"الفصل الثامن"

108 7 7
                                    


تسمـر في مكانه مشدوهًا و هـو ينظـر أمامه و قد اتسعت عيناه ، خفق قلبُه بـ عنفٍ في صدره ، تخشـب لسانه من فَرط الصدمـة ، فـ تابعت " نيروز" و هي تنهض لـ تقف أمامه متمتمةً بـ استهجـان :
_ اتكلـم يا سيف ، ساكت ليه ؟
تنغض جبينه مرددًا باستنكـار :
_ تقصـدي ايه باللي بتقوليه ده ؟
فـ رمقته بـ تحدي مرددة بنبرة جادة :
_ أقصـد انك مش بتفكر غير فيها و لا كأنها أول و أصعب حالة تعالجها !
ازدرد ريقه و هـو يردد محاولًا التهرب من تلك الحقيقـة :
_ ايه اللى  خلاكي تقولي كده ؟ كـل ده عشان طلبت مساعدتك ؟
فـ هـزت رأسها استنكارًا و لانت ملامحها متمتمة بـ حنو و هي تمسح على وجنته :
_ يا حبيبي هـو أنا هقف قصادك ، دي البنت دخلت قلبى من أول ما شوفتهـا.. انت بس..
فـ تراجع للخلف خطوة لـ يبعد كفهـا عـن وجنته مرددًا بـ استهجـان و قـد احتقـن وجهه بالدمـاء :
_كـل الحكاية ان أيار عايشة لوحدها ملهاش حـد ، أنا حبيت أحسسها ان في حـد جمبها و اختارتك انتى ، لكـن لو كنت أعرف انك هتفكري بالشكل ده مكنتش طلبت أبدًا انك تساعدينى
رفعت حاجبيها بـ ذهـول من طريقته الجافة ، بينمـا تهـرب منها مرددًا و هـو يسير للأمام :
_ عــن اذنـك
امتعض وجههـا و هي تصيـح بـ سخـط :
_ سيــف ، أنا مكملتش كلامى
فـ ردد و هـو يصعـد الدرجات بدون أن يلتفت :
_ بس أنا خلصت و قولت اللى عـندى
كـزت على أسنانها بـ غيظ ، و لوت شفتيها بتأفف ، ثـم عقدت ساعديها أمام صدرها و راقبت اختفائه متمتمة بـ تحدي :
_ ماشي يا سيـف ، كـل اللى يتعمله ده ميفرقش معايا ، أنا متأكدة انك بتحبهـا !
………………………………………………………………………………
صفق الباب خلفه بـ عنفٍ و رأسـه يكـاد ينفجـر من فـرط التفكيـر ، حـاول اعتصار عقله متذكرًا ما صدر منه أمام والدته لـ تكون متأكدة بتلك الطريقـة ، فلـم يجـد الا مجرد اهتمام سطحـي أظهره أمامها من وجهة نظره ، دنا من فـراشـه و جلس على طرفه ، دفن وجهه بين كفيه مستندًا بـ مرفقيه الى ركبتيه ، ازدرد ريقه مفكرًا في ما قالته والدته بدون أن يكون هناك سبب قوي ، فـ ماذا ان علمــت بـ ما يفعله و سـ يفعله من أجلها ، ماذا ستقـول اذًا في تلك الحالة ؟ فـرك وجهه بكفيه ثـم مرر أصابعه العشـر بين خصلاته مرددًا بـ اعتراض :
_ مستحيــل ، دي .. دي مجرد مريضة عندى
ثـم استند بـ ساعديه على ركبتيه و شبك كفيه معًا متمتمًا بـ استهجـان زافرًا :
_ ايه اللى خلاكى تقولى كده بس يا ماما ؟
فـرك عنقه بإحدى كفيه ، ثم استقام بــ وقفته و تحرك نحو الشرفـة ، جـذب الستائر القاتمة و فتح بابيها و دلف ، سحب شهيقًا عميقًا لـ صدره زفـره دفعة واحـدة محاولًا اطفاء تلك النيران ، فتح أزرار قميصه حتى منتصف صـدرِه علّ ذلك الاختنـاق يذهب عنه ، لا يُنكر أنها لا تغيب عـن تفكيره ، لا تذهـب عـن عقله ، دومًا ما ترتسـم صورتها أمامه و كأن هناك يد خفيـة ترسـم ملامحها بـ دقـة متناهيـة ، يزقزق قلبه حيـن ينجح في تزيين ثغرها ببسمة ، كـانت فرحته بأولى خطوات ترميم الكسور بداخلها لا تُضاهـى و كأنها بالفعـل أصعـب الحالات التي مرّت عليه و في الحقيقـة أنها تقريبًا كانت أسهـل حالة مقارنة بـ المرضى النفسيـين ، يومه لا يكتمـل بدون رؤيتها ، يـود لو أنها لا تغيب عـن عينيه و لـو للحظـات ، يود لو أنها لم تحـزن قط ، يـود حيـن يراها تبكى بحرقـة أمامه بأن يدفنها بأحضانـه ، يُشعرها بأنها ليست وحيدة مُطلقًا ، و بأنه دومًا ما كان و سـ يَكون بـجوارها لـن يتخلى عنها ببساطة گمـا فعل الآخـرون ، انهـا تقريبًا بداخله .. صـارت و كأنها جـزء لا يتجزأ منه ، لا ينجح بدونها ، تمـر الأيام بـ فتور و كآبة  بدون رؤيتها ،  و كأنها من ينيـر حياتـه و ليس العكـس ..
و بعـد تفكيـر دام لـ بعض الوقت كـاد يجـن من فـرطه و هـو من يسمي نفسه طبيبًا لا يتمكـن من السيطرة على نفسه ، استند بـ مرفقيه على حافـة الشرفـة و نظـر للفراغ أمامه بـ شـرود انعكس على ملامحه ، طـرد زفيرًا حارًا ألهب صـدره و هـو يتمتم بـ تعـند :
_ أيـوة بس ده مش معنـاه انى بـحبها !
…………………………………………………………………………………
أشـرقت الشمـس معلنة بداية يوم جديد تُلقي بأشعتها على الكوكب الأرضـي ، و كأن احـدى الغيمـات أصابتها الغيـرة فـ قررت احتضانها و دفنها بداخلها و اخفائها عـن الأعيـن جميعًا ، فــ بهت لـون السمـاء قليلًا..
شـرع يداعب وجنتها و هـو يُلصـق فرائـه الأبيض بها و كأنه يحثها على الاستفاقـة ، استشعـرت " أيـار" ملمسًا غريبًا فـ تململت في نومتهـا و فتحت جفنيها لـ ترمش بهما عدة مرات ليتزيـن ثغرها بابتسامة متمتمة بـ صوت شبه متثاقل و هـي تـمسـح على فـرائهِ الأبيض:
_ الله ، جـاي تصحينى بنفسـك
فـ نبـح و كأنه يحدثها ثـم هبط عـن الفراش و ركض للخارج ، فـ استقامت بـ جلستها مناديـة :
_ روكــس رايح فيــن ؟
تفاجأت به يدلف ثانيـة و هـو يقبض بـ أسنانه على كـرة اسفنجية كان قـد أحضرهـا " سيـف"  ، و كأنه يطلب منها أن تلهو معه ، فـ ابتسمت مخمنـة :
_ طب انت مش جعـان ، هعملك الأكل و بعدين نلعب سـوا !
أخفضت ساقيها و تحركت نحو الشرفـة و جـذبت ستائرهـا و استندت بـ كتفها الى اطار بابها الشفاف و هـي تنظر للسماء من خلاله ، فـ جلس " روكس" بـ جوار قدميها ساكنًا ، بينمـا شـردت هـي به لـ بعض الوقت ، أخفضت " أيـار" نظراتها لـ "روكـس" و تـزين ثغرها بابتسامة متمتمة :
_ دكتـور سيف ده ….
سحبت شهيقًا عميقًا زفرته على مهلٍ متابعـة بـ رِقّة:
_ شخص كويـس جدًا
ثـم انحنت لـ تحمله ، و استدرات متمتمة بنبرة طفولية :
_ صـح ؟ كفاية انه جابك ليا ، انت عـارف أنا كان نفســي فيك من امتى ؟
داعبت فـرائهُ اﻷبيض الناصع ، ثـم سارت للخارج لتعد له الطعـام
……………………………………………………………………………..........
عـاد " سيـف" من عملـه باكرًا ، لـم يكـن بـ حال تسمح له بـ معالجـة المرضـى بينما من يراه يجـزم بأنه يحتاج الى علاجًا لـ يخفف عنه ذلك التفكيـر الذي لـم يغادره مُطلقًا حتى استنفذت طاقته بالكامل ، كـانت الساعـة الرابعـة عصرًا حيـن دلف بـ سيـارته من البوابـة الالكترونيـة ، و تركها بـ منتصف الممر مترجلًا منها ، و تركها للسائق لـ يصفها بالجراج بدلًا عنـه ، و كأنه لـم يذق طعـم النوم ، عيناه حمراوان و جفنيه منتفخان ، و آثـار الانهـاك جليًا على وجهه ، سـار فوق الممر و لكنه تسـمر فجأة في مكانه حيـن اخترق صوتها أذنيـه ، للحظة ظـن أنه يتخيـل سماعه لـ صوتها كمـا يتخيل رؤيتها ، و لكـن اختلط الصوت مـع صـوت والدته الدافـئ ، خفق قلبه بـ عنفٍ في صـدره و هـو يستدير نحوهـا لتتأكـد شكوكـه ، اتسعت عيناه و ارتفع حاجبيه و هـو يتمتم :
_ أيــار!
…………………………………………………………………………………...
دنا منهـم لـ تردد " نيـروز" مشيرة اليه :
_ أهـو سيف رجـع !
تنغض جبينه و هـو مسلطًا لـ بصره على " أيار" _ و التي لاحظ عليها تغيير بسيط بـ مظهـرهـا ، صـارت أكثـر جمالًا ، بالإضافـة الى شعـرهـا البنـي الذي كـان يصـل لـ كتفيها و قـد تغيـر شكله للأفضـل و كأنها قـامت باقتصاصِه بالإضافـة لـ تعديـل أجرته عليه ، فـ صـار مظهـره رائعًا _ متمتمًا بنبرة مشدوهـة :
_ أيار ؟
تنغض جبينها هي الأخـرى و هـي تنظـر لـ " نيـروز" بتساؤل ، فـ تمتمت " نيـروز " و هـي تنهض :
_ هـروح أشوف الطباخ عمل ايه
رفع احـدى حاجبيه استنكارًا و هـو ينظـر لها من طرف عيـن ، فـ نظرت له بنظرات ظافرة و هـي تسيـر مبتعـدة ، فـ جلس " سيف" على احـدى المقاعـد و هـو يردد باهتمام :
_ أخبارك ايه ؟
داعبت فـراء " روكـس" متمتمة على استحياء بدون أن تنظـر له :
_ الحمد لله
فـ سلط نظراته على الجـرو مرددًا بـ نبرة مرحـة :
_ و روكـس عامل ايه معاكى ؟
فـ رددت و هـى تناوله له بـ مرح و ابتسامة واسعة تعلو شفتيها :
_ سلم على دكتور سيف يا روكس
شـرع يداعبه و هـو ينظـر في اتجـاه باب الفيلا الخشبي منتظرًا أن تدلف والدته منه ، بينما نظرت تجاهه بدهشة مرددة بـ فضـول :
_ هـو ازاي رجعـت بدري كـده ؟
تنغض جبينه و هـو ينظر لها بتساؤل ، فـ تابعت :
_ قصدى انك مسافر فـ إزاي ؟
ارتفع حاجيه متمتمًا بـ ذهـول :
_ مســافـر !
تمعنت النظر لـ ملامحه بـ دهشة و أومأت بـ رأسها مبررة وجودها :
_ طنط نيـروز قالتلى انك مسـافر و مش هترجع النهاردة و ..
أرخـى كفيه عـن الجـرو فـ هبط عـن الأرضيـة و ركض في الحديقـة ، فـ حولت بصرها اليه مناديـة بـ قلق :
_ روكـس
فـ اشار لها مرددًا بـ نبرة جـادة :
_ سيبيه متخافيش ، دلوقتى أنا عايز أفهـم بالظبط ايه اللى حصـل
فـ رفعت كتفيها متمتمة بـ عفوية و عيناها معلقتان بـ الجـرو :
_ طنط نيـروز لما جت لي البيت قالتـ…
ارتفع حاجبيه متمتمًا بـ استنكار :
_ ماما جت لك البيت ؟
فـ حولت بصرها اليه متمتمة بـ تأكيـد :
_ أه
فـ ردد بنبرة جادة قاطبًا حاجبيه :
_ معلش احكيلى اللي حصل ، ماما كانت عندك ليه ؟
فـ أومأت برأسها متمتمة :
_ أنا بصراحة اتفاجأت أوي لما شوفتها و .....
شـرعت تقص عليه ما حـدث صبـاح ذلك اليـوم
" استمعت الى صوت طرقات على باب المنزل فـ سارت نحوه لـ تفتحه لتتفاجـأ بـ حـوالي أربعـة رجـال ، اتسعت عيناها بـ ذعـرٍ و تنحت جانبًا لا اراديًا فـ دلف الجميع للداخـل يحملـون أدوات لم تتبينهـا ، فـ صـاحت بـ خوف :
_ انتو ميــن ؟
فـ تفاجأت بـ احـدهـم يـ جذبها من مرفقها فـ نظرت له بـ هلع و لكنه تلاشـى لـ يحل الصدمـة محله متمتمة :
_ طنط نيـروز !
فـ جذبتها لأحضانها مرددة بـ ود :
_ ازيك يا حبيبتى ، وحشتينى
كـانت جامدة لا تتمكن من فهم ما يدور ، فـ أبعدتها " نيروز" مرددة بنبرة جادة :
_ يالا ادخلى غيري هـدومك عشان ننزل
ارتفع حاجبيها و اتسعت عينياها مرددة بـ ذهـول :
_ هـا .. ننـزل فيـن ؟ حضرتك عرفتى بيتى ازاى ؟
ثـم التفتت لـ تمرر نظراتها على الرجـال :
_ و ميـن دول ؟
فـ ربتت على كتفها مرددة بنبرة هادئة :
_ دول يا حبيبتي هيدهنـوا الشقـة !
رمشت بـ عينيها عدة مرت متمتمة بـ ذهـول :
_ يدهنوهـا ؟
فـ رددت " نيـروز" بـ فتور و هـي تمرر نظراتها على أركـان المنـزل :
_ أه يدهنـوهـا ، بقى بنوتة رقيقـة زيـك تقعد في شقـة كئيبة زي دي ؟
فـ نفت بـ رأسها عدة مرات مرددة بنبرة جـادة :
_ لأ شكـرًا يا طنط ، أنا حباها كـده !
ثـم اشـارت اليهـم مرددة بـ ضيق:
_ ممكن تقوليلهـم يتفضلـوا
فـ جـذبتها " نيـروز" و أدخلها الغرفـة الوحيـدة بالمنـزل ، و أوصـدت الباب خلفها ،  ثـم رددت بنبرة شاردة و هـي تنظـر لها مليًا :
_ مقاسـك هيدوخنا شـوية ، انتى رفيعـة بس مش مهـم ، أنا هتصـرف !
تنغض جبينها لا تدرك عما تتحدث ، فـ رددت " نيـروز" مشيرة الى خـزانة الملابس :
_ أختارلك أنا تلبسي ايـه ؟ و لا انتى في دماغـك حاجـة معينة ؟
فـ رددت بـ ذهــول :
_ ألبس ايـه ؟ احنـا رايحيـن فيـن ؟
فـ ربتت على كتفها مرددة ببساطـة :
_ هننزل نعمـل shopping و بعديـن هتيجـى تقعـدي معايا باقية اليـوم على ما يخلصـوا شغلهـم هنـا ، و أنا هسيب معاهـم  واحـد يتابع الشغـل ، متخافيش !
و كأنها بداخـل حلـم لا تفهم منه شيئًا ، ما زالت جامدة بـ مكانها لا تستوعـب التغيير الغريب بـ حياتها فجأة ، عيناها متسعتان و جسدهـا متخشب ، ابتسمـت " نيـروز" مرددة بـ نبرة شبه جادة و هـي تـدفعها بـ رفقٍ تحثها على السيـر ناحيـة الخـزانة الصغيـرة :
_ يالا بس عشـان منتأخـرش ، و رانا حجات كتيـر هنعملها !
فـ تسمرت في مكانها رافضـة التقـدم بـ خطواتها :
_ لأ ، مينفعش !
تنغض جبينها متمتمة بـ استفسـار :
_ مينفعش ايــه ؟ لـو قصدك على سيـف فـ متقلقيش ، هـو مسافر و احتمـال كبير ميرجعش النهاردة !
كـررت خلفها بـ دهشـة :
_ مسافـر ؟
فـ أشارت ناحيـة الخـزانة :
_ اه ، تعالى نشـوف هتلبسي ايـه ، بصي الجـو برد فـ هاتى  coat معاكى !
فـ رددت بـ احتجاج :
_ لو سمحتى يا طنط نيـروز ، كفايـة اللى حضرتك عملتيه معايا ، كـده كتيـر و ..
فـ عبست ملامحها و :
_ كتيـر ايه ، متقوليش كده يا أيار هـزعـل منك
فـ أمسكت بـ كفها مرددة بـ ابتسامة باهتـة :
_ و الله كفايـة وجود حضرتك معايا ، مالوش لازمـة أبدًا اللـ..
فـ قاطعتها ساحبـة كفها بـ صرامـة زائفـة :
_ لأ ليه ، انتى هتعرفي أكتـر منى ، أنا عايـزة أعمل ده ، و يالا عشـان منتأخـرش
تنهـدت بـ قنوط و قـد أدركت أنهـا لـن تتمكـن من الخلاص من ذلك الموقف الذي حُشـرت به ..
كــان يومًا خياليًا بالنسبـة اليها لـم تكـن تدرك أنهـا ستعيشـه يومًا ما ، تلك السعـادة التى شعـرت بها و هـي تشتــري أغـراضًا جـديـدة كليًا ، ملابــس..عطـور.. أحـذيـة .. حقائب ، جميعهـا أغراض ذات ماركـات عالميـة ، و كأنهـا تعيش حلمًا عجيبًا لم تكـن لـ تره حتى في منامهـا ، و فـي النهـايـة اصطحبتهـا " نيـروز" لإحـدى مـراكـز التجميـل لإجـراء تغييرات بسيطـة للغايـة فهـي لـم تكـن لـ تحتاج الي الكثيـر ، انهـا ذات جمـال هادئ بطبعهـا "
……………………………………………………………………………………..
رفعت كتفيها و هـي تختـم حديثهـا بـ :
_ و خـدتنى و عملنا shopping مع انى حاولت كتيـر أرفض لكـن مقدرتش أغيـر رأيها !
أخـرج " سيـف" زفيرًا حارًا من صـدره و حاد ببصره عنها متمتمًا بنبرة جـادة :
_ معلش ماما عنيـدة شويـة
ثـم نظـر اليها مرددًا بنبرة هادئة :
_ المهـم متكونيش متضايقـة منها
فـ نفت بـ رأسها على الفـور و :
_ متضايقة ! متضايقـة ايه بس ، لأ طبعًا !
فـ تـزيـن ثغـره بابتسامة و ضيق عينيه مشيرًا بهمـا الى خصلاتها متمتًا بـ شغف :
_ فيكـي حاجـة متغيـرة ، صـح و لا أنا غلطـان ؟
فـ ابتسمت بـ خجل و هـي تلف خصلـة من شعـرها على اصبعهـا :
_ انت لاحظـت ؟
_ أكيـد
فـ أومأت بـ رأسها متمتمة :
_ طنط نيـروز عملت شـوية تعديلات بسيطـة و …
فـ رفع كتفيه متمتمًا بـ عفـوية :
_ انتى مش محتاجـة ، انتى جميلة بـ طبعك !
أخفضت نظراتها عـند موضع قدميها و قـد اشتعلت وجنتيها بـ حمـرة الخجـل و بعثت سخونـة لها ، بينمـا قبض " سيف" على شفتيه بـ قوة و قـد أدرك إندفاعـه ، و عجـز عـن تبرير ما تفـوه به ، فـ حك مـؤخـرة رأسه محاولًا التبرير :
_ قصـدي يعنى انك ..
عجـز حتى عـن اكمـال ما بدأه ، فـ أنقـذه من ذلك الموقف " روكـس" و هـو يركض تجاهه ، فـ انحنـى قليلًا يرفعه عـن الأرضيـة ، و ابتسـم ببلاهـة متمتمًا بـ نبرة شبه مرحـة محاولًا مواراة ارتباكه الظاهـر و هـو يمسـح على رأسـه :
_ لطيـف أوي روكس ده !
فـ هـزت رأسها بـ إيماءة بسيطة متمتمة بـ خفـوت :
_ فعلًا
سـاد عليهـم صمـت مربـك ، حاولت هـي أن تجـد موضوع آخـر كي تتجـاوز خجلها ، فـ تمتمت بنبرة رقيقـة :
_ أنا .. بـ .. بصراحة مستغربـة ليه طنط نيـروز بتعمـل كل ده ؟
رمش بـ عينيه عـدة مرات و قـد توجس خيفة من أن والدته قـد لمحـت بـ شئ لها ، فغـر شفتيه و هـو ينظـر لها غير قادرًا على التفـوه بـ حرفٍ ، فـ نظرت له متعجبـة صمته ، ثـم أردفـت مبررة :
_ قصدي ان طنط نيـروز مشافتنيش غير مرة بس ، لكـن بتعاملنى أحسـن ..
اختنقـت نبرتها و فـركت كفيها معًا و هـي تحيـد ببصرها عـنه :
_ أحسـن من ناس عيشت معاهـم سنيـن !
تنفس " سيف" الصعداء نوعًا ما عقب ما أردك مقصدها ، و في نفس الوقت شعـر بالضيق حيالهـا ، فـ ردد بنبرة جـادة و هـو يتمعـن النظـر لملامحهـا الحـزينـة :
_ علشانك بتفكيرهـا بـ " نسيــم"
تنغض جبينها لـ تردد :
_ نسيــم !
أومأ بـ رأسـه مرددًا بتنهيـدة مطولـة :
_ أه ، نسيــم ، انتى شبههـا أوي ، كـان عندهـا نفس لـون عينيكـي و لـون شعـرك حتى نفس البشرة و الطول ، كـانت رقيقـة و طيبـة و حساسـة أوي
ثـم أشـار لها بـ عينيه متابعًا :
_ شبهـك بالظبط
ضيقت عينيها مرددة بـ فضـول :
_ ميـن نسيـم ؟
تجلّى الاستياء على ملامحه و هـو يقـول بتنهيـدة حارة:
_ اختـى .. الله يرحمهـا !
قـوست شفتيها بـ حـزن ، و رددت بـ خفـوت :
_ الله يرحمهـا ، أنا آسفـة ، مكنش قصدى أفكرك
فـ ردد باستنكار :
_ متعتذريـش ، هـي دايمًا في بالي
ثـم تـزيـن ثغـره ببسمة هادئـة و تابع و هـو ينقل بصره بين عينيها :
_ عشـان كده أول مرة شوفتك فيها كنت مستغرب جـدًا من الشبه ، نسيــم كانت أقرب واحـدة ليا في أخـواتى ، كـان الفرق بينـا ٤ سنيـن ، مع ان " سَليـم" كـان توأمها ، بس هـي كانت أقرب ليا !
فـ لاحظـت شيئًا مـا و :
_ سليـم و سيـف ،  نيـروز و نسيـم !
_ "سليـم و سيـف سـالـم " ، نيـروز و نيرميـن و نسيـم ، نيرميـن كانت الصغيـرة
فـ افتـر ثغـرها بابتسـامـة حـزينة بينمـا تابع بنبرة هادئة :
_ ماما هـي اللى عملت كـده ، قالت البنات يبدأوا بـ أول حـرف من اسمهـا ، و الولاد يبدأوا بأول حـرف من اسـم بابا !
فـ رددت بـ آسـى :
_ ربنا يرحمهـم جميعًا
فـ رفع نظراته لـ ينظـر للسماء الباهتـة :
_ يارب ، همـا دلوقتي في مكان أحسـن
ثـم عـاد ينظر لها يتأمـل تعبيراتها الحـزينة ، فـ أومأت بـ رأسها متنهـدة بـ حرارة ، ثـم رفعـت ساعدها لـ تنظـر لـ ساعـة يدهـا الجديدة ذات اللون الوردي متمتمة بـ نبرة مشدوهـة :
_ طنط بقالها كتيـر جـوا !
فـ استقام بـ وقفته باسطًا ذراعيه بالجرو مرددًا بـ جـديـة:
_ خـدى روكـس و أنا هدخـل أشـوفها
فـ احتضنته و هـي تومئ بـ رأسها ، فـ استدار " سيـف" زافرًا بـ حنق مرددًا بنبرة حانقة شبـه متشنجـة :
_نيــرو .........................................................................................................................................................

في طَي النسيان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن