«٧»

139 38 51
                                    

اختفت الشمسُ تدريجيًا وها قد حلَّ الظلامُ، انبلچ الليلُ، وتألقت السماءُ بترصُعِ النجومِ المُتناثرةِ المُتلألأةِ هُنا وهُناك.
نسماتُ الليلِ الباردة تتخللُ بين أوراقِ هذه الشُچيراتِ التي تُزينُ جوانبِ الشوارعِ في (عدن) بـ(اليمن)؛ لتكوِّنَ لوحةً مِن السكينةِ..

كانت تُمدد «ليلاني» ذراعيها في إرهاقٍ؛ كي يحتفل جسدها بأنها قد أنهت عملَها أخيرًا وستسنح لها الفرصة؛ كي تأخذَ قسطًا مِن الراحةِ..
أخذت تُلملم أغراضها من على مكتبِها في حقيبتِها بينما تُفكِر في معدتِها التي تتقلص جوعًا، هي تُرهِق أعضاءها للغايةِ..
خرجت مُتجهةً إلى سيارتِها من بابِ شركةِ (بن عوض) التي تعمل بها مُنذ عدةِ سنواتٍ بعدما عملت في الكثيرِ من الشركاتِ الأخرى منذ تخرجها من كلية التجارة، مما أدى إلى اتساع خبرتِها في مجالِ التسويقِ وإدارة الأعمالِ..
وتسلُمِها منصبِ رئيس مجلسِ إدارةِ تلكَ الشركةِ..

لكن قطع سيرَها صوتُ أحدهم يصيح بنبرةٍ ضاحكةٍ:
«لقد نسيتِ أن تُهندمي شعرَكِ يا آنسة، تبدين كالمقشةِ التي تستخدمها أمي.. أردتُ تذكيركِ فقط».

تنهدت بعُمقٍ، حاولت تمالُكَ أعصابِها، والتفتت في هدوءٍ قائلةً في ثباتٍ: «وأنتَ.. لقد نسيت أن تُهندمَ عقلَك ولسانَك يا سيد.. أردتُ تذكيرَك فقط».

ثُمَّ دلفت إلى سيارتِها دون إضافةِ كلمةٍ أخرى..
مرت خمس وأربعون دقيقة، حتى وصلت منزلَها التي تمكث به مع والدتِها ووالدها..

دخلت منزلَها؛ لتجد جارتهم التي تسكن في المنزلِ المُجاوِرِ لهم تجلسُ في غُرفةِ الاستقبالِ..
وسمعت صوتَ والدتِها تتحدث في الهاتفِ..
«مساءُ الخيرِ.. سيدة كورنيليا».

نظرت لها السيدة «كورنيليا» مُطولًا وكأنها تتفحصها..
ثُمَّ مَطت شفتيها في استياءٍ قائلةً بنبرةِ عاتبةٍ:
«ألم تذهبي بعد لصالونِ التجميل ليصلحوا لكِ تلكَ الكارثةِ فوق رأسكِ؟ يا ابنتي لقد وصلتِ لـ التاسعة والعشرون ولم تتزوجِ بعد.. كوني مثل الفتياتِ، ضعي مساحيق تجميل، طلاء أظافر، غيِّري لونَ شعركِ، واستمتعي بعُمركِ.. لا أعلمُ لِمَ لستِ مثل كادي ابنتي؟».

تنهدت «ليلاني» ثُمَّ جلست على إحدى الآرائكِ المواجهة للسيدة «كورنيليا» عاقدةً ساعديها أمام صدرِها:

«يا سيدتي.. بالنسبةِ لشعري؛ أنا أحبُه هكذا بلونِه الأسودِ الطبيعي وهو مُجعَّدٌ، أراهُ يليق بي كثيرًا وهذا هو أهمُ شيء.. أما بالنسبةِ لأمرِ الزواجِ، فأنا لن أتزوج إلا إذا وجدتُ مَن يُطمئِن قلبي قبل عيناي، ويُحبني بقلبِه قبل عينيه؛ فلَن أحتاج أن أُزيِّف شيئًا في ملامحي أو شعري أو جسدي حتى؛ فيُحبني كما أنا، مثلما سأعشقُه في كُلِ حالاتِه.. كوني عزباء سعيدة أفضلُ مِن أكون متزوجة تعيسة في حياة جحيمية.. أحترمُ ابنتَكِ كادي لأنها تزوجت مِن شخصٍ صالحٍ وأنجبت طفلًا منه، قد بنت حياةً سعيدةً.. كما أنني سعيدةٌ بنجاحي وفخورةٌ بنفسي.. كلانا قد فاز في النهاية، المهمُ أننا نحيا باطمئنان».

أنهت كلامها وقد رأت والدتها تنظر لها بفخرٍ واقفةً عند بابِ غرفةِ الاستقبالِ، وكأنها تقول:
«هذه هي ابنتي».

أنتَ مرآتك✓حيث تعيش القصص. اكتشف الآن