"الفصل العاشـر"

281 10 4
                                    


اجتذبـهُ بـ غلظة قابضًا على ذراعـه و هـو يـصيح بصـوتٍ أجـشّ :
_ أســرع شــويـة يا مسجــون !
فـ تأفف " مـراد" و هـو يقـول بـ امتعاض :
_ طيـب بالراحة
فتح الباب و دفعـه للداخـل منكسًا لـ رأسه بـ خـزيٍ ، بينمـا كـان رافعًا ساقـه فوق الأخـرى و ينقـر بـ حركة منتظمـة على المكتب في غرفـة مديـر السجـن ، فـ بعلاقاتهِ الواسعـة تمكـن من اخـذ تصريح زيارة استثنائيـة في ذلك التوقيت المتأخـر ، شمله بـ نظرات ازدراء فـ تنغض جبيـن " مراد" و هـو يرفع نظراته اليه شمله بـ نظرات متعجبـة من هيئته المنمقـة و التي تدل على ثـرائـه ليتسائل بنبرة مبحـوحـة :
_ انت ميـن ؟
قسـت نظرات " سيـف" و ملامحه بالكامـل و هـو يردد بنبرة جـافة :
_ انت متعرفنيش ، بس أنا أعرفك كويس !
ظـل محملقًا به محاولًا التعرف عليه و لكنه فشـل ، فـ ردد بـ ريبـة :
_ تعرفنى منيـن بالظبط ؟ أنا عمـري ما شوفتك
فـ ظلت ملامحه متصلبـة ، و طـال صمته لـ يزيـد من فضـول " مراد" قبل أن يلقى بـ مفاجأتهِ في الوسط و هـو يسأل بـ نبرة جامدة :
_ تفتكـر مين كـان السبب في وجـودك هنا ؟
نظـر له بـ ذهـولٍ و قـد اتسعت حدقتاه :
_ هـا ؟
فـ ابتسـم " سيف" بـ شراسـة و توقف عـن النقر بـ إصبعه لـ يردد بنبرة واثقـة :
_ أنـا !
فـ اتسعت عيناه و هـو يردد بـ صدمـة :
_ نعــم !
فـ أردف " سيف" بـ ثقـة شديدة بـ دون أن يهـتز له جفن :
_ أيـوة أنا ، انا اللى جيبتك هنـا
فـ غلت الدمـاء بـ عروقـهِ و هـو يـصيـح بـ انفعـالٍ متقدمًا نحـوه:
_ أه يا ابــن الـ…
فـ قاطعه " سيـف" بـ شـراسـة و هـو يخفض ساقه لـ يميـل بـ جذعه للأمام مستندًا بـ مرفقيه على ركبتيه :
_ قبـل ما لسـانك القذر ده يـ نطق كلمـة فكـر كويس و شـوف انت بتتعامل مع ميـن
تبادلت النظرات المتحـديـة الممزوجـة بـ الغضـب المشـحـون بيـن كلاهمـا ، و گـأن " سيف" يتحـامل على نفسـه بـ صعوبـة كـي لا يُطبق بـ كفيه على عنقهِ ، كـز على أسنانه و هـو ينقـل نظراته المحتقنة بالدمـاء الغاضبة بيـن عينيه ، فـ ردد " مـراد" بـ نبرة متشنجـة :
_ انت ميـن و عايـز ايـه منـى ؟
عـاد " سيف"  يرفع ساقًا فوق الأخـرى و انتصب بـ كتفيه لـ يبدو أكثر مهابةً و هـو يطالعه بـ ثقـة مرددًا بنبرة قاتمـة :
_ سيــف .. سيــف سالـم النصـار ، متشيلش الإسـم ده من دمـاغك يا .. يا مراد !
فـ كـور قبضتيه بـ قـوة و هـو يردد بـ استهجـانٍ و قـد تشربت حمـرة الغضـب الى وجههِ :
_ و انت تعرفني منيـن أصلًا عشـان تعمـل كـده ؟
كـز "سيف" على أسنانه و هـو ينظـر له بـ نظرات محتدمـة ، ثـم تمتم من بيـن أسنانه بـ صـوتٍ قاتم :
_ أيـار !
كلمة واحـدة كانت كافيـة لـ يرتفع حاجباه و تتسع مقلتيه و هـو يكرر بـ صدمـةٍ :
_ أيار !
تشنجت ملامحه و بـرزت عروق جبينه و انتفخـت أوداجه ، هـب واقفًا و هـو يقبض على تلابيبه يحدجه بنظراتٍ ناريـةٍ تكفي لـ حرق الأرض و من عليها هـو يجأر :
_ متنطقــش اسمها علــــى لسانك الـ××× ده ، فـــــاهــــــــــــــم !
ازدرد ريقه بـ توجـسٍ من نظراته المسلطة مباشرة لـ عينيه ، كـان الفارق الجسماني بينهمـا واضحًا ،  انهمـا على النقيض تمامًا هـو في أكثـر مواقفه ضعفًا بينمـا " سيـف" في قمة قـوته ، هـز جسـده و هـو يهـدر بـ شـراسـة :
_ ســامع ؟
هـز رأسه بـ إيماءات متتاليـة ، لـ يدفعه " سيـف"  بـ عنفٍ و هـو يشمله بـ ازدراء ، فـ ارتد جسده للخلف و مازالت الدهشـة مسيطـرة عليه ، عـاد " سيف" يعتلى مقعـده رافعًا ساقًا فـوق الأخـرى ، فـ ردد " مـراد" بـ ذهـولٍ و هـو يحك عنقه بـ كفه :
_ انت .. انت تعرف أيـ.. قصدي تعرفها منيـن ، اللي اعرفه ان ملهاش قرايب و ..
فــ قاطعه بـ نبرةٍ صـارمة و نظراته القاسيـة مسلطة عليه :
_ كـل اللي عايـزك تعرفـه ان أنا رجعـت حقها من واحـد ××× ضحك عليها و استغفلها ، كنت عارف انها واثقة فيك مش هتشـك في حاجة من اللي بتعملها ، و هتضحك عليها  و تعيشها في فقـر و ذل و مستنى منها انها تستحمـل و تصبـر عشان عارف طيبة قلبها و طبعًا..تعيش انت حياتك براحتك و تصـرف اللي حيلتك على الستات ، مـش هـو ده اللى كنت مخططله يا .. يا مراد بيه ؟
شخصت أبصاره نحوه و خفق قلبه بـ عنفٍ في صـدره ، ازدرد ريقه بـ توجسٍ و هـو يردد بـ تشكك بنبرة متلعثمة :
_ انت .. انت ميـن بالظبط ؟
عقـد " سيـف" ساعديـه أمام صدره مرددًا بـ ثباتٍ:
_ سيـف النصـار ، خطيـب أيار
هـا هـي صفعـة أخرى يتلقاها ، و گأنه سكب دلوًا من الثلج فوق رأسهِ ، تمتم بـ ذهـولٍ :
_ اتخطبــت ؟
فـ قست ملامحه أكثـر و هـو يردد بنبرة ساخطة:
_ طبعًا متوقعتش انها هترجع تعيش حياتها تاني بعد ما سيبتها !
حملق به غير مصدقًا و قد اتسعت عيناه ، ظل متسمرًا گ الصنـم و قد تخشب لسانهِ ، فـ خفض " سيـف" ساقه و انتصب في وقفته و هـو يرمقه بنظرات حامية ، ثـم ردد بـ توعدٍ شـرسٍ :
_ هتتحاسب على كـل حاجة عملتها ، كـل واحـدة ضحكت عليها و استغليتها ، حتـى مراتك اللي اتجوزتها عشان فلوسها، هتشـوف العـذاب ألـوان من النهاردة ، هتشـوف جهـنم على الأرض تبقى عاملة ازاى عشـان تعرف ان الله حـق !
تسلل الذعـر اليه و قـد ارتعدت فرائصه مع قسـوة كلماتهِ ، حـاول التظاهر بـ الشجاعـة فـ تمتم بـ تلعثم :
_ مش .. مش هتـقدر تـ..
فـ تظاهـر بـ أنه يـنزح ذرة تراب عـن كتفه و هـو يردد بنبرة واثقـة :
_ لأ أقـدر يا .. يا مراد
ثـم قبض بـ عنفٍ على كتفه يكاد يخلعه من محله و نظراته المحتدمـة مسلطة عليه :
_ أصلك متعرفش ميـن هـو سيــف النصار !
ثـم دفعـه بـ عنفٍ للخلف و هـو يشمله بـ ازدراء ، ثـم استدار بـ جسده والجًا للخارج ، بينما شخصت أبصار " مراد" و هـو يزدري ريقه بـ توجسٍ و هـو يحاول اقناع نفسه بأن كلماته لا محـل لها من الصحـة ، و ما هـي الا بضعـة أيام و قـد أدرك ما يعنيه جيدًا ، حيث سلط عليه أشخاصًا من محترفـي الإجـرام هيئتهـم لا تُنذر بـ الخير مُطلقًا لا يعـرفـون للرحمـة معنى ، يحترمهـم جميـع السجنـاء تجنبًا للاشتباك مع ذويهـم ، و قـد نجحـوا بـ إذاقته ألـوان العـذاب .
……………………………………………………………………………….
كـان خير واعيًا لـ كـل خُطـوة تُقـام ، عمـد الى تغيير كـل شـئ حتى لا تمـر الذكريات أمام عينيها فـ يتنغص يومها ، فـ تجنب اقامة الحفـل بـ القاعات أو الفنادق الشهيرة ، و فضـل أن يكـون بـ حديقـة خاصـة بـ حفلات الزفاف ،كانت الطاولات الدائـريـة تحمـل الكثيـر من الناس ممـن هـم على معرفـةٍ به ، المقاعـد حـولها مُحاوطة بـ شريطٍ من الستان الفضـي ، مزهـرية صغيـرة دائرية ذات مظهـر راقي تحتل مكانها منتصفـة كـل طاولة ، الإضاءة المُبهجة تحتل الـوسط بأكمله ، و فجأة تعالى صـوت التصفيقـات و الموسيقى الهادئة حينمـا سـار العـروسيـن على البسـاط البترولي اللون  كانت كـ الأميرات في ثوبها الأبيض الذي يضيق حتى الخصر ثـم ينسدل بتوسع للأسفل ،  تجـر ذيله الطويل خلفها ، و تاج ضخـم يزيـن رأسها ، بينما عمد " سيف" الى ارتداء حلة بيضاء و مـن اسفلها قميص أبيض اللون على عكس ما كان يرتديه " مراد"  امتزج صوت التصفيقات مع صافرات المشجعيـن و المرفقعـات الضوئيـة التي غـزت صفحـة السماء ، عاونها " سيف" و هي تصعـد الدرجـات الخشبية القصيرة ثـم سارا على أرضٍ خشبيـة أضيئت فـور أن وطأها كلاهما بأقدامهـما ، وصـل العـروسيـن الى " الكوشـة" ذات المظهـر الراقي البسيط الغير معتاد ، كـانت نظرات الانبهـار في أعيـن الجميع ، بُدئ اليوم برقصة هادئة.. حيث وضع "سيف" كفه على خصرها ، و استندت هـي بكفها على كتفه ، كانت نظراتها متوترة ، شبه تائهـة و هـي تنظـر لمـن حولهـا لـ تجـد " نيـروز" التي تـزيـن ثغرها ببسمةٍ واسعة و تجمعت الدموع في مقلتيها من شدة سعادتها تـلوح لها بكفها ، كان قلبها يخفق بـ عنفٍ ، نظراتها زائغة تحاول عـدم اظهار توترها كـي لا تُثير حنقه و لكنه كان يفهـم جيدًا حالتها ، فـ همـس لها بـ نبرة واثقـة :
_ أيار
انتبهت اليه فـ نظرت له بتوترٍ فـ ردد بنبرة هادئـة :
_ اهـدى
فـ عادت تتلفت حولها لـ تتمتم بـ نبرة متوجسـة و قـد ارتجف بدنها :
_ خايفـة يحصل حاجة بسببي و ..
فـ قاطعها بنبرة ثابتة و هـو يعمق نظراته نحوها :
_ ماتخافيش يا أيار ، أنا معاكى
و كأن كلماته كانت المخـدر الذي سـرى بـ شرايينها ، فـ التفتت تنظـر اليه بـ خـوفٍ فـ بادلها نظرات عاشقـة و هـو يتمتم بنبرة جـادة :
_ أوعدك تعيشي معايا أحلى سنين عمرك ، أوعدك انى مش هسيبك لحظة و هكـون دايمًا معاكي
ازدردت ريقها و هي تنقل بصرها بين عينيه فـ لم تجـد الا نظرات مُطمئنة اشتعلت بـ الشغف ، فـ انتظـم معدل تنفسها ، و قلت ارتجافة جسدهـا ، نجح بـ كلماته بـ أن يخـدر آلامها مُجددًا ، توقف " سيف" فجأةٍ عـن الرقص ، و أشار بـ كفه لتهدأ الموسيقى قليلًا فـ تنغض جبينها مما يفعل ، ابتعد " سيف" عنها قليلًا و نظر لها بنظرات عاشقة ثـم تمتم بنبرة هادئة :
_ عايزك تشوفي حاجة !
قطبت حاجبيها و بـ عدم فهم ٍ :
_ حاجة ايه ؟
فـ نظر الى نقطة ما و أشار بـ عينيه اليها و هـو يقـول بـ جديـة :
_ بصي هناك كده
نظرت له بـ عدم فهـم ثـم حولت نظراتها لـ تنظر الى حيث كان ينظـر هـو ، لـ تتسع عيناها و فغرت شفتيها بـ صدمةٍ ، تلاحقت أنفاسها المتوترة و هـي تهمـس بـ عدم تصديق :
_ يـ..ياسـر !
صعـد " ياسر" الدرجات الخشبية و دنا من كلاهما ، فـ حملقت به بعد تصديق حتى وقف أمامها متمتمًا بـ صوت عـذب و هـو يُجبر نفسه على رسم الابتسامة :
_ مبروك يا أيار
كتمت شهقاتها بـ كفها و هـي تتمتم بعدم تصديق :
_ ياسر .. انت .. انت هنا ؟
فـ أومأ بـ رأسه و هـو يؤكد :
_ أيوة
ثـم نظر من طرف عيـن لـ " سيف" الذي رمقه بنظرة حامية ذات مغزي ، فـ دنا " ياسر" أكثر منها ، و اجتذبها لأحضانه و هـو يتمتم على مضضٍ و ينظر له بـ حنق :
_ وحشتيــنى
تلاحقت أنفاسها و خفق قلبها بـ عنفٍ في صدرها ، طوقت عنقه بـ ذراعيها و تجمعت الدموع في مقلتيها لـ تتمتم بـ حبـور :
_ ياســر ، أنا .. أنا مش مصدقة انك معايا هنا
ثـم دفنت رأسها في كتفه مرددة بـ شـوق :
_ و انت كمـان وحشتنـي أوي .. أوي
فـ ربت على كتفها و هـو يبعدها عنه بـ هـدوءٍ ثم ردد و هـو يحاول رسـم الابتسامة من جديد على ثغره :
_ مبروك
تلاحقت أنفاسها و هي تنظر له بأعين دامعة و تهدجـت نبرتها :
_ الله يبارك فيك يا ياسر ، الله يبارك فيك
فـ ربت على كتفها و بنبرة شبه هادئة :
_ لازم أمشـي ميعاد القطـر هيفوتنـي !
ارتفع حاجبيها و تجمدت الدموع في عينيها و هـي تهمس :
_ قطـر ! انت .. انت رايح مكان ؟
أومأ برأسه و هو ينظر لـ زوجها بنظرة مزدرية و بـ تأفف ردد:
_ أه ، الصومال
رمشت بعينيها عدة مرات وقالت بـ عدم تصديق  :
_ الصـومال ؟ ايه اللى هيوديك الصومال ؟
فـ نظر لها و ردد بـ فتور :
_ لاقيت شغل كويس هناك
ثـم سلط بصره عليه و هـو يردد بتبرم:
_ مبـروك
فـ وضع " سيف" كفه على كتفه و ضغط بـ أصابعه بـ قوة و هـو يرمقه بنظرات قويـة ذات مغـزى :
_ الله يبارك فيك
فـ حـاد " ياسر" ببصره عنه و هـو يقول بـ صوتٍ أجشّ :
_ خـدي بالك من نفسك
فـ رددت بـ تلهف جلي :
_ و انت كمان يا ياسر ، خد بالك من نفسك
فـ ردد و هـو يكاد يستدير :
_ مع السلامة
فـ استوقته مرتمية في أحضانه متشبثة به و هي تهمـس بـ امتنان :
_ شكرًا يا ياسر ، شكرًا انك جيـت
تعجب من فرحتها الزائدة بـ وجـوده و نظـر لـ " سيف" الذي رمقـه بنظرات مزدريـة فهـو لا يستحقها مُطلقًا ، تبادلا النظرات فـ مرّ أمام أعيـن كلاهمـا ما حـدث و ….
<<كـان جالسًا على احـدي المقاعـد الخشبية المتهالكة و جسـده مثبت جيدًا به بـواسطة الحبال بـ مخـزن قديـم ، كـان يتلوى بـ حسده بالكامل محاولًا أن يفلت معصميه لـ يتمكـن من الهروب ، بينمـا كـان " سيف" جالسًا على احـدى المقاعد أمامه رافعًا ساقًا فوق الأخـرى ، منتصبًا بـ كتفيه لـ يبدو أكثـر مهابـة مسلطًا لـ نظراتهِ النارية عليه و هـو يردد بـ نبرة محـذرة :
_ متحاولــش
فـ كف " ياسر" بـ الفعل عـن محاولاته الفاشلة ، و سلط نظراته عليه لـ يصيـح بـ انفعال :
_ انت ميــن بالظبط و عـايـز ايه منى ؟
فـ أخفض " سيف" ساقه لـ يميل بـ جذعه للأمام قليلًا و استند بـ مرفقيه على ركبتيه باسطًا ساعديه و شبك أصابع كفيه معًا و هـو يردد بلهجـة جافة :
_ خطيـب اختك يا .. يا ياسر !
ارتفع حاجبيه للأعلى و كرر بعدم تصديق:
_ أختي
فـ قست تعبيراته أكثر و ارتفع جانب ثغره ببسمة ساخـرة هـو يقـول بتهكـم :
_ أيار ، و لا تكون مش فاكرهـا
ثـم تجمدت ملامحه و قست نظراته و هـو يقـول بنبرة جافة :
_ ما انت رميتها من حياتك و طردتها من بيتها ، ازاي هتفتكـرها !
فـ ازدرد ريقه بـ توتر جلي و قد ارتبكت ملامحه و ردد محاولًا الإنكار :
_ أنا .. أنا معملتـ…
فقاطعه هادرًا  بنبرة صـارمـة :
_ بـــــــــــس
انتفض جسده و قـد ارتعدت فرائصه من تلك النظرات الشرسة المسلطة عليه ، و كأنها عيـون قط شرس تلتمع في الظلام ، فـ أردف " سيـف" بنبرة جافة و هـو يشمله بـ استحقار :
_ لـو عايـز تطلع من هنا تعمـل اللي هقـولك عليه بالحرف ، فاهــــم !
فـ حاول استجماع شجاعته الهاربة و هـو يرد محتجًا :
_ نعـــم ، يعني خاطفني و كمـان بتبجح ، أنا هوديك في داهيـة ، هـر..
فـ عاد " سيف" بظهره رافعًا احدى ساقيه فوق الأخرى ، و فـتح ذراعيـه مرددًا بـ استخفاف :
_ اتفضـل !
حملق به و قد تخشب لسانه  فـ أردف " سيف" بنبرة ثابتة :
_ شوف انت هنا من امتى و حاولت تهرب كام مـرة ؟ نجحــت ؟ ﻷ ، و مش هتنجح
ثـم قسـت نظراته و هـو يتابع بـ شراسة :
_ انت هنا تحت رحمتـي ، مش هتعرف تخرج من هنا غير بـ إرادتي
فـ كـز " ياسر" على أسنانه بـ قوةٍ و هـو ينظر له بنظرات مشتعلة ، فـ تابع " سيـف" و هـو يخفض ساقه و يستقيـم بوقفته :
_ و طالما انت عاجبك القعدة هنا فـ مفيش مشكلة ، قضـي بقى اللى باقي من عمـرك هنا !
ثـم استدار بـ جسده فـ استوقفه " ياسـر" بـ غلٍ :
_ عايـزني أعمل ايه و تخرجني من هنا ؟
فـ تسمر" سيف" في مكانه و لم يلتفت ، بـل نظر أمامه بنظرات واثقة و ابتسامة شرسة ارتسمت على محياه ، وثـم دس كفيه بـ جيبه و هـو يردد بـ نبرة جامدة:
_ هقــولك >>
…………………………………………………………………………………..
ابتعـدت " أيار" عنه لـ تقطع سيل الذكريات ، فـ نظر لها " ياسر" مرددًا بـ فتور :
_ سلام
ثـم استدار منصرفًا فـ التفتت " أيار" لـ تنظر لـ " سيف" مرددة بـ تهدج :
_ سيف .. انت .. انت شوفته صح ؟ ياسر كان هنا !
فـ احتضن وجهها بإحدى كفيه و تمتم بنبرة عـذبة :
_ أيوة يا حبيبتي
فـ تـزين ثغرها ببسمة واسعـة ، و سالت الدموع على وجنتيها لـ تتمتم بنبرة فرحة :
_ انا مش مصدقـة ، فرحانة أوي
فـ نـزح دموعها بـ ابهامه و لـم يتردد في جذبها لأحضانه و هـو  يردد بنبرة هادئة :
_ و أنا وعدتك انك مش هتشوفي غيـر السعادة معايا
فـ طوقت ظهـره بـ ذراعيها ، لـ تعلو صوت التصفيقات الممتزجة مع صافرات المشجعيـن ، كمـا سالت الدمـوع من عيني " نيـروز" من شدة فرحتها ، لـم يكترث كلاهما لـ من حولهمـا ، و كأنها بـ عالمٍ آخـر يخلو الا منهمـا ، تمتمت " أيار" بـ امتنان مُطبقة جفنيها :
_ شكرًا يا سيف .. شكرًا على كل حاجة
خفق قلبه بـ قوة و هـو يبعدها عنه لـ ينظر لـ عينيها مرددًا بـ ارتباك :
_ شكرًا ليه ، أنا معملتش حاجة
فـ نظرت له مطولًا و هـي تهمس بداخلها :
_ مبتعرفش تكذب يا سيف !
كانت تعلم في قرارة نفسها أن له يد بالموضوع ، تـزين ثغرها ببسمة هادئة و هي تردد بنبرة رقيقة :
_ شكرًا على وجـودك في حياتي ، أنا .. أنا بحبـك أوي
فـ تلاشى ارتباكه و تزين ثغره بابتسامة هو يردد بـ صوتٍ رخيم :
_ و أنا بعشقـك يا أيار
ثـم جـذبها اليه مطوقًا ظهرها بـ ذراعيه متجاهلًا المحاوطيـن له  ، فـ دفنت رأسها في كتفه فـ هـو ملاذها الأول و الأخير ،مخبأها الذي تختفي به خوفًا من شرور العالم ، لا تجـد لنفسها سكنًا الا في أحضانه، و لم تعثر على الأمان الا بجواره ، تجمعت الدموع في عينيها تأثرًا ، لقـد عوضها الله عـن كـل ما عايشته بـ سعادة لـم تكـن لتتخيلها و زوج محب عاشق لكل تفصيلة تخصها ، لقـد تأكدت الآن أنه عشقها الأول و أنها لم تـختبر معنى العشق مع غيره ، لقـد قررت أن تنسـى كل الذكريات المأساوية و تصنع معه ذكريات بديلة ، ذكريـات لـن تنجح الأيام بـ محيها ستظل محفـورة على جـدران قلبيها ، قررت أن تنـزح الماضـي بعيدًا عـن حياتها ، و تضـعه بكـل آلامه .. " في طَيْ النسيـان" .
                        
              " تمـت بـحمـد الله "

🎉 لقد انتهيت من قراءة في طَي النسيان 🎉
في طَي النسيان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن