قال أدموند محدثا ديليا:
" يوجد رجل مريض للغاية في أحدى القرى المنعزلة وسط الأدغال , وقد تلقينا رسالة من قبيلته تطلب طبيبا على وجه السرعة , وسيأخذنا كارلو الى هناك هذا الصباح , فهل ترغبين في الذهاب معنا؟".
وكانت ديليا وقد نزلت لتوها من فراشها المعلق , تبحث عن منشفتها والصابونة لتذهب الى حيث يمكنها الأغتسال , فوقفت جامدة للحظة وظهرها اليه وهي لا تكاد تصدق أذنيها , هل يطلب منها أدموند حقا الذهاب معه الى أي مكان؟
وألتفتت اليه , فرأت شعره مبتلا كأنه أغتسل بالفعل , وبدا وجهه حليقا جذابا وقد تناثرت خصلات شعره المجعد المبتل حول أذنيه وعلى عنقه , وعلى الرغم من أنه يبدو منتعشا , ألا أنها لاحظت وجود بقع سوداء حول عينيه تشير ألى أنه لم يأخذ قسطا وافيا من النوم.
وترددت ديليا قليلا قبل أن تسأله برجاء:
" هل تريدني أن أذهب معك؟".
فقال بعصبية واضحة:
"بماذا تريدينني أن أجيبك؟ أنني أوجه اليك سؤالا بسيطا وأنت تجيبين بسؤال آخر , كارلو يقول أن الطائرة يمكنها أن تحمل أربعة أشخاص , ويعتقد لويز أن زيارتك لمثل هذه القرية سيفيدك في عملك , وعلى هذا فأن أمامك فرصة للذهاب , أما أن تقبليها أو ترفضيها , فهو أمر يتعلق بك وحدك".
وبالرغم من أنها شعرت بالألم لهذه اللهجة العنيفة التي يحدثها بها , وبالرغم أيضا من أنها كانت تشعر بصداع وألم في معدتها ورغبة شديدة في النوم , ألا أنها كانت تريد أن تذهب معه لتثبت له أنه يمكنها الذهاب الى أي مكان يذهب اليه , فقالت بسرعة:
" أنني ... أنني أريد أن أذهب معك لو سمحت , ولكن من هو الشخص الرابع الذي سيذهب معنا؟".
فأجاب بأقتضاب:
" الدكتورة ميريللي , ستكون فرصة طيبة لها أيضا".
وأضاف وهو يتجه الى الخارج :
" حسنا, سأذهب لأبلغ كارلو أنك ستذهبين معنا , وأذا كانت لديك أية هاديا , فأحضريها معك لأعطائها لرجال القبيلة وسأراك على مائدة الأفطار بعد حوال ربع ساعة".
وخرج أدموند من الكوخ وكانت ديليا تود لو تسأله عما أذا كان يشعر بالقلق لأنه سيضطر الى ركوب مثل هذه الطائرة الصغيرة لأول مرة بعد تعرضه لحادث سقوط الطائرة من قبل , ولكن حتى لو كان يشعر بالقلق , فهل يعترف لها بذلك, في أية حال لم يتح لها فرصة لتوجيه هذا السؤال اليه.
ووضعت ديليا ثيابها , وأسرعت الى حيث أغتسلت في الكوخ القريب , وشعرت بالأنتعاش قليلا , وأمكنها أن تقبل على طعام الأفطار الذي كان يتكوّن من البيض , والفطائر المصنوع من دقيق الذرة, وبالرغم من أنها كانت لا تزال تشعر بآلام في معدتها , ألا أنها كانت تحس بالسعادة لأنها ذاهبة مع أدموند في هذه الرحلة.
وحياها كارلو وهو يظهر لها سعادته لأنها ستشاركهم الرحلة, ووضع ذراعه في ذراعها وهو يسير الى جانبها في الممر الذي تربض فوقه الطائرة , وكان يرتدي سروالا كاكي اللون وحذاء عاليا , ووضع حول وسطه حزاما جلديا عريضا يتدلى منه جراب مسدس , وأمسك بيده الأخرى بندقية.
وقال كارلو وهو يساعدها للصعود الى الطائرة:
" أنني أحتفظ بمثل هذه الأسلحة معي دائما تحسبا للطوارىء , فربما أضطر الى الهبوط وسط الأدغال , وفي هذه الحالة يجب أن يكون معي سلاح لأحصل على الطعام , والآن أتجهي الى المقعد الأمامي فأنني أريدك أن تجلسي بجانبي لأن هذا سيكون أفضل لك وستكون لديك فرصة أفضل للمشاهدة".
ووصل أدموند وزانيتا بصحبة لويز الذي حضر لتوديعهم وقد ألتف حوله بعض الهنود.
ونظر أدموند الى ديليا وقطّب جبينه وهو يسألها:
" لماذا تجلسين في المقعد الأمامي؟".
فقال كارلو مبتسما:
" لأنني طلبت منها ذلك يا صديقي , لا تقلق عليها فأنها ستكون في أمان وهي تجلس بجانبي , ويمكنك أن تجلس أنت في المقعد الخلفي حيث تستطيع الحديث مع الدكتورة زانيتا".
وألتفت أدموند الى زانيتا التي جلست في المقعد الخلفي وهو يهز كتفيه قائلا:
" حسنا , كما تريد".
وأقفل باب الطائرة , وبدأت محركاتها في العمل , ثم بدأت تسير فوق الممر حتى وصلت الى سرعتها اللازمة فأرتفعت في السماء , ونظرت ديليا الى أسفل تلوح بيدها للويز وريتا ومانويل بينما كانت الطائرة تدور حول القرية.
وكان كارلو يتولى قيادة الطائرة بسهولة , وقد تعمّد أن يطير على أرتفاع منخفض فوق النهر حتى تتمكن ديليا من مشاهدة التماسيح وهي تستلقي تحت أشعة الشمس على الشاطىء الرملي , وكان شكلها مخيفا للغاية , كما أمكنهامشاهدة قطيع من الغزلان ترعى في أحدى مناطق السافانا , وكانت الخضرة تمتد أسفل الطائرة كبحر واسع لا نهاية له, تخترق في بعض الأحيان خطوط تبرق تحت أشعة الشمس تمثل الأنهار ومجاري المياه , كما كانت أسراب من الطيور الزاهية الألوان تحلّق في تناقض غريب مع لون الخضرة الداكن الممتد على مرمى النظر.
وصاحت ديليا ليسمعها كارلو وهي تسأله:
" كيف يمكنك أن تعرف طريقك الى القرية؟".
ونظر اليها مبتسما وهو يقترب منها:
" هذه مشكلة من السهل حلها , فأنني حيث أذهب أراقب البوصلة , حتى أرى في النهاية عامودا من الدخان , وحيث يتصاعد لا بد أن تكون هناك حياة ".
ثم أقترب كارلو منها أكثر وقال بصوت منخفض:
" هذه هي أول رحلة يقوم بها أدموند منذ الحادث الذي تعرض له , وأريد أن أعرف شعوره".
فنظرت ديليا بحذر الى المقعد الخلفي حيث يجلس , فرأته جالسا في صمت ينظرأمامه , ولم يكن يلتفت الى زانيتا التي كانت تنظر من النافذة , وعندما ألتقت نظراتهما شعرت بالقلق , فقد كانت عيناه مليئتين بالغضب.
ونظرت ديليا أمامها من جديد ,ولكنها لم تحاول أن تقترب من كارلو لتتحدث اليه , كانت تعرف أن أدموند يراقبها , ولكن كارلو أنحنى نحوها وهو يسألها:
" هه , كيف حاله؟".
" يبدو في حالة طيبة".
" أنني سعيد بذلك ,كنت أخشى أن يؤثر الحادث عليه , والآن أنظري الى أسفل , هل ترين هذا الدخان؟ هذه هي القرية التي نقصدها".
وهبطت الطائرة , ورأت ديليا مكانا منبسطا وسط الأشجار الكثيفة , وبدأ كارلو يدور بالطائرة فوق أسطح الأكواخ التي أمتلأت بالقش , وخرج الأهالي منها وهم يصيحون ويلوحون بأيديهم للطائرة.
![](https://img.wattpad.com/cover/249427030-288-k547138.jpg)
أنت تقرأ
رمال في الأصابع
Romanceرمال في الأصابع فلورا كيد الملخص يعيش الأنسان حياته يتساءل أهو مسير أم مخير ؟ كالسفينة تتلاعب بأشرعتها رياح الأقدار , ديليا الجميلة ضرب لها القدر موعدا مع الحب , أعتقدت أن سعادتها ستدوم , ولم تكن تعلم أن عذابها سيكون طويلا ومريرا , وسيتركها حبيبها ا...