3- دعي كل شيء للقدر

383 7 0
                                    


أستغرقت ديليا في النوم أخيرا , وعندما فتحت عينيا من جديد , نظرت حولها بدهشة وهي لا تكاد تذكر أين هي , وفجأة تنبهت الى صوت الباب يفتح برفق, فتذكرت أنها لم توصده من الداخل , ورأت وجه ريتا يطل من فتحته وهي تهمس قائلة:
" هل أخذت قسطا من الراحة؟ أن الوقت قد حان لذهابنا".
فقفزت ديليا من الفراش وهي تسأل ريتا:
" هل يمكنني الذهاب بهذه الملابس؟".
" بالطبع, يمكنك أرتداء أي شيء مريح , نحن هنا في الأدغال ولسنا في نيويورك أو لندن , ولا تنسي أن تحضري معك دفترك وآلة التصوير , كما لا تنسي أحضار بعض الهدايا لرجال القبيلة التي سنقوم بزيارتها , لأنهم يحبون الحلوى والسكائر والصابون أيضا".
وسألت ديليا ريتا وهما تتجهان الى الجيب:
" كم مضى عليك في بوستو أورلاندو؟".
" حوالي ستة أشهر , مانويل يفضّل العمل هنا في الأدال مع عمه , ولكنني أشعر بالتمزق , وأنا حائرة بين رغبتي في البقاء في جواره هنا , وبين لهفتي للبقاء بجانب أطفالي".
" أطفالك؟ كم طفلا لديك؟".
فتنهدت ريتا وهي تقول:
"ثلاثة , كلهم أولاد ثمانية أعوام وستة وأربعة".
" ومن يعتني بهم الآن؟".
" أمي وأخواتي , أنا مطمئنة لعنايتهن الفائقة بهم , ولكنني أفتقدهم بشدة".
" ألا يمكنهم المجيء أثناء العطلة؟".
" مانويل يريد ذلك , ولكن لا يمكنني المجازفة بأحضارهم لأن الملاريا منتشرة هنا ولم يسلم منها أحد , لويز يصاب بها كل شهر مما أثّر على صحته , ومانويل أصيب بها أكثر من مرة , كما أصبت بها أنا أيضا , أما بالنسبة للأطفال , فأن الأصابة قد تكون مميتة".
" ولكن من الممكن الوقائة منها الآن , لقد أحضرت بعض الحبوب التي تقيني من الأصابة".
" هذا حقيقي ,ولكن يجب المواظبة على تناول هذه الحبوب , وهذا يحتاج الى مال كثير , وهو السبب الذي أتى بزوجك الى هنا, فهو يقوم بأعداد تقرير عن الأموال اللازمة للأمدادت الطبية , وسيقدم هذا التقرير الى المسؤولين لدى عودته الى لندن , قدمت تقارير بشأن هذه المسألة من قبل , ولكن أحدا لم يتحرك".
فقالت ديليا مؤكدة:
" أنا على ثقة بأن أدموند سيدفعهم للقيام بأي عمل".
وكان مانويل يتولى قيادة السيارة , فجلست ريتا بجانبه , وجلست ديليا مع أدموند في المقعد الخلفي , كما جلس معهما شاب هندي يدعى جيكارو يحمل معه بندقية , ويرتدي قبعة عريضة من القش يتدلى من تحتها شعره الأسود الطويل.
كان أدموند يضع قبعة مماثلة , وقد بدا أنيقا ساعده على ذلك قوامه النحيل المتناسق وملامحه الدقيقة .
وتمنّت ديليا وهي تنظر اليه أن تمد يدها لتلمسه , لم تعد تقوى على كتمان حبها له أكثر من ذلك , ولكنها تماسكت , وسألته والسيارة تشق طريقها وسط الأدغال...
لماذا يحمل الرجل الهندي بندقية؟".
" من أهم الأشياء التي يعرفها من يعيش في الغابة , هو ألا يذهب الى أي مكان من غير بندقية أو سلاح, لأنه من السهل أن يضل الأنسان طريقه بين الأدغال , وعندئذ يصطاد أي حيوان للحصول على غذائه".
" وهل كانت معك بندقية عندما ضللت طريقك في الأدغالظ".
" نعم, أخذت البندقية التي كانت موجودة في الطائرة".
ثم نظر أدموند الى القبعة التي كانت ديليا تمسك بها وقال:
" يجب أن تضعي القبعة لحماية رأسك من الحشرات التي قد تسقط من فوق الشجرة".
وأسرعت ديليا بوضع القبعة فوق رأسها , وفجأة سقطت على ركبتها حشرة كبيرة عليها شعر غزير , فصرخت فزعة وهي تحاول أبعادها بيدها , ولكن أدموند نهرها قائلا:
" لا تلمسيها بيدك , أن شعرها سام".
ثم أخرج سكينه , وأزاح بها الحشرة بعيدا , وهو يقول:
" قلت لك مرار بأنك لا تصلحين للعيش في الأدغال".
ثم أضاف يؤنبها:
" أكان من الضروري صراخك هذا؟".
وضحكت ريتا ومانويل , وشعرت ديليا بالخجل , فقالت بأرتباك:
" أنني , أنني لم أستطع أن أمنع نفسي , فأنا لا أطيق رؤية الحشرات أو الثعابين".
فرد أدموند:
" أنا أيضا لا أطيق رؤيتها , ولكنني لا أصرخ أو أبالغ في أظهار خوفي أذا صادفني بعض منها".
فقالت محتجة:
"هذه هي المرة الأولى التي أزور فيها الأدغال , ولم تتح لي الفرصة بعد لأرى ما أذا كنت أستطيع العيش فيها أم لا".
" لن تتاح لك الفرصة لذلك , لأنك ستعودين الى برازيليا غدا , وعندما أعود الى المركز سأطلب من لويز ذلك , لأن صحتك لا تساعدك على البقاء في مثل هذه الأجواء".
فأجابت ديليا بحدّة:
" ولكن هذا ليس صحيحا , فأنا قوية مثلك تماما , وكلنا نعرف أن النساء لهن قدرة على التحمل أكثر من الرجال".
فقال أدموند ببرود:
" بعض النساء لديهن مثل هذه القدرة , ولكن ليس من الضروري أن تكوني واحدة منهن, قد تصابين بالملاريا بالرغم من أية أحتياطات".
فقالت ديليا بصوت مختنق بالبكاء:
" وهل يهمك هذا؟".
" بالطبع يهمني , الأطباء لديهم ما يكفيهم من متاعب العناية بالمرضى الهنود".
" حسنا , يمكنك أن تفعل ما تريد , ولكنني لن أعود الى برازيليا ألا بعد أن أنتهي من العمل الذي حضرت من أجله".
ثم نظرت اليه في تحد وهي تضيف:
" أنك لن تستطيع التخلص مني بهذه السهولة , فأن لويز يؤيدني في موقفي".
ولم يرد أدموند بل رمقها بنظرة تهكمية قبل أن يشيح بوجهه بعيدا.
وبعد أن وصلت السيارة الى منحنى في الممر , دخلت الى منطقة متسعة رأت فيها ديليا ثلاثة أكواخ كبيرة أسقفها على هيئة القباب تحيط بكوخ آخر مستطيل الشكل.
وما أن أقتربت السيارة , حتى خرج عدد من الكلاب الهزيلة من الأكواخ ينبح بشدة , كما جرى عدد من الأطفال العراة يختبؤون ولكن ما أن توقفت السيارة حتى توقف نباح الكلاب وبدأ الأطفال يعودون وهم يحملقون بالسيارة وبالأشخاص الذين نزلوا منها.

رمال في الأصابعحيث تعيش القصص. اكتشف الآن