تسألهـا عـن سبب بكائهـا فـ تصيبهـا بالاختنـاق ، هـي ليست جيدة في التعـامـل مع تلك الحالات من المرضـى مُطلقًا ، قبضت على شفتيهـا مرددة بـ حنـو بنبرة حائـرة :
_ طب..طب قوليلى عايـزة إيـه و أنـا أعملهـولك !
فـ تعالى صوت شهقاتهـا أكثـر و هـي ترفع رأسهـا لتدفنـه في كفيهـا مستندة بـ مرفقيهـا على الطاولـة ، مـا تطلبـه ليس شيئًا بإمكـان أيًا مـن البشـر إعـادتـه لهـا ، انهـا أشبـه بـ مــن فقد روحـه ، قـوست "نيروز" شفتيهـا بـ حـزنٍ ، ثـم نـادت :
_ يقيــــن ، يا يقيـــن !
فـ حضرت الخـادمـة الشابـة على صوتهـا ، فـ رددت مشيرة بـ عينيهـا :
_ موبايلى من فوق يا يقيـن بسرعـة
فـ أومـأت " يقيـن" بـ رأسهـا و هـى تنظر للضيفـة من زاويـة عيـن ، ثـم استدارت بـ جسدهـا لتصعد للأعلى ، بينما لم تكف " نيـروز" عـن المسح على ظهـرهـا ثـم مسدت على خصلاتهـا البنيـة متمتمة بنبرة دافئة :
_ خلاص يا حبيبتى ، اهـدى كـل حاجة هتبقى كويسـة
فـ هـزت " أيـار" رأسهـا نفيًا لـ تردد بنبرة امتزجـت مع نشيجهـا :
_ مفيش حاجـة هتتصلح ، كـل حاجـة راحـت منـى ، كلهـم سابـونى آآآآه
فـ تجمعـت الدمـوع في مقلتي " نيروز" تـأثرًا ، و تلقائيًا ضمتهـا الى صدرهـا فـ اتكـأت " أيـار" على كتفهـا مستكملـة نحيبهـا الموجـوع و هـي تضع كفهـا على موضع قلبهـا ، فـ ضمتهـا " نيروز" أكثر اليهـا و هـي تربت على كتفهـا بـ دفء ، ظلت على تلك الحـالة لـ دقائق حاولـت " نيروز" تهدئتهـا بهـا و لكنهـا لم تستجيب لهـا ، حضرت خادمتهـا  هـي تمـد كفهـا بـ هاتفهـا مرددة بـ تهذيب :
_ اتفضلى يا هـانم
فـ التقطته " نيروز" مشيرة لهـا برأسهـا ، فـ تفهمت اشارتهـا و استدارت لـ تدلف للخـارج ، أتت " نيروز" بـ رقـم ابنهـا ، و حاولت الاتصال به و لكنه لم يجيب ، فـ قوست شفتيهـا باستهجـان ، و ألقـت بالهـاتف على الطاولـة متمتمة لنفسهـا بـ ضيق :
_ انت فيـن يا سيـف ؟ أنـا مش عارفـة أعمـل ايـه !
……………………………………………………………………………….
ضيق " سيـف" عينيه و هـو ينظـر من زجاج نافذتـه لتلك الشُقـة التى كـانت تسكنهـا " أيـار" سابقًا ، و التى طُردت منهـا عنـوة ،  قسـت نظراتـه و هـو يـتابع خروج " يـاسـر" من مدخل البنـايـة التى تتكـون من طابق واحـد فقط ، فـ كـز على أسنانه بـ عنف و هـو يتابعـه بـ نظرات نـاريـة من عينيه التي تحولت لـ جمرتيـن من النـار ، كـاد أن يترجـل من سيـارتـه باندفـاع منتويًا الهجـوم عليه و قـد استعاد صوت بكائهـا الذي يُدمـي القلوب ، فـ قبض " باسـل" على مرفقـه يستوقفـه مرددًا بنبرة جـادة :
_ اهـدي يا دكتور ، كده كـل حاجـة هتبوظ
فـ كور قبضتيـه بـ قوة و هـو يتابعـه بـ نظرات حـاقـدة حتى اختفـى من أمـامـه ، فـ زفـر أنفاسـه بـ حنق و هـو ينظر لـ "باسـل" شزرًا ، فـ ترجـل " باسـل" من السيـارة و تحـرك نحو البنـايـة ، ثـم دار حولهـا و ثبت نظراتـه على انبوب أجوف من معدن مستديـر لـ سكب المياه بـ خاصة "ماسورة" دون غيرها و قـد درس المكـان من قبـل لـ يعلـم أي الطرق سيسلك للأعلـى ، ثـم شـرع بالتسلق حتى وصـل الى احـدى النوافـذ المطلة على المطبخ ، و مـن حسـن حظـه أنـه وجـده مفتوحًا لا يحتاج الى تهشيمـه ، فـ قفـز منـه للداخـل ، بـحث بـ عينيه عـن خط انتـاج الغـاز و فتحـه ، ثـم تحرك نحو الموقـد و فتح عيـونـه جميعًا ، ثـم استدار بـ جسده ، و عـاد للأسفـل مثلمـا صعـد ، عـاد للسيارة مستقلًا لهـا بـ جواره مرددًا بنبرة جادة :
_ كله تمام يا دكتـور
فـ ثبت " سيف" نظراتـه القاتمـة على البنـايـة ، و سحب شهيقًا عميقًا مرددًا بنبرة جـادة :
_ اديهـم الإشـارة
لحظـات و انفجـرت الشقـة فجـأة فـ هـرع الجميـع يبتعدون عـن البنـايـة بأكملهـا و قـد بدى الذعـر على أوجههـم ، بينمـا كـانت الشقـة تلتهمهـا ألسنـة النيران و قـد بعثت سخونة بشعـة في الأرجـاء ، و شـرع الدخـان و ألسنـة النيران تتصاعد منهـا ، و كـأن تلك النيران قـد أخمـد نوعًا مـا النيران المضطرمـة بـ صدره ، تنفـس "سيف" بارتيـاح و هـو ينظـر للشقـة ، ثـم أدار المحـرك و ضغط على دواسـة البنـزيـن و هـو ينطلق مبتعدًا بالسيـارة ، فـ ردد "باسـل" و هـ يحاول سبـر أغـوار عقلهِ :
_ احنـا كده خلصنـا من اللى اسمـه ياسـر ، مـراد بقى المفروض هنعمـل ايـه معـاه ؟
فـ نظـر "سيف" للمرآة الجانبيـة يراقب الطريق خلفـه ، ثـم عاد ينظر أمامه بنظرات قاتمـة مرددًا بنبرة غامضـة :
_ هتعرف !
…………………………………………………………………………………
تنفسـت الصعـداء بعـد أن نجحت بـتهدئتهـا ، ظلت " أيـار" مستندة برأسهـا على صدرهـا و هـي تنظر أمامهـا بنظرات خاليـة من الحيـاة من عينيهـا الحمراوـين و قـد عـم السكـون عليهـا الا من شهقاتهـا التى خرجت منهـا بلا ارادة ، ظلت " نيروز" تمسـد بـ حنو على ظهـرهـا ، حتى سحبـت " أيـار" نفسًا عميقًا زفـرته على مهـل و هـي تبتعـد عنهـا مخفضـة رأسهـا مرددة بـ تلعثـم بنبرة مبحوحـة :
_ أنـا آسفـة ، مكنش قصدى أتعبك معايا
فـ رددت " نيروز"  بـ عتاب لطيف :
_ تعبتينـى ايـه و آسفـة ايـه بس ، متقوليش كده
ثـم التقطت هاتفهـا و طوقـت كتفيهـا و عاونتهـا على الوقـوف مرددة :
_ تعالى نخرج برا و هخلى الطبـاخ يكمـل
فـ أومـأت برأسـا موافقـة و هـي تسير معهـا للخـارج ، فـ أجلستهـا " نيروز" على احـدى الأرائك ، و أسندت هاتفهـا على الطاولـة المستطيلـة أمامهـا ، ثـم  عـادت لداخـل لـتعطـى تعليماتهـا للطبـاخ ، ظلت " أيـار" محدقـة أمامهـا بنظرات قانطـة ، حتـى انتبهـت لـ " نيـروز" و هـي تسيـر في اتجاههـا ، فـ التفتت برأسهـا اليهـا ليتشكـل الذعـر على ملامحهـا حيـن رأت جسدهــا يترنـح بعدم اتزان و كأن الدنيـا تميـد يهـا ، و مـا هـي الا لحظـات و اختـل توازنهـا لتسقط على الأرضيـة مفترشـة لهـا بـ جسدهـا ، خفق فلبهـا بـ عنف في صدرهـا و هي توفض نحوهـا ، جثت على ركبتيهـا أمامهـا و شرعت تضرب بـ رفق على وجنتهـا مرددة بهلع :
_ مــدام نيروز .. مدام نيروز ، سمعانى ؟
فلم تتلقَ منهـا إجـابـة ، فـ رفعت رأسهـا لتهـدر بـ :
_ حــد يساعـدنــى
خرجت الخـادمـات على اثـر صوتهـا ، فـ رددت و هـي توزع النظر بينهـن :
_ حـد يتصـل بالإسعاف و ..
فـ رددت احـداهـن بنبرة جـادة :
_ دكتـور سيف أفضـل !
فـ حملقت بهـا لـ ثوانٍ ، ثـم التفتت برأسهـا لتنظر للهاتف ، و اعتدلت في وقفتهـا و أوفضت نحوه ، التقطتـه و لحسـن حظهـا لم يكـن بـه كلمـة سـر ، فـ بحثت عـن اسمـه ، و رفعته الى أذنهـا و هي تنتظـر أن يُجيبهـا ..
………………………………………………………………………………..
تـرجـل " بـاسـل" من السيارة موفضًا نحو منزلـه ، فـ تابعـه " سيف" بـ نظراتـه حتى اختفـى ، تذكـر أن هاتفـه كـان على الوضع الصـامت ، فـ التقطه منتويًا رفع مستوى الصـوت ليتفاجـأ بـ مكالمـات عديدة فائتـة من والدته ، فـ تنغض جبينه و خفق قلبـه بـ عنفٍ في صـدره ، و تشكـل القلق على ملامحـه ، كـاد أن يعيـد الاتصـال بهـا و لكنـه تفاجأ باتصـال جديـد منهـا ، فـ نقـر زر الإجـابـة على الفـور مرددًا بـ قلق و هـو يضغط على دواسـة البنزيـن :
_ أيـوة يا ماما  انتو كويسيـن ؟
فـ أتـاه صوتهـا الرقيق الذي حفظـه عـن ظهـر قلب و هـي تردد بهلع بنبرة متلعثمـة :
_ أغمــى ..أغمــى عليهـا !
تمكـن من فهـم كلماتهـا على الرغـم من تلعثمهـا ، فـ شخصت أبصـاره متمتمًا بـ قلق بالغ و دقات قلبه تكاد تصـم اذنيـه :
_ مـامـا !
………………………………………………………………………………..
أوفـض نحو الداخـل لـ يجـد والدته مفترشـة الأرضيـة بـ جسدهـا  مـن حولهـا " أيـار" و ثلاث خادمـات ، فـ ردد بـ قلقٍ و هـو يتحرك ناحيتهـا :
_ ماما ، حصـل لهـا ايــه ؟
انتبهـت " أيـار" اليـه ، فـ استقامت بـ وقفتهـا مرددة بـ تلعثـم :
_ مــ..مش عارفـة ، فـ..فـجـأة أغـ.. أغمـى عليها
انحنـى " سيف" على والدته ، و مرر احـدى ذراعيـه خلف ظهـرها و الآخـر خلف ركبتيهـا و حملهـا بيـن ذراعيـه و هـو ينتصب في وقفتـه ، تفحص ملامحهـا عـن كثب و هـو يردد بنبرة حـازمـة :
_ جهـاز الضغط من فـوق يا ندى بسرعـة
فـ أومـأت برأسهـا مرددة بإذعـان :
_ حاضر يا دكتـور
ثـم تحركت لتلبية طلبـه ، بينمـا سـار هـو ناحيـة الأرائك ، و أسنـد جسدهـا بـ حـذر شديـد على احـداهـن ،فـ تبعتـه " أيـار" و هـي تنظـر لهـا بـ قلق ، و جلست على الأريكـة المجاورة لهـا منتظرة افاقتهـا ، جثـى على ركبتيـه أمامهـا و أمسـك بـكفهـا بـ احـدى كفيـه ، و مسـح بـ رفق على وجنتهـا بالآخـر ثـم التفت برأسـه للخلف و التقط كـوب المـاء الموضوع على الطاولـة ، و شـرع ينثـر منـه على وجههـا ، ارتخت تعبيراتـه المتشنجـة قليلًا و هـو يراهـا ترمش بـ جفنيهـا ، فـ تنفس الصعـداء و هـو يعيده مكانـه ، و احتضـن كفيهـا بـ كفـه مرددًا بـ قلق :
_ ماما ، سمعـانـى ؟
فـ هـزت رأسهـا بإيمـاءة بسيطـة متمتمة بـ وهـن :
_ سيــ..سيــف !
أومـأ برأسـه فـ تابعت بنبرة قلقـة :
_ انت رجـ..رجعت امتى ؟
حضرت الخـادمـة " نـدى" و هـى تبسط كفهـا مرددة بـ تهذيب :
_ اتفضل يا دكتور
التقطه منهـا على عجـل ، وشرع بـ قياس مستوى ضغطهـا ، و لكنـه خــرج عـن هـدوئـه المعتـاد و هـو يبعـد جهـاز الضغط ، غلت الدمـاء في عروقه و هـو يصيـح :
_ يقيــــن !
انتفض جسدهـا من صوتـه ، فـ انكمشت على نفسهـا و هـي تجلس على الأريكـة المجـاورة و احتضنت نفسهـا بـ ذراعيهـا ، أتت الخـادمـة على اثـر صوتـه فـ انتصب بـ وقفته و هـدر بهـا بـ احتدام  هـو يضرب بـ كفـه على الطاولة المستطيلة :
_ ازاي تنســـي تديهـا العلاج بتاعهـا !
ازدردت ريقهـا بـ توجس ، و تلعثمـت نبرتهـا و :
_ أنـ..أنــا ..
فـ قاطعهـا مشيرًا بـ سبابتـه :
_ و لا كلمـة ، لـو كـان حصل لهـا حـاجـة مش هـ..
فـ قاطتـه بـ صوت ضعيـف و هـي تحاول الاعتدال بـ جلستهـا :
_ اهـدى يا سيــف !
فـ التفت اليهـا لينظـر لهـا بأعيـن حمـراء مرددًا بـ شراسـة :
_ دي مش أول مــرة يحصـل كـده بسببهـا !
فـ أخفضـت " يقيـن" رأسهـا متمتمة بـ خفـوت :
_ أنـا .. أنـا آسفـة
فـ نظر لهـا باستهجـان متابعًا بـ حنق :
_ و أعمـل ايـه بأسفـك لو جرالهـا حاجـة بسببك !
فـ نظرت " نيروز" لـ "أيـار" التي كانت تنظـر لـه بـ ذعـرٍ ، فـ أمسكـت بـ كفـه تنبهه و هـي تستقيـم بـ جلستهـا :
_ خلاص يا سيف
التفت لينظـر لهـا باستنكـار فـ أشـارت بـ عينيهـا خلفـه ، فـ ضيق عينيـه و تنغض جبينه و هـو يلتفت ليجدهـا تنظـر لـه بـ ذعـر ، تلاقت أعينهمـا للحظـات قبل أن تخفض عينيهـا عنـه و هـي تزدري ريقهـا بتوجـس ، لقد ذكرهـا بـدون قصد منه بـ  شقيقهـا لم يكـن يومًا حانيًا عليهـا ، كـان دومًا جافًا ذو طبـاع قاسيـة ، كظـم "سيف" غيظـه بـ صعـوبـة و حـاول العـودة لـ ثباته ، فـ زفـر بـ ضيق و هـو يمسـح على وجهه ثـم أشـار بسبابتـه و ردد بتحـذيـر:
_ آخــر مرة ده يحصـل يا يقيـن ، سمعـانــى!
أومـأت برأسهـا ، فـ أشـار لهـا بـ كفـه لـ تنصرف ، فـ استدارت بـ جسدهـا لـ توفض للداخـل على الفـور ، فـنظر لهـا شزرًا و هـو يتابع اختفائهـا ، ثـم هدر :
_ نـــدى
فـ حضرت " نـدى" متمتمة :
_ أيـوة يا دكتور
فـ أشـار مرددًا بـ حزم :
_  الدواء بتاع ماما
فـ أومـأت برأسهـا متمتمة :
_ حاضـر يا دكتور
ثـم استدارت بـ جسدهـا ، فـ أشـارت " نيـروز" لـ "أيـار" مرددة بـ حنـو :
_ تعالى يا حبيبتى
ابتعـد " سيـف" عن والدته تاركًا لهـا المسـاحـة الكافيـة فـ نظرت لـه " أيـار" من زاويـة عين و هـي تتحرك نحوهـا ، جثت على ركبتيهـا امامهـا ، و قالت بارتباك جلي :
_ حضرتك كويسة ؟
فـ أومـأت " نيـروز" بـ رأسهـا متمتمة و هـي تمسح بـ رفق على وجنتهـا :
_ أه يا حبيبتى ، وانتى دلوقتى أحسـن ؟
فـ أومـأت برأسهـا موافقـة دون أن تتحدث ، فـ خفق قلب " سيف" مرددًا بـ قلق و قـد تنغض جبينـه :
_ أحسـن ايـه ؟ فـي حاجـة حصلت ؟
فـ نظرت له " نيروز" لـ تردد :
_ أه ، اصـل أيـ..
فـ قاطعتهـا " أيـار" باضطراب واضح :
_ لأ مفيش حاجة
تغضن جبين " نيروز" و هي تنظر لهـا فـ رددت " أيـار" و هي تلتقط حقيبتهـا و تستقيـم بوقفتهـا :
_ الوقت اتأخـر ، أنـا .. أنـا لازم أمشي
فـ عبست ملامح " نيـروز" لتردد بـ ضيق :
_ أنـا مشبعتش منك لسـه !
فـ أخفضت " أيـار" رأسهـا متمتمة بـ خفوت :
_ معلش ، أنـا اتأخـرت
فـ رددت " نيـروز" باحتجـاج :
_ اتأخـرتى ايـه ؟ انتى وراكـى حاجـ..
فـ قاطعهـا " سيف" بنبرة جـادة و هـو مسلطًا لـ نظراته عليهـا :
_ خلاص يا ماما ، سيبيهـا على راحتهـا
فـ نظرت لـه " نيـروز" بـ ضيق ، و أومـأت بـ رأسهـا بـ قلة حيلة ، حضـرت " ندى" و هـي تبسط كفهـا بالأقراص لـه و كوب من المـاء ، فـ انحنـى " سيف" على والدته و هـو يدس احـدى الأقـراص بين شفتيهـا ، ثـم قرب الكوب من شفتيهـا لـ ترتشف منه بـضع قطرات ، فـ أشـارت لـه و هـي تبعـد الكوب عـن شفتيهـا :
_ خلاص يا سيف
فـ ألصق شفاهه بـ جبينهـا يقبلهـا بـ حنو ، ثـم عاد ينظر لهـا مرددًا بعتاب لطيف :
_ ينفع تخوفينـى عليكـى كـده يعنى ؟
فـ مسحت بـ رفق على وجنته متمتمة بـ دفء :
_ أنـا كويسـة يا حبيبى ، متخافش
فـ أومـأ برأسـه بـ عدم اقتنـاع ، ثـم انتصب بوقفته و أسنـد الكوب على الطاولة مرددًا بـ بنبرة جـادة لـ " ندى" :
_ خليكى معاهـا يا ندى لغايـة ما أرجـع ، و لـو حصـل أي حاجة تتصلى بيا فـورًا
أومـأت برأسهـا مرددة بـ هـدوء :
_ حـاضـر يا دكتـور
فـ عـاد ينظـر لـ "أيـار" متمتمًا بنبرة هـادئـة مشيرًا بـ كفـه :
_ اتفضلى !
تنغض جبينهـا و :
_ أتفضـل فيـن ؟
فـ ردد بنبرة جـادة :
_ هـوصلك !
فـ نفت برأسهـا عدة مرات مرددة بـ ارتبـاك :
_ ﻷ ، أنـا هعرف أمشـي لوحـدى
فـ تنهـد بـ عمق مرددًا بـ خشـونـة :
_ زي ما جيبتك هـوصلك يا أيـار
فـ عـادت تردد معـترضـة :
_ بــس أنـا هعرف أرجع لـوحـدى مش محتاجـة مسـاعـ..
فـ نفـذ صبره و هـو يردد بـ استهجـان :
_ انتى عارفـة بيتك بعيـد عـن هنـا قد ايـه ؟ انتى عارفـة احنـا فيـن أصلا ؟
فـ أجـابتـه بـ تعنـد  هـي تعبث بـ حقيبتهـا :
_ لأ بس..بس اللى يسأل ميتوهـش
فـ رددت " نيروز" مشدوهة من عنادهـا :
_ يا بنتي سيف فاضي مفيش وراه حاجـة و ..
فـ قاطعتهـا مرددة بـ ارتباك :
_ أنـا هعرف أآآ..
فـ قاطعهـا بـ نفـاذ صبر محاولًا أن يظـل متمسكًا بـهدوئه  :
_ أيـار أكيـد مش هسيبك ترجعي في وقت زي ده لوحـدك !
  فـ تنغض جبينهـا و هـي تنظر لـه بـ ضيق ، فـ بادلهـا بـ نظرات حـازمـة ، فـ تنهـدت بـ عمـق مرددة بـ قلة حيلة :
_ حـاضـر
ثـم نظرت لـ " نيروز" مرددة بـ نبرة ثابتة :
_ مع السلامـة ، و آسفـة لـو تعبت حضرتك معايا !
فـ تبسمـت " نيروز" مرددة مشيرة لهـا لتنحنـي عليهـا :
_ متقوليش كده يا حبيبتى ، ده انتى سبحـان الله دخلتى قلبـى من أول ما شـوفتك
فـ ظلت ملامحهـا باهتـة و هـي تنحنـى عليهـا ، فـ ضمتهـا " نيروز" الى صدرهـا و ربتت بـ حنو على كتفهـا مرددة بـ تنهيدة مطولـة :
_ ربنا معاكى يا حبيبتى و يعوضـك
فـ أطبقت جفنيهـا و هـي تحيط ظهرهـا بـ ذراعيهـا هامسـة لنفسهـا بـإحبـاط:
_ مفتكـرش!
ثـم ابتعـدت عنهـا فـ رددت " نيروز" بابتسامة :
_ بس دي مش آخـر مرة ، ده أنـا ملحقتش أقعـد معاكـى
فـ لـم ترفض فورًا كـ نوع من اللباقة :
_ ان شـاء الله
فـ أشـار لهـا " سيف" متمتمًا بنبرة جـادة :
_ اتفضلى
فـ أومـأت برأسهـا موافقـة و هـي تستدير بـ جسدهـا ، فـ ربت " سيف" على كتف والدته مرددًا بـ حنو :
_ خلى بالك من نفسك يا ماما ، مش هتأخـر
فـ ظلت محتفظـة بابتسامتهـا و :
_ حاضر يا حبيبى
فـ التفت برأسـه لـ " ندى" و :
_ متسيبيهـاش يا ندى
فـ ابتسمت و هـي تراقب اهتمامـه بـ والدته و خـوفـهِ عليهـا :
_ حاضر يا دكتور متقلقش
فـ عاد يقبل رأسهـا ، ثـم استدار بـ جسده فـ سـارت" أيـار" خلفـه بـ خطوات مرتبكـة و هـي تتلفت من الحيـن للآخـر لتلقـي نظرة أخيـرة على تلك السيـدة التى نجحت نوعًا مـا بالتخفيف عنهـا ، و أشعـرتهـا للحظـة أنهـا ليست وحيـدة ، و لكن سريعًا ما تلاشـي ذلك الشعـور و عـادت تُدرك وحدتهـا و هـى تلج للخـارج ، فـ تنهـدت بإحباط و هـي تسير خلفـه نحو سيارتـهِ ، فـ فتح لهـا بابهـا مشيرًا لهـا بلباقـة :
_ اتفضلى
أومـأت برأسهـا گ تعبير عـن امتنانهـا ، ثـم انحنت بـ جسدهـا لتستقـل السيـارة ، فـ أوصـد الباب خلفهـا بـ رفقٍ ، و دار حـول مُقدمـة السيـارة لـ يستقلهـا خلف المقـود ، نظر لهـا من زاويـة عيـن لـ يجدهـا قد عادت لـ شرودهـا و هـى تنظر من الزجـاج الأمـامـى للسيـارة ، تـأملهـا بـ شغف و هـو يسيـر بـ عينيه على تقاسيـم وجههـا ، و كـأنـه يحفـره على جـدران قلبـه ، خفق قلبـه بـ عنف و هـو يـرى تلك الهـالات السوداء أسفـل عينيهـا ، و انتفـاخ جفنيهـا ، خرجـت عـن شرودهـا و قـد لاحظت أنـه لـم يتحرك بالسيـارة بـعد فـ انتبـه هـو الى خروجهـا من شرودهـا ، فـ التفت لـ ينظر أمامـه و هـو يخرج هاتفـه من جيبـه قبـل أن تمسك بـه ، فـ نظرت لـه بـ تساؤل ، بينما عبث بـهاتفـه متصنعًا كتابتـه لـ رسـالة ، فـ تنغض جبينهـا و هتي تعيد النظـر أمامهـا و لـم تنتبـه الى اختلاسـه النظرات اليهـا حتى تنفس الصعداء و هـو يغلق هاتفـه ، و عـاد يدسـه بـ جيب بنطالـه ، ثـم أدار المحـرك و ضغط على دواسـة البنـزيـن و انطلق بالسيـارة ، اختلس النظرات اليهـا لـيجدهـا عادت لـ شرودهـا ، فـ ردد بـ تنهيـدة مُطولـة بعد لحظـات و هـو ينعطف بالسيـارة لإحـدى الطرق الجانبيـة:
_ أول مـرة تفوتى جلساتك !
انتبهـت اليـه فـ التفتت لـه لـ تردد تلعثـم مرتبـك :
_ أنـ..أنـا آآ..
قاطع تلعثمهـا بنبرة جـادة :
_ أنـا مش هسألـك ليـه ، بس يا ريت متكرريهـاش تانى !
ثـم التفت لـ ينظـر لهـا مُطولًا :
_ مـش بعـد ما عرفت ازاي هقدر أعالجـك !
ازدردت ريقهـا و هـي تنقـل بصرهـا بين عينيه ، فـركت كفيهـا بـ توتر ، بينمـا أطـال هـو من النظـر اليهـا مليًا ، انهـا گـ المغناطيس تـجتذبـه للنظر اليهـا ..لـ تأملهـا هكـذا في أي وقـت غير مباليًا بمـا يحدث حـولـه ، و كـأن العـالـم قـد خلا الا منهـا ، خجلت " أيار" من نظراته المسلطة عليها فـ حادت ببصرها لـ تنظر أمامها  لترى  سيـارة توقفت فجـأة أمامهمـا في منتصف الطريق ، كـاد " سيـف" يصطـدم بهـا فـ صـاحت تُحـذره بـ هلع مشيـرة نحوهـا :
_ حــاسب !
تنغض جبينـه و قـد اخرجتـه من شروده بهـا ، عاد ينظـر أمامه ليتفاجأ بتلك السيـارة التي كـان قاب قوسيـن أو أدني من أن يصطـدم بهـا ، فـ خفق قلبـه بـ عنفٍ و هـو يديـر المقـود بـقوة فـ احتك جانب سيـارتـه بـ جانب السيارة الأخـرى و هـو يمـر من جوارهـا ، فـ انكمشـت " أيـار" على نفسهـا و هـي تصرخ بهلع مُطبقـة جفنيهـا بـ قوة ، بينما غلت الدمـاء بـ عروق " سيـف" و هـو يضغط على المكابـح بـ شكـل مفاجئ ، فـ ارتد جسدهـا للأمام و كـادت تصطدم بالتابلوه أمامهـا و لكنـه حـال دون ذلك بـ ذراعـه ، تلاحقت أنفاسهـا  هي تفتح عينيهـا لتنظر لـه بـ ذعـر ، فـ بادلهـا بنظرات حـازمـة متمتمًا بنبرة جـادة :
_ ماتخافيش ، مفيش حاجـة حصلت
نقلت بصرهـا بين عينيه و دقات قلبهـا تكـاد تصـم أذنيهـا فـ انتبـه هـو الى صـوت الصراخ الهـادر من سائق السيـارة الذي ترجـل منهـا مقتربًا من سيـارته :
_ انت أعمــــى  لا مبتشوفـــش !
فـ أخفض زجـاج سيـارتـه لـ يردد بنبرة محتدمــة :
_ أنـا اللى أعمـى و لا انت اللى غبـي ، فـي حـد يقف في نص الطريق كـده !
فـ صـاح بـه بـ فظاظـة :
_ ميــن ده اللى غبـى يــا ×××× يا ابـن الـ××××
غلت الدمـاء بـ عروقـه و احتقـن وجهه و عينـاه بالدمـاء الغاضبـة ، كـز على أسنانه بـ قوة حتى كـاد يُهشمهـا و هـو يترجـل من السيـارة صافقًا الباب خلفـه بـ عنفٍ و تحـرك نحوه و هـو يقبض على تلابيبـه هـادرًا بـ شراسـة غير مـعهـودة منـه :
_ شكلك كده مشوفتش ربع ساعـة تربيـة ! أنـا بقى هربيـك من أول وجـديـد !
فاجـأه بـ ضرب جبهتـه بـ مقدمـة رأسـه فـ ارتـد جسده للخلف ، فـ كـور "سيف" قبضـته و سدد لـه لكمـة في فكـه ، و لكمـة أخـرى طرحتـه أرضًا على الفـور ، فـ جثي فوقـه  و هـو يكيـل له العديد من اللكمـات و هـو يُفـرغ بـه شحنـة الغضـب المكبوتـة بداخلـه ، بالرغـم مما فعلـه بهمـا الا أنـه لم يشعـر بالارتيـاح بعـد ، غطـي الرجـل وجهه بـ كفيـه صـارخًا بتألـم و قـد سالت الدمـاء من أنفـه و أسنانـه و هـو عاجـزًا عـن الدفـاع عـن نفسـه أمامـه :
_ آآآآآه خلاص مقصدش والله
كـاد "سيف" أن يسدد لـه لكمـة أخـرى و لكنـه توقف في اللحظـة الأخيـرة و قـد نهـج صدره علوًا و هبوطًا من فرط انفعـاله ، فـ كـز على أسنانـه مرددًا و هـو يقبض على ياقتـه :
_ بعـد كـده تفكـر مرة و اتنيـن قبـل ما لسـانك القـذر ده يخرج كلمـة ، ســــامع !
فـ أومـأ بـ رأسـه عـدة مرات ، فـ شملـه "سيـف" بازدراء و هـو ينتصب بـ وقفته ، ثـم نفض كفيـه و بصق فوقـه و هـو ينظـر لـه باستحقـار ، ثـم سـار عائدًا لـ سيـارتهِ و لكـن اتسعت عيناه و هـو ينظـر لـ مقعدهـا ، و خفق قلبـه بـ عنفٍ و هـو يـ زأر :
_ أيـــــار !
…………………………………………………………………………………

في طَي النسيان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن