" المشهد 27.."
" أشعر بكِ.."
مضت دقائق ليست قليلة وهي على نفس الحالة.. لم يتغير شيء سوى صعود أشرقت إليها فطلبت منها أن تجلس هي وآسيا في حديقة المنزل لتنفذ طلبها.. ثم استندت بجبينها على ركبتيها وبعد دقائق قليلة أخرى.. وصل رحيم ودخل على وجه السرعة ينادي ندى.. فنهضت عن الأرض ووقفت لتراه يصعد الدرج بخطوات واسعة..
وقف أمامها فتشبثت في ذراعيه قائلة بلهفة :
-هو هيفتح لك انت
وقف أمام الباب يدق عليه بقبضة يده المضمومة قائلًا :
-ريان حبيبي افتح الباب.. أنا جتلك اهو ..
نظرت ندى إلى الباب بلهفة منتظرة خروجه ضمه يديها في بعضها البعض.. مضت لحظات ولم يأتي أي رد فقرع الباب ثانية وقال بنبرة توجس :
-ريان أفتح الباب
-أكسر الباب يا رحيم
قالت كلماتها بنبرة مرتعشة وبعدها استمعا إلى صوت فتح الباب.. ووقف ينظر إلى والده بحزن واضح فجلس على ركبتيه ليكون في مستوى واحتضنه كي يشعره بالأمان.. تنهدت الأخيرة بهدوء مستنده بظهرها إلى سور الدرج وكأن روحها عادت إليها عندما رأته بخير..
حمله عن الأرض ودلف إلى الداخل وجلس على حافة الفراش وأوقفه بين قدميه.. هم أن يبتعد عنه لكن تشبث الأخير في معطفه من الخلف.. دخلت ندى مغلقة الباب خلفها بهدوء فرفع سوداويته إليها وتساءل ببحة صوته الرجولية :
-أيه اللي حصل؟!
أجابت بصوت مبحوح :
-بعدين نتكلم
مسح على شعره برفق وطبع قبلة حانية على رأسه وتحدث بهدوء :
-خايف من ايه؟.. انا معاك ماتخافش
-مش عايز اكل البسلة يا بابا مش بحبها
عقد بين حاجبيه في تعجب متسائلاً :
-يا حبيبي مين قالك كُل البسلة؟!
ابتعد عنه قليلًا محتفظًا بالتشبث به وتحدث بحزن :
-عمتو رنا قالتلي لازم تاكل البسلة علشان مفيدة..
ثم تابع بنبرة بكاء :
-خليها تمشي
تقدمت ندى نحوهم وجلست إلى جوار رحيم وأخذت تمسح على شعر الصغير قائلة بهدوء :
-ريان عمتو عايزه مصلحتك.. البسلة فعلًا مفيدة يا حبيبي.. لكن لو مش بتحبها خلاص
نظر إلى ندى نظرة حزن طويلة ثم احتضن والده من جديد حيث يجد الراحة والأمان داخل أحضانه.. ربتت على كتفه بلطف وتساءلت بهدوء :
-ممكن تاكل بقى
-طبعًا هياكل وانا هاكل معاه
نظرت إليه مبتسمه ثم نهضت عن الفراش متجه إلى الباب وخرجت مغلقة إياه خلفها.. ابتعد عنه قليلًا يحتضن وجنتيه الصغيرتين براحتي يديه ناظرًا إليه مقطب جبينه وتساءل :
-أنت ليه كتبتلي رسالة على مراية الحمام؟!
-شوفتها امتى؟
رد عليه بسؤال فتنهد بعمق قائلًا :
-النهاردة الصبح
-كتبتها علشان تعرف إني بحبك
تأمل عيناه في تعجب ليرى أن ابنه يخبره بنظرات بأنه اشتاق إليه.. كما أنه يعاتبه على انشغاله عنه طوال اليوم في العمل وهذا ما جعله أن يترك له رسالة مثل هذه عله يتذكره.. طبع قبلة طويلة على جبينه وقال بتأكيد :
-عارف قد ايه أنت بتحبني من غير ما تكتب رسائل.. واوعدك في أقرب فرصة هاخد اجازة من الشغل واقعد معاك
اتسعت ابتسامته الصغيرة واحتضنه بعد أن قبله على لحيته فابتسم الأخير وأطبق ذراعيه على جسده الصغير يحتضنه بشق الأنفس.. ليجد نفسه بأنه يحتاج إلى ذلك العناق أكثر منه..
مساء اليوم..
فتحت باب الغرفة بهدوء شديد ونظرت في اتجاه الفراش لتراه مازال يمدد إلى جواره.. دخلت على أطراف أصابعها تنادي رحيم بالهمس فنظر إليها لتميل برأسها جانبًا تساءل بالإشارة إذا كان ريان نائم ام لا.. فأومأ على أنه نائم ثم طبع قبلة حانية على جانب رأسه وترك الفراش.. ثم مسك بيد ندى وخرجا من الغرفة..
همت أن تتحدث لكنه سبقها بحده :
-ادخلي أنتِ الغرفة.. انا هتكلم مع رنا
ترك يدها والتفت متوجهًا إلى الغرفة لكن سرعان ما وقفت ندى أمامه وقالت بهدوء :
-الموضوع مش مستاهل خالص تتكلم معاها..
نظر إليها عاقدًا حاجبيه بغضب واضح فأمسكت بيده وتابعت علها تقنعه :
-أو على الأقل اتكلم معاها بكرا بلاش دلوقت
أومأ بالإيجاب والتفت معها متجهان إلى الغرفة بعد أن أحاط كتفها بذراعه.. عند دخولهم أغلقت هي الباب بينما انتبه رحيم من خلاء فراش ابنته الصغيرة وتساءل :
-فين آسيا؟!
-أشرقت صممت تنام معاها النهاردة فنقلت سريرها هناك
جلس على حافة الفراش وقال مبتسمًا :
-الحمد لله على حبهم لأختهم
جلست أمامه وتحدثت كي تطمئن قلبه :
-متقلقش بإذن الله هيفضلوا يحبوا بعض.. عشان مفيش مقارنة..
ثم أردفت :
-المقارنة هي اللي بتكره الأخوات في بعض حتى لو من نفس الأم والأب
احتضن يدها براحتي يديه وقال بعد أن ابتسمت عيناه فخرًا بها :
-متأكد أن حبك ليهم واحد
ثم انحنى بجذعه وطبع عدة قبلات ناعمة على راحة يدها لتشعر بدفء شفتيه تخطف روحها.. فتنهدت بعمق ووجدت نفسها تنحني برأسها إليه كي تطبع قبلة رقيقة مثلها بين خصل شعره الكثيف مستنشقه عطرة الرجولي لتبتسم.. وكأنه مصدر سعادتها..
رفع رأسه إليها يتأمل عينيها التي بلون وجهه القهوة كما يلقبها دائمًا وهمس ببحة صوته العاشقة لها :
-أتركيني أضمك إلى قلبي برفق شديد كي أتذوق انفاسك رويدًا رويدًا
فلتت شهقة من بين شفتيها بفضل تأثرها بعذوبة كلماته.. لكنه لم ينتظر كثيرًا واختطف قبلة عميقة من شفتيها قابضًا على عنقها براحتي يديه.. تذوق رحيق شفتيها بهدوء شديد حتى خيل له أن قلبه صعد للأعلى كي يلتهمها بنفسه.. وابتعد عنها قليلاً بعد أن حصل على أنفاسها بالكامل كي ينبض قلبه بها ويلهث بتلك الأنفاس.. تأمل عيناها بسوداويته العاشقة لتلك القطرة الصغيرة من الندى.. لكنها خجلت من نظراته وأطرقت رأسها فأمرها بنبرة حب ثقيلة :
-أرفعي راسك وبصي لعيوني..
أومأت بالنفي عدة مرات فاستند بجبينه على مقدمة رأسها قائلاً :
-امتى هتبطلي تتكسفي مني؟!
- ده حب كبير أوي جوايا ليك بيخرج على هيئة كسوف
ثم اقتربت منه أكثر واحتضنته فبادلها بالعناق القوي وتنهد بعمق قائلاً :
-خلاص اتكسفي مني على طول
اتسعت ابتسامتها تومئ بالإيجاب بينما هو دفن وجهه بين ثنايا عنقها مستمتعًا بعطرها الأنثوي..
دقت الساعة الواحدة والنصف صباحًا..
خرجت رنا من الغرفة متجه إلى الدرج.. لكنها توقفت عن السير عندما استمعت إلى بكاء الطفلة يأتي من غرفة أشرقت.. فغيرت مسارها إلى الغرفة وفتحت الباب بهدوء لتراها نائمة وانتبهت إلى فراش الطفلة.. همت أن تدخل لكنها رات أشرقت ترفع جذعها عن الفراش تفرك عينيها.. ثم تركت الفراش لتقف إلى جوار الفراش الصغير تهدأ آسيا.. شعرت بالغضب الشديد وانتقلت ببصرها بين كلًا من أشرقت والطفلة..
ثم اتجهت نحو غرفة شقيقها بخطوات واسعة ووقفت تدق الباب بعنف وعندما طال انتظارها أدارت المقبض لكن الباب مغلق من الداخل.. استيقظ رحيم أولاً بفزع ونظر إلى ساعة الهاتف ثم استيقظت ندى تساءل بلهفة :
-فيه ايه؟!
ثم تناولت الروب كي ترتدي وأحكمت الحزام جيدًا.. بينما ترك رحيم الفراش متوجهًا إلى الباب بخطوات واسعة وفتح إياه بلهفة ليرى شقيقته فقال بعنف :
-فيه حد عاقل يخبط بالطريقة دي
-أنا يا رحيم.. ممكن اتكلم مع ندى
حدق بها في حده بالغة يمسح على شعره من الأمام للخلف بينما وقفت ندى خلفه وهمت أن تتحدث لكن رنا تحدثت بحده بالغة :
-ازاي تسيبي طفلة صغيرة مع أشرقت؟
-أنتِ جايه تخبطي علينا الساعة واحده ونص بالطريقة دي علشان تسألي السؤال ده
قال رحيم كلماته بنبرته الرجولية الحادة لتحملق به في دهشة.. في حين استمعت ندى إلى بكاء الصغيرة فتركتهم وخرجت لتتقابل مع أشرقت التي تحمل اختها.. فأخذتها منها ومسكت بيدها عائدة بها إلى غرفتها بعيدًا عن مشاجرة والدها مع عمتها..
-أنت موافق على المهزلة دي يا رحيم؟!
-قولت لك أشرقت اللي طلبت.. افهمي بقى
هكذا تحدث رحيم مندفعًا لكنها هتفت بتذمر شديد :
-ندى مش لازم توافق على طلب أشرقت.. مش اي حاجة كده توافق عليها.. ندى سلبيه مع ولادك يا رحيم ولو كانوا ولادها ماكنتش عملت كده
رفع سبابته في وجهها يتطلع إليها بسوداويته الحادة عاقدًا بين حاجبيه وقال بنبرة متوعدة :
-إياكِ تتكلمي بالمقارنة دي تاني يا رنا ولأول ولأخر مرة خليكِ في حالك
استمعت ندى إلى حديثهم وهي تقترب منهم حاملة طفلتها تربت على ظهرها برفق ووقفت قائلة :
-خلاص حصل خير.. آسيا كانت قلقت بس زي كل يوم
-لو سمحتِ يا ندى..
قطع شقيقها كلماتها بفحيح مرعب :
-لو سمحتِ أنتِ اقفلي الحوار ده
ثم قبض على معصم ندى وادخلها الغرفة وأشار إلى شقيقته أن تغادر.. جزت اسنانها بغيظ وتركته وغادرت فأغلق الباب وعاد إلى الفراش.. فقالت ندى بحنق وهي تضع الروب على الفراش :
-أنت ماتعرفش تتكلم بهدوء!
مسح على شعر طفلته التي تجلس إلى جواره وقال بحده :
-واللي عملته ده يرضي مين؟!.. انا صحيت مفزوع افتكرت فيه مصيبة
تنهدت بهدوء ومددت على الفراش قائلة :
-الحمد لله حصل خير
أخذ سيجارة من علبة السجائر وضعها بين شفتيه واشعلها ثم نفث دخانها بالهواء وترك الفراش متوجهًا إلى الشرفة فنظرت إليه بحزن واضح.. ثم ضمت طفلتها إليها بحنان وأخذت تمسح على شعرها حتى عادت إلى النوم بعد دقائق فقبلتها على رأسها برفق.. ثم نهضت عن الفراش واتجهت إلى الشرفة وهي ترتدي الروب..
ثم خرجت ووقفت تحتضنه من الخلف ممسكة بمعصمي يديها.. ألقى بالسيجارة على الأرض ليدعسها.. ثم مسك بيدها ورفعها إلى شفتيه ليطبع عدة قبلات ناعمة على اناملها ثم وضع كفها على صدره.. رفعت هي نفسها قليلًا لتقف على أطراف قدميها وطبعت قبلة على رأسه من الخلف وتساءلت بحزن :
-أروق بال حبيبي ازاي؟
لاحت ابتسامة جانبية على ثغرة متسائلًا بمكر :
-حبيبك؟!..
عضت على شفاها السفلية دون أن تتفوه بكلمة كما أنها ابتسمت ابتسامة خجولة.. جعلها تقف أمامه ليحيطها بوضع يديه على السور وأخذ يتغزل بملامحها بالتدقيق الممل قائلًا :
-أرفعي عيونك وقولي كلمة حبيبي وأنا مزاجي يروق
اتسعت ابتسامتها البسيطة وبعد لحظات رفعت مقلتيها الخجولة إلى سوداويته التي تتغزل في كل خلجة من خلجات وجهها وتحدثت بنبرة ناعمة أراحت سمعه كثيرًا :
-أنت حبيبي
ثم أطرقت عينيها سريعًا فوضع كفه على وجنتها ليشعر بملامسها الناعم كنبرة صوتها.. وهمس بنبرة عشق ثقيلة :
-مزاج حبيبك راق لمليون سنه قدام
احتضنت وجنتيه براحتي يديها بعد أن استند بجبينه على جبينها.. مسحت بإبهاميها على لحيته لتشعر بملامسها الناعم ووجدت نفسها تطبق شفتيها على أنفه برفق شديد وهمست بجدية :
-بحبك وبكرهه اللي يزعلك
طوق خصرها النحيف بذراعه الصلب واضعًا كف يده الأخرى على رأسها من الخلف يحتضنها بشدة مغمض العينين قائلاً بتأكيد :
-مفيش حد يقدر يزعلني وأنتِ معايا يا حب رحيم
مسحت على ظهره بحنان قائلة :
-دايمًا مع بعض يا روحي
صباح اليوم التالي..
تململت على الفراش وفتحت عينيها ببطء.. لكن سرعان ما رفعت جذعها عندما تذكرت موعد حافلة المدرسة ونظرت إلى ساعة الهاتف التي تدق السابعة والنصف صباحاً.. ثم التقطت الروب وتركت الفراش راكضة إلى الباب وهي ترتدي.. ثم خرجت متجه نحو غرفة أشرقت.. عند وصولها دخلت وفتحت الستائر قائلة :
-أشرقت أصحي يا كسوله..
استيقظت بوجه عابس لتضع الوسادة على رأسها بفضل ضوء الصباح الذي اخترق الغرفة.. أزاحت الوسادة عن رأسها ورفعت جذعها عن الفراش قائلة :
-حالًا تقومي احنا متأخرين
ثم قبلتها على وجنتها وخرجت متجه إلى غرفة ريان وفتحت الباب لترى ينظم الجدول اليومي.. فابتسمت قائلة :
-ريان حبيبي نشيط.. صباح الجمال
-صباح الفل
رد الصباح مبتسمًا فأرسلت له قبلة على الهواء ثم خرجت وهبطت إلى الطابق السفلي.. من ثم إلى المطبخ وبدأت في تحضير الفطار على وجه السرعة ونظمت لهما الصندوق الخاص بالطعام المدرسي.. جاء ريان وجلس أمام الطاولة فوضعت أمامه كوب لبن واتجهت صوب الباب قائلة :
-أفطر بسرعة يلا.. يا رب الباص يتأخر كمان شوية
صعدت إلى غرفة أشرقت لتراها عادت إلى الفراش ثانية.. فأمسكت بيديها لترفعها عن الفراش ثم حملتها ودلفت إلى المرحاض الملحق بالغرفة.. أنزلتها برفق أمام الحوض ووضعت المياه الباردة على وجهها والقليل على شعرها من الإمام فقالت :
-فوقفت يا ندى خلاص
-اغسلي سنانك لحد ما اجهز لبسك
خرجت لتحضر الزي المدرسي حتى انتهت الأخيرة وخرجت لتساعدها ندى في ارتداء الثياب وتمشيط شعرها التي رفعته في منتصف رأسها على هيئة كعكة ثم مسكت بيدها وخرجا.. من ثم هبطا إلى الطابق السفلي وعند دخولهم إلى المطبخ استمعا إلى صوت الحافلة.. فأعطت لها كوب اللبن قائلة :
-يلا بسرعة أشربي
وقفت رنا على بعد مسافة من بابا المطبخ تطلع إليهم عاقده ذراعيها أمام صدرها ووقفت تراقب ما يحدث.. وضعت كوب اللبن فارغ أعلى المنضدة وأخذت السندوتش في يدها فقالت ندى تأكيدًا على كل حرف وهي تساعدها في ارتداء الحقيبة :
-أشرقت كلي السندوتش في الباص اوكي
-اوكي هاكله
مسكت بأيديهم وخرجوا من المطبخ من ثم إلى الباب.. وفتحت إياه وودعت كلًا منهما بقبلة على وجنته ثم تركتهما يذهبان إلى الحافلة ووقفت تراقبهما حتى خرجا من البوابة واستقلا الحافلة.. ثم دخلت مغلقة الباب خلفها ونظرت إلى رنا قائلة :
-صباح الخير
التفتت متجه إلى حديقة المنزل دون أن تبادلها بالصباح.. تعجبت واحتارت من أمرها كما أنها بحثت عن شيء سيء فعلته بها كي تستحق تلك المعاملة منها لكن لم تجد.. حركت رأسها في كلا الاتجاهين تخرج تلك الأفكار من رأسها ثم اتجهت صوب الدرج وصعدت إلى الطابق العلوي..
دلفت إلى الغرفة لترى رحيم قد استيقظ وطبع قبلة هادئة على جبين طفلته.. تقدمت نحوه مبتسمه قائلة :
-يا صباح الحب مستر رحيم
نظر إليها ونهض عن الفراش يبادلها بذلك الصباح الرائع.. واختطف قبلة الصباح من شفتيها كي يكمل صباحه.. ثم ابتعد عنها قليلًا وهمس بنبرة ثقيلة :
-وحشتي قلبي
داعبت أنفه بأنفها بتحريك رأسها في كلا الاتجاهين وقالت بنعومة :
-أنت كمان وحشتني
أطبق شفتيه على جبينها بحنان ثم ابتعد عنها ولفت نظره الروب.. فعقد حاجبيه قليلًا متعجبًا لكونها للمرة الأولى أن تخرج من الغرفة بالروب..
-غريبة إنك كنتِ بره بالروب!
-أه اصل أنا صحيت متأخر ولو كنت غيرت كنت هتأخر على باص المدرسة
عصر جبينه بأنامله يقلب حديثها في رأسه ثم أشار إليها يتساءل في شك :
-يعني أنتِ وصلتيهم الباص بالروب؟
ابتلعت لعابها باضطراب قائلة :
-لاء طبعًا.. أنا بس وقفت قدام باب البيت
-بالروب؟!..
اندفع في وجهها بتلك الكلمة بعد أن اصطبغت عيناه بحمرة الغيرة القاتلة وتابع بعنف :
-مينفعش تطلعي بالمنظر ده حتى لو كان الباص هيفوتهم
-بقولك وقفت بس قدام باب البيت ماتحركتش خطوة
قالت كلماتها بحنق ممزوج بالحزن فقبض على مرفقها وتحدث بعنف ممزوج بالغيرة :
-أي حد من الأمن كان ممكن يشوفك.. وأول واخر مرة تطلعي بالمنظر ده
ثم تركها ودلف إلى المرحاض الملحق بالغرفة مغلقًا الباب خلفه بعنف.. جلست على حافة الفراش تحملق في الفراغ حتى هبطت دموعها الساخنة على وجنتيها..
بعد وقت ليس بقليل استيقظت آسيا فأخذت ندى تشاغلها باللعب معها.. حتى خرج رحيم يمرر أنامله بين شعره المبلل فنظرت إليه بحزن حتى دلف إلى خزانة الثياب كي يبدل ثيابه.. تنهدت بصوت مسموع وحملت طفلتها ودلفت إلى المرحاض..
بعد مدة من الزمن..
دلفت رنا إلى المطبخ لترى المكان غير منظم بل كل ما ترى يشبه الفوضى.. شعرت بالاشمئزاز وخرجت متجه إلى الدرج لكنها توقفت عن السير عندما رأت ندى تهبط الدرج.. تطلعت إليها من أعلى لأسفل بكبرياء قائلة :
-ندى ازاي تسيبي المطبخ يقرف كده
وقفت أمامها على بعد خطوتين تحتضن طفلتها أكثر قائلة بهدوء :
-علشان الولاد كانوا متأخرين على الباص
هتفت بنبرة حادة ممزوجة بعدم القبول :
-وتتأخري على الولاد ليه اصلًا!
ثم انتبهت من رحيم الذي يهبط الدرج في حين ردت ندى بنفاذ صبر :
-نمت متأخر امبارح
قالت بهدوء وعيناها على رحيم :
-براحتك أنا بس بديكي نصيحة في الاول وفي الاخر ده بيتك وأنتِ حره فيه
رفعت حاجبيها في تعجب فابتسمت لها بود وعادت إلى المطبخ.. فاتبعتها بعينيها في دهشة حتى وقف رحيم إلى جوارها متسائلًا بحنق :
-مش عايزه حاجة؟
أدارت رأسها ناحيته لتعلم لِمَ هي تحدثت معها بذاك الهدوء.. ثم وقفت أمامه ترميه بنظرة عتاب متسائلة :
-مش هتفطر؟!
مسح على شعر طفلته بلطف يحرك راسه في كلا الاتجاهين ثم اتجه صوب الباب وخرج مغلقًا إياه خلفه.. تنهدت بألم بفضل ما تشعر به من حزن.. لكن سرعان ما أخفت ذلك الشعور كي تهدأ وطبعت قبلة على رأس طفلتها..
بعد أن أطعمت آسيا تركتها تلعب حولها وقامت بتنظيم المطبخ.. ثم بدأت بتحضير طعام اليوم وعقب انتهائها حملت طفلتها وصعدت إلى غرفتها كي تلعب بعض الألعاب الرياضية.. كل فنينه وأخرى تنظر إلى الهاتف في انتظار مكالمة من رحيم لكنه لم يتصل اليوم..
عقب انتهائها مسحت حبات العرق عن جبهتها بمنديل.. وعند تمام الساعة الثانية مساءً إلا دقيقتين حملت طفلتها عن الأرض وغادرت كي تنتظرهم عند باب المنزل كعادتها يوميًا.. انتظرت لدقائق ولم تأتي الحافلة بعد وهمت أن تدخل لكنها رأت سيارة رحيم.. فتعجبت لكونه عاد بغير معاده..
صف السيارة في مكانها ثم ضغط على زر الزجاج ليهبط إلى الأسفل وقال بعد أن رفع نظارته على شعره :
-يلا اركبي العربية
-هنروح فين؟!.. وبعدين أنا مستنيه ريان وأشرقت
أدار رأسه ناحيتها برازنه مقطب جبينه قائلًا :
-الولاد عند جدتك هيقعدوا هناك النهاردة.. يلا اركبي
-طيب هغير هدومي
أومأ بالموافقة فتركت آسيا معه ودلفت إلى الداخل.. أخذت تعبث بلحيته كعادتها فابتسم وكلما استمع كلمة " بابا.." بنبرتها الطفولية الصغيرة يشعر بالسعادة لتتسع ابتسامته.. جاءت ندى بعد نصف ساعة تقريبًا وجلست على المقعد المجاور له وأخذت آسيا عنه..
نظر إليها نظرة طويلة ثم تحرك بالسيارة وغادر إلى وجهته.. انتظر كلًا منهما أن يتحدث الآخر لكن الصمت أقوى منهما.. اكتفت هي بالنظر إلى الخارج بواسطة النافذة بينما هو منتبه إلى الطريق.. لكن عقله معها كما أن قلبه يأنبه على قسوته معها في الصباح.. لكنه لم يستطيع التحكم في غيرته القوية عليها..
عند وصوله صف السيارة جانبًا.. همت أن تفتح الباب لكنه حمل آسيا عن قدميها قائلًا :
-خليكي أنا هطلع آسيا واجي
ثم ترجل دون أن ينتظر حديثها فاندهشت كثيرًا.. بينما هو دلف إلى الداخل وصعد إلى الطابق المنشود بواسطة المصعد الكهربائي.. ووقف أمام الشقة يدق جرس الباب لتفتح الجدة وجاءت تأخذ آسيا التي اشتاقت إليها.. لكن الطفلة تشبثت في معطف والدها لا تود أن تتركه.. أخذ ينادي أشرقت التي جاءت راكضة فجلس على ركبتيه قائلًا :
-آسيا شوفي أشرقت هنا أهي
نظرت إلى اختها نظرة طفولية طويلة لكنها عادت باحتضان والدها المتعلقة به.. فقالت :
-ادخل اقعد شوية لحد ما تنشغل مع أخواتها بعدين امشي
-ماينفعش ندى لوحدها تحت
أخذت أشرقت تخطف انظارها بالغناء وتحريك رأسها في كلا الاتجاهين.. ثم احتضنتها حامله إياها عن الأرض ودلفت بها إلى الداخل وأشغلت بالها بالكثير من الألعاب.. ألقى نظرة سريعة عليهما وعلى ريان الذي يشاهد التلفاز في صمت ثم ودع جدته وغادر..
خرج من العمارة واستقل السيارة وغادر إلى وجهته فتساءلت دون أن تنظر إليه :
-رايحين فين
-هنتغدي بره.. عند الملكة مانع؟
نظرت إلى الخارج بواسطة النافذة دون أن تتفوه بكلمة.. رمقها بسوداويته بنظرة سريعة وانتبه إلى القيادة حتى وصل إلى أحد المطاعم المعروفة.. صف السيارة جانبًا ثم ترجل متجهًا إلى الباب الثاني كي يفتحه لها.. لكنها ترجلت قبل أن يصل إليها فأغلق السيارة ومسك بكفها ودلفا إلى الداخل..
اتجه نحو طاولة جانبية وسحب لها المقعد لتجلس عليه ثم جلس على المقعد المجاور لها.. جاء النادل فطلب لها الطعام الذي تفضله فسجلة وغادر.. استند بمعصمي يديه إلى الطاولة يتطلع إليها بنظرة عشق خاصة بها حتى لمعت عيناه من كثرة عشقه لتفاصيل ملامحها الصغيرة..
مسك بيدها فنظرت إليه بجانب عينيها بينما هو قال بجدية :
-المفروض متزعليش مني عشان بغير عليكِ
-مش زعلانه..
لاحت ابتسامة جانبية على ثغرة ورفع يدها إلى شفتيه ليطبع على راحتها قبلة ناعمة للغاية خطفت أنفاسها.. لكن سرعان ما سحبت يدها من يده تطلع حولها بخجل واضح قائلة :
-أحنا في مكان عام على فكرة
-ولا يهمني.. أنا بحبك وحبك يشرفني في اي مكان..
قال كلماته بنبرة حب جادة أخذًا جوله بعينيه بين تفاصيل ملامح وجهها.. فنظرت إليه نظرة عتاب واضحة في حين عاد هو بإمساك يدها وضعها بين راحتي يديه وقال ببحة صوته الرجولية :
-متأكد من زعلك لأني بحس بيكِ..
تنهد بعمق وتابع بحنق واضح من أجلها :
-وعارف أن رنا بتضايقك وأنتِ ساكته
-مين قالك؟!
-من غير ما حد يقولي أنا بحس بيكِ.. ومتأكد إنك مستحملة كل ده علشاني
أطرقت رأسها تومئ بتأكيد وتحدثت بصوت منخفض :
-ده اللي يهمني وبس.. إنك تعرف إني متحملة علشانك وتقدر ده
-أنا مقدر.. ومقدر كل حاجة بتعمليها..
ثم تابع بمشاكسة :
-لكن ده مالوش علاقة بغيرتي عليكِ
وجدت نفسها تبتسم رافعه مقلتيها إليه فابتسمت عيناه لتجعله جذابًا أكثر وقال بنبرة ثقيلة مثبتًا سوداويته إلى شفتيها :
-وحشتني ابتسامتك يا حب رحيم
ثم رفع يدها إلى شفتيه طبع عدة قبلات حانية عليها وقال بنبرة هادئة ثابته :
-با حبك.. بـ حبك
عضت على شفاها السفلية بعد أن أطرقت رأسها بخجل واضح هامسة :
-بحبك وبحب احساسك بيا
-ولإنك حب رحيم سوف أشعر بكِ دائما..
اتسعت ابتسامة قلبها قبل شفتيها تتنهد بحب واضح كأنه لم يتسبب في حزنها يومًا ما.. كما أن كلماته العذبة لها تجبرها أن تنسى كل شيء يؤلمها.. قال بمشاكسة :
-أيه رايك نسيب الولاد عند جدتهم ونقضي بقيت اليوم لوحدنا
-طيب نستني على الاقتراح ده شوية.. على الأقل لما آسيا تكبر
غمز بمداعبه قائلًا :
-المهم إنك موافقة على الاقتراح ده
سحبت يدها من بين يديه كي تضربه بخفه على كتفه قائلة بخجل :
-رحيم بعدين نتكلم في الاقتراح ده
جاء النادل وضع أمامهم أطباق الطعام وغادر.. فبدأ يطعمها بيده ومن حين لآخر يطبع قبلة حانية على ظهر يدها.. ثم تأملها بسوداويته التي تلمع من السعادة فور رؤيتها كأنها ترى أجمل شيء على الأطلاق.. نظرت إليه لتتقابل بندقيتها مع سوداويته ليخبر نفسه بأنه عشق ذلك اللون البني بفضل عينيها.. ابتسمت فتفرع قلبه بالورود الزهية كأن ابتسامتها ماء يروي قلبه لكنه ليس كأي ماء بل قطرة ندى
***يتبع
رايكم في الكومنتات 💙..
تفاعل قوي علشان مش عايزه اغز حد 😹🔪🔪🔪👻👻..
دومتم بخير ❤️❤️🎀..