4- الليل في الغابة

271 8 0
                                    


بدأت الرحلة الى بيتوروس وأستقل الجميع قاربا طويلا , وضع المحرك في المنطقة الوسطى منه , وغطي بسقف أستند الى قوائم خشبية.
ووضعت الأمتعة والأمدادات الطبية في المنطقة المسقوفة التي وضع فيها أيضا مقعدان خشبيان طويلان لجلوس الركاب.
جلس لويز وأدموند على المقعدين يتحدثان , وقد بدا عليهما الأهتمام الشديد , فيما توجّهت ريتا وديليا الى السطح العلوي للمركب حيث جلستا تحت أشعة الشمس , أما مانويل وجيكارو وميجاي وكلاهما من بيتوروس فكانوا يتبادلون قيادة المركب.
كان النهر متسعا , وبدت مياهه داكنة , ولكن سرعان ما تغيّر لونها الى اللون الأخضر بعد أن ألتقى النهر بنهر آخر.
وسألت ديليا ريتا عن السر في تغير لون المياه.
فقالت ريتا توضح لها الأمر:
" يوجد في الأدغال نوعان من الأنهار , النوع الأول يطلق عليه النهر الأسود , والنوع الثاني يطلق عليه النهر الأبيض , وهذا النوع الأخير تسبب مياهه الأمراض , لأن فيه حشرات كثيرة , ومن المحتمل جدا أن تصابي بالملاريا أذا لدغتك بعوضة وأنت تمرين بهذا النهر , وأرجو ألا تكوني نسيت تناول الحبوب اليوم".
كانا ديليا قد نسيت تناول حبوب الملاريا بالفعل , فبحثت في حقيبتها وأخرجت بعضا منها , ولكنها لم تجد ماء لتتناولها فقالت لها ريتا أن جيكارو سيعد القهوة حالا ويمكنها أن تبتلع معها الحبوب.
كان المنظر رائعا من حولهم وقد أنساب المركب في رفق فوق سطح الماء ,. وأحاطت بهم من الجانبين الأشجار الكثيفة , وأمتدت الخضرة على طول ضفتي النهر, وكانت بعض المناطق تتكون من الصخور الحمراء.
وفي المناطق المتسعة من النهر , كانت الشواطىء تبدو رملية وكان يمكن رؤية التماسيح وهي ترقد تحت أشعة الشمس , ثم تهرب عائدة الى الماء عند أقتراب المركب.
وفي هذه اللحظة , توقف محرك المركب , وأخذ مانويل في أصلاحه , ونظرت ديليا في رجاء الى أدموند الذي صعد الى السطح ليجلس بجانبها , وسألته:
" هل يمكننا السباحة في هذه المياه؟".
فقال لويز:
" لا , لأنها مليئة بأسماك البيرانا المتوحشة".
فرد أدموند:
" ولكننا في فيتينال كنا نسبح في الأنهار التي تكثر بها هذه الأسماك".
فقال لويز:
" لكنني لن أسمح لكما بالسباحة هنا".
فردت ديليا بسرعة وقد أفزعتها فكرة وجود مثل هذه الأسماك المتوحشة :
" المسألة لا تهم , فهل هناك من وسيلة أخرى لتخفيف حدة الحرارة؟".
فقالت ريتا:
" يمكنك أرتداء لباس السباحة ونملأ دلو بمياه النهر نرطب به أجسامنا".
فصاحت ديليا مستحسنة هذه الفكرة , وسرعان ما خلعت ثيابها التي كانت ترتدي تحتها لباس البحر.
وأخذت هي وريتا تتبادلان صب الماء فوق جسديهما وهما تضحكان وتتمازحان , وبدأت ديليا تشعر بالأنتعاش , وأقبلت في شهية على تناول الطعام الذي كان مكونا من المعلبات والشطائر والقهوة.
وبدأ المحرك في العمل من جديد , وأنطلق المركب , وأستلقت ديليا تحت أشعة الشمس واضعة فوق بشرتها طبقة من الزيت الخاص بحمام الشمس على أمل أكتساب اللون البرونزي الجذاب مثل ريتا.
وفجأة شعرت ديليا بحركة الى جانبها , فرفعت رأسها لترى أدموند يجلس بقربها ويدلي بساقيه في مياه النهر.
ثم قال بصوت منخفض حتى لا يسمعه الآخرون:
" بشرتك ستحترق وقد تصابين بضربة شمس".
ثم ألقى بثوبها اليها , وهو يضيف:
"أمن الضروري أن أرشدك دائما الى ما يجب عليك عمله كما لو كنت طفلة صغيرة؟".
ونظرت ديليا اليه وقد بدت في عينيه نظرة قاسية , ومرة أخرى شعرت بموقفه العدائي منها , فأنتابها شعور باليأس بعد أن كانت معنوياتها قد أرتفعت الى درجة كبيرة.
فردت بغضب وهي ترتدي رداءها:
" لا , ليس من الضروري ذلك , لست ملزما بأن تفعل أي شيء من أجلي , يمكنني العناية بنفسي لأنني أعرف تماما أنك لا تحب المسؤولية , على الأقل مسؤوليتي , وهذا هو السبب بعدم رغبتك في الزواج , أليس هذا صحيحا؟ أنت تخشى أن تخضع لأي ألتزام أو أن تهتم بشخص آخر بخلاف شخصك".
" حسنا , حسنا , لقد فهمت أخيرا كل شيء , ومن المؤسف حقا أنك لم تفهمي ذلك قبل أرتباطك بي , لقد أسأت الأختيار يا ديليا فأنني لست من الطراز المطلوب , ولكنني عندما تزوجتك حاولت فعلا أن أهتم بك".
فقاطعته ديليا ساخرة:
"بسفرك وحيدا لعدة أشهر بدون أن تحاول حتى الأتصال بي".
" يا ديليا كنت أعتقد بل كنت آمل أن تفهمي أنت , وأنت بالذات عملي خاصة أن والدك كان يؤدي بدوره هذه الرسالة".
" ولكنه كان يأخذ والدتي معه أينما ذهب حتى بعد ولادتي".
" وقد توفيت والدتك بعد أصابتها بحمى غامضة عندما كانت في الأدغال في الكونغو".
فألتفتت ديليا اليه بعصبية تسأله:
" من قال لك هذا؟".
" مارشا في اليوم الذي ألتقيتك لأول مرة , وهي تعتقد أن والدك مسؤول عن وفاة والدتك".
" أعرف ذلك, وأعرف أنها تكره والدي , وكانت دائما تردد أنه ضحى بوالدتي في سبيل مثاليته".
" هذا ما قالته لي بالفعل , وأنا لا أريد أن يوجه الي مثل هذا الأتهام في يوم من الأيام".
وصمتت ديليا قليلا وهي تنظر الى النهر , وقد أنعكست عليه أشعة الشمس القرمزية وهي تغرب , ثم قالت:
" على الأقل أتاح والدي لوالدتي فرصة الأختيار لأنه كان يحبها , وأنت لم تمنحني مثل هذه الفرصة".
فسألها أدموند بأنفعال:
" هل تعنين أنني لا أحبك , وأنني لم أحبك أبدا".
فهمست بالأيجاب وهي تنتظر في رجاء أن ينفي ذلك , ولكنه سألها:
" أذا كنت تعتقدين ذلك , فلماذا أنت متمسكة بزواجنا , ولماذا لم تطلبي الطلاق ولماذا بحق الجحيم حضرت الى هنا لتفرضي وجودك على حياتي من جديد؟".
ثم أضاف بأنفعال شديد:
" يا ألهي, كم أتمنى لو أنك لم تحضري".
وشعرت ديليا في هذه اللحظة وكأنه وجه اليها صفعة قاسية , وأنطلقت رغما عنها صيحة , ولكن أحدا لم ينتبه اليها , فقد التفت الجميع في هذه اللحظة الى ميكاي الذي صاح مشيرا الى الشاطىء الرملي المحيط بخليج ضيّق , ووجه جيكارو المركب بأتجاه الشاطىء.
وألتفتت ديليا من جديد الى أدموند قائلة:
" لقد حضرت الى هنا بناء على رغبة بنديفيز".
وأضافت وهي تغالب الدموع التي بدأت تتجمع في عينيها والتي أخفتها نظارة الشمس.
" وكما ترى لا يمكنني تغيير شيء , أذا كنت تشعر أن وجودي يضايقك , ولكن الأمر لن يطول وأرجوك ألا تكلف نفسك عناء أمر العناية بي , فأنني أعرف كيف أعتني بنفسي بدون الحاجة الى مساعدتك , ولقد تعودت على ذلك منذ فترة طويلة".
وتركته ديليا وأنسحبت , وكانت الشمس قد غربت ,وبدأ الظلام يعم المكان بالتدريج , وبدأ القمر يظهر من بين الأشجار.
ودخل جيكارو بالمركب الى الخليج , وهبط ميجاي لربط المركب في أحدى الأشجار الضخمة حتى لا تجرفه المياه.
ونزل الجميع الى الشاطىء في قارب صغير يتسع لثلاثة أشخاص فقط على دفعتين , وقد حملوا معهم ما سيحتاجون اليه لقضاء ليلتهم على الشاطىء.
وقاد جيكارو وميجاي الجمع في الطريق وسط الأشجار الكثيفة حتى وصلوا الى منطقة متسعة قليلا توجد على أرضها كتلة كبيرة من الخشب تصلح للجلوس عليها.
وبينما أخذ جيكارو وميجاي يجمعان الخشب لأشعال النيران , أخذ أدموند ومانويل في وضع شباك النوم بين الأشجار , وبعد أن أنتهى جيكارو من أشعال النيران , أستقل القارب الصغير ليصطاد السمك.
وتبعته ديليا لتراقبه وهو يصطاد , ورأته يلقي بحبل طويل تدلى في نهايته طعم الى الماء وما هو الا قليل حتى تعلقت سمكة كبيرة بالطعم , عرفت ديليا أنها من نوع البيرانا.
وذهب أدموند بدوره للصيد , وطلبت ريتا من ديليا أحضار بعض الماء من النهر لأستخدامه في الطهي.
ولاحظت ديليا أجساما طويلة تطفو في هدوء تام في الماء , متجهة الى الشاطىء , وأكتشفت أنها تماسيح, فألقت بالدلو وهي تبتعد في ذعر.
ثم عادت من جديد لألتقاط الدلو , ولكن أحد التماسيح أقترب من الشاطىء , فتراجعت بسرعة في الوقت الذي عاد فيه جيكارو وأدموند بالقارب الصغير.
وأسرعا بألقاء صيدهما من السمك , وألتقط أدموند بندقيته وأتجه الى الشاطىء , فصاحت ديليا تسأله عما ينوي فعله.
فقال لها:
" سأحاول أصطياد التمساح الذي كان يريد ألتهامك , تعالي لتري كيف أصطاده".
ولم تكن ديليا تريد أن تذهب معه , ولكنها تبعته قائلة أن ذلك قد يفيدها في كتابة مقالاتها.
ووقفت ديليا في القارب تمسك بيدها المصباح الذي وجّهت ضوءهالى حيث يرجد التمساح وما أن ظهر رأسه فوق الماء حتى أطلق أدموند الرصاص عليه , وأسرع بمساعدة جيكارو بسحبه الى القارب قبل أن يغوص في القاع , وأتجهوا الى الشاطىء بصيدهم الثمين.
وقطع ميجاي ذيل التمساح ونزع جلده وأعدّه للطهي.
وجلست ديليا فوق كتلة الخشب , فصاح أدموند بها قائلا:
" لا تجلسي عليها , فأنها مليئة بالنمل".
فقفزت مذعورة وهي تقرب المصباح من كتلة الخشب , فوجدتها مليئة بالنمل الأسود الكبير.
وتقدم أدموند منها حاملا زجاجة مبيد الحشرا وهو يقول:
" أذا كنت تريدين الجلوس عليها , رشيها أولا بالمبيد ويجب أن تحركي قدميك طوال الوقت حتى تبعدي النمل عنهما لأنه يلدغ".
وأطاعته ديليا وهي تشعر أنها لا بد أن تتعلم الكثير عن الحياة في الأدغال قبل أن تعيش فيها , وكانت مصممة على أن تثبت لأدموند أنه يمكنها ذلك مثله تماما ما دامت هذه هي الوسيلة الوحيدة لأثبات مقدار حبها له ورغبتها في البقاء معه.
وجلس الجميع يتناولون طعام العشاء , وبعد أن أنتهوا منه سريعا , صعد لويز الى فراشع المعلق وأستغرق في النوم فورا , أما ريتا ومانويل فسارا معا الى الشاطىء , وقد لفّ مانويل ذراعه حول خصرها.
وشعرت ديليا بالألم وهي تنظر اليهما , وألتفتت تبحث عن أدموند ولكنها لم تجده , فأعتقدت أنه يريد الأختلاء بنفسه خاصة بعد أن تعوّد البعد عنها.
ولم يكن أمام ديليا ما تفعله سوى الصعود الى فراشها المعلق , ولكنها لم تستطع النوم قبل أن تغتسل , فألتقطت منشفتها وقطعة صابون من حقيبتها وأتجهت الى النهر.
سارت ديليا في حذر تلمس خطواتها خوفا من الثعابين , تزيح النباتات المتسلقة التي تعترض طريقها , وهي تستمع الى سمفونية الليل في الغابة من حولها , وقد أختلطت صيحات الطيور بأصوات الحشرات ونقيق الضفادع الى جانب أصولت أخرى كثيرة لم تستطع تمييزها.
ووصلت الى الشاطىء , فتنفست ديليا بعمق وهي تشعر بالسعادة وتلاشى خوفها تماما حين نظرت الى أنعكاس ضوء القمر الذهبي فوق النهر , ووقفت على رمال الشاطىء وهي تخلع ثيابها ومحتفظة بحذائها , ترددت قليلا وهي تنظر الى النهر , ثم خلعت رداء أستحمامها أيضا مطمئنة الى أن أحدا لن يراها , وأنطلقت في أتجاه النهر عارية تماما حيث غمرت جسدها بالماء ثم بدأت في الأغتسال بالصابون , وبعد أن أنتهت من ذلك توغلت في النهر قليلا لتغمر المياه جسدها , وأخذت تقفز ثم تغطس في الماء بسعادة.
ووقفت للحظات تنظر الى القمر وقد راعها منظره , ألا أنها شعرت بنوع من الحزن لأن أدموند لم يكن معها يشاركها الأحساس بجمال هذا المنظر المحيط بها.
وأنتبهت ديليا الى أشياء تتحرك على ساقيها وذراعيها فنظرت لترى في ضوء القمر مئات من الأسماك الدقيقة المتعلقة بأطرافها , فأسرعت تحرك ساقيها وذراعيها بعنف لتتخلص منها وبسرعة أتجهت الى الشاطىء , ولكن قدمها وطأت شيئا لزجا فسقطت في الماء.
وجاهدت لتقف على قدميها من جديد , وفي هذه اللحظة رأت جسما طويلا يسبح في الماء متجها اليها شكله مرعبا في ضوء القمر , فصرخت وهي تبتعد مسرعة ولكنها سقطت من جديد فوق الشاطىء.
وعندما تمكنت من الوقوف على قدميها , رأت شبحا طويلا يقف أمامها فسقط قلبها بين قدميها , وصاحت قائلة:
" من هناك؟".
فجا ءها و أدموند غاضبا:
" أنا , ما هذا الذي تفعلينه؟".
وبالرغم من رنة الغضب الواضحة في صوته , ألا أن ديليا شعرت بالراحة لأن أحد غير أدموند لم يرها وهي تغتسل عارية تماما , وأتجها ناحيته حذرة وهي تقول:
" كنت أغتسل ولكن قدمي تعثرت في شيء فسقطت".
ونظرت ديليا خلفها فرأت تمساحا آخر يتجه اليها فصرخت قائلة:
" أن واحدا آخر يطاردني من جديد".
فمد لها أدموند يده يساعدها للأبتعاد عن الماء وأمسك برسغها بقوة ووقفت أمامه والماء يتساقط من جسدها فوق رمال الشاطىء.
وهمس قائلا وهو ما زال ممسكا بيدها :
" يا لك من غبية , كيف تخلعين ثيابك هكذا وتنزلين الى النهر؟".
" كنت أريد الأغتسال , ولم أكن أنوي البقاء طويلا , شعرت بالسعادة لولا هذه الأسماك الصغيرة".
فسألها بأهتمام:
" أية أسماك؟ وأين هي؟ أنت متأكدة أنها أسماك وليست دود علق؟".
" على ساقي".
ووضع أدموند يده فوق ساقها لأزاحة دود العلق عنها , فأحست ديليا بالرعشة تسري في كيانها , لم تكن خائفة ولكنها أرتجفت للمسات يده التي كانت في أشد الحنين اليها.
ووقف أدموند وهو يقول:
" لم يعد هناك دود علق على ساقك الآن , لقد رأيتك وأنت تسقطين".
" رأيتني؟ منذ متى وأنت تقف هنا؟".
" منذ فترة طويلة , رأيتك تغادرين المعسكر وعندما تغيبت لفترة طويلة قرر البحث عنك , كان يجب أن تعرفي أنه ليس من المفروض أن تتجولي وحدك في مثل هذا المكان , ولماذا لا تذهبي الى فراشك من دون الأغتسال ولو لمرة واحدة؟ ألا تستطيعين التخلي عن عاداتك؟".
وشعرت ديليا بيأس , لأن محاولاتها لأظهار قدرتها على العيش في الأدغال لم يكتب لها النجاح , فنظرت الى أدموند وهي تقول بصوت هامس:
"أنني آسفة".
وأحست فجأة بأنها لا تستطيع مقاومة رغبتها في الأرتماء بين أحضان أدموند ومبادلته الحب , وتملكتها رغبة عنيفة في أن تلتصق بجسده , فأندفعت ناحيته وقد غاب عن ذهنها أنها تقف عارية تماما , لكنه تراجع الى الخلف وسلط ضوء المصباح على ملابسها الملقاة على الشاطىء , وأنحنى فألتقط قميصها وقدمه لها قائلا:
" خذي ! أرتدي هذا".
وقبل أن تتمكن من أخذه , وضعه فوق رأسها بعنف ليساعدها على أرتدائه, ولكنها فقدت توازنها فأمسكت بقميصه حتى لا تقع على الأرض , فأسقط أدموند المصباح من يده , وأسرع بوضع يديه حول خصرها لمساعدتها على الوقوف.
لم تستطع ديليا مقاومة رغبتها في الأقتراب منه , فألتصقت به وشعرت بقبضة يديه حول خصرها تسترخي , ثم أخذ يحرك يديه برفق يتحسس ظهرها وهو يضمها اليه لتلتصق به , وأمتدت يدها بشوق تتحسس صدره وعنقه , ورفعت اليه وجهها وأغلقت عينيها وأنفرجت شفتاها في نداء صامت فهمس قائلا:
" هذا جنون!".
وكان لقاء عنيفا , صنعته الظروف المحيطة بهما , ولكنه أنتهى سريعا حين أبتعد عنها أدموند فجأة وهو يرتجف ويتنفس بصوت مسموع .
وترنحت ديليا وتعثرت قدمها وهي تطأ شيئا لزجا , فصرخت في رعب وهي تندفع للأحتماء به , ولكنه في هذه المرة ساعدها على أستعادة توازنها ثم تركها بعد ذلكوهو يقول بصوت مخنوق:
" أرجوك, أرتدي ثابك".
ثم أنحنى فوق الأرض يلتقط المصباح , وأضاءه وهو يقول:
" ألم يكن ممكنا أختيار مكان أفضل من هذا لنتبادل الحب؟ هذا المكان مليء بالبعوض والثعابين".
وأكتشفت ديليا أن العديد من الحشرات قد علقت بجسدها المبتل , فأخذت تزيلها بيد مرتعشة , ولبست ثيابها بعد أن نفضتها جيدا.
قالت وهي تدفع بشعرها المبتل الى الخلف:
" لست الوحيدة التي أردت مبادلتك الحب , كنت أنت أيضا تريد ذلك".
فقال بلهجة عنيفة:
" حسنا , أعترف أنني أردت ذلك , ولكنني أتحدى أي رجل تجري في عروقه الدماء أن يفعل غير ما فعلت عندما يجد سيدة عارية بين يديه".
فقالت بتردد:
" أنني ... أنني أردت فقط أن .... أن ".
ثم قالت بصوت يخنقه البكاء:
" أوه ... لماذا تعاملني بهذه القسوة؟".
فضحك وهو يرد قائلا:
" دفاعا عن نفسي , وقد ألجأ في سبيل ذلك الى أستخدام أي سلاح وأرجو ألا تعتقدي أن ما حدث الآن بيننا يعني أي شيء , وأنني على يقين من أنك عندما تعودين الى رشدك وتتخلصين من تأثير ضوء القمر على عواطفك , ستشعرين بالسعادة لأنني أستطعت التحكم في نفسي ولم أنتهز الفرصة".
وشعرت ديليا وهو يقول هذا بأنه يفجر جرحا متقيحا , فأنتفضت وهي تسأله:
" ولكن لماذا , لماذا تفعل ذلك؟".
ثم همست تقول راجية:
" أوه يا أدموند , لماذا لا نعود كماكنا في بدء زواجنا , لقد كنا في منتهى السعادة".
" لا يمكن أن نعود كما كنا , فقد أرتكب كل منا خطأ كبيرا في حق الآخر , وسيلزمنا الوقت الطويل لكي ننسى ونغفر , وقد لا نستطيع ذلك".
" أعتقد أن هنا ليس المكان المناسب لمناقشة العلاقة بيننا , هيا نعود الى المعسكر لننام , سنمضي في طريقنا صباحا , تعالي أتبعيني وسأضيء لك الطريق , وتحركي بهدوء فأن الجميع ينام".

رمال في الأصابعحيث تعيش القصص. اكتشف الآن