أستغرقت ديليا في النوم أخيرا , وعندما فتحت عينيا من جديد , نظرت حولها بدهشة وهي لا تكاد تذكر أين هي , وفجأة تنبهت الى صوت الباب يفتح برفق, فتذكرت أنها لم توصده من الداخل , ورأت وجه ريتا يطل من فتحته وهي تهمس قائلة:
" هل أخذت قسطا من الراحة؟ أن الوقت قد حان لذهابنا".
فقفزت ديليا من الفراش وهي تسأل ريتا:
" هل يمكنني الذهاب بهذه الملابس؟".
" بالطبع, يمكنك أرتداء أي شيء مريح , نحن هنا في الأدغال ولسنا في نيويورك أو لندن , ولا تنسي أن تحضري معك دفترك وآلة التصوير , كما لا تنسي أحضار بعض الهدايا لرجال القبيلة التي سنقوم بزيارتها , لأنهم يحبون الحلوى والسكائر والصابون أيضا".
وسألت ديليا ريتا وهما تتجهان الى الجيب:
" كم مضى عليك في بوستو أورلاندو؟".
" حوالي ستة أشهر , مانويل يفضّل العمل هنا في الأدال مع عمه , ولكنني أشعر بالتمزق , وأنا حائرة بين رغبتي في البقاء في جواره هنا , وبين لهفتي للبقاء بجانب أطفالي".
" أطفالك؟ كم طفلا لديك؟".
فتنهدت ريتا وهي تقول:
"ثلاثة , كلهم أولاد ثمانية أعوام وستة وأربعة".
" ومن يعتني بهم الآن؟".
" أمي وأخواتي , أنا مطمئنة لعنايتهن الفائقة بهم , ولكنني أفتقدهم بشدة".
" ألا يمكنهم المجيء أثناء العطلة؟".
" مانويل يريد ذلك , ولكن لا يمكنني المجازفة بأحضارهم لأن الملاريا منتشرة هنا ولم يسلم منها أحد , لويز يصاب بها كل شهر مما أثّر على صحته , ومانويل أصيب بها أكثر من مرة , كما أصبت بها أنا أيضا , أما بالنسبة للأطفال , فأن الأصابة قد تكون مميتة".
" ولكن من الممكن الوقائة منها الآن , لقد أحضرت بعض الحبوب التي تقيني من الأصابة".
" هذا حقيقي ,ولكن يجب المواظبة على تناول هذه الحبوب , وهذا يحتاج الى مال كثير , وهو السبب الذي أتى بزوجك الى هنا, فهو يقوم بأعداد تقرير عن الأموال اللازمة للأمدادت الطبية , وسيقدم هذا التقرير الى المسؤولين لدى عودته الى لندن , قدمت تقارير بشأن هذه المسألة من قبل , ولكن أحدا لم يتحرك".
فقالت ديليا مؤكدة:
" أنا على ثقة بأن أدموند سيدفعهم للقيام بأي عمل".
وكان مانويل يتولى قيادة السيارة , فجلست ريتا بجانبه , وجلست ديليا مع أدموند في المقعد الخلفي , كما جلس معهما شاب هندي يدعى جيكارو يحمل معه بندقية , ويرتدي قبعة عريضة من القش يتدلى من تحتها شعره الأسود الطويل.
كان أدموند يضع قبعة مماثلة , وقد بدا أنيقا ساعده على ذلك قوامه النحيل المتناسق وملامحه الدقيقة .
وتمنّت ديليا وهي تنظر اليه أن تمد يدها لتلمسه , لم تعد تقوى على كتمان حبها له أكثر من ذلك , ولكنها تماسكت , وسألته والسيارة تشق طريقها وسط الأدغال...
لماذا يحمل الرجل الهندي بندقية؟".
" من أهم الأشياء التي يعرفها من يعيش في الغابة , هو ألا يذهب الى أي مكان من غير بندقية أو سلاح, لأنه من السهل أن يضل الأنسان طريقه بين الأدغال , وعندئذ يصطاد أي حيوان للحصول على غذائه".
" وهل كانت معك بندقية عندما ضللت طريقك في الأدغالظ".
" نعم, أخذت البندقية التي كانت موجودة في الطائرة".
ثم نظر أدموند الى القبعة التي كانت ديليا تمسك بها وقال:
" يجب أن تضعي القبعة لحماية رأسك من الحشرات التي قد تسقط من فوق الشجرة".
وأسرعت ديليا بوضع القبعة فوق رأسها , وفجأة سقطت على ركبتها حشرة كبيرة عليها شعر غزير , فصرخت فزعة وهي تحاول أبعادها بيدها , ولكن أدموند نهرها قائلا:
" لا تلمسيها بيدك , أن شعرها سام".
ثم أخرج سكينه , وأزاح بها الحشرة بعيدا , وهو يقول:
" قلت لك مرار بأنك لا تصلحين للعيش في الأدغال".
ثم أضاف يؤنبها:
" أكان من الضروري صراخك هذا؟".
وضحكت ريتا ومانويل , وشعرت ديليا بالخجل , فقالت بأرتباك:
" أنني , أنني لم أستطع أن أمنع نفسي , فأنا لا أطيق رؤية الحشرات أو الثعابين".
فرد أدموند:
" أنا أيضا لا أطيق رؤيتها , ولكنني لا أصرخ أو أبالغ في أظهار خوفي أذا صادفني بعض منها".
فقالت محتجة:
"هذه هي المرة الأولى التي أزور فيها الأدغال , ولم تتح لي الفرصة بعد لأرى ما أذا كنت أستطيع العيش فيها أم لا".
" لن تتاح لك الفرصة لذلك , لأنك ستعودين الى برازيليا غدا , وعندما أعود الى المركز سأطلب من لويز ذلك , لأن صحتك لا تساعدك على البقاء في مثل هذه الأجواء".
فأجابت ديليا بحدّة:
" ولكن هذا ليس صحيحا , فأنا قوية مثلك تماما , وكلنا نعرف أن النساء لهن قدرة على التحمل أكثر من الرجال".
فقال أدموند ببرود:
" بعض النساء لديهن مثل هذه القدرة , ولكن ليس من الضروري أن تكوني واحدة منهن, قد تصابين بالملاريا بالرغم من أية أحتياطات".
فقالت ديليا بصوت مختنق بالبكاء:
" وهل يهمك هذا؟".
" بالطبع يهمني , الأطباء لديهم ما يكفيهم من متاعب العناية بالمرضى الهنود".
" حسنا , يمكنك أن تفعل ما تريد , ولكنني لن أعود الى برازيليا ألا بعد أن أنتهي من العمل الذي حضرت من أجله".
ثم نظرت اليه في تحد وهي تضيف:
" أنك لن تستطيع التخلص مني بهذه السهولة , فأن لويز يؤيدني في موقفي".
ولم يرد أدموند بل رمقها بنظرة تهكمية قبل أن يشيح بوجهه بعيدا.
وبعد أن وصلت السيارة الى منحنى في الممر , دخلت الى منطقة متسعة رأت فيها ديليا ثلاثة أكواخ كبيرة أسقفها على هيئة القباب تحيط بكوخ آخر مستطيل الشكل.
وما أن أقتربت السيارة , حتى خرج عدد من الكلاب الهزيلة من الأكواخ ينبح بشدة , كما جرى عدد من الأطفال العراة يختبؤون ولكن ما أن توقفت السيارة حتى توقف نباح الكلاب وبدأ الأطفال يعودون وهم يحملقون بالسيارة وبالأشخاص الذين نزلوا منها.
![](https://img.wattpad.com/cover/249427030-288-k547138.jpg)
أنت تقرأ
رمال في الأصابع
Romantizmرمال في الأصابع فلورا كيد الملخص يعيش الأنسان حياته يتساءل أهو مسير أم مخير ؟ كالسفينة تتلاعب بأشرعتها رياح الأقدار , ديليا الجميلة ضرب لها القدر موعدا مع الحب , أعتقدت أن سعادتها ستدوم , ولم تكن تعلم أن عذابها سيكون طويلا ومريرا , وسيتركها حبيبها ا...