الـفـصـــل الـــرابــع : ضـبــــاب الـوهـــم

87 1 0
                                    


كانت همسات الرياح هادئة .. و نسائم الخريف بين يقظة و غفلة .. و كأنها تعاند نعاس خفيف يغزوها و يتسلل من بين ثنايا أوراق الأشجار .. نجمات قليلة تبرق فى سواد الليل ..
لم يكن القمر حاضراً .. و لكن رونق ليالى الخريف كان كفيلاً بإضفاء لمساته الساحرة على ليلة لم أعش الكثير مثلها .. كنت أسير و أسير .. كنت فى الحديقة .. و يبدو أن الوقت قد تجاوز منتصف الليل .. ظللت أنتظر .. و أنتظر .. من كنت أنتظر ؟!!
لا أدرى ..!

إلى متى سأظل منتظرة ؟!!
لا أدرى ..!

و لم أدرى .. إلا عندما هبت ريح قوية ، و كأن النسائم قد أنست حركتى ، فهبت ياقظة معنفة من أيقظها .. أحاطنى شعرى المتطاير ، و شعرت بقشعريرة هادئة تسرى بجسدى .. و تمازجت برودتى بدفئى .. فرسما بسمة لم أتوقع ارتسامها فى لحظة كتلك .. لكنها ارتسمت رغماً عنى .. لإستشعارى يد أحدهم تحيط كتفى ، و دفء يتسلل لأعماقى..

ازداد خفقان قلبى بين ضلوعى و أنا أستدير لأتبين صاحب تلك الملامح .. و أمنى نفسى بإحتضان تلك العيون و إشباع ناظرى منها ،، و لكن ، صابتنى خيبة الأمل و انا أتوهم خيال .. ولا أرى ملامح ولا أتبين من يكون !!

و كأن خيبة أملى قد أيقظتنى من تلك الرؤى و تلك اللحظات .. اعتدلت فى فراشى و أنا أكاد أشعر خفقات هذا الشئ الذى يحفر لنفسه مكاناً بين ضلوعى ، و يسيطر على كل الأجواء و يقطع علي أحلامى .. بل لنقل ، إنه يدّفق الذكريات إلى نومى ، فيرسم من تلك الذكريات الضائعة مشهد ساحر لا يكاد يحنو على قلبى بلمسة عابرة ..

أخذت ألتقط بعض ذرات الأوكسجين متلهفة لمعاودة النوم مرة أخرى .. علنى أرى من يكون ، أو علّنى أظفر منه بنظرة تريح خفقات قلبى الهائجة ..
أخذ صدرى يهبط شيئاً فشيئاً و كأنه يستعيد أمانه و طمأنينته .. و بدأت السكينة تتخلل خلايا جسدى ، ممتزجة مع بعض النعاس الذى لا يزال يفرض نفسه على جفونى النصف نائمة .. و بدأ وعيي بما حولى يقل تدريجياً حتى أظلمت عيونى بظلام الليل الداكن الغامض..

~ * ~

كانت لحظات نوم هادئة لكن ليست خالية من أحلام الذكرى و أوهامها .. و لكن رضيت بتلك اللحظات التى لا تأتى كثيراً ..
رنين حاد أزعج نومتى ، تقلبت على فراشى راجياً أن يتوقف الرنين ، تقلبت يمنة و يسرة قبل أن أفقد صبرى .. تناولت هاتفى الموضوع بجانب سريرى ، و أشعة الشمس اللاسعة تخترق عيونى الناعسة و أجبت : " مرحباً ؟ "
جاءنى صوت كواتر : " هيروو .. أين أنت الآن ..؟؟!! "
أجبت بتثاقل : " أنا فى المنزل .. لم أستيقظ بعد من فراشى "
أعقب كواتر بسرعة : " آسف لإيقاظك و لكن هناك أمر طارئ "

الآن .. و الآن فقط تبينت صوته اللاهث الذى يبدو الفزع فيه ، أجبت و القلق قد بدأ يغزونى : " ما الأمر كواتر ، و ما بال صوتك ..؟؟ "
- " إنها ريلينا يا هيرو .. "

القدر الحائرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن