بَانجو - 5

3.9K 220 44
                                    

وراء المحيا تختبئ حقيقة المرء.

بدت ملامح الجديّة و الاستقامة على وجه نامجون أبداً, لكن ما العوائق التي ألمّت به حتى أسدلت على وجهه هذا الاستواء في التعابير؟

مشى في ردهات الحي الذي ألفه جداراً جداراً, كانت تحاكيه هذه الجدران بعتاب لتفانيه الدائب في عمله المخزي, لكنّه ما أتمّ دراسته الجامعية, بعدما عاش ليلةً طردته عن وتيرة اعتدالها, إلى الجحيم المكفهر.

ما كان يودّ تذكر ليلةَ حفل إكماله أعوامه الدراسية في المدرسة, و انتقاله إلى الجامعة, فأصرّت والدة نامجون حينها لإبرام حفلة مليحة, يحضرها كل زملائه في الحفل, إلا أن يومه ذلك توغّل بالهناءة بعدما سمع أن زميلته جينا التي يختزن في قلبه إعجاباً جمّاً بها ستحضر حفلته الميمونة بقدومها.

لكنّه تهوّر حين رآها, و كان لتلك الليلة نصيب حظي به هو بلمسه إياها, لكنّ طيشه أوداه قهراً بعدما علم بحملها من طفله, تهاطلت الملمات عليه كالغيث السخي, فأرادت جينا أن يعتنيا بطفلهما, و أثقلت على نامجون مسؤولية الصغير بعدما كان طالباً جامعياً لا ملك له ولا سبيل عيش.

اضطرّ نامجون آنذاك للعمل بعدّة أماكن شاقّة, ليحلّ عليه الليل بربح قليل يكافح لجلب الحليب لطفله به, ما أعانه أي شيء من العمل الكاد, ولا كانت جينا تساعده بشيء من كلفات الرضيع.

بقي على حاله اليائسة تلك حتى التقى بكريستيان في إحدى المقاهي, عرض عليه العمل لديه ببيع المواد المخدّرة, و منذ أقحم نفسه بذلك العمل الممقوت, اهدودرت عليه الأموال مطراً, و أصبح طفله مدللاً للغاية, لكن ما أبأس حياة الشاب اليافع أكثر, هجرانه من جينا بعدما علمت بعمله الكريه, و حرمانه من طفله ذا الرابعة فقط اليوم.

حتى عقد نامجون اتفاقاً و إياها, أن يراه في يومي الأحد و الأربعاء, و يصادف يومه الأربعاء, حيث توجّه إلى الحديقة العامة ليرى طفله, إيتسو, ذلك اللطيف يشغف برؤية والده, و يستمر بالتذمر على والدته لمنعها إياه من رؤية نامجون.

ثوانٍ فقط فصلته عن هبوط عينيه على أجفانه الرفيعة, رموشه الكثيفة البريئة, و بريق عيناه المملوءة عفافاً, إيتسو طفل لا يفقه مصاعب الدنيا, عقد الزمان التي يهبها لمن شاخ بهم لا تطل الصغير بشيء, يرجو نامجون لابنه أن يبقى طفلاً وألا ترزيه الحياة مصاعبها الوخمة, و بجانبه كانت جينا تقف و تحاول طغيان الود على المقت المكنوز في عينيها لرؤية نامجون قادم للمس طفلها, فهي تعتقد أن لمساته تشوّه عفة ابنها, لأنه تاجر مخدرات, لا أكثر.

"مرحباً جينا" ألقى سلامه, أومأت إليه و أمعنت بطفلها الذي يعبث بالتراب , فور ملاحظته لنامجون ركض إليه محتضناً ساقه, و اعتلت الابتسامة حشمته.

Cannabis | بَانجو TK ✔حيث تعيش القصص. اكتشف الآن