2- سقوط الطائرة

419 11 0
                                    

كانت الشمس ساطعة والسماء صافية , وديليا تجلس في مقعدها في الطائرة الصغيرة المحلقة فوق الأ**** البرازيلية , نظرت ديليا من نافذة الطائرة , فرأت الأدغال تمتد الى مساحات شاسعة , وبدت مثل عباءة خضراء تغلف الأرض كلها على أمتداد البصر.
ولما كانت زيارتها للبرازيل رسمية , فقد وجدت في أستقبالها في مطار ريو دي جانيرو عددا من المسؤولين في قسم الشؤون الهندية في الحكومة البرازيلية , أقتادوها الى فندق فخم يطل على ساحل كوبا كابانا , ولم تتمكن من النوم طيلة الليل بسبب صوت مرور السيارات الذي لم يتوقف لحظة واحدة.
وفي اليوم التالي سافرت مع الأستاذ كلوديو رودريغيز أستاذ التاريخ الطبيعي , الذي جاء معها على نفس الطائرة ويعمل كظابط أتصال في أدارة رعاية القبائل في البرازيل.
وأتجهت الطائة الى بوستو أورلاندوفي وسط منطقة الأدغال الضخمة حيث يقع مركز رعاية القبائل البدائية للهنود البرازيليين.
وعلى الرغم من أن ديليا كانت متشوقة لرؤية هذه المناطق التي لم ترها من قبل , ألا أنها شعرت بالخوف من الثعابين والزواحف التي تنتشر في مثل هذه المناطق.
وقطع على ديليا أفكارها صوت الأستاذ رودريغز وهو يقول:
" سنصل خلال دقائق , أربطي حزامك".
وبعد دقائق هبطت الطائرة على ممر بدائي يمتد وسط الغابة , ونزلت ديليا من الطائرة , وكان أول ما وقعت عليه عيناها الأكواخ التي تشبه في شكلها خلية النحل وقد صنعت أسقفها من جذوع النخيل , ووجدت في أنتظارهم جماعة من الهنود الذين لا يستر أجسادهم شيء , معهم رجل مسن يرتدي شورتا وقميصا من القطن , بالأضافة الى شاب لطيف المظهر طويل القامة , وسيدة برازيلية شعرها أسود طويل عقصته خلف عنقها , وقد أكتسبت بشرتها بلون برونزي رائع .
تقدم الرجل المسن من ديليا وحيّاها على الطريقة البرازيلية , فقبّلها على وجنتيها وهو يقول بالأنكليزية:
" أهلا , أهلا , شيء جميل أن أرى أبنة أعز صديق لي فرانك فينويك , أنا أدعى لويز سانتوس".
وأشار الى الشاب متابعا كلامه:
" هذا أبن أخي مانويل سانتوس الذي يعمل كخبير أجتماعي في المركز , وهذه زوجته ريتا".
صافحت ديليا مانويل وزوجته وهي تجول بعينيها في حذر لترى أدموند من بين مجموعة المستقبلين , ولكنها لم تجده.

سألها لويز:
" هل تبحثين عن أدموند؟ أعتقد أنه في المستشفى للكشف على بعض المرضى , لقد أحتفظت بالسر كما وعدتك ولم أخبره بأن الصحفية التي ستحضر على هذه الطائرة هي زوجته , كما أنني لم أخبر ريتا ومانويل بذلك".
والتفت لويز الى مانويل وريتا , يوضح باللغة البرازيلية أن ديليا هي زوجة أدموند , فنظرا اليها بدهشة شديدة , هتفت ريتا بلهجة أميركية :
" ولكن أدموند سيفاجأ بحضورك , كنا نتحدث عن الصحفية التي سنحضر لعمل تحقيق صحفي عن الوضع هنا , وضحكنا كثيرا حين قال أدموند أنها ستكون سيدة خشنة تتحدث بسرعة , ولم يتوقع أحد أن تكون هذه الصحفية سيدة جميلة ورقيقة مثلك , ولم يكن لدينا فكرة عن أن أدموند متزوج ".
وسألت ديليا:
" وكيف حاله؟".
فرد لويز:
" سأتحدث معك عن ذلك في طريقنا الى القرية".
وبعد أن أصدر تعليماته الى الهنود لنقل الأمدادات التي حملتها الطائرة , أمسك بذراعها وقادها الى ممر تحيط يه الحشائش الطويلة الحادة , وسارا خلف عربة الجيب التي وضعت عليها أمتعتها وصناديق الأمدادات الطبية.
وفي الطريق قال لويز يحدثها عن أدموند:
" أدموند أحسن كثيرا عما كان عليه في الوقت الذي بعثت لك بأول خطاب , لكنه ما زال هزيلا للغاية ويشعر بالأرهاق سريعا , أنه يحتاج الى فترة راحة, ولكنه مصمم علىأتمام العمل الذي جاء من أجله , لقد حاولت أغراءه على التوجه الى برازيليا أو ريو دي جنيرو لفترة من قبيل التغيير , لكنه رفض , تستطيعين أقناعه بذلك , خاصة أنك زوجته وعلى هذا القدر من الجمال".
نظرت اليه بطرف عينها وهي تحدث نفسها : ليته يعرف طبيعة العلاقة بيني وبين أدموند.
وسألته ديليا:
" كيف عرفت أنني زوجته وهو لم يخبر أحدا بذلك؟".
" المسألة لم تكن صعبة , فعندما وصل الى المركز بعد سقوط الطائرة , كان مريضا للغاية ومصابا بالحمّى , ووجدت أنه من الضروري أبلاغ أقاربه , بحثت في أمتعته فوجدت جواز سفره الذي كتب في نهايته قائمة بأسماء وعناوين الأشخاص الذين يمكن الأتصال بهم في حالة الطوارىء , وكان أسمك على رأس هذه القائمة , لذلك كتبت اليك لأبلغك بالأمر".
كان الخطاب الذي بعث به لويز الى ديليا أو شيء يصلها عن أدموند بعد رحيله عن لندن منذ ستة عشر شهرا وأول ما فكّرت فيه هو السفر على أول طائرة متجهة الى البرازيل , كانت تشعر بشوق شديد الى لقاء أدموند والعناية به , ولكنها ترددت حين تذكّرت الأحداث الللتتتي أدّت الى رحيله, فبالرغم من أنها ما زالت زوجته , ألا أنهما يعتبران في حكم المنفصلين.
ظلت في دوامة وهي لا تدري ماذا تفعل , وقد أثّر ذلك على أعصابها , وأصابتها حالة من الأكتئاب النفسي, أثّرت على عملها حتى أن رئسها لاحظ ذلك.
وذات يوم أستدعاها الى مكتبه لمراجعتها في بعض الأخطاء فففوووجدت نفسها تقص عليه مخاوفها أتجاه دايموند ورغبتها في التوجه لزيارته.
وأستمع اليها بن ديفيز رئيسها في صبر وقد بدا عليه التفكير , ثم سألها:
" هل تريدين الذهاب لرؤيته يا أبنتي؟".
" نعم , أريد ذلك , ولكنني لا أدري كيف أسافر كل هذه المسافة وحدي , وربما يختفي مرة أخرى لو عرف بأنني سأذهب للقائه".
ولكن ديفيز قاطعها قائلا:
" ولكنه لن يعرف بأمر ذهابك الى بوستو أورلاندو".
فحملقت في وجهه بدهشة وهي تسأل:
"ولكن كيف؟".
فأبتسم ديفيز وهو يقول:
" ستذهبين الى هناك للقاء لويز سانتوس وليس أدموند , سأرسلك في مهمة صحفية كمحررة للمجلة , وستكون هذه أول فرصة لتقومي بالعمل الذي قام به والدك ككاتب للمقالات الجغرافية , كل ما يجب عليك فعله هو أن ترسلي ألى لويز وتطلبي منه الأحتفاظ بأمر ذهابك سرا , وسأكتب اليه بنفسي لأبلغه أنك ستقومين بأعداد بعض المقالات عن المركز الذي يديره , وأعتقد أنه سيهتم بك الى حد كبير أذا عرف أنك أبنة صديقه فرانك فينويك".
توقف ديفيز قليلا ليشعل غليونه , ثم سألها:
"هل لديك فكرة عن عمل زوجك هناك؟".
" طبقا لما عرفته من السيد سانتوس , كان أدموند يقوم بجولة كمبعوث لأحدى المنظمات الدولية لجمع الأموال لشراء الأدوية والمعدات الضرورية للقبائل البدائية , حين سقطت الطائرة التي كان يستقلها مع بعض الأشخاص الآخرين فوق منطقة الأدغال , وكان هو الوحيد الذي نجا من الحادث,وقد ظلّ لبضعة أسابيع ولكنه تمكن من الوصول الى المركز في حالة يرثى لها".
حاول ديفيز أن يطمئنها , وطلب منها الأسراع بأعداد نفسها للسفر,
وفعلا تم أعداد كل شيء , وه هي الآن وصلت الى بوستو أورلاندو تسير بين الأكواخ البدائية وقد تلاحقت دقات قلبها ترقبا للحظة التي سترى فيها أدموند., وكأن وصول طائرة الأمدادات حدث أجتماعي هام في هذه المنطقة المنعزلة.
وبعد الأنتهاء من تناول لقهوة , صحب لويز الطيارين والمضيف والأستاذ رودريغز الى الطائرة , وصحبت ريتا ديليا الى غرفتها وسألتها وهما تتجهان الى أحد المباني الواقعة في ظل أشجار الكافور والموز.
" هل تتحدثين البرتغالية؟"., ولكن لم يكن لديّ الوقت الكافي لأتعلم الا بعض العبارات البسيطة , لذلك لم أستطع فهم ما وجه اليّ من عبارات بالبرتغالية , ولولا أن البعض يتحدث الأنكليزية , لوجدت نفسي في موقف لا أحسد عليه , وأنت أين تعلمت الأنكليزية؟".
" في المنزل, أمي أميركية , وكانت تتحدث الينا دائما بالأنكليزية , ولكن لا تنزعجي , سيمكنك تعلم اللغة البرتغالية بالأستماع الينا , وسأتولى مساعدتك على ذلك قدر الأمكان , أن أدموند يتحدث هذه اللغة بطلاقة الآن".
ووصلتا أخيرا الى حيث توجد غرف الأقامة , وكانت أبوابها تفتح على شرفة طويلة ترتفع عن الأرض ببضع درجات خشبية, وأتجهتا الى نهاية الشرفة حيث فتحت ريتا باب الغرفة الأخيرة وهي تقولأ:
" هذه هي غرفة أدموند , كان من المقرر أن تشاركيني غرفتي على أن ينزل مانويل في غرفة أدموند , ولكن لا داعي لذلك الآن فأنت زوجته".
ثم ابتسمت ريتا وهي تنظر الى ديليا قائلة:
" أعتقد أنه ليس لديك مانع من مشاركة زوجك غرفته؟".
فردت ديليا بسرعة:
" بالطبع لا".
ولكنها كانت تساءل نفسها أذا كان أدموند سيعترض على ذلك.

رمال في الأصابعحيث تعيش القصص. اكتشف الآن