احتضنت نفسهـا بـ ذراعيهـا و هـي تسيـر هـائمـة على وجههـا لا تدري أيـن هـي أو الى أيـن تتجـه ، جسدهـا بالكـامـل يرتجف و البرودة تسري بـ أوصالهـا حتى أن أسنانهـا اصطكت ببعضهـا البعض ، ضمت طرفي المعطف معًا بـ كفيهـا المرتجفـان ، تلاحقـت أنفاسهـا و الكلمـات تتردد على أذنيهـا لـ تزيـد من عـذابهـا النفسـي ، لـم تكـن لـ تمرر اغمـاءة والدتـه المفاجـأة التي لـم تقتنع مُطلقًا بـسببهـا و شعرت بأنهـا المتسببة بهـا گـ المعتـاد ، تسمرت فجـأة في مكانهـا و شخصت أبصـارهـا نحو سيارتـه التي سدت الطريق أمامها ، ترجـل " سيـف" من السيـارة و تعبيراتـه لا تحتـاج الى شـرح ، ازدادت رجفتهـا أكثـر و هـي تراه يسيـر نحـوهـا ، وجهه محتقـن بالدمـاء ، عيناه بدت گ جمرتيـن من النـار ، تراجعـت بـ جسدهـا للخلف و هـي تزدري ريقهـا بتوجس ، ثـم استدارت بـ جسدهـا للخلف منتويـة الركض و لكنـه كـان الأسرع في الامسـاك بهـا ، حيث قبض بـ قوة على عضدهـا يدير جسدهـا اليـه و حدجهـا بنظرات مميتة هـادرًا :
- رايحـــة فيـــن ؟
صدرت منهـا شهقـة مـذعـورة من نبرتـه ، فـ قبض على عضديهـا بـ كفيـه هـادرًا بـ استهجـان :
_ انطقــى ، رايحـة فيـــن لوحـدك في وقت زي ده ؟
فـرّت الدمـاء من عروقهـا و هـوى قلبهـا في قدميهـا ، تثلجـت أطرافهـا و هـي تتجنب النظـر لـ عينيه ، زادت رجفتهـا فـ شعر بهـا ، رأى بـوضوح تعبيرات الذعـر تعتلي وجههـا ، فـ نفـخ بـ حنق من انفعاله المبرر ، أرخـى كفيـه عـن ذراعيـه و مسـح بأحدهمـا بـ عنف على وجهه ، حـاول استعـادة هـدوئـه و لكنـه فشـل ، بينمـا تلاحقت أنفاسهـا و هـي تنظر لـه بـ هلع من طرف عيـن ، فـ ردد بنبرة جافـة و هـو يحدجهـا بنظرات قـويـة مشيحًا بـ كفـه :
_ نزلتى ليـه من العربيـة يا أيـار ؟
شخصت أبصارهـا نحو كفـيـه الملوثـان بالدمـاء ، فـ اعتقـدت أنهـا دمائـه ، تلاحقت أنفـاسـها ، و فـرّت الدمـاء من عروقهـا ، عـادت الكلمات تترد على أذنيهـا كأنهـا وليدة هـذه اللحظـة ، تقـدم" سيف" نحوهـا خطوة أخـرى و هـو يردد بـ تشنج :
_ اتكلمى يا أيـار ؟ نـزلتى من العربية ليــه ؟
فـ رددت بـ هلعٍ و هـي تعـود خطوة للخلف مشيرة بـ كفهـا :
_ متقربش !
تسمـر في مكانـه ، تنغض جبينه و هـو ينظر لهـا باستهجـان ، بينما احتضنت نفسهـا بـ ذراعيهـا ، و رددت بـ هلع :
_ كلكـم هتموتوا لـو قربتـوا ! هقتلكم ، محـدش يقرب منـى ، أنـا .. أنـا ممكـن أقتـل اللى يقرب منى !
ارتخـت تعبيراتـه المشدودة و هـدأت نظراتـه هـو ينظـر لهـا بـ إشفاق ، تفهـم أنهـا قـد عـادت لـ حالتهـا ، فـ شعر بـ الحنق من نفسـه معتقدًا بأنـه المتسبب بـ ذلك ، لقد أعمـاه غضبه للحظـات ، أشـار لهـا بـ كفـه مرددًا بـ رجـاء :
_ طيب ، ممكـن تهـدى ؟
فـ هـزت رأسهـا بـ عنفٍ رافضـة لمـا يقـول متابعـة بـ :
_ لا لا ، كلكم هتموتوا ! هتموتوا بسببي ، أنـا هقتلكـوا !
انزعـج من ترديدهـا لـ ذات الكلمـات ، فـ تنغض جبينه مرددًا بـ نبرة جـادة :
_ أيـــار ، انتى مش هتقتلى حـد ، اهـدى لو سمحتى
فـ تلقائيًا سالت الدمـوع على وجنتيهـا مرددة باختنـاق :
_ كانت هتمـوت بسببي ، كنـت هقتلهـا زي ما قتلتهـم !
تجمـدت ملامحـه مرددًا بــ استنكـار :
_ انتى بتتكلمـى عـن ايــه ؟
فـ رفعت عينيهـا الباكيتين اليـه و هي تردد باختناق :
_ هـي .. هـي متستهـلش ده ! مامتك متستهـلش تموت بسببي ! أنـا .. أنـا كنت هقتلهـا !
فـ خفق قلبـه بـ عنفٍ بـ داخـل صدره ، و تطلع اليهـا باشفاق ، انهـا لا تكف عـن تحميـل نفسها ذنب لم ترتكبـه ، ردد بنبرة جـادة و هـو يمرر عينيه على وجههـا :
_ أيـــار ، انتى ملكيش ذنب في اللي حصل لهـا ، ده كـان عشـان..
فـ تابعـت و كأنهـا لا تستمع اليـه مشيرة لـ كفيـه :
_ حتى انت كنت هتمــوت بسببي ! كنت هتعمـل حـادثـة ، أنـا .. أنـا مجرمـة ، لعـنة على كـل اللى حواليا !
و كأنهـا غرست سكيـن حـاد النصـل بـ قلبـه ، نظـر لهـا بآسـى مما تواجهه رفع كفيه أمـام وجههـا مرددًا بـ خشونـة :
_ ده مش دمـى يا أيـار ، محصلش حاجـة !
دفنت " أيـار" وجههـا بين كفيهـا و أجهشـت بالبكـاء المرير مرددة بـ نبرة امتزجـت مع نشيجهـا:
_ أي حـد بيقرب ليـا بأذيـه ، كلكم هتموتوا بسببي ، أنـا لعنـة على أى حـد حواليـا !
قبض على عضديهـا مرددًا بنبرة متشنجـة محاولًا أن يخلصهـا من ذلك الذنـب
_ أيـــــار ، اهـدى و اسمعينـى ، انتى مقتلتيش حـد ، دي كـانت حـادثـة .. سمعــانى ، حـــادثــة ملكيش ذنب فيهـا !
و كأن صاعقـة مستهـا ، ارتجف جسدهـا ، و تلـوت بـ ذراعيهـا محاولة التملص منه هـادرة بـ تشنج :
_ لا لا ، اوعــي تلمسنــى ، هقتلك ، حــاسب !
فـ لـم يتردد .. جـذبهـا اليه لـ يضمهـا مسندًا رأسهـا على صدره ، فـ تلوت أكثـر بـ جسدهـا هـادرة بـ هياج :
_ هقتلك ، أنـا مش عايزاك تمـوت ! مـش عايـزة !
طوق ظهـرهـا بـ احـدى ذراعيـه ، و ثبت رأسهـا بـ ذراعـه الآخـر مرددًا بنبرة ثابتة :
_ ششششش ، اهـــدى ، مفيش حاجـة هتحصـل !
هـدأت حـركتهـا قليلًا ، و تلاحقـت أنفاسهـا و قـد تعالى صوت صراخها فـ امتزج مع صـوت شهقاتهـا المقهـورة ، فـ مسـد بـ كفـه على شعرهـا مرددًا بنبرة شبـه آمــرة :
_ اهــدى
تركت لـ دموعهـا العنـان لتنسـال على وجنتيهـا مغرقـة قميصـه ، و بكـت بـ حرقـة أدمـت قلبـه ، رددت بنبرة امتزجـت مع شهقاتهـا :
_ كلهـم سابــونـــي لوحـدي ، كلهـم اتخلـوا عنــى آآآآه
رُغمًا عنه تجمعـت الدمـوع في عينيه تأثرًا و لكنه كبحهـا لتظـل أسيرة لـ عينيه ، فـ عـادت تردد بنبرة متقطعـة :
_ مكنش قصدى أقتلهــم ، مكنـــش قصدى يا يــاســر ! مكنتش هقتلك زيهـم ، أنـا كنت بـحبـك أوى ! ليـه عملتوا كـده فيــا ! ليــه سبتونـى لوحـدى آآآآه كلهـم اتخلــوا عنـى !
فلـم يتمكـن من كبـح دموعـه طويلًا ، سريعًا مـا سالت دمعتيـن على وجنتيـه سارع بـ نـزحهـم ، شعرت " أيار" بـ ساقيهـا صـارتـا رخـوتيـن لـم تعـودا قادرتـان على حملهـا ، شعـر هـو بارتخـاء جسدهـا ، فـ أحكـم احتوائـه لهـا مرددًا بنبرة جـادة و كأنـه يتعهـد لـ نفسـه بـ ذلك :
_ أنـا مش هتخلـى عـنك يا أيـار ، متخـافيــش !
امتلأت السمـاء بالغيـوم مـنذرة بـ قرب هطـول الأمطـار و بالفعـل مـا هـي الا دقائق و هطل المطـر بـ غزارة و كـأن السمـاء تبكـي لـ بكائهـا ، ارتخـى جسدهـا بالكـامل بين ذراعيـه و خبـى صوت شهقاتهـا و هـي تردد بنبرة واهنـة متقطعـة :
_ تعبت من كـل حـاجة !
انحنـى " سيـف" بـ جـذعـه للأمام ممررًا احـدى ذراعيـه خلف ركبتيهـا ، و حملهـا بين ذراعيـه و هـو يسيـر نحو السيـارة متمتمًا بنبرة حـازمـة :
_ و أنـا هكـون دواكـى !
استندت بـ رأسهـا على صـدره رُغمًا عنهـا و قـد كانت بـ حالة من الوعـي و اللا وعـي ، أرادت الهـروب من واقعهـا المؤلـم باللجـوء الى فقدان الوعـي ، و لكنهـا لم تتمكـن و بقت محتفظـة بـ وعيهـا بالرغـم من ارتخـاء جسدهـا ، فـتح " سيف" باب السيـارة اﻷمـامي ، و انحنـى بـ جـذعـه للأمام ليسنـد جسدهـا على المقعـد بـ حـذر ، ثـم أوصـد الباب خلفهـا بـ رفقٍ ، و دار حول مقـدمـة السيـارة لـ يستقلهـا خلف المقـود ..
……………………………………………………………………………
أشهـرت السلاح نحوه هـادرة بـ تشنـج :
_ هقتلـك ! هقـتلك زيهـم !
اقترب " سيف" خطوة منهـا مرددًا بنبرة جـادة مشيرًا بـ كفـه :
_اهـدى يا أيـار و نزلى السلاح !
فـ هـزت رأسهـا بـ عنف مرددة بـ آســى :
_ مش عـارفـة ، ده مش بإيـدى ، عشـان خاطرى ابعـد
فـ ردد بـ اصـرار عجيـب :
- أبدًا يـا أيـار ، مش هيحصـل ابدًا ، مش هسيبك !
انسدلت الدمـوع على وجنتيهـا مرددة بـ استيـاء :
_ هقتلك ، عشــان خاطرى ابعـد و سيبنـى ، أنـا مش عايزاك تمـوت !
تقدم خطوتيـن ناحيتهـا ، فـ عـادت للخلف نفس الخطوتيـن مرددة بـ تشنج :
_ امشــــي ، هقتلك بقولك ، هتمــــوت !
فـ نظر لها بنظرات ثابتة مرددًا بـ عناد :
_ أنـا قولتلك مش هسيبـك !
فـ رددت بنبرة امتزجـت مع نشيجهـا :
_ لأ ، امشــي ، مش عـايـزة أقتـ..
دوي صـوت الرصاصـة و قـد سحبت الزناد بدون قصد منهـا ، فـ تجمدت تعبيراتهـا ، و تخشبت الكلمات على أطراف لسانهـا و قـد اخترقت الرصاصـة صدره.. عـند موضع قلبـه تحديدًا ، اتسعت عيناها بـ هلعٍ ، و ارتخـى كفهـا الممسك بالسـلاح لـ يسقط على الأرضيـة بـ جوارهـا ، خـرّ " سيـف" على ركبتيـه و هـو يضع كفـه على قلبـه فـ تلوث بالدمـاء ، ثـم رفع نظراته اليهـا لترى شحوب وجهه بوضوح ، تـزيـن ثغـره ببسمـة باهتـة ، سريعًا ما تلاشت و هـو يفترش الأرضيـة بـ جسده ، مُطبقًا جفنيـه ، فـرت الدمـاء من عروقهـا و هـوى قلبها في قدميهـا ، هـرولت نحوه و جثت على ركبتيهـا بـ جواره ، تطلعت الى وجهه الذي يزداد شحوبًا ، و ارتجفت نبرتهـا بـ عدم تصديق :
_ دكتـور سيـــف ، دكتور سيف ، رد عليا !
ضربت على وجنته بـ رفق عـدة مرات مرددة :
_ دكتــور سيف ، فوق و كلمنى ، انت .. انت قولت مش هتسيبنـى
أدركت أخيرًا تلك الحقيقـة المريرة ، لقد فارق الحيـاة على يدهـا ، اختنـق صدرهـا و تلاحقت أنفاسهـا ، بكـت بـ حرقـة و قـد تعالى صـوت شهقاتهـا لـ يمتزج مع صراخهـا و هـي تدفـن رأسهـا في صدره :
_ لأ ، دكتـــور سيـــف ، سيـــــــــف !
…………………………………………………………………………………..
أصدرت صـرخـة هلع ، و هـي تنتفض فـزعًا من نومتهـا مستقيمـة بـ جلستهـا و نهـج صدرهـا علوًا و هبـوطًا هـامسـة بـ ذعـرٍ :
_ سيــف !
لتتفاجـأ بتلك اللمسـة الحـانيـة التي مسحت على ظهـرهـا مرددة بـ نبرة متخوفـة :
_ ده كابوس يا بنتى ، متخافيش
تلاحقت نفاسهـا و هـي تلتفت بـ رأسها تجاه مصـدر الصـوت ، كانت الغرفـة مُظلمـة لا تتبين ملامحهـا ، و لكن هنـاك بصيص من ضوء القمـر قادمًا من الشـرفة التي شـرعت الستائـر تتطاير من فوقهـا بـ فعـل الريـاح ، تمكنت أن تعرف ملامحهـا ، انهـا والدتـه ، سـارت " نيـروز" تجـاه الأضـواء لـ تفتحهـا ، ثـم عـادت اليهـا ، فـ تلفتت " أيـار" بـ رأسهـا في الغرفـة بـ حثًا عنـه ثـم رددت و هـي تلتفت لهـا :
_ ايـه اللى جابنى هنـا ؟ دكتـور سيف فيـن ؟
فـ سحبت " نيـروز" المقعـد لتعـاود الجلوس فوقـه مرددة بنبرة هـادئـة و هـي تمسـك بـ كفهـا :
_ سيف في العيـادة بتاعتـه ، هينـام هنـاك عشـان تكوني على راحتـك !
فـ سألتهـا بـ لهفـة :
_ هو كويس ؟
تنغض جبينهـا و :
_ أه
فـ رددت بـ نبرة راجيـة :
_ أنا .. أنا عايـزة أكلمـه ، خلينـى أكلمـه !
رفعت " نيـروز" حاجبيهـا بـ دهشـة من طلبهـا ثـم التقطت هاتفهـا و أتت بـ رقمـه ، ثـم ناولتـه لهـا ، فـ التقطتـه بـ لهفـة
على الجانب الآخـر ..
كـان شابكًا كفيـه خلف رأسـه ، قلبـه يتمزق من حالتهـا ، تنهـد بـ حرارة و قـد تشكل طيفهـا أمـامـه ، انتبه لصوت رنين هاتفه ، فـ مد احـدى ذراعيـه لالتقـاطـه ، استقـام في جلسته على الفـور و خفق قلبـه بـ عنفٍ ، ثـم نقر زر الإجـابـة قائلًا بنبرة قلقـة :
_ ماما ، أيـار كويسـة ؟
فـ أتـاه صوتهـا المتلهف مرددة :
_ انت كويس ؟
تنهـد بارتيـاح حيـن التقطت أذناه صوتهـا المميـز ، و ارتخت تعبيراتـه المشدودة قليلًا و هـو يردد :
_ انتى اللى كـويسة ؟ عاملـة ايـه دلوقتى ؟
فـ رددت بـ نفس اللهجـة :
_ انت كويس صـح ؟ مـ..مفيش حاجـة حصلت ؟
فـ تنغض جبينه مرددًا بنبرة جـادة :
_ لأ ، انتى قصدك ايـه ؟
تنفسـت أخيرًا بارتيـاح ، فـ عـاد يردد بـ قلق :
_ أيار ، حـاجـة ايـه ؟ انتى كويسـة ؟
سحبت شهيقًا عميقًا و نظرت أمامهـا مرددة باستيـاء :
_ أه ، أنـ..أنـا كويسة
و لكنـه لـم يقتنع مُطلقًا بـ مـا تقـول ، ناولت الهاتف لـ " نيـروز" و هـي تنظر لهـا بـ آسـى ، فـ تناولتـه منهـا مرددة :
_ سيـف
فـ ظل مقطب الجبين و هـو يردد بـ اهتمـام :
_ أيـار مالهـا يا ماما ، فـي حاجـة حصلت ؟
فـ نظرت لهـا بـ لطفٍ مرددة :
_ لا يا حبيبى ، هـي كويسـة
لـم يقتنع مُطلقًا بـ مـا تقـولـه كلتاهمـا ، فـ سحب شهيقًا عميقًا زفـره على مهـل مرددًا باقتضـاب :
_ تمـام ، خلى بالك منهـا
فـ رددت بـ هـدوء و هـي تطيـل النظـر اليهـا :
_ متقلقش
_ مع السلامـة
أغلقت المكالمـة و هـي تسند هاتفهـا على الكومود ، فـ رددت " أيـار" و هـي تـزيح الغطـاء عنهـا :
_ أنـا .. أنـا عايـزة أمشـي
فـ رددت " نيروز" معترضـة :
_ تمشـى ايـه بس ، انتى النهـاردة هتفضلـى هنـا
فـ رددت و هـي تنفي برأسهـا باحتجاج جلي :
_ لأ لأ ، انتى .. انتى مش فاهمـة حاجـة ، مينفعش أفضـل هنـا
دوي صـوت الرعـد في الأرجـاء ، ثـم شرع البرق يـخترق صفحـة السمـاء الملبدة بالغيـوم ، و سريعًا مـا هطلت أمطـار غـزيـرة ، فـ ردد " نيروز" مشيرة للخـارج :
_ ده مستحيـل أسيبك تمشـى ، شايفـة الجـو عامل ازاى ؟
ازدردت " أيـار" ريقهـا و هـي تنظـر للخـارج من خلال الشرفـة ، فـ سـارت " نيروز" نحوهـا و هـي تغلق بابهـا ، ثـم جـذبت الستـائر فوقـه متابعـة بـ دفء :
_ ده غير ان السـاعـة ٢ و نص ، يعنـى استحالة تمشـى دلوقتى !
فـ كـادت تعترض :
_ بـس ..
استدارت " نيـروز" لهـا مرددة بـ حنو تحتضـن كفيهـا :
_ دلـوقتـى عايزاكـى ترجعـى تنامى ، و أنـا هفضـل جمبـك
فـ نظرت لهـا بنظرات زائغـة ، فـ طمأنتهـا " نيـروز" بـ نظراتهـا ، ثـم عاونتهـا على التمدد بـ جسدهـا مرددة بـ تشجيع :
_ اهـدى بس و متفكريش في حـاجة
ثـم جلست بـ جوارهـا ، و أسندت رأسهـا على صدرهـا ، فـ أطبقت " أيـار" جفنيهـا مستسلمـة لـ ذلك الشعـور الذي افتقدتـه ، فـ شرعت " نيـروز" تمسـد على ظهـرهـا بـ رفق ، داعيـة لهـا بـ تضرع بـ داخلهـا :
_ ربنـا يخفف عنك يا بنتى
………………………………………………………………………………
انقشعت الغيوم لـ تـزين الشمس بـ خيلاءٍ صفحـة السماء الباهتة قليلًا ، ألقت بـ جدائلها الذهبيـة الأمـل يـ تثنى على زجاج النوافـذ و گأنها تُثبت أن الحياة يستحيل أن تظـل على وتيـرة واحـدة ، فـ يومًا سـ تتوارى شمـس الگون گما تتوراى شمـس الأمـل القابعـة في الأفئدة خلف غيـوم مـن الحـزن المخيـم عليها ، و يومًا سـ تشـرق شمـس الفؤاد تنشـر الأمـل مع خفقات القلوب .. ذلك الأمـل الذي يسـرى بالشراييـن مرافقًا للدمـاء لا نتمگن من الاستمرار بـ دون أيهما .
كـانت " أيـار" تجـلس على احـدى المقـاعد بـ غرفـة الطعـام ، نظرت الى ما وُضع أمامهـا من أنـواع مختلفـة من الجبـن بـ عـدم اشتهـاء ، ثـم رفعت نظراتهـا الى الباب منتظـرة دلوفـه منـه بأي لحظـة و لكـن خابت توقعاتهـا فـ أخفضت رأسهـا و تهـدل كتفيهـا بيأس ، ربتت " نيـروز" عل كتفهـا مرددة بـ ود :
_ كلى يا حبيبتى ده انتى من امبارح مكلتيش حاجـة !
فركت كفيهـا بـ توتر و رددت بـ استيـاء :
_ مليش نفس لحاجـة و مش جعـانـة ، أنـا عايـزة أمشى !
فـ رددت " نيـروز" بـ عتاب لطيف :
_ ليه بس ؟ هـو أنـا ضايقتك في حـاجـة ؟
فـ رددت على استحيـاء :
_ لأ مقصدش بـس ..
فـ قاطعتهـا " نيروز" بنبرة شبـه حـازمـة :
_ طيب بصي ، سيف قالي ان في جلسة النهـاردة ، و السـواق هيوصلك ، و انتى هتفضلى معايا لغايـة ما ميعادهـا ييجـى ، تمـام كـده ؟
تغضن جبينها و :
_ جلسـة !
فـ رددت " نيـروز" هـي تومـئ بـ رأسهـا :
_ أه
التقطت " نيـروز" شريحـة خبـز محمص و وضعت عليها الجبـن الرومـي ، ثـم قدمتهـا لهـا مرددة بـ ود :
_ اتفضلـى
فـ أخفضت عيناها مرددة بـ خجـل :
_ أنـا مش عايـزة ، مش جعانة
فـ عبست " نيروز" بـ وجههـا و :
_ يعنـى هتكسفي ايـدى ؟
فـ توردت وجنتيهـا خجلًا و هـي تلتقطهـا منهـا على استحيـاء ، و شـرعت بتناولهـا ببطء ، فـ سكبت لهـا " نيـروز" من ابريق الشـاي في الكوب أمامهـا و هـي تبتسـم بـ ود ، فـ أومـأت " أيـار" بـ رأسهـا امتنـانًا ، و نظرت أمامهـا بـ شرود و هـي تستعيـد ما حـدث البارحـة في رأسهـا .
……………………………………………………………………………….
تبسمـت لهـا موظفـة الاستقبال مشيـرة بـ كفهـا :
_ دكتـور سيف مستنيكـى ، اتفضلـى
فـ ازدردت ريقهـا و هـي تومئ بـ رأسهـا ، و كـادت تبتعـد عـن المكتب الخـاص بهـا ، و لكنهـا تسمـرت في مكانهـا و فـرت الدماء من عروقها و قد اتسعت عيناها و ……………………………....................................................................................
أنت تقرأ
في طَي النسيان
Romanceنـوفيلا " في طَي النسيـان " "مُـقـدمة" تعهـد بداخله بأن يكـون شفاؤها على يـده.. هـو فقط مـن سـ يُضمد جـراح روحها و مـن سـ يرمم شـروخ قلبها ، مـن سـ يُخمد تلك النيران المضطرمـة بـ قلبها ، هـو فقط و لا أحـد غيـره