«٦»

158 37 78
                                    

بينما كانت تُرفرِف الطيورُ مُغردةً بين غصونِ الأشجارِ، بين السُحبِ، أمامِ نوافذِ المنازلِ؛ كي تستقبلَ صباحَ يومٍ جديدٍ في حماسٍ، مُعطيةً للبشرِ شعاعًا مِن البريق الذي سيدفعهم إلى قضاءِ لحظاتِهم في دفئٍ كالذي تستمدُه هذه الطيور المُغردةُ مِن الشمسِ..

كان «ميكا» ذلكَ الوسيم ذو البشرةِ الحنطية، والملامح الهادئة، يُسرِع بخطواتِه دخولًا إلى مقرِ عملِه (مدرسةِ الأمم) في (برازيليا)؛ فهو يعمل كمُعلِمٍ للأحياءِ مُنذُ ثلاثةِ أعوامٍ..
ليس لديه حصصٌ في بدايةِ اليومِ.. كاد أن يبكي فرحًا! فهو يرغب حقًا بشُربِ فنجانِ قهوتِه، قبل أن يتعاملَ مع بشرٍ!

ذهب إلى غرفتِه أو مكتبه كما يُطلِق عليه، والذي يُشاركه به زميلان له في العملِ.
وقد وجد بالفعلِ «فرانسيسكو» زميله في المكتبِ بالفعلِ.

أخيرًا قد صنع قهوته وقبل أن يشربها..
وجدَ تلميذتُه «تاتيانا» تدخل مُمسِكةً بيد والدتِها «آنا» على ما اعتقد هو..
«تُرى ما السبب وراء استدعائك إياي يا سيد.. ميكا؟».
قالت «آنا» هذه العبارةِ وهي تتفحص كُلَ إنشٍ به بنظراتٍ.. مُحتقِرةٍ!

وقف عاقدًا ساعديه أمام صدرِه قائلًا بنبرةٍ حازمةٍ:
«تاتيانا تلميذةٌ مُهمِلةٌ؛ لا تُنجزُ المهامَ الدراسيةَ التي تُطلبُ مِنها، أو تذاكر للاختباراتِ المُستمرةِ، تتعامل مع زُملائِها بوقاحةٍ وتعالي، لكن السبب الرئيسي وراء استدعائك يا سيدة.. أنها تحدثت معي بطريقةِ غيرِ مُهذبةٍ و..».

قاطعته «آنا» في نبرةِ ساخرةِ بينما ابتسمت بجانبيةِ في تهكمٍ:
«وكيف تريدُ منها أن تحترِمُكَ بينما تُشبه الهيكلُ العظميُ بمظهرِكَ هذا؟!».

ضحكَ «فرانسيسكو» بصخبٍ ثُمَّ قالَ:
«معها حقٌ يا ميكا؛ حتى قلمي الرُصاص يبدو أكثرَ جاذبيةٍ مِنكَ».

دخل «لوديس» زميله الآخر في تلكَ اللحظةِ بهمجيةٍ قائًلًا:
«فلتخبريه يا سيدة! لقد نصحناه كثيرًا أن يذهب لممارسةِ الرياضة، لكنه يصرُّ على مظهر المومياءِ ذلكَ».

ثُمَّ قهقهت السيدة معهما غير عابئين بالذي آلمته هذه الغصةُ القاسيةُ المارة بحلقِه..
كان يُراقبهم بهدوءٍ وبداخله براكينٌ تتفجرُ؛ كي تنُم عَن مدى ذلكَ التوَّجُع الذي يعانيه!
ويتردد بذهنه..
العديد مِن الأسئلةِ التي لا يستطيع إيجاد أي إجابةٍ لأي واحدٍ منهم..

أنتَ مرآتك✓حيث تعيش القصص. اكتشف الآن