«٥»

157 45 66
                                    

قد توسطت الشمسُ كبدَ السماءِ، وزيّنت خيوطُ أشعتِها الذهبيةِ كُلِ رُكنٍ في الكونِ، وخاصةً أوراقِ الأشجارِ التي كانت تتألقُ خُضرتُها إثر انعكاسِ تلكَ الأشعةِ التي تنُم عَنْ أملٍ جديدٍ يُولد طالما هي تتواجد ها هُنا؛ كي تدل على فترةِ الظهيرةِ التي ينشغل الجميعُ بها في شتى أنحاء الحياةِ..

في ذلكَ الوقت كانت تحاولُ «إيرينا» إيجادَ مكانٍ لها في ذلكَ المُدرّجِ الشبه مُزدَحِم قبل دخولِ المُعيد؛ فهي في سنتها الأولى لكن ليسَ يومُها الأول، فقد التحقت بقسمِ (الفيزياء البيولوچية والطبية) بعدما قررت التسجيلَ في (معهد موسكو للفيزياء والتكنولوچيا) الذي يقبع في (روسيا) مسقط رأسها..

بينما ارتكزت الأنظارُ عليها، وصمتَ كُلُ مَنْ بالقاعةِ بعدما كان الضجيج والصياح يكاد يصُم الآذان..
هي مُدرِكةٌ حَقِ الإدراكِ مُبرر هذه النظراتِ فهي ليست أولَ مرةٍ، لكنها تحاولُ تكذيبَ ذاتها..
ضمَّت كُتبَها إلى صدرِها في توترٍ، حتى وجدت مِقعدًا شبهَ فارغٍ لا تجلس به سوى فتاةٌ وشابان رُبما.. لم تدقق النظرَ كثيرًا.

«أهذا مرض أو ما شابه؟ لِمَ تأتين إذًا؟ هل ترغبين في نقلِ العدوى؟».
سألتها تلكَ الفتاة التي تجلس بجانبها وهي تنظُر لها في نظرةِ ريبةٍ ممتزجة بخوفٍ..

يُمكنُكِ الجلوسُ في مكانٍ آخر إذا كان مظهري يُزعجُكِ.».
قالتها«إيرينا» بلا تفكيرٍ..

بينما سمعتها تُتَمتِم أثناءَ نهوضِها:
«لا شك أنه جُدري أو شئ مثله! سأحتاجُ للخضوعِ إلى تحليلاتٍ بسببكِ يا ساذجة!».

دقائق مرّت وعاد الضوضاءُ كما امتلأت القاعةُ بشكلٍ كاملٍ، وقد دخل ذلكَ المُعيد الذي يرونه لأولِ مرةٍ..
وضع حقيبتَه على المكتبِ الضخمِ المُتَمُوضِعِ أعلى تلكَ المنصةِ الذي يقفُ عليها؛ كي يرى كُلَ طالبٍ في القاعةِ..
طافَ بمقلتيه على جميع مَنْ أمامِه، حتى صوَّب أنظاره إليّها.. كما توقعت!

«ما بال وجهكِ؟ هل تعرضتِ لحرقٍ ولم تفكرِ في الخضوعِ لعمليةِ تجميلِ.. أولستِ فتاةً؟ تبدين بشعةً!».
قال المعيدُ تلكَ العبارةِ ويُسيّطر على وجهِه تعابير الازدراءِ والتقززِ..
صدرت قهقات خافتةٍ مِن عدةِ أشخاصٍ حولها..

وقفت؛ احترامًا له وحاولت تنظيمَ تنفُسِها ،تهدئة أعصابِها، وتمالك ذاتها..
«هذه ليست حروقًا، أو مرضًا جلديًا أو أي شئٍ مِن هذا.. هي مُجردُ بثورٍ.. وحبُ شبابٍ..»

قاطعها «إيغور» أحد زملائها في القسمِ بينما يهتفُ بسخريةٍ تنُم عَن مدى النقص الذي تمتلئ به روحه:
«أي بثورٍ!! وجهكِ كدميةٍ مُشوَّهةٍ لطفلةٍ خرقاءٍ!».

وأضافت «ناتاشا» التي تجلس أمامَ مقعدِها بصوتٍ عالٍ؛ كي يسمعَها الجميعُ:
«أنتِ كاذبةٌ.. وجهكِ لا يظهرُ إنشٌ منه؛ إثر كثرةِ تلكَ الندبات التي توحي بأنكِ مِن قُطّاعِ الطُرقِ.. وتحديدًا القذرون منهم!».

وضجَّت القاعة بضحكاتٍ صاخبةٍ من كُلِ فردٍ بها..
بينما سيطرَت عليها الرغبةُ في التلاشي!
قلبها وكأنَّ شخصًا يعتصره بين قبضتيه! تحجرت الدموعُ الحارقةُ في عينيها، بينما تحاول الضغط على يديها كي تُسيطرَ على تلكَ الرعشةِ التي سرت في جسدها..
كيانها بالكامل يرتجف!

أنتَ مرآتك✓حيث تعيش القصص. اكتشف الآن